الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ العشق الامتلاكي الايراني للعراق

سليم مطر

2012 / 5 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



/جنيف
آيار 2012
http://www.salim.mesopot.com

قبل ان يساء فهمنا، نقول ان موضوعنا هذا لا يبتغي ابدا تبرير العداء العنصري لايران، بل نحن سبق وان كتبنا باننا مع(وحدة بلدان الشرق الاوسط: تركيا وايران وبلدان المشرق العربي) على غرار الوحدة الاوربية.
اننا نود فقط وصف حالة تاريخية تجمع الكثير من الدول الجارة. يكفي تشبيه العلاقات بين ايران والعراق تشبه الى حد بعيد تلك التي بين فرنسا والمانيا، حيث ظلت المانيا دائما لاسباب جغرافية، تتجه لاحتلال فرنسا.
إن العلاقات بين الأوطان محكومة أساساً بشروط الجغرافية والبيئة; وبما أن هذين العاملين ثابتان على مر التاريخ فإن طبيعة العلاقات بين الأوطان تتمتع بديمومة وثبات «نسبي» رغم تغير الأديان والحضارات والمعتقدات.

الاحتـــــــــــــــــلال الايرانــــــــــــــــي الدائـــــــــــــــــــــم

ايران هي الجارة الكبرى المشرفة مباشرة على المشرق عبر سلسلة جبال زاغروس طول الحدود الشرقية لوادي النهرين. تمتد هذه الحدود جنوباً من خليج البصرة حتى الشمال حيث جبال ارمينيا وطوروس الأناضول. إن التجاور الجغرافي الحميم بين الهضبة الايرانية والعراق كان بالحقيقة تجاور النقيضين: ايران، رأس الكائن الآسيوي المرتكز على الهضبة الايرانية وجبالها، والممتد بين هضاب وجبال أواسط آسيا الآرية التركستانية حتى حدود الهند والصين وروسيا. لبثت ايران دائماً ترمق بشغف وحماس ناحية الغرب حيث وادي النهرين وشواطىء سوريا الواعدة. أما العراق، رأس الكائن المشرقي المرتكز على نهري دجلة والفرات والمنفتح على سهول سوريا الخصبة حتى شواطىء المتوسط. لبث العراق دائماً يرمق بخوف وحذر حدوده الشرقية حيث تتربص شعوب ايران وآسيا بانتظار فرصة للانحدار والهبوط واجتياح النهرين كما فعلت طيلة التاريخ!
ايران ظلت دائماً أشبه بالعاشقة الولهة الباحثة عن كل السبل للسيطرة على الحبيب; والعراق ظل دائماً ذلك اليافع المتمرد الهارب من سيطرة الحبيبة. جبال زاغروس ترتفع على النهرين الى مسافة تبلغ أحياناً (4548 قدماً ــ جبل زارد). الهضبة الايرانية وجبالها منحت الايرانيين دائماً قوة حربية حاسمة من خلال الانحدار العسكري والاجتياح السريع. ايران ذات الأراضي الجبلية وصحراء «لوط» القاحلة ظلت دائماً ترمق بإعجاب وشهية الحضارات الكبرى الناشئة في الوادي الخصيب وما تنتجه من ثروات وخيرات وعلوم ومعتقدات. ثم إن موقع العراق ظل ضروريا للوصول الى الشام وشواطىء المتوسط.
على مدى التاريخ لبثت الشعوب الرعوية الآسيوية (الآرية ــ التركستانية)، ما إن تحط الرحال في الهضبة الايرانية قادمة من أواسط آسيا حتى تفتح عيونها على وادي النهرين بنهريه وأراضيه السهلة الخصبة الغنية فتنحدر عليه بسهولة من أعالي زاغاروس. من ابرز هذه الشعوب والجماعات التي اجتاحت العراق منذ عصر السومريين وحتى القرن الماضي: عيلام، غوت، كوش، حوريين، ميد، اخمين، بارث، ساسان، بعد الاسلام برز : البويهيون والأتراك السلاجقة، المغول، ثم الصفويون، لقد تعددت فترات الاجتياح والسيطرة الايرانية الآسيوية وتراوحت بين عشرات السنين حتى عدة قرون. أما المجموع الكلي لهذه الفترات فيبلغ عشرات القرون المتقطعة. أطول هذه الفترات كانت سيطرة البارثيين والساسانيين التي دامت من القرن الأول ق. م حتى القرن السابع والفتح العربي.
على مر التاريخ ظل الهم الأول والرئيسي للدولة العراقية حماية حدودها الشرقية لدرء خطر الاجتياحات الايرانية الآسيوية. جميع الأنظمة العراقية تجنبت مغامرة السيطرة على ايران بسبب صعوبة الصعود الحربي نحو جبال زاغاروس والهضبة الايرانية. وكان أقصى ما تفعله الدولة العراقية انها تقوم باجتياحات سريعة وعمليات تأديب للدول والقوى المشاكسة في ايران. (يبدو ان صدام لم يفطن لهذه الحقيقة التاريخية الجغرافية فقام بمغامرته الحربية التي انتهت بكارثة). ان الدولة العربية الاسلامية هي الدولة «المشرقية» الوحيدة التي تمكنت فعلاً من عبور جبال زاغاروس وفرض السيطرة على الهضبة الايرانية وعموم آسيا الوسطى. وهذا امر استثنائي في تاريخ المشرق ويعود ربما أساساً الى العنفوان الحربي الذي كانت تتمتع به القبائل العربية الصحراوية القادمة تواً من بوادي الجزيرة العربية.

التبعيــــــة الثقافيـــــــــــة الايرانيـــــــــــــــــة للعــــــــــــــراق

المسألة المهمة التي يمكن ملاحظتها أن ايران خلال جميع فترات احتلالها للعراق لم تستطع أبداً أن تفرض ثقافتها أو سكانها على النهرين، بل كان العكس هو الذي يحصل : في كل مرة تحتل ايران النهرين كانت تكتسب وتتبنى الحضارة العراقية : اكتسبت الكتابة المسمارية والثقافة السومرية منذ الألف الثالث ق. م، ثم الحضارة البابلية التي أثرت بصورة كبيرة على الثقافة الايرانية والديانة المجوسية. وصل الأمر في الحقبة الساسانية انهم جعلوا عاصمتهم في المدائن وسط العراق قريباً من بابل القديمة وصارت اللغة الآرامية (السريانية) العراقيةــ السورية هي السائدة ثقافياً في أنحاء الامبراطورية الفارسية مع بقاء اللغة البهلوية محصورة في البلاط الايراني. المسيحية النسطورية العراقية انتشرت حتى بين العائلة الملكية في ايران ونافست المجوسية. علماً ان هذه المجوسية فشلت تماماً بالانتشار بين العراقيين وبقيت محصورة بين الجاليات الايرانية المقيمة. الديانة المانوية البابلية انتشرت بزخم في ايران حتى أنها شقت الزرادشتية لتخرج منها الطائفة المزدكية التي جمعت بين المجوسية الايرانية والمانوية العراقية.
أتت بعد ذلك الحقبة الاسلامية لتصبح ايران مسلمة بعد أن سبقها العراق. لقد انتشر الاسلام في ايران أساساً بواسطة الجيوش العراقية البصرية والكوفية التي استوطنت ايران خصوصاً في خراسان ونيسابور وقم، وشكلت أساس الجيش الخراساني الذي ساند الثورة العباسية. عندما ساد التشيع في العراق بدأت ايران السنية تدريجياً أيضاً تميل الى التشيع، حتى تمكن الصفويون أن يفرضوا التشيع في القرن السادس عشر. علماً أن الصفويين اعتمدوا على الفقهاء و«السادة» العراقيين واللبنانيين والبحرانيين لنشر المذهب الجعفري. ان فئة السادة في ايران (من بينهم الإمام الخميني) التي تتمتع بقدسية دينية وسياسية في الدولة والمجتمع، لا ينكرون من أنهم من أصول عراقية عربية (لبنانية وبحرانية وإحسائية) وينحدرون من نسل الإمام علي. لكن طبعاً هذا لا يقلل من حقيقة انتمائهم التاريخي والحضاري لإيران.
إن حاجة ايران للسيطرة على النهرين لم تكن مدفوعة بحقد وكبرياء قدر ما هي مدفوعة بعشق ورغبة بالذوبان والاندماج. أوضح صورة لمدى تعلق الايرانيين بالعراق تقديسهم وحبهم للأئمة والعتبات المقدسة في العراق. كم من الحروب خاضها الايرانيون ضد العثمانيين من أجل تحرير العتبات المقدسة؟ وكم هناك من الأساطير عن الجهود العجيبة التي ظل يبذلها الايرانيون من أجل دفن موتاهم في مقبرة النجف في العراق.
حقبة الشاه الأخيرة كشفت عن تجربة طريفة تستحق الاشارة اليها: عام 1975 في ظل المنافسة بين نظام الشاه ونظام البعث، قام الشاه بتكوين حزب حكومي حمل الكثير من سمات حزب البعث، بل حتى اسمه هو (حزب ريستاخ) ويعني (حزب البعث أو النهضة) في الفارسية!
إذن، مشاعر إيران نحو العراق ظلت دائماً مفعمة برغبة وحب وغيرة. العشق الايراني، نموذج للعشق الامتلاكي حيث تندفع الحبيبة باسم الحب للسيطرة على حبيبها. أما العراق، فيبدو أنه ظل دائماً رافضاً متهكماً من هذا «العشق». ظلت مشاعر العراق نحو ايران مفعمة بتوجس وحيرة مع بعض التعاطف والسخرية. تجربة الحرب مثال واضح لهذه الحالة : صدام حسين عندما اجتاح ايران كان أساساً مدفوعاً بالخوف والقلق من الثورة الايرانية وطموحاتها التوسعية. أرادها ضربة هوجاء خاطفة لإسقاط الثورة وإقامة نظام أكثر أماناً له. أما ايران فانها منذ أول الثورة راحت تعلن عن رغبتها بتغيير النظام في العراق وإقامة نظام اسلامي لانقاذ الشعب العراقي من «الكفرة». حتى الاستمرار بالحرب كان العراق يشن هجماته مدفوعاً بالخوف والأمل بايقاف الحرب مع التبجح السافر باعلان الحقد العنصري على الفرس «المجوس»; أما ايران فقد ظلت على العكس مستمرة حتى آخر رمق باسم الحب للشعب العراقي والعتبات المقدسة وتخليصه من (حكم الطغاة!!).
اخيرا نؤكد، ان تجاوز هذه المشكلة التاريخية الجغرافية، لا يكمن في العداء والحروب، بل في التقارب والوحدة الشرق اوسطية، كما فعلت فرنسا والمانيا..

ـــــــــ
المصدر: اعتمدنا على كتابنا (الذات الجريحة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عنوان جميل ومعبّر !
علماني مسلم ( اراس ) ( 2012 / 5 / 7 - 19:01 )
العلاقات بين الشعين عميقة وطيبة بعكس حكام ايران على اختلافهم ولكنهم متفقين في اطماعهم نحو العراق..واستراتيجيا ان العمق الجخرافي الايراني هو الذي يحميهم دائما والتي لم يفطن اليه صدام وخدعته تقارير المخابرات العراقية حينئذ !! تحياتي للكاتب الذي تعرفت عليه من خلال مجالس حمدان ...


2 - تاريخ خهص
ايار العراقي ( 2012 / 5 / 7 - 21:17 )
السيد مطر تحية طيبة
قبل ايام طرح احد الاخوة كتابك الذات الجريحة بشكل سريع في موقع الحوار قمت بالتعليق لكن الاخ يبدو انه ديمقراطي اكثر من اللازم فقام بحجب التعليق ولم يكتفي بهذا بل اردف بضرورة الالتزام بادب الحوار موهما المتلقي باني لم التزم بادب الحوار علما اني لااتجاوز في كلامي واكثر ماقلته هو يبدو ان السيد مطر لديه تاريخ خاص به لانعرفه هل هذا تجاوز برائيكم؟
سيدي الفاضل انك تشبخ كما نقول بالمحكية العراقية بايرادك مصطلح لاوجود له وهو الارية-التركستانية فاذا كنت تقصد القبائل الارية والتركستانية وهذا خطا كبير لان الفترة التاريخية بينهما طويلة ان المطلع جيدا على تاريخ ايران يعرف ان هناك ايران وتشمل الشعوب الارية وتوران وهي الشعوب الطورانية كما ترجم لاحقا
الثقافت تتمازج وتتلاقح وتتزاوج صحيح الحضارة السومرية اثرت في القبائل الرعوية الارية ثم تمت عملية تلاقح فلم يعد بالامكان الفصل بينهما وللعلم ان اخر الاكاسرة كان من ام يهودية وتربى في ديار العرب في بادية الحيرة وهذا امر شائع في ذلك الزمان
ثم اي هجوم ثقافي اكثر من تغيير دين الدولة وفرض لغة غريبة هكذا سيجيبك القومي الفارسي اذا احببت سماع


3 - تتمة
ايار العراقي ( 2012 / 5 / 7 - 21:24 )
رائيه علما ان عدم سماعه لايغير شيئا من الواقع
دين الدولة الاسلام والحكام يتسابقون سباقا محموما في سبيل اثبات الاصل العربي يصل حد التزوير واصحاب المذاهب واهل الكلام في الدين معظمهم من الفرس ويسعون لنشر دين عربي نبيا وممارسة ولايرضي هذا العروبيين طيب ياسيدي كيف سيكون الهجوم التقافي برائيككلامك هذا مع احترامي الشديد لشخصك لايعدو النكتة في نظر الملايين من قوميي الفرس
الحديث هنا سيطول ياسيدي ولكني اختم بالقول بان المتورط في كتابة تاريخ امتين متصارعتين يجب ان يسمع الاخر وسندك المطهري ليس ذو معرفة اساسية في هذه الامور الرجل فيلسوف وله اراء في الاسلام والتشيع يقبلها البعض ويرفضها الاخر اصلا القوميين الفرس والاكراد والاتراك لايعترفون به كسند معتمد
تقبل مودتي وارجو الايغضبك رائيي فنحن نتحاور في موقع عنوانه الحوار


4 - توضيح للاخ ايار العراقي
سليم مطر ( 2012 / 5 / 8 - 12:21 )
اخي ايار العراقي.. اهلا وسهلا بتعليقك ممهما اختلفت معي..فكلامك يبقى لائقا ومقبولا..

اما مطلح الشعوب(الارية ـ التركستانية) فاقصد ان ايران كانت ممرا مستقرا وممرا لهذه الشعوب..

فمن الطبيعي ان التركستان والمغول القادمين آسيا الوسطى يمرون عبر ايران قبل دخول العراق.

ثم لا تنسى ان ايران الحالية، فيها اكثر من 30 % ناطقون بالتركية، وهم الاذربيجان والتركمان..

وان معظم قادة ايران الحالية هم ناطقون بالتركية، ومنهم (خامنئي) مرشد الثورة..


5 - مقاله غنيه ومفيده ونظيفه من الشوفينية
الدكتور علي حسين مهدي-برفسور تخطيط-اقتصا ( 2012 / 5 / 8 - 12:54 )
شكرا دكتور سليم لمقالتك اليوم انا قراءت الذات الجريحه قبل ربما اكثر من عشر سنوات فاءسرني كتابك هذا المختلف تماما عن كتاب التاريخ العراقيين الذين في غالبيتهم عربنجيه والباقي كردجيه-اما انت فعراقي لحما ودما وفكرا واحساسا وبما يحفظ للاخر كرامته
من كتاباتك ود علي الثويني تولد عندي خلفية ناكره للكذبة القائله ان العراقيين الناطقين بالعربية هم من ما يسمى الجزيرة العربيه-وهذا استنتاج منطقي وعلمي
ولكنك هنا تتكلم عن عنفوان القبائل التي جاءت من الجزيرة وانطلقت الى ايران هنالك -غيركما-الكثيرون الذين يؤكدون عن العدد الضئيل جدا لسكان بوادي الصحراء القاحلة المسماة حاليا باسم ال سعود-يعني ان العدد قد لايكون اكثر من بضعة عشر الف نسمه غير فائضة عن الظروف السائدة حينئذ
ارجوك التوضيح-علما انني اشك تماما بتسمية القبائل العراقيه-العربية-بالموالي
لاني اصلا اعتقد ان الموجودين في مقاطعة ال سعود من ذوي الاسماء المشابهة او المتطابقة مع اسماء قبائل العراق هي من هجرة العراقيين خصوصا عند انكسار الجيش البابلي وانتصار الساسانيين-كما يذكر على ثويني وشكرا


6 - توضيح الى الاخ الدكتور علي حسين مهدي
سليم مطر ( 2012 / 5 / 8 - 14:27 )
شكرا لتعقيبك. اتفق معك بأننا مثل غالبية ابناء الشعوب العربية، عدى الجزيرة العربية، قد عربنا مع الفتح الاسلامي.
كذلك ان اصول الكثير من القبائل العربية في الجزيرة العربية، ومن قريش، هم من هجرات قادمة العراق والشام، اي ما يسمى بالعرب العدنانية وحكاية جدهم اسماعيل بن ابراهيم العراقي الشامي
.
ولكن اسمح لي ان احثك على التخفيف من النظرة الاستعلائية ضد اخوتنا شعوب الجزيرة العربية. ان رفضنا للتعصب العروبي لا يعني ابدا تبني خطاب عنصري احتقاري ضد شعوب الجزيرة العربية الذين هم اخوتنا في التاريخ والجغرفية والثقافة
.
ان التعصب العروبي لم يخترعة ابناء الجزيرة العربية، بل ابناء الشام والعراق!!! ـ

نعم ان الاعتزاز بالهوية والامة العراقية لايعني ابدا تبرير العداء للعرب او لغيرهم.. ان هويتنا الوطنية يجب ان تقوم على المحبة والتضامن مع العرب ومع جميع شعوب المنطقة والعالم


اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف