الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية 3/3

محمد نبيل الشيمي

2012 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثانيا:الحركة الوهابية
الوهابية مصطلح أطلق على حركة إسلامية سياسية – قامت فى منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية فى أواخر القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 -1792) ومحمد بن سعود لنشر الدعوة ألسلفية وقد كانت بدايتها فى الدرعية التي اعتبرها الوهابية إقامة لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيرا لأمة الإسلام من الشرك ،
يرى الوهابيون أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار أما من خالفهم فإما كافر أو مبتدع ضال أو لديه أخطاء فى العقيدة وعلى أسس الدعوة قامت الدولة السعودية الأولي وقد تمكنت من الوصول إلى دمشق وعمان وفى عام 1818 حاصرت القوات المصرية بفيادة إبراهيم باشا الدرعيه ودمرتها إلا أن الدولة السعودية تأسست من جديد فى أوائل القرن العشرين تحت قيادة عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية علي أسس المنهج الوهابي .
جاءت الحركه الوهابية بالمنهج السلفى بما تعتبره تنقية لعقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التى انتشرت فى بلاد الإسلام وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدى مثل التوسل ، والتبرك بالقبور وبالأولياء ، والبدع بكافة أشكالها ، ويصفها إتباعها بأنها دعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والرجوع إلى الإسلام الصافى وهو طريقة السلف الصالح فى إتباع القرآن والسنة – أي عمليا عدم الاعتماد الكلى على المذاهب الفقهية السنية الأربعة والاعتماد المباشر على النص من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح وإجماع العلماء مدللين على ذلك بأقوال اللائمة الأربعة .
منهج الوهابية فى العقيدة :
يرى الوهابيون أن منهجهم هو المنهج الصحيح لأهل السنة والجماعة واعتمدت أفكار ابن عبد الوهاب بشكل عام على إحياء فكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية فى نبذ العادات التى رآها الشيخان ملتبسة بالشرك والتى كانت منتشرة فى الأوساط المسلمة وتنقية العقيدة الإسلامية المبنية على التوحيد الكامل لله أما فى مجال الفقه فقد اتبعوا منهج ابن تيمية الذى سلك بشكل عام مذهب الإمام أحمد بن حنبل فى الفقه – وإن كان قد خالفه فى بعض المسائل منها ما يتعلق بباب الطلاق ومسألة التوسل .
الوهابية كنظام للحكم :
يتبنى إتباع الوهابية فكرة الدولة الدينية ويرون أن الدولة لابد أن تحكم بالشريعة الإسلامية ويطبقون ذلك من خلال بعض الآليات منها : -
• الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
• التطبيق الأمثل لنظام الحسبه .
وقد تعرضت الحركة الوهابية للعديد من أوجه النقد كما حددها بعض الباحثين فيما يلي /
• نقل مسائل الفروع إلى الأصول مثل مسائل البناء على القبور . والتوسل بالأنبياء والأولياء .
• الإفراط فى تكفير وتضليل كل من هو على أختلاف معهم وتكفير أئمة الشيعة الأمامية وأكثر الصوفية .
• تعرضهم لأئمة السنة بالتخطئة فى العقيدة والتبديع فى بعض الأحيان والإخراج من دائرة السنة فى أحيان أخر – مثل ما قالوا عن الشاطبى وابن حجر العسقلانى والنووى والسيوطى وابن الجوزى والرازى وأبو حامد الغزالي والذهبى ومن المتأخرين الشعراوى ومحمد الغزالي .
• تزوير التراث وذلك بحذف وتغيير ما كان يخالف منهجهم من كتب التراث الإسلامي مثل ما فعلوا فى كتاب الأذكار للنووى – وحذف الجزء العاشر فى بعض النسخ من الفتاوى لابن نيمية وهو الخاص بالتصوف
• قتال من يقولون عنهم أنهم " معادون لأهل التوحيد وأخذ أموالهم وأمتعتهم بدعوى أنهم مشركون
• هدم الشواهد والآثار النبوية المتبقية مثل ما فعلوا بمكان ولادة الرسول محمد (ص) ومكان عيشه في مكة وبستان الصحابى سلمان الفاسى وبيت الصحابى أبى أيوب الأنصاري وردم بئر العين الزرقاء وبئر أريس ( بئر الخاتم ) وبئر حاء وغيرها – وكذا هدم الأضرحة والقباب وقبور الصحابة والآ البيت التى يقام عليهما نوع من أنواع العبادة لأنها حسب اعتقادهم تعتبر من وسائل الشرك والغلو فى الأنبياء والصالحين مستندين إلى حديث أخرجه مسلم فى صحيحه يقول بنهى الرسول عن تجصيص القبور والقعود والبناء عليها رغم أنها قد تحمل قيمة تاريخية أ ثريه أو فنية أو حتى دينية لمن يزهامن المسلمين أو غير المسلمين وتمثل ذلك فى هدم العديد من الشواهد فى السعودية – وكذلك هدم مرقد الزبير بن العوام فى البصرة
• تحريمهم الاحتفال بالأعياد والمناسبات من ذكرى مولد ونحوه بإعتبار ذلك عبادة لمن يحتفل بمناسبته وتعظيم له .
والغريب والمريب أن الوهابيين ينطقون اسم رسول البشرية محمداً( ص) مجردا فأنهم حينما يخاطبون الملك وأفراد أسرته فإنهم يسبقون الاْسم بسيدى أو سيدى صاحب السمو ( أي تناقض هذا ؟ – فمن أحق بالتسييد صاحب الرسالة أم صاحب السلطة ومالك المال ؟).
السلفية والأصولية :
جاء في الموسوعه الحرة ( ويكيبيديا ) أن الأصولية اصطلاح سياسي فكري يشير إلي نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نابعه عن قناعه متأصلة نابعه عن إيمان بفكرة أو منظومة قناعات تكون في الغالب تصوراً دينياً أو عقيده دينية ويرى البعض أن السلفية والأصولية مصطلحان قريبان من بعضهما فالأصولية تعنى التمسك بأصول الدين والعقيدة والاصولى على هذا هو كل من يتمسك بأساسيات الدين من عبادات ومعاملات وهو ذات المعنى الذى يقصد من معنى السلفية فالسلفى هو الملتزم بأمور الدين وسار على منهج السلف الصالح السابقين منذ صدر الإسلام ومن عصر التابعين إلى تابعى التابعيين – وفى هذا فإنه ليس هناك من خلاف أو تباين بين المعنيين إلا فى اتساع المعنى حيث ارتبطت السلفية بالمسلمين فى حين اتسعت معانى الأصولية كى تعبر عن كل فكر يقوم أو يعود إلى منابع العقائد وفى هذا يقوم د. خليل حسن فى دراسته ... ( منشأ الحركات الأصولية وتداعياتها المنشورة على موقع أصدقاء المغرب ) .
ليس للأصولية منشأ واحد – كما أنها لم تقتصر على فترة محددة ولا يرتبط عملها بفئة أو جماعة واحدة فمن أين نشأت وما هى أصولها وما هي أنواعها وأسباب ظهورها ؟ وكيف يمكن مواجهتها وحل معضلاتها ؟
ويري الكاتب أن الأصولية مصطلح ترجعه الدراسات إلى القرون الوسطى . وتعتبره مصطلحا يختزن تجارب ورموزا وإيحاءات لا علاقة لها بفئة قومية أو دينية أو عرفية محددة بعينها بل ارتبط بتاريخ تنوعت فيه مظاهر التطرف والأصولية بأوجه مختلفة منها المسيحية والإسلامية ومنها اليهودية – والهندوسية ( لمزيد من المعرفة يمكن الرجوع إلي المصدر المشار إليه )
أولا: الأصول التاريخية .
تمثلت نشأة الأصولية في التجربة الأوربية بتسلط الكنيسة على المجتمع والدولة واستبدادها بالوهم والخرافة – أما المشكلة في التجربة العربية الإسلامية فكانت في سعى الدولة للهيمنه على المجتمع بما يعنيه ذلك من سلطة التعليم والتشريع والموروث الديني وصولا إلى هيمنتها شبه الكاملة مع نشوء الدولة القطرية من مخاض أحلام قومية وتحديدا أيامنا هذه
وتعرف الدراسات الأصولية على أنها حركة تقوم على معتقد ديني أو سياسي مع الشكل الثقافي أو المؤسسي الذي تمكنت من ارتدائه في عصر سابق من تاريخها وهى تعتقد أنها تمتلك حقيقة مطلقة وأنها قادرة على فرضها – كذا يذكر مؤرخو الأصولية وحركاتها أن ثمة أصوليين من العلمانيين والتكنوقراطيين الذين يزعمون أن لديهم جوابا لكل شيء باسم تصور قديم وضعي للعلم – والذين يؤمنون بهيمنة الغرب الخالدة .
ولم تظهر كلمة أصولية في اللغة والمعاجم إلا حديثا . في قاموس لاروس عام 1966 فيعرفها وفقاً للمصدر بكيفية عامة جدا بأنها موقف أولئك الذين يرفضون تكييف عقيدة مع الظروف الجديدة وفي عام 1979 وضع تعريف جديد للأصولية بأنها استعداد فكرى لدى بعض الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الحديثة ثم في عام 1984 ظهر قاموس لاروس الكبير وضعها داخل حركة دينية فالأصولية موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو أو لكل تطور " ثم يضيف جاعلا الكلمة تتعدى نطاق المجال الديني " مذهب محافظ متصلب في موضوع المعتقد السياسي ولا يذهب أبعد من ذلك ذلك القاموس في عام 1987 سوي أنه يشير إلي موقف بعض الكاثوليكين الذين يرفضون كل تطور ، عندما يعلنون انتسابهم إلى التراث ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص المكونات الإسلامية للأصولية الجمودية " رفض التكيف و جمود معارض لكل نمو ، لكل تطور - العودة إلى الماضي والانتساب إلى التراث و" المحافظة " – عدم السماح ، الانغلاق ، التحجر المذهبي : " تصلب " ، كفاح ، عناد – وبذلك يمكن للأصولية على هذا النحو أن تضع نفسها كجمودية في مواجهة التطور كتراث في مواجهة الحداثة ، كتحجر مذهبي في مواجهة الحياد ، بمعنى ، يمكن للأصولية أن تكون نقيض العلمانية والحال يصبح مفهوما للتشديد في المعاجم الفرنسية على الأصولية الكاثوليكية ، المرتبطة في بلاد الغرب ، بالصراعات بين الكنيسة والدولة .

أصولية العصر الحديث :

يرجع الدارسون أصولية العصر الحديث إلي مطلع القرن العشرين ويسيرون إلي أن بدايتها كانت في الولايات المتحدة الأمريكية ورغم أنها لم ترتبط بشخص معين إلا أن اليهود قادوا هذه الحركة بمواجهة المسيحية الكاثوليكية , وعلاقة المسيحية بالكاثوليكية قديمة قدم المسيحية نفسها , ولقد ظهر السيد المسيح واليهودية يتجاذبها تياران كبيران : التيار الفريسي وهو تيار الكهنة الرجعيين الذين تمسكو بطاهر الكهنة الرجعيين الذين تمسكوا بالنص التوراتي لا بروحه والتيار الثاني وهو تيار الصدقيين وهم طبقة الأغنياء المتعصبين للثقافة الهلينية وثمة طائفة ثالثة من المتنسكين الذين كرهوا الزواج وعاشوا متقشفين , فكان منهم يوحنا المعمدان . وليس دليل علي أن المسيح أيد اياً من هؤلاء , إنما كان سلوكه المعادي للفريسيين , المطري بالزهد والعفة يوحي أنه مال إلي اليهودية والتوراة وأصولها , وحزب روماني كان مقدراً له فيما بعد أن يصبح حاكماً في الإمبراطورية , علي استحياء أولاً في القرن الثالث الميلادي , ثم علناً في أوائل القرن الرابع في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول .
كان لانتصار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية , هزيمة تاريخية للمسيحية اليهودية , التي تراجعت وخبت فيما كانت بيزنطة تشن حرباً ضروساً علي أحزاب مسيحية مشرقية أخري , منها الأريوسية والنسطورية واليعقوبية لكن ضمور المسيحية اليهودية كان إلي حين فما أن أخذ المسيحيون الأوربيون يتململون تحت وطأة السلطة البابوية من تأثير حركة النهضة الأوربية وظهور النوازع القومية في انكلترا وألمانيا , علي الأخص , حني سارعت المسيحية اليهودية وربما اليهودية نفسها , إلي تأييد هذه الحركات القومية وساندت التمرد الانكليكاني علي الكثلكة ونصرت حركة لوثر الألمانية وكالفن غانسينوس , وكانت هذه الفرصة التاريخية المنفذ الذي تسللت منه النزاعات التوراتية إلي المذاهب الجديدة في أوربا .
وقد صدف في الوقت ذاته أن الأوربيين اكتشفوا القارة الأمريكية واستعمروها وكانوا بحاجة إلي عقيدة تضفي علي هذا الاستعمار الصفة الشرعية , فكانت نظرية أرض الميعاد , هي العقيدة المنشودة التي أباحت لجحافل الاْنجلوساكسون والجرمانيين أن يستوطنوا أمريكا ويبيدوا شعبها وحضارتها وضميرهم مطمئن إلي صواب فعلهم فأي شرعية يمكن أن تسمو علي شرعية وعد صريح من الله , أن يهب شعبه المختار تلك الأرض الجديدة .
أما الأصولية الإسلامية فتشير الدراسات إلي أنه في عصر النهضة الأوربية وسقوط الـ800 عام للحكم الإسلامي في إسبانيا أواخر القرن الخامس عشر بدأت فترة الانحطاط الطويل في معظم العالم الإسلامي , بسبب عوامل تاريخية واجتماعية متعددة وبدأت الحركة الإسلامية المضادة للمجتمع العبودي بالركود , ما أدي إلي استعمار أغلب العالم الإسلامي من قبل الغرب الصاعد , كما وضعت الثورة الصناعية في أوربا القاعدة الاقتصادية والعسكرية لهذا الاستعمار وكانت النظم الإقطاعية في البلدان الإسلامية قد أصبحت عائقاً أمام التنمية الاجتماعية وكانت ثمة عدة حركات مستندة إلي الإحياء الإسلامي ضد هذه الحكومات الملكية الإقطاعية وضد الحكام .
بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الأصولية الإسلامية ظاهرة رجعية ومضادة كلياً للثورة , واستغلت من قبل الغرب لضرب الحركات اليسارية والتقدمية في البلدان الإسلامية وكان التيار الرئيسي للأصولية الحديثة مستنداً إلي الإخوان المسلمين في مصر وبلدان أخري من الشرق الأوسط والجماعة الإسلامية في باكستان .
ويري بعض الكتاب أن الأصولية الدينية ( المتعصبة ) تشترك في عدد من الملامح /
- ادعاء الإيمان النقي علي أساس من احتكار المقدس أو احتكار الحقيقة , إذ تلجأ الحركات الأصولية واليمينية إلي تكفير ورفض المخالف لادعائها , سواء كان المقدس دينياً أم مذهبياً , وسواء كانت الحقيقة أيديولوجية أم ثقافية .
- تمتاز القوي المتطرفة بالتعصب لفكرة الأنا الدينية أو القومية وجعلها المركز والباقي أطراف و كمفاهيم شعب الله المختار , والفرقة الناجية , والعرق الأنقي , والثقافة الأنموذج ... مما يقود للشعور بالأفضلية وخلق التفوق وترسيخ الاستعلاء.
- ترفض حركات التطرف استحقاق التعايش والتمازج الإنساني استناداً إلي التعددية الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية التي تميز الجنس البشري. فالحركات المتطرفة وإن كانت تعترف بالتعددية كحقيقة إنسانية لكنها تقول بالحفاظ علي خصوصية كل دين وعرق وثقافة فتؤصل لاستحالة التعايش وترفض إيجاد مساحات اللقاء علي أساس من المشترك الإنساني والتمازج الثقافي بين الأمم حفاظاً علي الخصوصية المدعاة .
- تركيز القوي المتطرفة علي الهوية الجمعية المتمركزة حول فكرة الأمة أو الجماعة قبل الهوية الفردية للإنسان وخصوصيته وحقوقه وحرياته وهو تركيز علي مستوي الفكرة وعلي مستوي الاشتغال , فلا أهمية ولا إرادة للفرد ضمن نطاق الأمة .
- التمحور حول الاختلافات البيولوجية أو الأيدولوجية أو الثقافية لخلق الخلاف وتعميقه بين الأعراق والأديان والمذاهب والثقافات فحركات التطرف تشتغل علي التناشز المؤدي إلي التعنصر والتعصب ولا تشتغل علي التناغم والتكامل الإنساني كما أنها تشتغل علي إنعاش الذاكرة الخلافية وتنشيط الغرائز الانتقامية .
- توظف حركات التطرف الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لزعزعة فكرة الدولة الديمقراطية لصالح الدولة الثيوقراطية أو الشوفينية , وهذا هو أهم جهد تشتغل عليه لإعادة إنتاج منظومات الدولة المفاهيمية والتشريعية والسياسية .
- استخدام العنف والإرهاب كأدوات تعمق الاختلاف بين المكونات الدينية والعرقية والإثنية لضرب وحدة المجتمعات والدول . أو لخلق الجبهات الدينية والقومية وتعبئتها ضد الجبهات الدينية والقومية الأخري . إن العنف والعنف المضاد خير وسيلة لخلق التعصب والتمحور والتحفز ضد الأخر , إنه أقصر طريق لمصادرة العقلانية لصالح العواطف الواهمة التي تستثيرها مجموعات التطرف .
- اعتماد أنساق دائمة من التوتر السياسي والمجتمعي والأمني لنشر الفوضى , إن الفوضى ( الخلاقة ) سلاح القوي المتطرفة لزعزعة سياق المجتمعات وأنظمة الدول لإعادة إنتاجهما وفق معاييرها وسياساتها .

أسباب تصاعد الحركات الأصولية في الشرق الأوسط
يذكر الكاتب في أسباب تصاعد الحركات الأصولية في الشرق الأوسط العديد من الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت في تصاعد قوة الأحزاب والحركات الأصولية في المنطقة العربية ومن بينها :
1. أن وصول الجمهوريين وبالتحديد فئة " المحافظين الجدد إلى السلطة في الولايات المتحدة شكل تحولاً دراماتيكياً في السياسات الخارجية الأمريكية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط والذي أدى إلى تشكيل بيئة مواجهة وصلت إلى حدود استعمال القوة العسكرية في مواجهتها فاجتياح إسرائيل على سبيل المثال للبنان في العام 1982 وبدعم أمريكي واضح نقل منطقة الشرق الأوسط من ضفة إلى أخرى تميزت بمواجهات دامية وأسست لبيئات سياسية واجتماعية متطرفة نظرت إلى الولايات المتحدة نظرة عداء بكونها تشكل الداعم الاستيراتيجى لإسرائيل في المنطقة وسرعان ما ترسخ هذا الاتجاه في عقد الثمانينيات من القرن الماضي وما تلاه .
2. إن الوضع المشار إليه ساعد بشكل مباشر على إحياء أيديولوجيات ذات طابع أمنى عسكري ، مرد ذلك الاحتلالات التي ظهرت في غير منطقة في الشرق الأوسط بدءاً من لبنان وصولاً إلى أفغانستان ، الأمر الذي أوجد غطاءً شرعياً اجتماعياً حاضناً للأحزاب والحركات التي واجهت الوضع القائم آنذاك.
3. إن فشل الأحزاب القومية العربية والشيوعية في تحقيق الآمال التي وعدت بها شعوبها ، أدى إلى واقع اجتماعي سياسي تعبوى مختلف سرعان ما تحولت الجماهير العربية والإسلامية عن أحزابها ومضت باتجاه الأحزاب الراديكالية التصورات والتي تمثلت بالأحزاب ذات التوجه الديني وحتى المذهبي
4. إن قدرة هذه الأحزاب التعبوية الهائلة بحكم الأدوات والوسائل التي تستعملها وبخاصة الدينية منها جعلها بحراً كبيراً لاستيعاب جماهيرى في الوقت الذي تميزت بحسن تقديماتها وحل مشاكل جماهيرها ، الأمر الذي رسخ فكرة نجاحها في الذاكرة الجماعية لمناصريها ، وبالتالي تأييدها والاندماج في صفوفها بصرف النظر عن دقه وصولية طروحاتها تجاه الأزمات التي ينبغي اتخاذ مواقف فيها .
5. إن فشل الأنظمة الحاكمة في تقديم أي أمر وعدت به أدى إلى تهميش دورها ورعايتها المفترضة لناسها ومواطنيها مما سهل للأحزاب البديلة الحلول مكانها وقيادتها للسياسات الداخلية والخارجية للدولة حتى باتت سلطات الأنظمة هيكلاً فارغاً دون مضمون ، الأمر الذي سهل عملياً تآكلها من الداخل تمهيداً لانهيارها .
6. إن فشل مشاريع السلام المقترحة أميريكيا أدى بشكل أو بأخر إلى تقوية مواقف الأحزاب الدينية التي توصف عادة بالراديكالية أو بالأصولية مما عقد الأوضاع القائمة دون ظهور محاولات جديدة قابلة للحياة .
السلفية والتصوف :
جاء في كتاب تاريخ الفلسفة العربية أن الصوفية تعد حلاً وسطاً تلجأ إليه العقول المتدينة الحريصة على التوفيق بين الدين ومستلزماته الخلقية من جهة ومعطيات العلم الناجمة عن الاختبار الحسي من جهة أخرى وكلمة التصوف مشتقة من الصوف " والصوفي هو من يرتدى غليظ الصوف ... ووفقاً للمصدر فإن التصوف الإسلامى له مصادر عديدة منها ما هي إسلامية ومنها ما هي غريبة عن الإسلام ذات أصول هندية وفارسية ومسيحية وإغريقية إلا أن التصوف الإسلامى نشأ عن الزهد وقد وضع الصوفيون لهم طريقاً سموه طريق الحق بمعنى الطرق المؤدية إلى الله الذي هو الحق المطلق والفناء به وقد اتخذ التصوف الإسلامى أشكالاً مختلفة فهناك تصوف حلولى وهناك تصوف فلسفى وهناك تصوف سني ( للمزيد من المعرفة يمكن الرجوع إلى كتاب تاريخ الفلسفة العربية تأليف حنا الفاخورى ود. خليل الجر – منشورات دار الجبل – بيروت )

ويرى السلفيون أن هناك تطوراً لحق بالتصوف جعله يبتعد عن الإسلام الصحيح وقامت فئات من المسلمين تحاربه وتناصبه العداء وكان في طليعة ذلك الخوارج ثم الزيديين والإثنا عشر الدهرية ولحق بهم غلاة الشيعة في القرن الثالث الهجري حيث شجبوا كل دعوة إلى حياة التصوف لأنها تدخل بين المؤمنين أموراً لا عهد لهم بها كلبس الصوف واللجوء إلى الخنقة وتحل من الطاعة للأمة – في حين لحق السنيون برفضهم للصوفية حيث رأى الإمام ابن حنبل عدم جواز تقديم التأمل على حساب الصلاة واعتقادهم بأن النفس تصل إلى شيء من الخُلٌة مع الله تحررهم من الشريعة وتحملهم على الإباحة ثم إن المعتزلة والظاهرية انتقدوا مذهب العشق الذي يصل بين الملامسة والاتصال والحلول .... وقد رفض السنة كثيراً من التأويلات التي قام بها المتصوفة واعتبروها كفراً وهناك من قال " كان التصوف حالاً فصار كاراً وكان احتساباً فصار اكتسابا وكان استئثارا استهتاراً وكان إتباعاً للسلف فصار إتباعاً للخلف وكان عمارة للصدور فصار عمارة للغرور وكان تعففاً فصار تكلفاً وكان تخلقاً فصار تملقاً وكان سقماً فصار لقماً وكان قناعة فصار فجاعة وكان تجريداً فصار شريداً.
وهكذا امتد ذلك الخلاف حتى وقتنا الحاضر حيث ينكر السلفيون العادات والمسالك الخاصة بالصوفيين ويرون فيها بدعاً منكرة لم يثبت ايتاؤها من الرسول (صلى الله عليه و سلم) أو أصحابه مثل /
• إقامة المساجد علي قبور الصالحين وتعظيمها .
• شيوع الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم .
• جواز التبرك بالجماد من أحجار وأشجار وما شابه.
• نشر رغبة الاحتفال بمولد الرسول (ص) وينهون عنه وعن إقامته.
• القول بإسقاط الترميز .
• قبولهم كل ما يرد علي القلب مما يسمي كشفاً ومكاشفة .
السلفيون والدولة والمجتمع :
يقول د . حسين فوزي النجار " لقد شهداً المجتمع الاسلامى عند بدايته في المدينة قيام نوع من التنظيم السياسي للجماعة الإسلامية يستهدى القواعد الأساسية للحياة العليا التي سنها الإسلام للمسلمين وفقاً للأصول التي قامت عليها العقيدة الإسلامية والقواعد العامة التي وسعت شئون الحياة الإجتماعية والاقتصادية والأخلاقية للمسلمين إلا أنه كما يشير الكاتب أن التنظيم السياسي لم يعرض أي تفصيل للأساس الذي تقوم عليه الدولة ولا لطبيعتها ( بمعنى أن الإسلام لم يضع نظرية للدولة ) ويشير الكاتب أن المجتمع الإسلامي قام على عناصر أربعة : -
الوحدانية – الإخاء – المساواة – المسئولية – الواجب.... ويضيف الكاتب بما يقطع الشك باليقين بأن الشريعة الإسلامية لم تنص على إقامة دولة أو قيام سلطة 0 وكانت فقط تنص على قيام ( أمة إسلامية ) وهى وفقاً للكاتب كما يراها في اللفظ القرآني هي الحشد الكبير من الناس الذي يضم الشعب والقوم والقبيلة .
ومن الواضح أن الشريعة الإسلامية لم تضع نظاماً للحكم ولكنها وضعت نظرية للحكم وأساساً للفكر السياسي في الإسلام أو ما يسمى بالنظرية السياسية في الإسلام وهى النظرية التي يمكن أن تقوم عليها الدولة وتحكم السلطة فالمسلمون أمة واحدة مهما تعددت أجناسهم ومهما تعددت أماكنهم والأمة مصدر السلطة فيها ولا ترتبط بشخص معين – كما ترتبط بالفكرة العليا للجماعة وبصالحها العام – والعقيدة الإسلامية هي مصدر الفكرة العليا في الأمة الإسلامية ولا يعنى هذا قيام سلطة لاهوتية تطبع الدولة بطابع ثيوقراطى تعلو فيها سلطة رجل الدين على سلطة المجموع فالإسلام لا يعرف الكهانة ولا طبقة رجال الدين .
وقد قام المجتمع الإسلامي متكاملاً منذ البداية وعلى نظام دنيوي خالص لم يكن وحياً من عند الله ولم تنص على قاعدة دينية حتى لا يكون إلزاماً للناس من بعد أو أساساً لدولة دينية يجمد فيها نظام الحكم أو دستور الدولة أو تقف بالفكر عند حدود ملزمة تقعد بالجامدين عن التطور وفصل بذلك بين الدين والدولة منذ البداية – ولا يعنى هذا الفصل إنكار المجتمع أو أي نظام سياسي يقوم لصفة الدولة فهي دولة إسلامية ولكنها ليست دينية يستمد الحاكم منها سلطانه من الله كما يستمد منه العصمة ... وليست دولة علمانية لا ترى للدين سلطاناً على العلم وتفصل ما بين الدين والعلم كما تنكر الدين كأي دولة لا دينية ... وسنعرض فيما يلي لعدد من النظريات التي تؤسس للدولة الدينية ثم عرض مفهوم الدولة المدنية ورأي السلفيين بشأنها /
يمكن تلخيص النظريات التي تبني عليها الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) عموماً إلي ثلاث نظريات :
- نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم: هذه النظرية تقول ( أن الله موجود علي الأرض يعيش وسط البشر ويحكمهم ويجب علي الأفراد تقديس الحاكم وعدم إبداء أي اعتراض ) وهذه النظرية كانت سائدة في الممالك الفرعونية والإمبراطوريات القديمة وبعض مراحل الدولة الفاطمية,
- نظرية الحق الإلهي المباشر: وهذه النظرية تقول ( إن الحاكم يُختار وبشكل مباشر من الله ) أي أن الاختيار بعيداً عن إرادة الأفراد وأنه أمر إلهي خارج عن إرادتهم وتمتاز بالآتي :
o لا تجعل الحاكم إلها يعبد .
o الحكام يستمدون سلطانهم من الله مباشرة .
o لا يجوز للأفراد مساءلة الحاكم عن أي شئ .
وهذه النظريات التي تبنتها الكنيسة في فترة صراعها مع السلطة الزمنية , كما استخدمها بعض ملوك أوربا – خاصة فرنسا لتدعيم سلطانهم علي الشعب .
- نظرية الحق الإلهي غير المباشر : الحاكم من البشر , لكن في هذه النظرية يقوم الحاكم بطريقة غير مباشرة حيث يقوم مجموعة من الأفراد باختيار الحاكم وتكون هذه المجموعة مُسيرة لا مُخيرة في اختيار الحاكم – أي مسيرة من الله .
الدولة المدنية ورأي السلفيين بشأنها /
تعرف الدولة المدنية بأنها الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر وتقوم علي عدة مبادئ أهمها أن تقوم تلك الدولة علي السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات , وبما يضمن حقوق جميع المواطنين وألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر ... فضلاً عن الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة وإقرار مبدأ المواطنة , وهي دولة لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة ولا تعادي الدين أو ترفضه مع الالتزام بالنهج الديمقراطي والتعددية والقبول بمبدأ تداول السلطة بما يحول واغتصاب السلطة من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو عرق ... ومصطلح الدولة المدنية وفقاً لدراسة أبو فهر السلفي ( الدولة المدنية ... المفاهيم والأحكام تتكون من ركنين /
1. الدولة : في العربية ترجع مادتها لدوران الحال وانتقاله وتختص الدُولة- بضم الدال - بالانتقال والتعاقب في أمور الدنيا كالمال والجاه , والدََولة – بالفتح 0 بالانتقال في الحرب كأن ينتقل النصر من فئة إلي فئة ... والدولة في الاصطلاح السياسي مجموع كبير من الأفراد, يقطن بصفة دائمة إقليماً معيناً, يتمتع بالشخصية المعنوية, بنظام حكومي, واستقلال سياسي... وتستخدم كلمة دولة للإشارة إلي مدلولين /
أ‌. كل الأشخاص والمؤسسات الذين ينتظمهم الإطار السياسي للمجتمع .
ب‌. مؤسسة الحكومة فيستعمل المصطلح هنا في مقابل الشعب .
ولم تستعمل هذه الكلمة للدلالة علي هذا المعني إلا في مراحل متأخرة سواء اللغات الغربية أو اللغة العربية وكانت بدائلها في العربية ألفاظاً, مثل ( الدار – الخلافة – السلطنة – المملكة – البلاد ) .
2. المدنية / نسبة إلي المدينة وتدل علي نمط الحياة في المدينة , معبرة – في رأي بعضهم – عن العناصر الظاهرة الفعالة المحركة بين عناصر حضارة المدينة , وهي مرادفة للحضارة عند الأكثر , وتستعمل هذه اللفظة في كثير من الأوساط الثقافية في مقابل عدة كلمات , تتضح دلالتها بيانها , وهي :
أ‌. المدنية: كمقابل للبداوة, فهي هنا بمعني ( الحضارة والعمران )
ب‌. المدنية: كمقابل للعسكرية, فيقال ( لباس مدني, ولباس عسكري )
ت‌. المدنية: كمقابل للدينية, فيقال ( العلوم المدنية مقابل العلوم الدينية).
ث‌. ويعبر في الفلسفة اليونانية عن إدارة أمور المدينة بالسياسة المدنية ويعرفونها بأنها ( علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة , ليتعانوا علي مصالح الأبدان , وبقاء نوع الإنسان )
والواقع أن هناك خلاف بين علماء السلف حول مفهوم الدولة المدنية وهم ينكرون رأي العلمانيين بضرورة (فصل الدين عن الدولة ) وإنما وافقوا على أن الدولة الإسلامية ليست دوله دينية على النموذج الغربي حيث البابا هو إله ودولة . وهذا مرفوض في الإسلام تماماً ... لأن نظام الحكم الإسلامى ، الشريعة فيه حاكمة على كل أحد ، وحق التشريع في الإسلام حق خالص لله – عز وجل - ، ( أن الحكم إلا لله ) , والرسول – صلى الله عليه وسلم – مبلغ عن ربه والمجتهدون يستنبطون الأحكام والمبادئ فيما لم يرد فيه نص والقضاة مثلهم مثل القضاة في أي نظام ،يطبقون التشريع الذي يأتيهم من المشرع,
والسلفيون يرون أنه لا يجوز بحال من الأحوال تخفيض سقف آمال المسلمين والمطالب العادلة لهم في أن يعيشوا الإسلام كما شرعه الله ... ولكن أمام إصرار السلفيين علي إقامة دولة دينيه يثور الجدل وتتباين الرؤى فهناك الرفض التام لهذا التصور وهناك النقض ( عدم الرفض المطلق ) ,
ويقع كثير من الناس في خلط شديد بين مفهومي الدين والدولة الدينية وقد أدى هذا الخلط والذي يبدو لنا أنه متعمد يقصد منه استخدام الدين لتبرير الاستبداد والطغيان والظلم من خلال سلطة ترتدي وشاح الدين والدين منها براء وهنا يثور التساؤل عن الفرق بين الدين والدولة الدينية ؟ ... وكيف تحكم الشعوب من خلال دولة مدنية..الدين أحد مرجعياتها وثوابتها ؟ ولعل طرح ماهية الدين ومفهومه يَعد نقطة البدء في الولوج داخل هذه الإشكالية التي شغلت وستظل تشغل فكر قطاع واسع من رجال الفكر والثقافة وعلماء الاجتماع والمنشغلين بقضايا الأديان.
أولاً : في مفهوم الدين أو تعريفه:-
يرى د. أحمد بن سيف الدين تركستاني أن الدين يعني الطاعة والانقياد وتأسيس منهج الحياة على مثل عليا يلتزم بها الإنسان في حين أن الموسوعة الحرة ويكيبديا تشير إلى أن مصطلح الدين مثير للجدل ولا يوجد تعريف واضح وثابت له يرضي كل الناس وكل تعريف يخضع لإيمان ورؤية واضحة فهناك من يعرفه من منطق إيماني أو إلحادي فضلاً عن ذلك فإن نظرة العلماء إلى الدين تختلف عادة باختلاف تخصصاتهم وكما جاء بالموسوعة فإن علماء الاجتماع يرون في الدين مجموعة من القيم والمثل والخبرات لا يمكن اختصارها في مجموعة من المظاهر الاجتماعية والثقافية والتي لا تخرج عن كونها مظاهر ناتجة عن الدين وليست الدين أساساً ... وعليه فإنهم يرون في الدين الوعي والإدراك للمقدس وهو الإحساس بأن الوجود والعالم تم إيجاده بشكل غير طبيعي عن طريق ذات تعلو فوق الطبيعة (الإله الخالق) ... ويشير أحمد بن سيف الدين تركستاني إلى التعريف الذي وضعه الأستاذ / محمد فريد وجدي " الدين اسم لجميع ما يعبد به الله والملة ومثله الديانة) ... في حين أن من المسلمين من يرون أن الدين يعني الاستسلام لأمر الله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وإتباع الرسول المعصوم وأن يكون الاستسلام والإتباع عقيدة وشريعة ومنهاج حياة شامل
وفي دراسة نشرت بمجلة العلوم الاجتماعية الكويتية تحت عنوان ( مفهوم الدين ونظريته وأنواعه ) أنه يتعثر العثور على تعريف اصطلاحي موحد لكلمة دين إلا أن الدراسة طرحت عدة تعريفات لعلماء مسلمين أوردت منها ثلاث تعريفات /
-إن الدين وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عند الرسول .
-أنه القيام لله بما أمر به .
-أنه أمر يضاف إلى الله تعالى... هو وضع إلهي يسوق ذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات وهو ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم فإن الوضع الإلهي هو الإحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء .
... ومن ثم فإن ذلك يعني أن الدين إيمان وفعل فأما الإيمان فيقضي التسليم والاعتقاد الجازم بوجود قوة هائلة جبارة أعلى من طبيعة الإنسان العقلية وهذه القوة هي التي تؤثر في تصرفاته وسلوكياته أما الفعل فهو الالتزام بكل الفرائض التي طرحتها الأديان أياً كانت (سماوية / وضعية أرضية من وضع البشر) .
... وتختلف رؤية فلاسفة الغرب حول مفهوم الدين فإن كان المسلمون يحددون الدين فيما تضمنته تعاليم الأديان السماوية فإن الغربيين دمجوا بين ما هو منزل من السماء وما هو موضوع من قبل البشر (الدين الأرضي) وفي هذه الرؤية فإن المسلمين يرون أن كل دين لم ينزل من السماء دين باطل وفاسد زائف وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى من بعض الفلاسفة الغربيين تعريفاً للدين أقرب ما يكون للرؤية الإسلامية فهذا هربرت سبنسر الفيلسوف الإنجليزي يقول إن "الدين هو الإيمان بقوة لا يمكن تصور ماهيتها الزمانية والمكانية" ... ولكن لم يكن مفكرو الغرب على وفاق تام مع الدين فمنهم الكثير ممن هاجموا الدين وأرى أن مونتيسيكو وفولتير كانا من أشد المناهضين للدين وأكثرهم نقداً وكانت الأحداث التي عرفاها وعاصرا بعضها ذات تأثيرات على فكرهما حيث كانت هناك كل صور العنف والتدمير وإزهاق أرواح الناس وذلك خلال القرن السادس عشر وتحت أعين وبمباركة رجال الدين وأمراء الكنيسة وكانت المذبحة الشهيرة (سان بارتلمي) التي نفذها كاثوليك فرنسا ضد البروتستانت عام 1572 بأوامر من شارل التاسع وبمباركة والدته كاترين من أهم الأسباب التي دفعت بعض المفكرين ومنهم مونتيسيكو لمعارضة ومهاجمة الدين .
يرى مونتيسيكو (1689-1755) في الدين مجرد تزيين جميل وكابح اجتماعي وكان يتصدى للكهنوت (من المعروف أن الكهنوت يعني الوساطة بين الله وخلقه من خلال الكهنة ) .
أما فولتير (1694-1778) فقد كان الدين بالنسبة له تخريف وتعصب وكان لا يطيق مجرد ذكر اسم الدين أمامه وقد كان إحساسه بالضيق الشديد راجعاً تحديداً إلى ذكرياته الأليمة عن مذبحة بارتلمي كان عندما يتذكر تلك المذبحة وفقاً لقوله يحس بأعراض الحمى التي تضطره إلى الذهاب إلى الفراش لقد عارض فولتير بكل شدة وحماس الكهنوتية وأكد على ضرورة الفصل بين الكهنة والدين فهم في تصوره صورة مشينة للدين ويقول في ذلك (يجب أن يكون لنا دين وألا نؤمن بالكهنة) .
قال "اسحقوا الكريه (قاصداً الدين) وأدين الدين باعتباره خيالاً ولا معقولاً أو أسطورة أو وهماً أو أفيونا أو معرفة تجاوزها العلم فقد تكون الظروف التي عاصرها والتي شهدت صراعاً محتدماً بين الكنيسة والدولة حيث كانت الكنيسة تشرف على السلطة السياسية وتتحكم فيها وتقوم بتنصيب الملوك ومنحهم مشروعية الحكم أحد أهم أسباب التحول في حياته الفكرية كانت الكنيسة من خلال رجال الدين تستغل الناس وحتى تظل الأوضاع على جمودها عمل رجال الدين على بذر الأحقاد والضغائن مما أثر سلباً على نسيج المجتمع ومن هذا ربط بين المسألة السياسية والمسألة الدينية وهما في نظره مظهران لمشكلة واحدة تستلزم أبعاد الخوف والحقد مقابل إقرار العقل وتقديمه على كل القيم الأخرى من خلال تخليص الدين من معجزاته والسماح بحرية الاعتقاد بغير النصوص الجامدة .
أما سبينوزا فقد انطلق من خلال فكرة نقد منهجي للدين تمثل في نقده النصوص التي تضمنها الكتاب المقدس فيما يتعلق بالمعجزات والنبوءات التي يشير إليها فيرى أن الكتاب المقدس عمل إنساني يحمل كثيراً من التناقضات ويؤكد على الطلاق المطلق بين اللاهوت والفلسفة وبين الإيمان والعقل ويرى أن الفلسفة غاية وهي الحقيقة في حين أن غاية الإيمان تكمن في الطاعة والتقوى لا غير فللدين مجاله وللعقل مجاله وهو بذلك حرر الفلسفة من تبعية اللاهوت الذي كان مسيطراً عليها وبشكل أعمى .
رأى أن رجال الدين يلعبون على المشاعر الإنسانية لتشجيع أتباعهم من خلال حكايات غير علمية وكان على يقين تام أن قصص المعجزات تؤثر على مخيلة الناس العاديين وتجبرهم على الطاعة ، وظل على قناعة تامة بأن الاعتقاد في الخرافات هو العدو اللدود لمعرفة الحقيقة ويعود إلى جهل الإنسان للأسباب الحقيقية للظاهرة ومن ثم في تشكيل رأيه.... وإذا ألقينا الضوء على الدين عند كارل ماركس لرأينا أنه كان يرى في الدين نقيضاً للتنوير ويشكل غشاوة على حواس الإنسان فهو كالمخدرات ومن هذا التصور قال الماركسيون إن الدين أفيون الشعوب فالدين يحقق للإنسان سعادة وهمية وهذا الاعتقاد جازم لدى ماركس لأنه رأى في استخدام الدين كأيديولوجية هدفاً لإحداث حالة من الرضاء من جانب الفقراء على أن الرغم مما يواجهونه من أهوال وأعباء وإن كان في ذات الوقت يؤكد على العيب يكمن فيما يفعله الناس باسم الدين وليس في الدين نفسه يقول ماركس إن الدين آفة أم آهة ؟ الخليقة المضطهدة هو قلب عالم لا قلب له مثلما هو روح وضع بلا روح إنه مخدر الشعوب ... لماذا ؟ لأنه يخلق وهمية الأوهام لدى الفقراء ... الدين مخدر تم تصنيعه من خلال الطبقة الحاكمة للإبقاء على حالة السعادة عند الجماهير من خلال /
-العزاء الوهمي والسعادة المزيفة التي يوفرها الدين لطبقة ما بما يعني أنه سبب ظهور الوعي الزائف ووقوع الناس في الاغتراب.
-تعويض خيالي وجزاء معنوي عن شقاء واقعي أنه مجرد إذعان وسبب للركوع والخنوع وتعبير عن العجز وتبرير للبؤس والشقاء... ويصرف الناس عن تغيير واقعهم .
إن الدين في معظمه أيديولوجيا تخفي مطالب ومصالح ورغبات قوى اجتماعية أنتجته في عقل وكينونة البشر بأن هناك تعويضاً سوف ينالوه فيما بعد ويرى ماركس أهمية خلع السحر (الدين) عن البشر كي يفكروا ويبدعوا عندما يخلعون عن أنفسهم قداسة وتأثير الدين ... قد نختلف كثيراً مع رؤية ماركس عن الدين ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن ماركس عندما نظر إلى الدين هذه النظرة السلبية فإنما كانت من وجهة نظر البعض تمثل نقداً للدين كأيديولوجيا وكوسيلة اتخذتها فئة من الناس لتبرر فرض سيطرتها ورؤيتها على الطبقات الأخرى في المجتمع .
... وفي ذات السياق فإن ماركس رأى أن الدين من جانب آخر محفزاً للثورات وفاعل إيجابي ومحفز ودافع قوي للثورة ورفضها للأوضاع الظالمة .
ماركس لم يكن كافراً بالمطلق ولكن كان يريد الارتقاء بالوعي وتطهير الأفكار من الوهم والخرافات والغيبيات التي صاغها رجال الدين في أوربا لصالح إحلال الوعي العلمي والاهتمام بالنزعة الدنيوية وترسيخها في ثقافة الإنسان وحياته اليومية ولم يكن اعتراض ماركس على الدين إنكاراً له ولكن كان اعتراضاً على التوظيف السيئ له ... نعم التوظيف السيئ له الناتج عن تدخل رجال الدين ومؤسساته في مجمل الحياة الاجتماعية من خلال أفكار استغلالية يبشرون بها ويعملون على إقرار ويضفون عليها ثوب القداسة.
أما فيورباخ (1804-1872) فمن المعروف أنه كان يهدف إلى تحرير الإنسان مما سماه الوعي الديني .. ويرى أن أصل تطور الأديان في الماهية البشرية ينبع مع ماهيته اللانهائية ... ويرى فيورباخ أن للدين نتائج سلبية /
-الإيمان بالإله يؤدي إلى نفي عالم البشرية الأرضي ويقود إلى عدم الاهتمام بالحياة والتطور .
-الإيمان بالإله يعرقل العلم والتقدم والحرية وهذا يعني أنه يعارض التقدم والعمل من أجل حياة أفضل .
-الإيمان بالإله يؤدي إلى عدم التسامح مع الذين لا يؤمنون بالإله ذاته وهذا يعني أن عدم التسامح نتيجة حتمية.
... والحقيقة المؤكدة أن الدين قوة إيجابية تدعو إلى الفضيلة والعدل والإنصاف وعدم الظلم ونبذ الاستبداد وكراهية الطغيان والدين فطره خلق عليها الإنسان تقوم على أساس رغبة الإنسان في معرفة خالقه والتقرب إليه والخشية منه وكما يقول د. حسن حنفي" مازال الدين في مجتمعاتنا الإسلامية محركاً للشعب يساهم في التقدم والنهضة لمجابها التحديات الرئيسية للأوطان في الاحتلال والقهر والتخلف والتجزئة والتغريب والاستكانة والاستسلام" .
إن إزدراء بعض الشعوب أو نفر من الناس للدين ليس لعيب في الدين ولكن العيب فيمن يستخدمونه استخداماً سيئاً يبررون من خلاله أفعالهم التي تتعارض مع حقيقة وسمو أهدافه
... كانت أفعال الكنيسة في أوروبا وسيطرة رجال الكهنوت على مقدرات الناس وشيوع المظالم (محاكم التفتيش مثلاً) تحت اسم الدين سبباً رئيسياً في ظهور الأفكار المناوئة للدين ولم يخل الإسلام من هذه الظاهرة فتحت عباءة الدين استبد بعض الحكام حتى أنه وفقاً لرؤية د. إمام عبد الفتاح (الطاغيةـ دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي) أن بني أمية استقروا على النظرية التي حكموا على أساسها ودعموا بها ملكهم الاستبدادي وهي أن الله اختارهم للخلافة وأتاهم الملك وهم يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته وأحاطوا خلافتهم بهالة من القداسة وأسبغوا على أنفسهم كثيراً من الألقاب الدينية ... وكانوا يؤكدون على أنهم وصلوا إلى السلطة من خلال الله وليس للناس فيها رأي أو مشورة ... حكموا وفقاً لنظرية التفويض الإلهي ... وهي النظرية التي تأكدت بوضوح تام عند العباسيين فيما بعد (المصدر ذاته) ... هنا نرى أن المستبدين كانوا يجدون في الدين الغاية والمبرر الذي يبقون على أساسه على سدة السلطة وبالدين يبررون أفعالهم حتى إن هناك من رأى أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً فهو ظل الله على الأرض وهذه الرؤية لإستخدام الدين وصولاً للدولة الدينية كانت مظهراً للحكم منذ فجر البشرية وشهدتها مصر الفرعونية وبلاد بابل وفارس والصين (الطاغية ـ مصدر سبق ذكره) واستمر الوضع ... الحكام يحكمون باسم الدين وتحت مبدأ التفويض الإلهي وإضفاء القداسة على الحكام .. ويبقى السؤال لماذا نرفض الدولة الدينية ؟
... ابتداءً فإن التاريخ يذكر أن اليهود هم أول من حاول إقامة الدولة الدينية بالنسبة للديانات السماوية وهم أول من صاغ مصطلح الثيوقراطية وذلك لأسباب خاصة بهم منها اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار المميز عن الأمم الأخرى ... وقد كانت محاولات الملوك خلال العصور الوسطى ارتداء عباءة الدين أو الادعاء بأنهم يستمدون سلطاتهم من الله تبريراً لسلطتهم المطلقة إنما هي في الواقع محاولة إحياء الدولة اليهودية .. وقد استمر هذا الاتجاه في العهد المسيحي حيث استغل بعض الملوك الدين "كل سلطة فهي مستمدة من الله" وذلك تبريراً للطاعة المطلقة والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد ( لمزيد من المعرفة يمكن الرجوع إلى المصدر السابق ذكره ) ... ما المقصود بالدولة الثيوقراطية (الدينية) ؟
كان أول من صاغ مصطلح ثيوقراطية جوزيفوس فلافيوس في القرن الأول الميلادي لوصف الحكومة القائمة عند اليهود والثيوقراطية كلمة أصلها يوناني وتعني حكومة الكهنة أو الحكومة الدينية وتتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين ثية وتعني الدين وقراط وتعني الحكم ومن ثم فإن الثيوقراطية تعني نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين لا يجوز مراجعتهم أو محاسبتهم "فالثيوقراطية" هي ذلك النظام من الحكم الذي يجعل من الدين والتفويض الإلهي مصدراً للسلطة السياسية ويدعى القائمون عليها أنهم مفوضون من الله ،وأنهم ناطقون باسم السماء ويجب الإذعان لجميع قراراتهم والرضا بها دون مراجعة أو اعتراض لأن الاعتراض عليها يكون اعتراضاً على الله الذي يتحدثون باسمه ، وهم وكلاؤه على الناس.
أي أن الدولة الثيوقراطية دولة قائمة على نظرية الحق الإلهي ، يقدس فيها الملوك والحكام باعتبارهم نواياً عن الله وممثلين له في الأرض فآراؤهم مقدسة وأقوالهم وأفعالهم معصومة وقد عرفت أوروبا هذا اللون من الحكم في عصورها الوسطى بناء على ما يدعون أنه مأثور عن السيد المسيح عليه السلام ( ما تحلونه في الأرض يكون محلولاً في السماء وما تربطونه في الأرض يكون مربوطاً في السماء ) فمارس الحكام الاستبداد والقهر على شعوبهم باسم الدين واحتكرت الكنيسة المعرفة.
ويرى د. يوسف القرضاوي أن الدولة الدينية الثيوقراطية التي عرفها الغرب في العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين الذين يتحكمون في رقاب الناس ـ وضمائرهم أيضاً ـ باسم ( الحق الإلهي فما حلوه في الأرض فهو محلول في السماء وما ربطوه في الأرض فهو مربوط في السماء ) فهي مرفوضة في الإسلام وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي إنما فيه علماء دين يستطيع كل واحد منهم أن يقوم بالتعليم والدراسة وليس لهم سلطان على ضمائر الناس ودخائل قلوبهم ، وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق بل كثيراً ما يهضمون ويظلمون ويقول د. القرضاوي نعم للدولة الإسلامية ، ولا ثم لا للدولة الدينية الثيوقراطية ويضيف د. القرضاوي أن الدولة في الإسلام هي كما جاء بها الإسلام وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مدنية تقوم السلطة بها علي البيعة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها ومن حق الأمة ـ ممثلة في أهل الحل والعقد فيها ـ أن تحاسبه وتراقبه وتأمره وتنهاه وتقومه إن اعوج وإلا عزلته ومن حق كل مسلم بل كل مواطن أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكراً أو ضيع معروفاً بل على الشعب أن يعلن الثورة عليه إذا رأى كفراً بواحاً عنده من الله برهان"
إن تاريخ الدولة الإسلامية يشهد بأنها لم تكن دولة ثيوقراطية دينية بالمعنى الذي عرفته أوروبا وهو حكم رجال الدين وسلطتهم المطلقة في الأمور المدنية والدينية فالدين الإسلامي ليس فيه كهنوت ولا رجال دين وإنما فيه علماء وهؤلاء العلماء ليسوا أوصياء من الله على خلقه كما لم يكن هناك احتكار للمعرفة ولكن هذا لا ينفي أن الدولة في الإسلام تقوم على حراسة الدين وتصطبغ بهويته ، وتعمل على إقامة أحكامه والدعوة إليه ... وهذا يختلف جذرياً مع الحكم بالتفويض الإلهي كما كان يحدث في أوروبا خلال عصور الظلام والتي ما زالت ملامحها بادية في بعض أنظمة الحكم في بعض الدول العربية والإسلامية على الرغم من الإسلام حدد مهام الحاكم في تنفيذ ما يوكل إليه من تكليفات من خلال سلطات محددة لا يمكن تجاوزها منها الدفاع عن الدين وحدود البلاد وجمع الضرائب وتوزيعها واختبار حكام الأقاليم (الولاة) ... الخ وهكذا يؤكد على أن الحاكم في الإسلام لا يحكم بتفويض إلهي ولكن يخضع كغيره من الناس لما يقرره الله ووفقاً لمصلحة الرعية ... وهكذا يتضح أن الدولة في الإسلام دولة مدنية أحد ثوابتها الدين يقوم على أساس البيعة والاختيار (أرى أن ذلك يعني حق المواطنين في اختيار من يحكمهم بحرية وبدون تزوير أو تدخل من جانب الحكومات) والشورى أي الأخذ بما يراه الناس من صحيح في إدارة الحكم (رؤية د. القرضاوي وقد سبق الإشارة إليه) .
... نعم لا خلاف على أهمية الدين كمرتكز لكل مقومات إقامة الدولة ولا مناص عن دوره ولكن أن يصبح مطية في أيدي حكام مستبدين يحاربون الديمقراطية باسمه ويحاصرون الحريات الشخصية أيضاً بإسمه وذلك من خلال دولة دينية أمر يتنافى وحقوق الإنسان ..... نعم للدين الذي يجعل الناس سواسية ولا يعظم بعضاً على بعض من خلال قداسة أو استعلاء ... ولا للدولة الدينية التي تبغي وتتحيز باسم الدين والدين منها براء ونعم للدولة المدنية القائمة على التعددية والنابذة للتعصب المذهبي تلك الدولة التي لا توظف ولا تسخر الدين لغايات سياسية... نعم للدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه بعيداً عن العقول المتزمتة غير المتجاوبة مع قيم العصر ومع التسليم الكامل بأن الدين لا يتناقض مع مفاهيم العدل والمساواة ونبذ الظلم والاستبداد فإن استخدامه من قبل النظم الحاكمة جعل منه قيداً على الحرية والفكر نتيجة جمود بعض التفسيرات التي لم يستطع بعض علماء الدين من وضعها في سياقها الزماني ومما لا شك فيه أن هناك من الأحكام التي اختلفت باختلاف الزمان نتيجة لتغير العرف ولو أن هذه الأحكام ظلت باقية لأ حدثت في الناس مشقة وضرر وهي بذلك تكون مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية التي تؤكد على ضرورة التخفيف ورفع الضرر ومن الملاحظ أن المرجعية في الدولة الدينية تعود إلى أحكام وقواعد بعضها خارج عن النطاق البشري والتي يتم تفسيرها حسب أمزجة وإرادة الحكام أما المرجعية في الدولة المدنية فهي تقوم على أساس ومصالح الناس وتتوافق مع التطور التاريخي للمجتمعات وهي على النقيض من الدولة الدينية تعلي من مبدأ المواطنة بعيداً عن التميز العرقي والطائفي ولدينا مثال على ذلك يما يتعلق بالدولة الدينية فهناك اليهود يعلون من وضع الإنسان اليهودي على كل الملل والنحل باعتبارهم شعب الله المختار انطلاقاً من مفهوم الدين لديهم ... والتاريخ يشير إلى أن الدولة الإسلامية خاصة في الفترة التي أعقبت وفاة الرسول (ص) وفترتي حكم الخليفتين وأبو بكر وعمر شهدت كثير من الأحداث التي سببت صدعاً في بنيان. الدولة الإسلامية فكان كما سبق ونوهنا عنه يتم تصفية المعارضين تحت شعار الدين وكم من رموز الفكر سقطوا صرعى رؤية دينية متحجرة متبلدة فقتل الإمام الحسين لأنه عارض استبداد بني أمية ومثله عبدالله بن الزبير .. وقتل المنصور ابن المقفع بمجرد أن عارضه في سياساته المبنية على مرجعية دينية محرفة لا تستند أساساً على صحيح الدين ولعلنا لا ننسي الدور الذي لعبه الفقهاء ضد الفيلسوف العقلاني ابن رشد عندما دسوا عليه لدي الخليفة المنصور الذي نفاه وضيق عليه لمجرد أنه كان ضد الأفكار الجامدة واستخدام الدين في تبرير ما كان سائداً من رؤيً لا تتناسب مع حقائق العلم ولا ثوابت الدين والتي كان يروج لها هؤلاء الفقهاء وبذلك خسر الفكر الإنساني كثيراً بما حدث لهذا الفيلسوف المفكر .
إن من مثالب الدولة الدينية أن من الحكام من يرى في الفكر والثقافة شروراً يجب القضاء عليها وأذكر فيما تفعله الطالبان في أفغانستان عندما دكوا بالمدافع تماثيل بوذا وحرموا على النساء العمل والتعليم ومنعوا الإرسال التليفزيوني وما تقوم به ما تسمي بجماعات المجاهدين في الصومال من قتل ونهب وتدمير للبني الأساسية للدولة تحت اسم الدين في حين أن الدوافع الأساسية هي الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين .
وغالباً تقوم الدولة الدينية على عدد من التجاوزات التي يبررها رجال الدين وهي تناقض في الأصل ثوابت الأديان فلم تكن الشرائع السماوية بالمؤيدة للطغاة والمستبدين ويبقى توظيف الدين لصالح السياسة سبباً في انتشار الفساد واستخدامه في تدعيم الشرعية السياسية غير المقبولة شعبياً واستخدامه أيضاً في تبرير الخطاب السياسي للنخب الحاكمة ودعم سياساتها الاجتماعية وما تتخذه من قرارات في مجال السياسة الاقتصادية تتعارض مع مصالح الشعوب .
الدولة الدينية تستخدم الدين في حشد الجماهير وكسب ود وتعاطف الرأي العام من خلال استغلال الظاهرة الفطرية لدى الناس والمتمثلة في احترامهم للدين ـ بل ويبرز من خطورة الأمر أن القوى الدينية كثيراً أما تطلق شعارات تلهب مشاعر الناس فالأخوان المسلمون في مصر وهم من خلال كبار قادتهم لا يخفون رغبتهم في إقامة دولة دينية يرددون شعارات (الإسلام هو الحل ) أو ( القرآن دستورنا ) دون أن يقدموا برنامج علمي للتنفيذ وهم لا يخفون معارضتهم لتولي مسيحي سدة الحكم في البلاد العربية ولهم آراؤهم في دور المرأة المجتمعي ، أيضاً لهم رؤيتهم في المشكلات الاقتصادية وهي غالباً تتعارض ومقتضيات العصر ـ والمرجعية الدينية المسيحية ليست أكثر مرونة من جماعة الإخوان ويشير أ. نبيل عبد الفتاح في مقاله المنشور بالأهرام في 17/6/2010 تحت عنوان ما وراء حالة التضاغط السياسي في مصر الأمة إلى رفض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تطبيق الأحكام القضائية فيما يتعلق بالزواج الثاني ... يقول نبيل عبد الفتاح في موقف الكنيسة (السلطة الدينية) موقف ديني / لاهوتي وتأويلي ، يتم تعبئة الجمهور المسيحي الأرثوذكسي وراء السلطة / الكنيسة وذلك لرفض صريح للقانون الساري الذي يتم تغييره منذ فترة وتطبقه المحاكم في كافة الأقضية التي ترفع لها طالبة التطليق ويضيف الكاتب"هنا نحن إزاء سلطة دينية" ـ مع كل الاحترام لها تقف رافضة لقانون الدولة بغض النظر عن الرأي فيما جاء به من قواعد قانونية ومدى اتفاقها أو تناقضها مع موقف البطريرك والمجمع المقدس منذ 1971 وحتى اللحظة الراهنة السلطة القضائية والمحاكم تطبق القوانين المعمول بها على المنازعات التي ترفع إليها ولا تعمل القواعد أو المبادئ أو العقائد التي يراها أطراف الخصومة القضائية ولهذا السبب ألغت المحاكم الاستئنافية ـ الجنح المستأنفة ـ بعض الأحكام التي أصدرها بعض القضاة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي بتطبيق أحكام الحدود (في بعض جرائم السرقة وتناول الخمور إعمالا لنص المادة الثانية من الدستور ) ... ويستطرد . نبيل عبد الفتاح إلى إلغاء الأحكام السابقة الذكر لأن نص المادة سالفة الذكر لا يتوجه به المشرع الدستوري إلى القاضي أو المواطنين وإنما إلى السلطة الشارعة كي تأخذ بالمبادئ العامة والكلية للشريعة أثناء وضع التشريعات وهو الأمر الذي حفظ للنظام القانوني المصري الحديث استمرارية أصوله ومبادئه المؤسسة ومرجعياته على اختلافها ومن ثم تبدو أحكام القضاء بالتطليق واجبة النفاذ إلى حين تغيير القانون والأخذ بما يراه البطريرك والمجمع المقدس والمواطنون الأقباط وينتهي نبيل عبد الفتاح إلى القول أن الخوف الذي سيطر على بعض أبناء النخبة المصرية تمثل في إظهار بعضهم أن بعض أطراف وفواعل رئيسة في المجال الديني بمقدورها تعطيل سلطة من سلطات الدولة كالقضاء والقانون الرسمي وفق موقفها الرافض لهذا القانون ودون اللجوء إلى الطرق المقررة دستورياً وهو طرح مشروع قانون بديل من خلال بعض أعضاء البرلمان بما فيه مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين المصريين أياً كان رأي بعض العلمانيين الأرثوذكس ، والإنجيليين، من ضرورة وضع نظام للزواج المدني إلى جانب القانون الكنسي يلجأ إليه من يشاء خارج الزواج الديني.
البعض يرى أن المشكلة هنا تتمثل في مسألة شرعية وتقاليد الدولة الحديثة وسلطاتها ومؤسساتها وقانونها واجب الاحترام من الجميع والذي يمكن تغييره وتعديله وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها دستورياً بعضهم يرى أننا إزاء ظاهرة سياسية اجتماعية ودينية بالغة الخطورة تتمثل في رفض تنفيذ الأحكام القضائية النهائية التي تصدر من قبل جهات المحاكم ودرجاتها على اختلافها بكل تبعات ذلك الخطيرة .
يسأل بعض المتابعين للظاهرة ما دلالة عدم تنفيذ الأحكام طالما ظلت سارية ولم يوقف تنفيذها أمر يراه البعض بالغ الخطورة ألا وهو تعطيل إحدى سلطات الدولة الحديثة والتشكيك في النظم القانونية للدولة أي تعطيل فعلي للسلطتين التشريعية والقضائية ومن ثم يمكن لبعض رجال الدين وجماعاته وذوي السلطة والنفوذ والقوة والثروة أن يعطلوا الدولة سلطاتها وأجهزتها عن العمل في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومن ثم وقف إشاعة الأمن في العلاقات بين المواطنين وبعضهم بعضاً وفي حماية الحقوق والحريات الشخصية والعامة والأخطر الخلل في علاقة المواطن بالدولة وبين السلطات والأجهزة وبعضها بعض ... الخ.
يقول د. جابر عصفور في دراسته "مخاطر الدولة الدينية" الدولة الدينية دولة بشرية لو أمكن قيامها تحكمها مجموعة من البشر تتحدث باسم الدين وتنوب عنه ، وتحتكر تأويله وتفسيره وإدعاء معرفته ، ومن ثم تقيم تطابقاً تخيلياً بينها وبينه فتصبح هي إياه أو يصبح هو إياها على سبيل التخيل لا التحقيق أقصد إلى أن شرع الله ليس هو الذي يحكم في حالة الدولة الدينية ، وإنما مجموعة البشر التي تدعى الإنابة عنه واحتكار المعرفة به رافضة أن يشاركها غيرها في الإنابة أو الحكم أو المعرفة , ولذلك فهي المصدر الوحيد لتفسير النصوص المقدسة للدين والناطق الأوحد لمقاصدها وقولها أو حكمها هو الحق وما عداه الباطل ما ظلت محافظة على هذا التطابق التخيلي بينها وبين نصوص الدين التي تدعي احتكار الفهم لها ، ولذلك ينبني خطابها على نوع من الوثوقية والجزم والحسم في اقترانه بأنواع الأمر والنهي والتحريم أو الإباحة التي يؤديها هذا الخطاب الذي لا يخلو من عناصر القمع الخاصة به ، خصوصاً حين يتوعد المخالفين بعذاب الدنيا والآخرة ويسم خطابهم المضاد بالبدعة المقترنة بالضلالة المفضية إلى النار ويضيف د. جابر عصفور أن الاختلاف مع خطاب هذه المجموعة يعنى الكفر والخروج على الثابت المعلوم من أمر الدين الذي تحدده هي ولا يحدده غيرها والذي تغدو إياه في علاقتها بالآخرين الذين لها عليهم حق السمع والطاعة والتصديق وعدم المساءلة ومن ثم الإذعان والاستجابة إلى كل ما يقال مهما كان هذا الذي يقال وبقدر ما تتحول العلاقة بين هذه المجموعة وغيرها إلى علاقة أعلى بأدنى قامع بمقموع آمر بمأمور ينتفي حضور حق الاختلاف الذي يغدو معصية ولا مجال لاجتهاد المغاوير الذي يغدو خطيئة ، ولا سبيل إلى المجادلة بالتي هي أحسن ما بين هذه المجموعة (الأعلى على نحو مطلق ) وغيرها ( الأدنى على نحو مطلق) فالمجادلة بالتي هي أقمع هي الأصل الملازم لاحتكار المعرفة الدينية والناتج عن التطابق التخيلي بين الدين والمجموعة التي توهم الآخرين أنها تنوب عنه أو تتحد معه كأنها إياه ولا ينفصل عن نتائج ذلك إلغاء الاجتهاد الذي يحل محله الإتباع وإحلال النقل محل العقل ، والتقليد محل الابتكار ، وسيطرة التراتب (البطريركية) بدلاً من المساواة ، التعصب بدلاً من التسامح فيحل التمييز محل التكافؤ ، ونخبوية المعرفة الدينية بدلاً من تعميمها الذي يؤكد حق الجميع فيها أو الوصول إليها بطرائق مغايرة فتتحول المعرفة بوجه عام إلى معرفة مضنون بها على غير القلة التي تحتكرها أو النخبة التي بيدها مفاتيح المعرفة المحرمة على غيرها ، ولا يؤدي ذلك إلى التضاد بين علم القلة بوجه عام وجهالة الكثرة فحسب بل يضيف إليه انحطاط معارف الكثرة (بإطلاقها) بالقياس إلى علو مقام معارف القلة المضنون بها على غير أهلها في كل الأحوال والنتيجة هي كثرة المحرمات المعرفية الموازية لشيوع التراتب ومنطق الاحتكار وإلغاء المغايرة ... ويستطرد الكاتب قائلاً وإذا نقلنا هذا المبدأ من المعرفة بوجه عام والدينية بوجه خاص إلى الممارسة السياسية كانت النتيجة متماثلة فإلغاء حق الاختلاف يبدأ من المعرفة وينتهي بالسياسة التي لن تعرف في حالة الدولة الدينية تعددية الأحزاب أو تنوع قوى المعارضة وحريتها بل تعرف الصوت الواحد الأحد الذي لا يطلب سوى الإجماع ويحارب التنوع والتعدد وحق الاختلاف من حيث هي نقائض لحتمية الإجماع الذي يقترن بالطاعة الواجبة (دون مساءلة) لقمة الهرم المتراتب دينياً ومعرفياً وسياسياً واجتماعياً حيث تهبط الأوامر المنزلة (كأنها الوحي ) من إمام المجموعة إلى النخبة المحيطة به بوصفها أدنى بالضرورة كي تنقلها إلى غيرها الأدنى منها وهكذا إلى سفح الهرم السياسي الاجتماعي المعرفي مستعينة على ذلك بعمليات تخيل أيديولوجي يبرر احتكار النخبة ورأسها الأعلى لكل شيء من ناحية ويشيع أفكارها ومبادئها بما يقنع بسلامتها من ناحية موازية وذلك في حجاج أيديولوجي يقسم المجتمع إلى فرق متعددة كلها في النار ما عدا فرقة واحدة ناجية لها الجنة والسعادة في الدارين هي فرقة النخبة الحاكمة التي يخلع عليها رأسها ما تخلعه هي على غيرها من صكوك الإيمان والرضوان والبركة والغفران في أحوال الإيجاب أو صكوك الكفران أو اللعنة الأبدية في أحوال السلب فالفرق الضالة مضلة هالكة مواعدة بعذاب الدارين واستئصال أفرادها واجب وجوب استئصال الزوان من الحنطة فيما يقول متطرفو الحنابلة المتأخرون .
ويري د.جابر عصفور أن النتيجة هي شيوع العنف مقروناً بالقمع في المجتمع وتغدو الأجهزة الأيديولوجية الدينية ودعاتها في علاقتها بالمواطنين الذين يتحولون إلى رعايا ، أدوات إرسال ذات بعد واحد يتجه من الأعلى إلى الأدنى دائماً أو من المركز القامع إلى الهوامش المقموعة فارضاً السمع والطاعة والتصديق والإذعان في كل الأحوال هادفاً إلى تحقيق الإجماع الذي يتم استئصال الخارج عليه أو النظر إليه بوصفه الشاه الضالة التي خطفها الشيطان وسكنها وعندما يصل القمع إلى ذروة ممارساته يتحول إلى عدوى تحيل المقموعين إلى قامعين بدورهم أو مقتولين قتلة أعني أن المقموعين الواقع عليهم القمع يعكسونه كما تعكس المرايا ما يقع عليها وتسقطه على غيرها الذي يسقطه على غيره بدوره وذلك في دورة جهنمية لا يكف فيها القمع عن توليد القمع ويتبادل فيها المقموع والقامع الوضع والمكان خصوصاً حين يتحول المقموع إلى قامع يمارس فعل القمع على غيره الذي يمكن أن يقع تحت سطوته فيتحول المجتمع كله إلى قامعين مقموعين في زمن لا يمضي إلى الإمام بل يعود إلى الخلف وجماعة لا تتطلع إلى مستقبل واعد بل إلى ماض تخيلي تسجنها أوهامه ... ويلقي د.جابر عصفور في دراسته الضوء علي الخطر الجسيم للدولة الدينية حيث يري أن مخاطر الدولة الدينية لا تقتصر على إلغاء الحريات بكل لوازمها فحسب وإنما يمتد الخطر إلى إلغاء معنى المواطنة ، وتحويل الانتماء من الوطن إلى المعتقد ومن ثم الانتقال من روح التسامح ومبدأ المساواة الذي يمايز بين الطوائف الدينية والفئات الاجتماعية والتيارات السياسية في معنى المواطنة المقترن بحق الاختلاف وطبيعته الحتمية إلى مبدأ التعصب الذي يؤكد التمايز والانقسام الحدي وعندئذ لن يصبح الدين لله والوطن للجميع بل يصبح الوطن من حق فئة بعينها بالدرجة الأولى تغدو هي الفئة الأعلى والأرقى وغيرها الأدنى والأقل في حقوق مواطنته الأمر الذي يؤدي إلى الاحتقان في العلاقة بين أبناء الديانات المتعددة في الوطن الواحد وتحل العصبية البغيضة محل التسامح الرحب فيتحول الاحتقان إلى صراع وتنافر ومن ثم إلى فتنة طائفية لا تبقى ولا تذر .
أما تأثيرات الدولة الدينية ومخاطرها من المنظور السياسي وحده لم نجدها قرينة الاستبداد والتسلط فحسب بل قرينة عدم وجود أسلوب واضح أو محدد لوصول الحاكم إلى الحكم ولا يوجد في هذه الدولة مؤسسات متمايزة مستقلة وهو الأمر الذي يتيح المجال واسعاً لاستبداد الحاكم وإلغاء الديمقراطية بلوازمها من دستور وقوانين أو وضعها في مؤخرة الاهتمام بشرط أن تكون على أساس من مرجعية دينية هي مرجعية فئوية أو طائفية في الأغلب الأعم ولن يوجد مفهوم للمواطنة بمعناه القائم على المساواة في الحقوق والواجبات ( لمزيد من الاطلاع الرجوع إلي الدراسة المنشورة تحت عنوان مخاطر الدولة الدينية – منتديات معراج القلم – شبكة الإنترنت ) .
نعود إلى الوضع من خلال رؤية الأوضاع بعد وفاة الرسول (ص) وانتهاء حكم الخلفاء الراشدين مع بداية حكم الأمويين تزايد دور الخليفة وأجهزة الدولة فوق الدين وتهميشه من الجانب الروحاني لحساب الجانب الدنيوي الذي تمثل في استخدام كل الأدوات لصالح النظم الحاكمة ـ ويقول سالم المساهلي في مقالته "في تاريخ العلاقة بنية الدين والسلطة " شبكة الإعلام العربية .
إن أبرز الأبعاد المستخلصة من الفتنة الكبرى ـ كنموذج للمعارك السياسية ـ هي أن السياسة مسألة مفوضة لنظر العقل والاجتهاد ومن أجل ذلك برز العامل السياسي وتفوق في مواقف معاوية وعمرو بن العاص وفي أدائهما أثناء المعركة مع جيش على بن أبي طالب تلك الحرب الأهلية بين المسلمين كان لابد منها لتوضيح الخط الفاصل بين نهجين مختلفين ورؤيتين متناقضتين : توظيف الدين لخدمة السياسة أو توظيف السياسة لخدمة الدين ولاغرو أن معاوية عند مطالبته بدم عثمان ورفعه للمصاحف على أسنة الرماح ودعوته للتحكيم والتفاوض كان يوظف الدين لمصلحة خطة سياسية تقوده للانفراد بالخلافة ومنذ تلك الفترة بل وما قبلها كان الفكر الإسلامي بحاجة إلى تركيز رؤية عقلية وواقعية للممارسة السياسية باعتبارها الآلة الضرورية لتنظيم المجتمع واستقراره وإنهاء حالة الاقتتال التاريخي والخلط المنهجي بين الدين والسياسة أي بين الوحي والتاريخ وبسبب غياب هذا التنظيم المفهومي والفكري بقي الموضوع ذا حساسية وحرج وقلق دائم كل ذلك رغم أن السياسة أو الأمانة وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيء منه التكفير على حد تعبير الغزالي ، بل إنها ليست من أركان الإسلام الخمسة ولا من أركان الإحسان الستة برأي ابن تيمية ولكنها كما يرى ابن خلدون من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق .
ومما هو جدير بالذكر أن تاريخ الدولة الدينية هو تاريخ حكم الشعوب تحت وصاية الدين من خلال أوضاع (كهنة ، رؤساء /طوائف دينية / فقهاء) وإنما ما يجعلون من أنفسهم وكلاء على الناس وفي أطر محددة بعضها يمكن تجاوزه وهذه الأطر تستند إلى عقيدة شمولية أحد مصادرها الذي يساعد تفسيره وتأويله هذه العقيدة تأبى التعددية وهي في غالب الأحيان منغلقة تسهم في خلق التعصب والجمود ...
ولدينا كما سبق ونوهنا في تجربة أفغانستان والصومال واليمن والسودان أمثلة حية على دور الأنظمة الحاكمة باسم الدين في شل حركة المجتمع وتصاعد وتيرة الصراعات والثورة على الأوضاع الظالمة ... هل يعقل أم يقبل المواطن العاقل برؤية بعض المنادين بالدولة الدينية بأن الإمام الظلوم الغشوم خير من فتنة تدوم ... ولا شك أن المؤيدين للدولة الدينية يرجعون ذلك إلى أن الدولة المدنية نتاج بشري لا يقدر على وضع نظام أمثل للبشرية .. هذا مردود عليه فيما ورد على لسان النبي (ص) بأن المسلمين أدرى بشئون دنياهم .. أعود للتأكيد على أن الدين سيظل باقياً ما بقي الإنسان مصدر وأساس التسامي الروحي والأخلاقي وهو لا يحارب المعرفة والتعدية فالدين عندما شرعه الله إنما هو لخدمة البشرية وتحريرها من نظم الوصاية والقمع ... وعندما يستعيد دوره الطليعي في المجتمع لتعزيز المطالب المشروعة للناس والوقوف في وجه البؤس والفاقة والبطالة ويعبىء الطاقات ضد استغلال الاحتكار يكون وسيلة لإعلاء قيم السلام الاجتماعي والإنساني فإنما يؤكد على أن الخيار الأمثل دولة مدنية .. تسودها قيم الدين .. لا دولة دينية تستخدم الدين في توظيف طموحات الحكام وأتباعهم من رجال المؤسسة الدينية التي جاءت وريث في ظل الجمود التعاقدي ومن خلال مناخ استبدادي يحكم في ظله الطغاة باسم الدين.
نعود إلي رؤية السلفيين حول الدولة المدنية فهم /
يرون أن النظام الإسلامى له خصائص محددة لو غابت عنه ينتفى وصفه بأنه إسلامي وهى كما حددها حسن البنا – العدالة ، الشورى أو الحرية والجهاد . وهذه القيم هي التي تجعل من النظام الإسلامى دولة دعوة أو دولة رسالة ذات طابع عالمي وهذا ما يفسر صدام السلفيين عموماً مع الدولة الحديثة ذات الحدود المعينة والوظائف المحددة ، أما موقف السلفيين من الديمقراطية كأسلوب حكم غربي المصدر وتعرضهم لاتهامات مستمرة بأنهم ضد الديمقراطية – داخل تنظيماتهم وكفلسفة حكم فإن هناك من التيارات السلفية من هم ضد الديمقراطية بسبب اختلافها حول فكرة مصدر السلطات . فالقول بأن الأمة أو الشعب مصدر سلطات يدخل حسب بعض السلفيين تحت العبودية لغير الله فالحاكمية لله وحده ويرى السلفيون أن سلطة الأمة أو الشعب في الإسلام مقيدة بالشريعة بينما هي مطلقة في الديمقراطية التي يسمونها دائماً غربية ، كذلك تتحدث الديمقراطية عن أمة أو شعب بعينه ، بينما الإسلام عالمي وإنساني والديمقراطية ذات أهداف دنيوية ولاتهتم بالآخرة أي أن الإسلام دين والديمقراطية نظرية سياسية تسعى لتقنين العلاقة بين الحكام والمحكومين فالمقارنة غير دقيقة ومن ثم يستخدم السلفيون الشورى كبديل إسلامي يحمل نفس معاني الديمقراطية وتفوقها على الديمقراطية الغربية . ويركز اتجاه سلفى آخر على رفض الديمقراطية تماماً والاقتصار على الشورى فقط لأن الديمقراطية تذهب بعيداً في مسألة الحريات الشخصية وقد تحلل حراماً أو تتساهل في منع المحرمات احتراماًٌ للحريات بينما يحاول آخرون تقريب الشورى من الديمقراطية ويسمونها الديمقراطية الإسلامية ، وهناك اتجاه ثالث يحاول أن يوفق بين أحسن ما في الاثنين لذلك صك مصطلح الشوراقراطية ( أري أن ذلك سفسطه غير مجدية ) ..
وتحت عنوان متى كان للديمقراطية مكان في الحكومات إسلامية ؟ ... جاء ما يعنى إن الإسلاميين يخشون من الديمقراطية لأنها تحقق للإنسان حريته وبالأخص حرية التفكير... والدعوة إلى الديمقراطية في الحكومات الإسلامية دعوة مرفوضة .... ومن ثم فإن كافة السلطات الدينية في العالم لا يمكنها الاستمرار في الحكم مع انفتاح رياح الحرية واشراع باب الديمقراطية التي ستسقط مسلسل الحاكمية الإرثية كما ستسقط الوالي ( الحاكم ) من مرتبة الألوهية والى مجرد مواطن له ذات الحقوق والواجبات ما للمواطن العادي ولن تبقى هناك عائلات مباركة وإلى درجة التقديس وأخرى في الدون .... لأن الجميع في سلم الديمقراطية من درجة ومرتبة واحدة في الوطن الواحد والانتماء للوطن وليس لدين أو عرق أو قومية ولا عرق أسمى ولا قومية رائدة . هناك إنسان رائد وفق عمله وما يقدمه المجتمع والبشرية من خدمة وابتكار لصالح الإنسان في كل زمان ومكان وما يطرح فإن هناك انقسام بين السلفيين في هذه القضية ما بين معارضين ومؤيدين. المعارضون يرون أن الشورى تختلف عن الديمقراطية وأن الديمقراطية تسمح بوصول الضالين فكرياً أو العلمانيين للسلطة ويرون أن الديمقراطية تجعل البشر يصدون عن أحكام الله ويرون أن نظام الحكم يجب أن يكون بالشورى الذين هم أهل العلم والأذكياء والباحثون وجموعهم فقالوا أهل العقد والحل ,
في الطرف الآخر ( وهم الجمع الأكثر من السلفية المعاصريين ) يرون في الديمقراطية نظام قابل للتطور ودمجه ليصبح إسلامي بل ذهب بعضهم إلى أن نظام الخلافة الراشدة لو استمرت لكان المسلمون اكتشفوا الديمقراطية قبل الغرب , ومعظم السلفيين المعاصرين رفعوا الديمقراطية المؤسلمة كحل لقيام الأمة وهى ديمقراطية تعتمد على الدستور الإسلامى بكل أشكاله الشرعية والسياسية ويمنع التصويت في أحكام الله ويقود الأمة أهل الشورى بدون تحزب أو تجمهر فكل أهل الشورى يجب أن يكونوا تحت خدمة الإسلام والمسلمين ويرى المؤيدون أيضاً أن حقوق الأقليات يجب أن تؤخذ من الدستور الإسلامي الذي يعطيهم حقهم كاملاً في بناء معابدهم واحتكامهم إلى أنفسهم حسب ما يعتقدون إلا إذا اختلفوا فيرجعون للإسلام .
وذهب المؤيدون للديمقراطية إلى أن اختيار أهل الشورى يكون انتخابياً وليس عن طريق الحاكم لأن الحاكم ( سيختار أهل الشورى حسب أهوائه ) ولذلك فقد ذهبوا إلى أن أهل الشورى يختارهم الشعب ليصحبوا قادته وقالوا أيضاً إن العلماء قديماً وحديثاً لم يكن أن يكونوا بهذه المكانة لولا وجود الناس حولهم وحبهم لهم . واستشهدوا بكل العلماء كابن تميمة وابن عبد الوهاب وحسن البنا وغيرهم وأن المحبة للعلماء والباحثين الفكريين هبة من الله . يلقى في قلوب الناس حباً لهذا العالم أو المفكر وهناك (أي أناس أهل علم ) لا يتقبلهم الناس ويرفضوهم ... ولا يعارض السلفية الانتخابات كآلية للوصول إلى بعض المناصب ولكنهم يعترضون على بعض تفاصيلها مثل تزكية المرشحين لأنفسهم وتساوى كافة أفراد المجتمع في أصواتهم أياً كانت درجة علمهم وانضباطهم السلوكي والأخلاقي . كما يعترضون على الأطر الأيديولوجية التي تتم فيها عمليات الانتخابات في سائر الدول الإسلامية. فلذلك يعزف السلفيون عن المشاركة في أغلب عمليات الانتخابات في الدول العربية والإسلامية.
السلفيون والمواطنة:
يعتمد مبدأ المواطنة في الإسلام على حماية غير المسلمين والحفاظ على ممتلكاتهم ودور عباداتهم وقد ثبت ذلك في عهد محمد صلى الله عليه وسلم) تعامله مع اليهود كان خلاله يكفل لهم حق العبادة وحق ممارسة شعائرهم الدينية,
يري الأستاذ منير العلمي في دراسته ( المواطنة مفهومها ومقوماتها ) أن كلمة المواطنة في اللغة العربية اشتقت من كلمة ( الوطن ) – والوطن كما يشير لسان العرب لابن منظور يعرف بأنه المنزل الذي يقيم فيه الإنسان وتترجم كلمة المواطنة ... بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن وكلمة مواطن وفقاً للفهم الذي اشتق منه هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة ويقيم فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية
أما دائرة المعارف البريطانية فتعرف المواطنة بأنها علاقة بين فرد ودولة يحددها قانون الدولة وما تشمله تلك العلاقة بين واجبات وحقوق داخلها وتعطى للفرد حقوقاً سياسية مثل حق الانتخاب وتولى المناصب العامة – ويرى الكاتب للمواطنة مقومات وهى بإيجاز:
• المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات والتي تحدث عندما يكون هناك تمييز بين المواطنين نوعاً من التصدع وتهدد الاستقرار – فمن تغلق في وجهه أبواب الإنصاف يصبح متمرداً على قيم المواطنة – وأي مجتمع متعدد الأعراق والعقائد والاختلاف الفكري لا يمكن ضمان استقراره ووحدته إلا على أساس مبدأ المواطنة .
• المشاركة في الحياة العامة بمعنى إمكانية ولوج جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أي تميز .
• الولاء للوطن بمعنى سمو علاقة الإنسان بالوطن عن كافة علاقاته القبلية والعشائرية والحزبية .- ويكون الخضوع في كل شيء لسيادة القانون والعمل على خدمة الوطن والعمل على تنمية ورفع شأنه.... إلخ
• والتربية على المواطنة فلابد من تأهيل المواطن للتعلق عاطفياً بالوطن وتنمية أحاسيسه بالمسئولية والالتزام بواجباته قبل وطنه وهذا يكون من خلال الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والثقافة . وهذه كلها يجب أن تتكامل في إشباع الأجيال بقيم المواطنة
..... وكان لابد من هذه التقدمة لنصل إلى رؤية السلفيين حول المواطنة وهى بالتأكيد رؤية قاصرة تتسم بالجمود والتطرف فإن بعض كبار السلفييين يحصرون المواطنة في المسلمين دون غيرهم حتى البعض منهم عندما يتحدث عن المواطنة يضع شروطاً كي يتمتع غير المسلمين بأنهم مواطنون لهم حقوقهم وعليهم واجبات والواقع أن هذا الفكر نذير خطر على نسيج الأمة المصرية التي اختلطت دماء أبنائها مسلمين ومسيحين في الدفاع عن الوطن خلال العدوان الصهيونى وفى النضال ضد الاستبداد كما حدث في التلاحم الشعبي في ثورة 25 يناير المجيدة .
السلفيون والعدالة الاجتماعية: -
ترتبط قضية العدالة الاجتماعية بالأساس بجوهر الدين الإسلامى الذي يحارب الظلم والإجحاف حتى إن البعض يطلق عليها العدالة الحقوقية ويعتبرون أن العدالة الاقتصادية جزءاً من العدالة الاجتماعية أو الحقوقية حيث يرون أن تعميم حق ثابت واجب للفقراء في أموال الأغنياء إنما يسهم بشكل فعال في إعادة توزيع الثروة الاجتماعية التي خلقها من البداية التفاضل التكويني أو الاجتماعى بين الأفراد .... والإسلام تعامل مع صميم المشكلة الاجتماعية بهدف إزالة أسباب الفقر والحرمان واقتلاع جذور الفساد الاقتصادى الذي عانت منه البشرية طويلاً ومازلت .
ومن ثم فإن العدالة الاجتماعية هي واحدة من مكونات العدل في الإسلام وهى الطريق والوسيلة لتعزيز استقرار النظام الإجتماعى من خلال التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع ، وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي يقوم على عدة ركائز هي عدد من الفرائض ( المالية والزكاة والصدقات وعلى أساس منهج يؤكد على حق الفقراء الثابت في أموال الأغنياء باعتباره الوسيلة الواقعية لتحقيق المساواة .
والعدالة الاجتماعية ليست قصرا على العدالة في توزيع الثروات ولكن هناك العدالة في مجالات الرعاية الصحية وفى مجال حقوق الإنسان وفى مجال التعليم... إلخ ومع مراجعة فكر السلفيين فلن نجد أي أو مجرد أشارت لرؤيتهم حول العدالة الاجتماعية... ذلك أنهم يركزون على قضايا فكرية جوفاء لا تخدم قضايا التقدم في المجتمع .
السلفيون والنظام الاقتصادي:-
يعرف علم الاقتصاد بأنه العلم الذي يقوم على دراسة السلوك الإنساني كعلاقة بين الأهداف والوسائل النادرة ذات الاستعمالات البديلة والاختيار بينهما في صدد تحقيق هذه الأهداف ( الموسوعة الاقتصادية د . حسين عمر )
وهو أيضا ذلك العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع من خلال إنتاج السلع وتوزيعها وتقديم الخدمات إشباعاً لحاجات الإنسان (الإسلام والاقتصاد د . عبد الهادي النجار )
.... وعلى الرغم من أن هناك من المفكرين الذين يرون بوجود اقتصاد إسلامي ينفرد عن غيره من الاقتصاد وفقاً للتقسيم التاريخي (اقتصاد رأسمالي أو إقتصادى اشتراكي) إلا أن السلفيين لم يوضحوا على المطلق وجهة نظرهم أو رؤيتهم في النظام الإقتصادى في مصر سواء كان هذا متعلقاً بالسياسة النقدية أم السياسية المالية ولم يوجد ما يوحى باهتمام السلفيين بكيفية إحداث التنمية الاقتصادية وتوزيع الدخل ... كما أنهم لم يعالجوا أو يطرحوا رؤيتهم حول المشكلات المتعلقة بالزيادة السكانية (الغالب أن السلفيين ضد أي طرح يتناول الحد من الزيادة السكانية ) – كما لم ينظروا إلى مشكلة البطالة رغم خطورتها على المستوى الاجتماعى كما لم يتناولوا مشكلة الأجور والضرائب والنفقات العامة ولم يبد أي تيار سلفي رأيه في عملية الخصخصة وتداعياتها على الاقتصاد المصري – كما لم يطرح السلفيون رأياً قاطعاً في سعر الفائدة في ضوء تعقد العلاقات الاقتصادية – ثم إن السلفيين لم يقدموا بعد حلاً لمشكلة الفقر التي تضرب غالبية سكان الوطن – والواقع أن السلفيين يؤمنون بدور فاعل للقطاع الخاص على حساب دور القطاع العام وهم من أنصار نظام آليات السوق .
السلفيون وقضايا المرأة
على الرغم من أن الإسلام يرى أن المرأة كاملة الأهلية ولها كافة الحقوق والاستقلال كما للذكر وأنها كاملة الإنسانية ولها من الكرامة ما يصونها وأنها جديرة بتحمل المسئولية كالرجل تماماً وقد أكد الرسول ( ص ) على ذلك في خطبة الوداع حيث أكد على مساواة النساء للرجال في الحقوق والواجبات وأوصى بهن خيراً بل وبدأ بذكر حقهن على الرجال إلا أن السلفيين لم ينظروا إلى قضية المرأة بل أن الجناح المنظم للتيارات السلفية وهم الإخوان المسلمون لم تتضمن برامج الجماعة أي دور للمرأة وخلت تماماً من مساهمة المرأة في داخل التيار الإخوانى وحتى حزب الحرية والعدالة انطلاقاً من رؤية مبدئية للإخوان يتمسكون بعدم أهلية المرأة لرئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء .
رؤية السلفيين حول أسباب التخلف.. وعوامل النهوض
يتفق عدد من السلفيين حول سبب التخلف وهو أن المسلمين تخلوا بطريقة أو أخرى عن تعاليم دينهم وأصبحوا غير قادرين على إحياء القيم التي شيدت عليها الدولة الأولى في حين يرى الإمام محمد عبده أن أسباب التخلف ليست بسبب الابتعاد عن الدين بل إلى الجمود في فهم الدين والدفاع عن هذا الجمود فلما وقف الدين موقف الجمود أثر على التطور الذاتي للغة والنظام والاجتماع والعقيدة والشريعة .ويرد الإمام هذا الجمود إلى السياسة التي نقلت إلى المسلمين عقائد أخرى سكنت قلوبهم ( للمزيد يمكن الرجوع إلى كتاب الإسلام دين العلم والمدنية للإمام محمد عبده إصدار دار الهلال العدد 385 يناير 1983 ) وأخيراً يصل إلى نظريته " أن الإسلام لن يقف حجر عثرة في سبيل المدنية أبداٌ لكنه سيهذبها وينقيها من أوضارها وستكون المدنية من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفها أهله . وهذا الجمود سيزول وأقوى دليل لك على زواله بقاء الكتاب شاهداً عليه بسوء حاله ولطف الله بتقييض أناس للكتاب ينصرونه ويدعون إليه ويؤيدونه " أيضاً يتفق السلفيون حول البعد عن أصل الدين كسبب للانحطاط والتخلف ولكنهم يختلفون حول العوامل التي نتجت عن هذا الابتعاد أي أنه تسبب في سلبيات طالت نظم الحكم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية ومستوى العلم واستخدام العقل ...وفى هذا الصدد يرى محمد عبده أن الوهابيين عملوا على ترك البدع والاهتداء بالسنة وتقديم الأثر على آراء البشر ولكن يأخذ عليهم ضيق الفطن دون ما ارتدت إليه النصوص من علوم الأكوان ومقدمات المدنية والعمران التي تعتز بها الأمة وتعلو كلمة الله فكانوا أضيق فطناً وأحرج صدراً من المقلدين ... وهناك من يعدد عوامل تأخر المسلمين بعد أن ذكر بعدهم عن الدين ويجملها في : الجهل والعلم الناقص وفساد الأخلاق والجبن والهلع واليأس والقنوط من رحمة الله كما أن هناك من يعود بها إلى تحريفات الحياة الإسلامية وتتمثل في : فصل الدين عن السياسة ، والنزاعات الجاهلية في رجال الحكومة وسوء تمثيلهم للإسلام وعدم اهتمامهم بالعلوم المفيدة ، الضلالات والبدع ، إنكار تجدد الدين وهنا يرى السلفية أن هناك أسباب وعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية ملموسة ويبدأ مسعى التوفيق بين المثال والواقع ويحاولون الوصول إلى أيديولوجيات ونظريات تسمح لهم بإحياء الماضي وقبول الحديث ,
كيف ينهض المسلمون ؟
بعض السلفيين توصل إلى اتفاق حول أسباب النهضة في هذا العصر تتمثل في ضرورة الأخذ بالتكنولوجيا والعلم والتنظيم والإدارة ، تحديث المجتمعات الإسلامية والذي يختلف عن التغريب ، فالتحديث رغم أن منشأه الغرب إلا أن ذلك لا يعنى وجود نموذج واحد للتحديث . وينطلق السلفيون من قبول التحديث ورفض الثقافة الغربية . وكثيراً ما يتحدثون عن تقدم الغرب المادي وتخلفه الروحي والأخلاقي والمطلوب هو إبقاء العقيدة بعيداً عن الذوبان والتأثر بالآخر ولكن هذا لا يحول دون الإفادة من منتجات الغرب العلمية التقنية أي في أخلاقهم العلمية وضرورة البعد عن التقليد العقدى والثقافي والأيدولوجى والمثل والقيم والأخلاق . والأهم من ذلك عدم التأثر بالنظرة الفلسفية للإنسان : أصولاً ونشأة ومصيراً ونهايةً .

الانتقادات الموجهة للسلفية
من أشد ما يوجه للسلفيين من انتقادات اختزال السلف في نفسه أو جماعته أو فكره فالسلف أنفسهم لم يتفقوا على منهج واحد بعينه منذ زمن الصحابة ويرون أن تسمية جماعة ما بالسلفية بدعة لم يأت بها الرسول ولا الصحابة ولا السلف وأن إتباع السلف واجب – أما استغلال التسمية للترويج للأفكار هو أمر غير مقبول – كما يعيبون عليها كونها تعتبر نفسها وحدها الفرقة الناجية وتنظر إلى غيرها من اتجاهات على أنها إما خارج الملة أو أنها منحرفة مستندين في ذلك إلى آليه حرفيه النصوص واستخدام التأويل أو استنباط روح النص وهذا الأمر جعلهم دائماً محل تباين حتى داخل إطار أهل اسنة والجماعة – كما أن معارضيهم يعانون من عدم موضوعية بعض السلفية عندما تقدم لمن يخالفهم الرأي .( ويكيديا الموسوعة الحرة )
.... وعلى الصعيد السياسي فإن السلفيين باختلاف مشاربهم فان د. عامر صالح في دراسته الديمقراطية وقدرات الإسلام السياسي في التكيف والتوافق السيكوسياسى لظروف العصر المنشورة على الانترنت فيرى أن أي من الحركات السلفية المتمثلة في الأحزاب والحركات الإسلامية تفتقد إلى مستلزمات بقائها في ظروف العصر من خلال توجهاتها لبناء دولة الخلافة الإسلامية أو لدولة ولاية الفقيه سواء كان على المدى القريب أو البعيد ولا يعنيها معالجة الفقر أو الشروع بالنهضة الاقتصادية والاجتماعية بقدر ما يعنيها العمل على تمثيل أو النيابة عن سلطة الإله في الأرض برؤيتها الخاصة وتقوم بشرعنة الفقر والتخلف وإعادة توليده على خلفية الفهم السىء للنصوص المقدسة وتشكل حاضنة آمنة للفساد الإدارى والمالى من خلال حماية رموزه لاعتبارات ولائهم المذهبي والطائفي والديني ، في ظروف يضعف فيه الانتماء للوطن والمواطنة وتشتد فيه الاستعانة بالحليف الخارجي المطابق لها ليتدخل مستميتاً وبشروطه لإشاعة الفرقة والعبث بالوحدة الوطنية وفرض أجندته ، ويشتد الخطاب المتأسلم غير المتسامح بطبيعته والذي لا يستند إلى تعاليم الدين السمحاء بل مشبع بعوامل الفرقة والانتقاء والتحيز العصبي " وهو ليس الدين " ليشيع مزيداً من الفرقة المبنية على مبدأ إقصاء الآخر وتكفيره " ونفيه بل وقتله – ومن هنا ننتقل العداوة من عداوة للفقر والجهل والظلم والحرمان إلى عداوة مع من يختلف في الاجتهاد والرأي والفكر – ومن هذا يكون الفشل في ترتيب سلم الأولويات في معالجة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية وبين إدارة الخلافات المذهبية والطائفية والدينية على أسس مشروعية الاختلاف في الرأي.
الخ. الكاتب في إمكانية حدوث تغيير في سلوك السلفيين ومؤشرات ذلك في رأيه كثيرة فالاققتال بين الإخوة في الدين وطوائفه على أشده وتكفير الآخر الديني وإقصائه تجرى على مسامع وأبصار العالم في مجازر يندى لها الجبين وسلوكيات التربص والاستحواذ والخلط الأعمى بين السياسة والدين وادعاء الأفضلية على الآخر تجرى على قدم وساق والحروب الأهلية والإقليمية تساهم في عدم الاستقرار في المنطقة وفى العالم متلبسة بلباس الدين ... الخ .
... وفي دراسة منشورة علي صفحة الإنترنت ( الحركات السلفية الواقع والتحديات ... حصر الباحث عدداً يسميه مساوئ منهجية لهذه الحركات جاء منها /
- تحول مفهوم السلفية عند البعض في العصر الحديث من منهج سليم في المعتقد مبني علي التسليم والتفويض وعدم التكلف, إلي مذهبية أمور الفقه والحياة المتغيرة تقيد الفكر والعمل أحياناً.
- تحول بعض الجماعات السلفية المعاصرة إلي ما يشبه المدرسة الكلامية التي تطنب في الحديث عن دقائق العقائد دون داع شرعي وهو ما لا ينسجم مع منهج السلف القائم علي البساطة , وتجنب الخوض في تلك المباحث إلا للضرورة .
- جفاء بعض السلفيين في إنكارهم علي إخوانهم المسلمين المتلبسين ببعض البدع, دون لطف أو ترفق أو اعتبار للمال والثمرات وكأن مجرد إدانة واقع البدع والخرافات كاف للقضاء عليها.
- عدم التمييز بين كليات العقيدة التي لا اجتهاد فيها , لقطعية الأدلة فيها ثبوتاً ودلالة وبين جزئياتها التي جاءت النصوص فيها محتملة , فللخلاف فيها متسع والانشغال بها لا يؤدي إلي الحسم فيها عملياً , ولا تترتب عليه ثمرة عملياً .
- خلط بعض السلفيين – ضمناً – بين الوحي والتاريخ في المرجعية جراء نقص في الوعي بالتاريخ لا يميز بين صورته ومعناه , وتقصير في دراسة حياة السلف دراسة استقصائية تلم بكل جوانبها المضيئة والقاتمة ولا تقف عند سرد المناقب فقط .
- الانفعال في الدفاع عن السلف بشكل يهدر قدسية المبادئ , حرصاً علي مكانة الأشخاص ويرد الغلو بغلو , مع تعميم وتهويل يساوي في دفاعه بين عثمان وكاتبة مروان وبين عمار وقاتله أبي الغادية .
- انفصال العلم الشرعي عن الوقع المعيش ,.مما يعيق تهميش الدين في الحياة العامة ويسهل توظيف حملة العلم الشرعي توظيفاً سياسياً لا يخدم الدين , إضافة إلي ما يؤدي إليه ذلك من أخطاء فكرية وفقهية جسيمة .
- نقص في النظر الأصولي أنتج خلطاً بين ( فعل العادة ) وفعل العبادة في سنة النبي صلي الله علية وسلم وسير السلف الصالح. وقد ترتب علي ذلك إلزام الناس بما لا يلزم , والتشديد عليهم فيما فيه متسع أحياناً .
- زهد بعض السلفيين في الثقافة المعاصرة, وتشبثهم بالموقف التقليدي المتوجس من الغزو الفكري والثقافي جعلهم بعيدين عن مقتضيات الدين في العصر الحاضر, فضاعت جهودهم في محاربة بدع الماضي وانحرافاته.

يبقى السؤال ؟
هل تستطيع السلفية أو الأصولية أو الإسلام السياسي التفاعل مع الحداثة دون أن يفقد مضمونه الأصيل ؟ هل تستطيع السلفية أن تكون ذاتها وتعيش العصر معاً ؟ الواقع أن السلفية تعيش الآن صراعات حادة بين محاولة الحفاظ على قوة النص على التفسير وتكوين وعى وبين واقع يتغير سريعاً ويصعب اللحاق به وإخضاعه فقد حاولت السلفية التقليدية إحياء التراث من خلال إدخال الواقع فيه ، ودمجه في عناصر الماضي أو التراث وفهمه في هذا السياق الماضوى ولكن السلفية المحدثة حين تقوم بما تسميه تجديد الفكر الديني أو التدين وفى هذه الحالة تحاول أن تكيف التراث / النصوص الدينية مع الواقع المتغير .
وفى الحالتين تظل السلفية لا تاريخية إما بسوء فهم الواقع أو بعدم الالتزام بالنص لذلك نجد من يقول بأن الدين أو التراث لا يعد نفسه حين نصلحه أو نعدله لأن عملية الإصلاح أو التعديل أو التجديد تفقده جوهره المتعالي وهذه بؤرة التوتر في علاقة السلفية بمرحلة العولمة التي يمر بها العالم مما يعنى ازدياد النسبية في التعامل بين الثقافات والنسبية تناقض السلفية بمطلقها الكاسح المتجاوز للجغرافيا والتاريخ فالعولمة لا يقصد بها وجود نموذج عالمي واحد ولكن هي سقوط للحدود وتهديد لخصوصية الانغلاق وإبعاد الآخر ، يرى أحد المفكرين أن الأصولية أو السلفية تعيش وعيين في آن واحد ويقدم تشبيهاً معبراً عن حالة المجتمعات الإسلامية في العصر الحاضر يسمى عملية التوفيق بين النص الآتى من الماضي والواقع الحي " التصفيح أو الفصام المعرفي " حيث تعمل معرفتان مختلفتان جذرياً في آن واحد داخل الشخص الواحد حيث تكون الأفكار من الحاضر والمواقف من الماضي وهنا تظهر كل أنواع الاختلالات .
بعض الباحثين يعتبرون أن الفكر السلفي وصل إلى طريق مسدود لأنه توقف عن إلقاء الأسئلة والشك بقصد الوصول إلى معرفة اكتشافيه تعمل على مستوى النص والواقع ولم يذهب بعيداً في عقلانيته وفضل أن يكون النص مرجعيته النهائية وأعطاه الألوية على الواقع ومن ثم تغرق السلفية نفسها في فكر ميتا فيزيقى وتكتفي بإطلاق معاني وتسميات معينة على الأشياء وتظن أن ذلك يعنى انتقال الصفات مع إطلاق التسمية أو إطلاق عبارات مبهمة كشعار الحل الإسلامى أو شعار الإسلام هو الحل الذي تطلقه جماعة الإخوان المسلمين – وهناك من يري أن السلفيين لم يدخلوا أي تغييرات أومضامين حديثة تحمل تطويراً في الرؤى والمنهج على مسمياتهم – وتبقى فقط المضامين غريبة المنهج والفكر بما ينقل بطريقة خفية أو سحرية مضامين ومعاني إسلامية إلى المسمى فنحن نواجه بمعرفة غربية في مناهجها وتصوراتها ونشأتها :
فنضفي مثلاً علي بعض العلوم المعروف أنها نشأت في الغرب كعلم الاقتصاد والحق به وصف إسلام علي الرغم من أن هذا العلم بكل نظرياته وكل ما يطرحه من قضايا هو في الأصل غربي له صفة عالمية ... وكل المدارس الاقتصادية حني الاشتراكية تعتمد في الأصل علي المفهوم الذي أرساه الفكر الرأسمالي بكل آلياته... وهذا يعني عجز السلفيين عن التغيير الجذري للمناهج العلمية... والاكتفاء بإضافة عناوين وأسماء وكأنها محال بقالة تغير اسمها من دكان إلي سوبر ماركت مع بقاء السلع وأسلوب البيع علي حالها ,
ويبقي التساؤل هل بإمكان السلفيين القيام بثورة ثقافية بعيداً عن تأويل النصوص الدينية وحالة الجمود التي مازالت تعترى الحركة الفكرية الإسلامية وتعمل على ظهور خطاب إسلامى لا يتسم بالديجماطيقية .... ولا بالديموجوجيه .
المراجع
- الإمام محمد عبده : الإسلام بين العلم – كتاب الهلال العدد 385 يناير 1983.
- د. رفعت سيد أحمد: الدين والدولة والثورة – كتاب الهلال العدد 410 فبراير 1985.
- جاك توشار واخرون – تاريخ الفكر السياسي .
- د. حسين فوزي النجار: الدين والحكم في الإسلام – كتاب الحرية – العدد الرابع.
- د.إمام عبد الفتاح – الطاغية دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي .
- د. خليل الجر / حنا الفاخوري – تاريخ الفلسفة العربية .
- مارك كيرتس : العلاقات السرية بين بريطانيا والجماعات الإسلامية دراسة منشورة علي موقع منتديات الوحدة العربية شبكة الانترنت.
- منير عبد القادر العلمي : المواطنة بمفهومها ومقوماتها - ديوان أصدقاء المغرب .
- د. صبري محمد خليل: دراسات في المنهج السلفي.
- د. فهمي جدعان : السلفية حدودها وتحولاتها – عالم الفكر العدد الثالث والرابع يناير/يونيو1998 )
- د. حيدر إبراهيم علي : الاتجاه السلفي – عالم الفكر العدد الثالث والرابع يناير / يونيو 1998 )
- محمد عبد الله الخطيب : السلفية حقيقتها ومكانتها في الشريعة الإسلامية المعاصرة ( الشبكة الدعوية )
- د. محمد عمارة: السلفية: واحده ؟ ... أم سلفيات ( ساحة القضايا المعاصرة)
- د.عامر صالح – الديمقراطية وقدرات الاسلام السياسي في التكييف والتوافق السيكوسياسي لظروف العصر .
- د. محمد عابد الجابري : عدة مقالات ( السلفية أم التجربة التاريخية للأمة ) ( من الوهابية إلي السلفية الإصلاحية إلي الجهادية )
- د. خليل حسين : منشأ الحركات الأصولية وتداعياتها ( جماعة أصدقاء المغرب )
- أ.سالم المساهلي - في تاريخ العلاقة بين الدين والسلطة " شبكة الإعلام العربية .
- د.جابر عصفور – مخاطر الدولة الدينية – منتديات معراج القلم .
- أ. نبيل عبد الفتاح – ما وراء حالة التضاغط السياسي في مصر جريدة الاهرام .
- السلفية والأصولية في ميزان المهاجمين والمراقبين - ويكيبيديا الموسوعة الحرة
- د. يوسف القرضاوي – الدولة المدنية والدولة الدينية : تجديد مفاهيم موقع القرضاوي
- د. حسين عمر – الموسوعة الاقتصادية .
- مجلة العلوم الاجتماعية الكويتية تحت عنوان - مفهوم الدين ونظريته وأنواعه
- حسن درويش العادلي – الاصوليات الايديولوجية تصنع التاريخ جماعة أصدقاء المغرب .
- د. محمد عابد الجابري – الاخوان المسلمون في مصر والسلفية في المغرب
- د. محمد عابد الجابري – السلفية في طريق النهضة مشكلة ام حل .
- د. احمد فريد – السلفية قواعد واصول موقع واحة العقيدة .
- أ. محمد نبيل الشيمي - نعم للدين لا للدولة الدينية الحوار المتمدن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا