الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة لا تجد من يُكملها ...

محمد السعيد أبوسالم
(Mohamed Elsaied Abosalem)

2012 / 5 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قد فكرت فى البقاء بعيداً عن الكتابة, وعن التحليلات السياسية ونشر وجهات نظري, لكن هناك أمر استفزني كثيراً في الأيام الماضية, جعلني أخرج عن صمتي, ما تعانيه الثورة المصرية هو نتاج ما يعاني منه اليسار من تشتت وتخلخل تنظيمي وذاتية نخبوية تسيطر وتضع اليسار في قيود "الطفولة اليسارية" فدون أن نشعر نجد الخطوات التي نقطعها إلى الأمام, هي حركات للخلف, تؤثر سلباً على اليسار ومنه على الثورة ..
إن التغير النوعي الذي علينا أن نعمل على تسارع عجلته من خلال ربط الاحتجاجات الاجتماعية بالمطالب السياسية وهذا هو صيرورة تواجد اليسار من عدمه في المجتمعات, فالواقع الذي يجب على اليساري أن يحلله مادياً, مستعيناً بالأيديولوجيا التي من المفترض هو مؤمن بها, يتركه اليساري ويرمى به عرض الحائط, ويردد شعارات الرجعية الدينية أو البرجوازية, فنكون مجرد صدى للساحة, لا نحطم عفوية الشارع ولا نكسر أوهامه, بل نجد اليسار يقوم بدور الداعم لهذه الأوهام, وأحد المشاركين فيها تحت مسميات تجارية كــ "الثورة مستمرة" فنجد أنفسنا ندور في فلك الصراع الفكري الوهمي _لعدم توافر شروطه الموضوعية - فالصراع هو صراع سلطة, الكل تنازل عن أفكاره وارتدى رغباته ومصالحه, فينسى السواد الأعظم إيمانه وأفكاره, ويتحول إلى "إصلاحي" بكل ما تحمله الكلمة من معنى, متعالياً على الظرف الثوري الذي يمر به المجتمع, أخذنا المجلس العسكري الذي يشكل الدرع والسيف بالنسبة للطبقة البرجوازية, لميادين متفرعة كثيرة, ليبعدنا عن ميداننا الحقيقي, فأصبحنا كيسار نحدد الزخم الثوري من خلال الأعداد المتدفقة في التحرير وغيره من الميادين, برغم أن الزخم الثوري هو فى المصانع التى تعبر فعلاً عن كينونة الصراع الطبقي وعن تحوله إلى ثوره اشتراكية, ينسى اليسار دوره في إزالة الترسبات التي تعبئها الأيديولوجيا البرجوازية من خلال أدواتها على مر العقود الطويلة الماضية, فتغلغلت في داخل الطبقة الكادحة, فأصبحت برجوازيه بالتبعية والسيطرة, فيقيد اليسار عقله ويمنعه عن الانصهار والانخراط بين رفاقنا في المصانع والى جوار المهمشين فى المناطق العشوائية والفقيرة, إلى معارك وهميه الغرض منها إفراغ الثورة من محتواها فى ميادين وهميه ..

لو عدنا إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى يوم 19 مارس 2011 وما حدث من الانشقاق الأول بين التيارات المختلفة, بين "نعم ولا" وكان حظ من نادوا بـ"لا" التكفير والجهل كإتهامات من ظهور الصورة الأولى من الطبقة البرجوازية ككتله واحده تدفع نحو شئ ما, كانت تتكون من شيوخ السلفية والأخوان المسلمين والفلول والمجلس العسكري, هنا اتضح للجميع أننا لم نسقط إلا قناع النظام, أما الطبقة فانقسمت بين المخلوع والميدان, البعض كـ "السلفين والأخوان" كان من مصلحتهم إسقاطه, والبعض كــ"المجلس العسكري والفلول" كان من مصلحتهم تأييده, وحين خافت الطبقة على مصالحها وأدركت أن سقوط القناع سيكون أسهل من ارتفاع وعي الشارع فيسقط الجميع دون استثناء, فكان كبش الفداء للطبقة هو مبارك ورموز حكومته, ولكن لم تتغير السياسات الاقتصادية والسياسية, هنا اتحد العدوان الذين انقسموا سابقاً على تقسيم السلطة, فكان على المجلس العسكري أن يجد قناع جديد للنظام, وكان الإسلاميين الأكثر رغبه فى السلطة, وللتطابق الأيديولوجي بين الطرفين اتحدا معاً لاستكمال مسيرة إجهاض الثورة ..

ثم تتابعت الأحداث والوقفات التي مرت عليها الثورة, فأصبح جلياً للجميع أن الإسلاميين والعسكر يتفقان على إجهاض الثورة, واستعادة الاتزان للنظام, وحماية الطبقة من السقوط على صخرة الثورة الاجتماعية, فكانت الخطوة الأولى هو عملية إفقاد الشارع الثقة في الثوار والسياسيين, حتى يعود الشارع في أحضان الفلول والسلفيين والإخوان, ونجح هذا مع بعض تعديلات قانون الانتخابات وجعله يصب في مصلحه الإسلاميين, فالمجلس العسكري لا يريد أن ينتبه الشارع لأفعاله, يريد دائم أن يرمى للشارع بكبش فداء ليفرغ الشارع غضبه فيه, وكان الإسلاميين هم الأغبياء الذين انساقوا خلف كذبة العسكري, فالبرلمان الذي قامت انتخاباته وحمرة الدماء كانت تغطى الشوارع فى محمد محمود ومجلس الوزراء, تظهر لنا تصميم الطبقة على قتل الثورة وإقامة المؤسسات بمحتواها القديم وشكلها الجديد سريعاً, وفعلاً حدث هذا ووصل الإسلاميين للبرلمان, وبدأ البرلمان بالعمل وبدأ معه الشارع فى الغضب, وأبتعد العسكري عن المسرح ليضحك على الصراعات, وامتد هذا لمدة 100 يوم تقريباً وكانت الثورة فيها مرت بمحطات عديدة كأحداث بورسعيد ومحمد محمود 2, ومر الشارع ايضاً بأزمات مفتعله كنقص البنزين والجاز والغاز وارتفاع الأسعار, فأصبح البرلمان هو صورة تكاد تطابق إن لم تتعدى البرلمانات السابقة عن الثورة -التي لم تنتهي بعد-, فخرج علينا الكتاني ليقو أن الجنزورى-رئيس الوزراء- هدده بحل البرلمان, ثم علق جلسات المجلس ليخرج بعدها بساعات ليقول أن العسكري وعده بتعديلات وزارية في خلال 48 ساعة, ليخرج تكذيباً من الفنجري فى مؤتمر الاحتفال بعيد العمال, فهنا يظهر لنا جلياً اختلاف ضمني على تقسيم السلطات بين العسكر والإسلاميين قد ظهر بعد ترشيح الأخوان للشارطر ورفضه ورفضة من اللجنة , ثم استبداله بمرسي. وأختلف تأيدهم للحكومة حين تم تكليفها إلى رفضها ولم يتبق لها سوى أسابيع قليله, وكانوا من قبل متجاهلين نداء الميادين بحل الحكومة ورحيلها .
فأخذ الإسلاميين يختلقوا الأعذار للشارع بأن أيديهم مغلول بسبب الحكومة, وان دور مجلس الشعب تشريعي - فقط الآن اعترفوا بكونه تشريعي وإثناء الحملات الإنتخابيه كان دوره تنفيذي- وربما بسبب خوفهم من إرتفاع حده غضب الشارع منهم, يريدوا ان يشكلوا حكومة حاليه, لأن عزوف الشارع عن انتخابات مجلس الشورى ليست بسبب عدم أهمية الشورى, بل لأن الشارع فقد ثقته فيهم, ولو عدنا إلى حساب عدد الناخبين وقسمناهم على حسب الأصوات, لاكتشفنا القوه الحقيقية لهم في الشارع.

أحداث الغاز بين مصر وإسرائيل التي كانت طوق نجاه للعسكري, حتى يكسب شعبيه وتأيد الشارع, من خلال حديثه عن تأمين الحدود وأن إسرائيل تحرك قواتها على الحدود, برغم ان هناك تعتيم إعلامي كامل عن حقيقة الإلغاء المؤقت لتصدير الغاز, وهو ليس سبب وطني كرد فعل عن مقتل جنودنا على الحدود برصاص الصهاينة أو كرد عن المجازر المرتكبة يومياً فى حق رفاقنا فى غزه, بل بسبب تجاري وسيتم التغاضي عنه وإعادة تصدير الغاز ..
فالمجلس العسكري يزيد من حجم مخاوف الشارع التي يكون هو نفسه من خلال إعلامه وأدواته المسبب فيها, كتقسيم مصر وأكذوبة التمويلات الأجنبية وغيرها.
وأحداث حرق مصر من أسيوط للسويس لطنطا وغيرها من المناطق التى تعرضت للحرق, التى يقوم المجلس العسكري بإشعالها هى جزء من ديماجوجية فكره التى عهدناها عليه من يوم 11 فبراير 2011 ...

ما الذى يحدث الأن عند وزارة الدفاع ..؟
أنا لستُ ضد التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي والإعتصام, حتى وإن أختلفت مع من يقوموا بهذا, لكن هناك بعض التحركات علينا أن ندرسها جيداص, فالشباب المؤيد لبعض الشخصيات التى تستهلك الدين وشعارات الجهاد من أجل الدين فى شخص معين, فنصره هو نصرللشريعه والإسلام ..
حين تم إعلان 10 أسماء تم إخراجها من سباق الرئاسة, قام حازم أبو إسماعيل بمناشدة أتباعه بالاعتصام والتظاهر من أجل إعادته فهو لا يكذب, وأنا لا أحكم على صدقه أو كذبه, ولكن أنا أحمكم على شئ أخر إلا وهو ما حدث بعد موافقة المجلس العسكري على قانون العزل وإخراج شفيق ومن ثم إعادته مره أخرى بعد الطعن, فهناك من أدعى أن شفيق هدد المجلس العسكري, وهناك من قال أنهم يريدوا شفيق أن يكون الرئيس, ولكن تعالوا نحلل الواقع بصوره جديه, فعند إعادة شفيق تحرك المعتصمون فى التحرير بشكل سريع وغير منظم ومسبوق بدعوى على الفيسبوك أو أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي, بل تحركوا الى وزارة الدفاع, ثم اعتصموا هناك قبل الوصول لها, وأخذت الأخبار تتضارب عن من هو المشارك في الاعتصام, لنجد رايات بعض الحركات مرفوعة فى الاعتصام, والكل في الاعتصام يتحدثوا عن إقامة شرع الله, وعن مصداقية أبو إسماعيل, وحتى إن مطالب الاعتصام التي تم عرضها, كان المتحدثين كلهم من الأخوان والسلفيين, فأين تمثيل باقي الحركات الثورية ..؟
وجهة نظري تنحصر في كون إعادة شفيق كانت "تكتيك" الغرض منه استفزاز المستبعدين لتحريك أتباعهم نحو المجلس -إن لم يكن هناك اتفاق خاص بينهم مسبق واندفاع الأتباع تاجروا به- فيظهر للشارع كله أن المتظاهرون الآن هم مجرد أتباع لمن خرجوا من سباق الرئاسة, فينخفض سقف المطالب غلى تغير اللجنة المسئولة عن الانتخابات والحكومة واستبعاد شفيق ..
والشارع نفسه متهيئ نفسياً بأنه سيختار شخص مدني له خبره وليس له لحيه, ومن هنا يظهر لنا التأيد المفاجئ لحزب الوسط والنور والجمعية السلفية لأبو الفتوح, وفى الاتجاه الأخر حزب الأصالة وبعض الأزهريون يقفون إلى جانب حزب العدالة والحرية والأخوان مع مرسي .. وهذا ليس تناقض كما يظهر وانشقاق بين القوى الإسلامية, فهم طرحوا نموذجين مختلفين, حتى يفاضل الشارع بينهم, ليضمنوا وصول واحد منهم للإعادة, أو يتم حرق شعبيه أبو الفتوح بعد تأيد السلفيين له فتذهب الكفة والأصوات باتجاه مرسي, أو يكون كل هذه لتمكين عمرو موسى فى الشارع ودفع الطبقة المتوسطة التي تبحث عن الاستقرار ومعها المغيبين من الطبقة الكادحة, وكل هذا سيتم من خلال الطبقة البرجوازية التي تقدمه ..
إذاً فأحداث وزارة الدفاع ليست زخم ثوري بل هي مجرد فخ جديد ينساق له القوى المندفعة, فالثورة لن نستكملها بالقفز على وعي الشارع والاعتصام عند وزارة الدفاع, بل بالعمل الجدي والتوعية التأطير بين العمال والفلاحين والمهمشين ...
وربما يكون المجلس العسكري فى طريقه لتأجيل الانتخابات الرئاسية نظراً لكل ما يحدث من حرائق ومشاكل بين البرلمان والحكومة وإعتصام وزارة الدفاع, وتوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل. وكل هذه أوهام صنعها العسكر ليس إلا.
فهل تكون كالعادة حلول النظام لبقائه هي تشويه الثورة من خلال الدفع ببعض الرموز التي تستغل اندفاع بعض الشباب لتجرهم إلى خطوات غير محسوبة, ليعاد سيلان الدم فى الشارع, ويرى الشارع كله إن ما يحدث هو إختلاف بين أتباع لمرشح تم إستبعاده واللجنة العليا للإنتخابات ... فالحل بالنسبة للإمبريالية هو المجلس العسكري والحل للطبقة البرجوازية هو المجلس العسكري لأنه جزء منها, والمجلس العسكري إما أن يدخل فى مواجهه مباشره بإعلان إلغاء أو تأجيل الإنتخابات مع كتلة حرجه جديدة تشكلت مع الزخم بعد 11 فبراير, وعيها متصارع ولن يتمسك بوهم "سلمية" الثورة, فسنتوجه مباشرة لتكوين جبهات كفاح مسلح, هذا إن كان لليسار نفسه دور التنظيم لها, أو يخرج لنا فصائل من الإسلام السياسي وتتمثل في بعض الشيوخ ذو الطبائع الراديكالية التي تسيطر على عقول بعض الشباب, وتدفع بهم إلى مواجهه مع العسكري وفرض "شرع الله" وإقامة الدولة الإسلامية بقوة السلاح ...
ومن هنا نعود إلى رأيي في المقالات السابقة بأن الإنتخابات هي مجرد فخ لجر القوى الثورية إليها, هي وسيله للإلتفاف على الثورة, وإفراغ الثورة من محتواها ..

اليسار إلى أين ..؟
من خلال علاقتي مع معظم تنظيمات اليسار الموجودة على أرض الواقع, أرى أن المستقبل القريب يخبئ بين طياته يسار جديد, لكن الجديد سيكون أكثر رجعيه من القديم, إذا استمرت القواعد الشبابية في الاستماع وإمتصاص المعلومات المُلقنة, وعدم البحث عن الحقيقة والقراءة وتثقيف نفسها, فبعض النخب تورثهم رؤيتها, فهي تجر بهم للهاوية, وتجر باليسار كله معها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو