الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتحول الثورة إلى مهزلة- الجزء الأول

محمود يوسف بكير

2012 / 5 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بغض النظر عن ملابسات أزمة د. الجيزاوي المعتقل حاليا في المملكة السعودية بتهمة محاولة تهريب أدوية مخدرة للمملكة أو بتهمة العيب في الذات الملكية حسب الرواية المصرية ، فإن رد فعل المملكة إزاء مظاهرة صغيرة نظمت امام السفارة السعودية في القاهرة تطالب بالإفراج عنه كان مبالغا فيه بشكل واضح ، إذ قامت المملكة بسحب سفيرها وإغلاق كل مكاتبها في مصر!
غني عن الذكر أن التظاهر أمام سفارات الدول ظاهرة شبه يومية في كل دول العالم والعبد لله شارك في العديد منها وبالذات أمام السفارة الأمريكية في أكثر من دولة أوربية دون أن تلجأ أمريكا الي سحب سفرائها من هذه الدول أو تمنعنا من دخولها ولازلت أسافر الى أمريكا بكل حرية وكرامة.

رد فعل المملكة يعكس بلا شكك تدهور مكانة مصر لدى المملكة ولدى العالم كله في ظل حكومة العسكر الحالية التي حولت مصر إلى دولة مفلسة ومتسولة. ولا ينبغي أن يندهش أحد ، فعندما تمتهن كرامة المصريين داخل بلادهم تحت أحذية جنود المشير طنطاوي وعندما تلقى جثث الشهداء في الزبالة وتنتهك حرمات بناتنا بواسطة جنود الجيش والشرطة لمجرد خروجهن في مظاهرات سلمية لا تتوقع أن يحترمك أحد أو أن تنظر الدول الاخرى إلينا بإجلال وإكبار.
وإمعانا في تمريغ سمعة مصر في الوحل وعلى مرأى من العلام كله قام المشير بتقديم اعتذار حار للملك عبد الله كما قام وفد كبير من أعضاء مجلس الشعب معظم أعضائه من الإخوان المسلمين بزيارة للمملكة لتقديم المزيد من الانبطاح والاعتذار. وحتى الآن فإنني لم افهم عن ماذا نعتذر؟! ولماذا هذا الإحساس بالهوان والدونية ؟

نحن لا ندعو بأي حال الي الدخول في مواجهة مع المملكة ولكن إذا كان هناك سوء فهم فقد كان من المفترض ان يتم حل هذه المشكلة البسيطة من خلال القنوات الدبلوماسية وبشكل هادئ وعقلاني دون المساس بكرامة أي طرف بدلا من عرض التسول والمهانة والذل الذي قام به الشيخ حسان بين يدي خادم الحرمين الشريفين الذي بدا في غاية الحرج وعمنا الشيخ حسان يستعطفه أن يعيد السفير السعودي إلى القاهرة فما كان منه إلا أن وافق على إعادة السفير إجبارا بخاطر هذا الوفد الضخم المكون مما لا يقل عن عشرين عضوا! والسؤال الاخر الذي راودني لماذا كان الوفد المصري بهذه الضخامة ؟ أعتقد أن هذه أول مرة في تاريخ العلاقات الدولية تقوم فيها دولة بإرسال وفد بهذا الحجم للتفاوض مع دولة أخرى. وباعتبار أن مصر دائما سباقة ورائدة فقد أثبتنا هذه المرة أن لدينا مفاوضين ودبلوماسيين أكثر مهارة وبراعة من كيسنجر نفسه ومن لا يصدقني عليه أن يشاهد الشيخ حسان على النت وهو يتحدث في حضرة الملك عبد الله.
أهم ما في الموضوع أن الوفد المصري لم ينسى الغرض الأساسي من الزيارة وهو أداء العمرة وشراء بعض الهدايا للأولاد في مصر وربنا يبارك في ميزانية مجلس الشعب. أما د. الجيزاوي فإن أحدا لم يتذكره بالمرة ، بل إن السفير المصري في المملكة تنصل منه تماما.

من المهازل المستفزة ايضا سماح المجلس العسكري الحاكم "حامي الثورة " ولجنة الانتخابات لأحمد شفيق راعي موقعة الجمل بالترشح لرئاسة مصر وهو الرجل الذي تلاحقه تهم فساد لا حصر لها. بإمكانك فقط أن تكتب عبارة " فساد أحمد شفيق " على محرك بحث جوجل وستجد نفسك غارقا في قصص فساد أكثر تشويقا من حكاوى ألف ليلة. وحتى لو كانت كلها أكاذيب ألا يستدعي الأمر مجرد فتح باب التحقيق فيها؟! خاصة وأن الرجل متهم أيضا بأنه سهل عمليات تهريب واسعة لعملات أجنبية تخص أسرة المخلوع وأعوانه بعد تعيين مبارك له كآخر رئيس حكومة قبل خلعه مباشرة.

وكما فعلها السفير المصري في السعودية مع الجيزاوي، فإن المدعي العام المصري الذي يفترض أنه ينوب عن الشعب كله في حق الادعاء العام يتجاهل الموضوع تماما وكأن الامر لا يعنيه.
وعلى وزن مقولة إذا لم تستحي فافعل ما شئت فإن شفيق يدعي أنه يؤيد الثورة وأنه يسعى لرئاسة مصر لاستكمال مسيرتها وهو الرجل الذي سخر من الثوار قبل خلع مبارك بأيام وعرض أن يرسل لهم بنبوني ليتسلوا به في ميدان التحرير. والأكثر من هذا ما صرح به مؤخرا وبشكل علني بأن مبارك هو مثله الاعلى في الحياة!! وهو بهذا يخرج لسانه لكل الثوار ويستفز مشاعر أسر الشهداء والمصابين من ضحيا أعظم ثورة في تاريخ مصر ولولاه هو والمجلس العسكري لنجحت واكتملت مسيرتها وحققت طموحات المصريين في مجتمع نظيف من أمثاله وأمثال معلمه اللص الاكبر.

والأدهى والأمر من هذا كله أن الرجل يعلن تأييده على طول الخط للمجلس العسكري الحاكم بالرغم من كل ما جلبه هذا المجلس من مصائب لمصر وإجماع العالم كله على فشله في إدارتها وثبوت أن شاغله الاول هو حماية مصالح أعضائه والالتفاف على الثورة وإعادة إنتاج نظام مبارك ولكن بثوب جديد. وبالرغم من كل هذا فإن الشفيق يردد ودون أي حياء أنه يؤيد الثورة ويسعى لتحقيق أهدافها وهو يؤيد بكل قوة عدوها الاكبر وهو المجلس العسكري. أنظر إلى حجم التناقض مع الذات!

إن كلمة مهزلة لا يمكن أن تعبر عن حجم المأساة والمصيبة الكبرى التي تعيشها مصر الآن وهي تستدرج مسلوبة الإرادة بواسطة فلول النظام القديم للعودة إلى حظيرة مبارك وعصابته دون أن يتحرك مجلس الشعب لوقف هذا الرجل وحماية الاغلبية المغيبة من خطره وكأنه لم تكن هناك ثورة ضده وضد مثله الأعلى.

أيام مبارك كنت أخجل من كوني مصريا ولكن بعد ثورة 25 يناير رفعت رأسي عاليا من جديد وأن أردد في كل مكان أنني من مصر التي بهرت العالم بثورتها الشعبية السلمية والمتحضرة. أما الآن فإن الطنطاوي ومجلسه العسكري جعلني أتوارى خجلا من جديد.

وإلى لقاء قريب.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة