الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العبيد والجواري في الاسلام

أحمد حمدي سبج

2012 / 5 / 10
حقوق الانسان



ان من يأخذ على الاسلام فيما يتعلق بموضوع العبيد والجواري ، قد أغفل ثلة من الحقائق التاريخية الواقعية الأساسية ، ذلك أن الاسلام لم يأمر باستعباد الناس وانما أباح عرفآ اجتماعيآ كان موجودآ فعلآ ، وجعل وسيلة التقرب الى الله هو اعتاق الرقاب فلا يعقل من دين جاء ليحرر الانسان من عبودية الحجر أن يستبدلها بعبودية البشر ، ان الرق والعبودية لبالغ الأسف وعظيمه انما كانتا عرفآ وواقع متبع منذ الأزل في كافة الثقافات والحضارات منذ فجر التاريخ والجغرافيا ، ونجد مشاهده وصوره في كافة كتب ومعابد ومسلات التاريخ التي تناولت الحياة في العصور القديمة كلها .

وهو بالطبع واقع مرير لايمكن القبول به في عصرنا وتم مواجههته بقوة القانون المحرم للعبودية والجواري منذ مئات السنين وكانت البداية من السويد وفنلندا عام 1335م وأخذ نظام تحريم العبودية دفعة قوية مع اصدار انجلترا قانون الغاء تجارة الرقيق عام 1807م ، ولم توقع السعودية على وثيقة تحريم الرق الا متأخرآ جدآ في عام 1962م مجبرة تحت ضغط سياسي واجتماعي عالمي وهو ما يتفق مع الفكر الوهابي الذي يشرعن الديكتاتورية والاستعباد العقلي والجسماني لصاحب السلطة والمال استنادآ لتفسيرات متشددة للدين وأحاديث غريبة وموضوعة وعليه فانه لايجب أن نأخذ بأفعال المسلمين دلالة وبيان على الاسلام ذاته .

خاصة وأنه لاتوجد حتى الآن دولة واحدة من الدول الاسلامية تصنف في المصاف الأولى لدول التقدم والديموقراطية ، لأن المسلمين في أغلبهم يكتفون بالشعائر الروحية دون التقيد الأساسي بالشعائر القيمية للعمل والنجاح والتفوق الحياتي والتطور مع العصر واستلهام القيم الحقيقية والمرادات الالهية للدين في الحرية والعدل والسلام بما يتناسب مع طبائع العصر المكتوب عليها الحراك والتطور لا ثبوت وسكون النص في شكله وحرفه وانما حراكه وتطوره في هدفه ومراده.

أما بالنسبة لحجية القول القائل بأن الرسل والأنبياء انما جاءوا لتغيير الأعراف المجتمعية الظالمة لا محاولة التعامل معها والسكوت عليها من واقع اقرارها فيما يتعلق بعدم التشريع المباشر بالغاء الرق والعبودية ، فانه لايمكن انكار أن الرسل مكلفين بتغيير الأعراف الظالمة والاتجاه بالمجتمعات الانسانية نحو العدالة والحرية والسلام ، ولكن لنضع الأمور في نصابها الصحيح بعيدآ عن المثاليات والتي أضحى بعضها حقيقة واقعة في عصرنا وأمرآ مسلم به لا عود فيه أو اليه ومنها موضوع الغاء الرق ، فاننا يجب أن نعلم أن موضوع الرق والعبودية انما هو جزء لايتجزأ من الكيان الاقتصادي والمالي للمجتمعات البشرية منذ ألوف السنين قبل بعثة الرسل والأنبياء جميعآ .

وبالتالي فان محاولة مباشرة وفورية لتنصيب فكر القضاء الفوري والمبرم على العبودية دون اتباع منهج التدرج وانتظار اللحظة الفكرية المواتية مع تطور المجتمع وتغير طباعه وأنساقه القيمية ، لتعد طريقة غير معهودة في التوجيه الالهي باتباع التدرجية في ادراك الحقيقة والمراد الالهي بما يتناسب مع القدرة الادراكية للعقل البشري المخاطب في ذلك العصر والأوان وبما يتسق مع طبيعة الحال وتراتبية المجتمع الموروثة منذ قديم الأزل ، ستواجه بعقلية مجتمعية متحجرة ستجد نفسها ساعتها أمام انهيار كلي لمصالحها الاقتصادية والمالية والاجتماعية ومساواة مطلقة وفورية مع من كانوا عبيدهم وجواريهم .

وهو ما سيولد ساعتها ثورة عقائدية دموية ضد هذا الدين الجديد سواء أكان يهوديآ أو مسيحيآ أو اسلاميآ تدافع عن مصالحا المادية الدنيوية وتنظر نظرة تملؤها الشكوك والريبة الى هؤلاء الرسل ، بما يحيد بنا عن الطريق الأساسي الذي يقودنا في النهاية الى ادراك واقع انهاء العبودية ولكن بعد حين حين تستقر القيم الدينية ويتخلص الانسان من بقايا ارث الماضي البغيض بظلمه وجوره ونظرته الاستعلائية على فريق من البشر .

فلو أننا نظرنا الى الموضوع بنظرة أكثر شمولية اتساقآ مع الكلية الدينية الساعية الى احداث طفرة في العقل البشري نحو ادراك الحقائق والمرادات الالهية المتمثلة في الحرية والعدالة والسلام ، فاننا ندرك أن هذه الحقائق لايمكن ادراكها وتطبيقها على نحو يتسق مع كل عصر الا من خلال عقل واعي وضمير حي لا يذوبان في الماضي ويستحضرانه على انه المخلص والجامع المانع للخير وأن ما يليه من جديد الفكر والعقل انما يعد نواتج شيطانية مدمرة طالما لم تتبع خطى الماضي وتتفق معه أو تدور في فلكه .

وهذا يقودنا الى أن تحرير العقل والضمير البشري من العبودية للحجر والانسان وقوى الطبيعة المحيطة بنا انما يعني اطلاق مكامن العقل ومفاتيح الضمير الحي نحو ادراك القيم الالهية السامية والعليا والتي كما قلنا متمثلة في قيم الحرية والعدالة والسلام ، وما يولده ذلك من نسق فكرية وأطر عملية تتعلق بتحقيق الحرية للجميع والانعتاق من الذل والهوان فنجد أن الانسان ما أن ارتقى تفكيره الى ادراك هذه اللحظة العقلية المنفتحة والواعية والضميرية الحية شرع ساعتها الى سن القوانين المادية للقضاء على العبودية وتجارة الرق والجواري بل وفرض حكم الاعدام على تجار الرقيق في المرسوم الذي أصدره البرلمان الانجليزي في عام 1827م .

فهل كان يمكن الوصول الى هذه القوانين المجرمة للعبودية الى حد اعدام تجارها الا بعد اختمار الفكر الحر على أسس سليمة خولت له في الماضي الانعتاق من العبودية للظلام والحجر وتقديس البشر ، هذا الفكر الحر لم يكن كذلك من الممكن الوصول اليه والتنعم به في ظل سيطرة رجال الدين على الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في عصور الظلام الأوروبية السابقة في القرون الوسطى وما فرضوه من ارهاب ديني على عقول وضمائر الناس وشرعنتهم لأفاعيل النبلاء والملوك كما يحدث في المجتمعات الاسلامية اليوم من سيطرة وهابية على عقول كثير من العامة بترويج ودعم من كثير من رجال الدين والحكم فيها .

ان قضية الاسترقاق والعبودية يستغلها الرافضون للاسلام لمحاولة تشويه الاسلام على الرغم أن ممالك العالم القديم والحديث الاسلامية والغير اسلامية في اوروبا وآسيا وأفريقيا حتى وقت قريب كانت تعاني من هذه الظاهرة وانتشارها في القصور والمنازل ، الا ان النظر اليها من باب الهجوم على الاسلام يتأتى بسبب أن هذه القضية لاتزال مثارة في المجتمعات الاسلامية ، فالسعودية لم توقع على الاعلان العالمي لتحريم الرق الا في عام 1962م تحت الضغط السياسي والدولي فيما لاتزال ممارسات العبودية والاسترقاق مستعرة في قصور كثير من الأمراء وأصحاب المال والنفوذ ، بل ان نظام الكفيل نفسه الذي تمارسه السعودية وغيرها من دول الخليج ضد أغلب رعايا الدول الفقيرة انما يعد شكلآ آخرى من أشكال ممارسة استغلال البشر وهضم حقوقهم تحت رعاية ودعم حكومي رسمي .

وعلى الرغم من أنه قد صدر في موريتانيا قانون لتجريم الرق منذ العام 2007م الا أن البلاد لازالت تعاني حتى اليوم من ممارسات استغلال واستعباد الناس واتخاذ أرقاء لدى علية القوم هناك ، هذا بالاضافة الى ان ممارسات الامبراطورية العثمانية وخاصة من خلال قانون السلطان العثماني أورخان والذي سمي بقانون الخمس (بعض المؤرخين المسلمين لا يعترفون بوجود مثل هذا القانون) والقاضي بأن على العائلات الصربية واليونانية والألبانية والأرمن أن يقدموا خمس أولادهم ليخدموا في القصور والمعسكرات العثمانية ليتخذوا بعد ذلك عبيدآ وجواري وجند ، وظلت العبودية ممارسة في الامبراطورية العثمانية حتى عام 1908م على الرغم من توقيع الامبراطورية العثمانية في مؤتمر بروكسل عام 1890م على قانون تجريم العبودية .

وكل هذا كان نتيجة أن أغلب رجال الدين لم يشئوا أن يضايقوا السلاطين والنبلاء وعلية القوم ويبينوا لهم أن مسألة الجواري والعبيد مسألة عفا عليها الزمان وأن الدين يحض على الحرية والديموقراطية والمساواة ، وأن الدين قد وضع لبنة أولى في بناء الحرية والعدالة والسلام ونحن مأمورين باستكماله ، ولكنهم لم يقوموا بذلك اما رغبة في عطية ومال وسلطة واما رهبة من عذاب وتقريع واضطهاد ، ولو انهم لم يقوموا بذلك لأنهم لم يعوا تلك الحقيقة البديهية فان ذلك بنفي عنهم صفة العصمة والصوابية السرمدية لتفسيراتهم الدينية .

لقد انصرفت الغالبية العظمى من رجال الدين وأتباعهم الى نشر الأفكار الظلامية والمتشددة بين عامة الشعب الفقير مؤسسين لفكر التطرف وفقر الفكر الحر النوراني ، بل اننا نجد اليوم من بين عامة الشعب من ينادي بين الرجال والنساء بعودة العبودية والاسترقاق لحفظ الرجل المسلم من السقوط في الرذيلة والزنا ، وكأن مشكلاتنا اليوم (وفقآ لفهمهم) أصبحت تنحصر في الشهوانية والفحولة الفائضة مما يمثل أكبر الضرر لديننا الاسلامي وتشويه صورته أمام العالم سواء بين جموع المسلمين وغير المسلمين ، إن الدين الالهي الحقيقي لا يعترف بسلطة لأحد على أحد الا في حدود القانون والعقد الاجتماعي لا من واقع احتكار الدين وتعريف خاص للتقوى يتناسب مع أهواء نفر من المتشددين والظلاميين وسادتهم أو اتباعهم من الحكام والسلاطين ، ان فهم الدين الحقيقي يكمن في جوهر النص وهدفه لا في شكله وحرفه لكي يكون الدين فعلآ لا قولآ ... صالحآ لكل زمان ومكان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما أُخفيَ يخالف ما ذُكِرَ
شاكر شكور ( 2012 / 5 / 10 - 17:27 )
قرأت مقالتك يا سيد أحمد ولاحظت انك تنتقي عبارات لخدمة ما تهدف اليه كما لاحظت انك تخجل ان تذكرالحقائق كاملة ، الأسلام أكد على الرق ولم يلغيه لأن أخذ اسرى عبيد كان هدف مرافق لتشريع الجهاد في الأسلام والأسلام لم يتبع التدريج في الغاء الأستعباد بل ابقاه كقنبلة موقوته بتشريع جواز أقتناء ملكات اليمين ، ان تحرير رقبة مشروط ان تكون مؤمنة بالأسلام لأن العبد يرغم ان يسلم وهناك خيارات اخرى اخفيتها في مقالتك لأن تحريرالرقاب ليس بفرض وشرط أساسي بل يمكن بدل ذلك الصوم أو إطعام بعض المساكين او حسنات صغيرة تعوض عن ذلك ) ، لذا فإن الرق حرم بموجب الدساتير الدولية وليس بموجب التدرج الأسلامي . الرسول نفسه كان يستهجن وينتقد العتق دون كفارة أو دون سبب معقول، وفي الحديث التالي يشجع الرسول على إهداء العبيد للأقارب بدلاً من عتقهم ، ويعتبر ذلك أفضل من العتق وأعظم أجراً عنده وعند ربه. ذُكِرا في السنن الكبرى للبهيقي- ج6 ص59: - قالت ميمونة بنت الحارث أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال أوفعلت قالت نعم قال أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك-، تحياتي للجميع


2 - الروايه الاسلاميه هي خرافه
ال طلال ت صمد ( 2012 / 5 / 10 - 20:01 )
الاخ المحترم
لقد عثر في السويد والمانيا وبين العام 1997 و 2010 على عملات تعود للقرن السابع للامراء العرب الفرس ومعويه وعبدالملك مروانان وهم رجال مسيحيون لا صله لهم بصحراء الحجاز
واثبتت الادله الماديه انه لا يوجد اسلام ولا نبي ولا راشدون في القرن السابع للمزيد مقلات منشوره على صفحات الحوار للاخ النجار وقريط ولي كذلك حول معويه وعبدالملك
ولا جيوش جراره خرجت من صحراء الحجاز ولم تدخل الاف الاسيرات والجواري وانما هي احلام الظهيره والعطش
وشكرا
صمد ال طلال


3 - لا لتجاهل الحقائق
سرحان ( 2012 / 5 / 11 - 20:18 )
(عن ميمونة بنت الحارث : أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم , فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه , قالت:أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي ؟ قال:أو فعلت ؟ قالت:نعم , قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ..رواه الشيخان ..هنا يحض على العبودية ..ثم انظر : ( أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم .) رواه أبو إمامة الباهلي ..ثم انظر لقبيلة ربيعة في الجاهلية كانت في جاهليتها تستهجن السبي (روى الطبري في تاريخ الرسل و الملوك عند ذكر غزو الحارثة بن المثنى في غزو العراق .. و انظر للوفيين اللذين لم يكشفا للأسيرات سترا في الجاهلية .أما في أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد فقد استهجن الرق افلاطون و انطستينوس و بعدهم زينون الكيتومي .و اقرأ:روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال «غزونا مع رسول الله غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا نستمتع ونعزل، فقلنا نفعل ذلك و رسول الله بين أظهرنا فسألناه عن ذلك، فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة» أي نفسا إلا و ستكون .قارن بينهم و بين الإسلام


4 - للأستاذان شاكر وسرحان
أحمد حمدي سبح ( 2012 / 5 / 15 - 18:41 )
الأستاذان الفاضلان شاكر وسرحان ، بداية أشكر لكما قرائتكما لمقالي ولكن أرجو ضرورة التاكيد على نقطة غاية في الأهمية أنه لا يمكن الاستشهاد بالأحاديث المنسوبة لنبي الاسلام في تأكيد أو تشريع رأي أو قرار أو تأريخ لحدث ما لأنها في النهاية تظل ظنية الثبوت ظنية الدلالة ، وكم من الأحاديث الموضوعة والغريبة التي تتخذ نقطة انطلاق لتشويه الدين

اخر الافلام

.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر


.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي




.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6