الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الدولية والنزاعات الإقليمية

لطفي حاتم

2012 / 5 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أثارت التغيرات السياسية التي أنتجتها الاحتجاجات الشعبية في العديد من البلدان العربية إشكالات سياسية ،اجتماعية وفكرية لعل أهمها تحول بعض النظم السياسية العربية من الاستبداد واحتكار السلطة الى الشرعية الانتخابية التي وفرت بدورها غطاءً شرعيا لقوى الإسلام السياسي الطائفي لاستلام مواقع أساسية في السلطة السياسية ورغم هذا التحول الديمقراطي الواعد إلا ان إعادة بناء الدولة العربية وسلطتها السياسية على أسس الشرعية الديمقراطية لا زالت بعيدة لأسباب كثيرة .
ان تحول النظم السياسية نحو الشرعية الانتخابية ترابط وتغير ملفت في مسار السياسة الدولية تمثل في الدعوة الى ضبط العلاقات الدولية على قاعدة القانون الدولي ونبذ الانفراد في تقرير شؤون السياسة الدولية .

استنادا الى تطورات الداخل الوطني ومؤشرات النزاع الدولي نحاول متابعة تلك المتغيرات من خلال ثلاثة عناوين أساسية أولهم التغيرات العربية وتعارضات السياسية الدولية . وثانيهم السياسية الدولية والتحالفات الإقليمية . وأخرهم الكفاح الديمقراطي واشتباك المفاهيم.

ـ التغيرات العربية وتعارضات السياسة الدولية

على الرغم من ثبات القوانين الدولية الناظمة لحركتها إلا أن العلاقات الدولية تميزت بحراكها المتواصل المستند الى انتقال العالم من الثنائية القطبية المرتكزة على ازدواجية خيار التطور الاجتماعي / رأسمالي اشتراكي الى علاقات دولية تستند الى عالم رأسمالي موحد .
ان وحدة العالم الرأسمالية أنتجت الكثير من التغيرات السياسية ، الاقتصادية والفكرية يمكن إيجازها بالمحددات الآتية : ـــ
ــ أفضت وحدة السوق الرأسمالي بمستوياته الثلاثة الوطنية/ الإقليمية/ الدولية الى انتقال النزاعات الدولية من أشكالها الأيديولوجية الى أشكال اقتصادية مع الإبقاء على استخدام القوة العسكرية باعتبارها المحدد الأكثر فاعلية في النزاعات الدولية .
ـــ أنتجت قوانين السوق الرأسمالية المتمثلة بقانوني الاستقطاب والتطور المتفاوت ميولا متناقضة في سير تطور العلاقات الدولية تمثلت بميلين . ميل الاندماج المتنامي انطلاقاً من نزوع العالم نحو بناء تكتلات اقتصادية قارية كما هو في تكتل النافتا والاتحاد الأوربي فضلا عن التكتلات بين الدول الآسيوية الناهضة . وميل تمثل بالإفقار والتهميش الفاعل على المستويين الاجتماعي الوطني والدولي من خلال تهميش دول وطنية وتخريب بناها الاجتماعية والاستيلاء على ثرواتها الوطنية .

ــ ان الاشارة الى ميول قوانين السوق الرأسمالية يشترط الاشارة الى قانون التطور المتفاوت والناتج عن اختلاف وتائر تطور دول العالم تبعا لكثرة من العوامل الجغرافية ،الاقتصادية ، البشرية وما يفرزه ذلك من تبوأ الدول الأقوى مواقع قيادية في العلاقات الدولية . واستناداً على ذلك تتركز فاعلية قانون التطور المتفاوت في الطور المعولم على شكلين اساسيين الشكل الاول هو المنافسة بين المراكز الرأسمالية القديمة والمراكز الرأسمالية الناهضة ( * ) الناتجة عن طموح القوى الدولية الصاعدة نحو المشاركة الفاعلة في السياسة الدولية . أما الشكل الثاني فنراه يتجلى في التطور المتفاوت بين التكتلات الاقتصادية الدولية وما يعنيه ذلك من أن تطور العلاقات الدولية المستقبلية سوف تقررها قوة ومكانة التكتلات الاقتصادية الدولية وموقعها في منظومة الحياة الدولية حيث يتعذر على أية دولة كبرى الإنفراد بقيادة العالم وحل إشكالاته السياسية والاقتصادية المتفاقمة .
على اساس قوانين تطور وحدة السوق الرأسمالي تعيش العلاقات الدولية مرحلة انتقالية تتجسد في نهوض قوى دولية تسعى الى إعادة بناء الشرعية الدولية على قاعدة القانون الدولي وما يشترطه ذلك من إنهاء الروح الانفرادية في تقرير شؤون السياسية الدولية .
ان نزاعات المراكز الدولية الكبرى القديمة منها والجديدة حول مشروعي الهيمنة وتوازن المصالح الاستراتيجية تنعكس بشدة على الشرق الأوسط وذلك بعد ظهور مراكز إقليمية ــ إسرائيل ، تركيا ، وإيران ودول الخليج بزعامة سعودية ـــ تسعى الى التوسع الاقتصادي والهيمنة العسكرية مدعومة من المراكز الدولية الكبرى القديمة منها والجديدة .

ـ المراكز الإقليمية وتحالفاتها الدولية

ـــ أفرزت الاحتجاجات الشعبية ونتائجها السياسية اضطراباً في الأمن الإقليمي اتسم بتوترات سياسية وحروب إعلامية بين أقطابه الفاعلة وذلك بسبب اصطفافها مع سياسة المراكز الدولية التي تتحرك على اساس مشروعين مشروع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليمين والمتمثل بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة حيوية للأمن الاستراتيجي الغربي والمشروع الاخر هو مشروع الدول الناهضة والمتمثل بصيانة مصالحها الاستراتيجية انطلاقاً من الاحتكام الى القانون الدولي ومنظماته الدولية .

لقد أنتجت الاستراتيجيات الدولية المتعارضة ومشاريعها المتنازعة المنعكسة على المراكز الإقليمية سياسة دولية تمثلت بالسمات الآتية : ـ
ــــ تحول أشكال النزاعات الداخلية / الإقليمية من مضامينها الأيديولوجية ـــ الوطنية ، القومية ، خيار التطور ــ الى نزاعات دينية طائفية وبهذا السياق شكلت النزاعات الطائفية عودة الى مرحلة الحروب الكولونيالية حيث كانت النزاعات الدينية تشكل سببا للحرب والعدوان بين الدول الكولونيالية المتنافسة .
ـــ تدور النزاعات الإقليمية بين الدول الإسلامية وذلك بسبب انحياز نظمها السياسية لأحد المشروعين الدوليين وذلك بسبب غياب كتلة اجتماعية وطنية حاكمة تتطابق مصالحها في هذه اللحظة التاريخية مع مصالح بلادها الوطنية .
ـــ تعدد وتشرذم القوى الطبقية المتحكمة في اقتصادات البلدان العربية والإسلامية حيث نجدها تتشكل من ( أ ) برجوازية قومية تسعى للتوسع والهيمنة في أسواق الدول العربية كما هو الحال في إيران وتركيا . ( ب ) تحالف طبقي برجوازي بيروقراطي حاكم في دول ( الشرعية الانقلابية ) لم تتبلور ملامحه الطبقية يسعى الى الانفراد بالسلطة والثروة . ( ج ) شرائح برجوازية مالية مهيمنة على السلطة وثروات بلادها الوطنية كما في دول الخليج العربي .
ــــ أفرز الطور الجديد من التوسع الرأسمالي تغيرا كبيراً في البنية الطبقية للقوى البرجوازية المتسيدة في الدول الكبرى تمثل بشدة ترابطها المرتكز على النزعة الكسموبولوتية مع القوى الطبقية المتحكمة في اقتصادات البلدان العربية والإسلامية وبهذا المسار نلاحظ ان سياسة الشرائح المالية الخليجية وبسبب انتقالها من الروح القبائلية الى الروح الأممية بعد تجاوزها البنى الوطنية والقومية تتجاوب والنزعات الكسموبولوتية للرأسمال المدول. ( ** )

انطلاقا من الرؤى والأفكار الناظمة للتحليل أعلاه تواجهنا التساؤلات الآتية : ما هي مخاطر تحول النزاعات الإقليمية الى نزاعات طائفية ؟ . وما هي تاثيرات تلك الصراعات على الدول الوطنية ومستقبلها السياسي ؟.
لغرض التقرب من مضامين الأسئلة المثارة نحاول التركيز على الموضوعات الفكرية والاجتماعية الآتية :
أ: ـ تجر الصراعات الطائفية كتلا اجتماعية في الدولة الوطنية الى حروب أهلية واسعة النطاق وما ينتج عن ذلك من استبدال النزاعات الطبقية المبنية على تنازع المصالح الاجتماعية بصراعات طائفية .
ب : ـ تعيق النزاعات الطائفية بناء طبقات اجتماعية وطنية تدافع عن مصالح بلادها وثرواتها الوطنية .
ج : ـ تدفع الصراعات الطائفية قوى الإسلام السياسي الطائفي الى التحكم في بناء النظم السياسية الامر الذي يشكل تراجعاً تاريخياً في مسار التطور الوطني .

ـ الكفاح الديمقراطي واشتباك المفاهيم

أعاقت التغيرات الدولية والنزاعات الإقليمية المتسارعة بناء العدة الفكرية والنهوج السياسية لقوى التيار الديمقراطي ، هذا إذا استبعدنا فصائله المصطفة مع مفاهيم وسياسة الليبرالية الجديدة في موضوعتي السوق الليبرالي ومباركة التدخلات الخارجية، الأمر الذي يتطلب فك الاشتباك بين المفاهيم الملتبسة لغرض المساهمة في تحديد طبيعة التغيرات الدولية وتأثيراتها على مسار الكفاح الديمقراطي .

استنادا الى ذلك وفي محاولة لفك اشتباك المفاهيم نتعرض الى بعضها بهدف تحديد مضامينها الفعلية

القانون الدولي والشرعية الدولية: ـ

بهدف إزالة الالتباس بين القانون الدولي والشرعية الدولية يتعين التفريق بين المفهومين حيث ان الشرعية الدولية كما أراها هي التعبير المكثف عن موازنة مصالح الدول الكبرى مرفوعة الى مستوى القرارات الدولية .وبهذا المعنى فان الشرعية الدولية التي هي النتاج القانوني لمعالجة مجلس الأمن للمشاكل الدولية تتداخل وسياسة المراكز الدولية. أما القانون الدولي فهو اللوائح والقواعد القانونية الناظمة لسير العلاقات الدولية وبالتالي فان الاحتكام إليها من قبل الأسرة الدولية يضمن حل المشاكل الدولية على اساس الحوار المتكافئ والطرق الدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ارتكازاً على مبدأ السيادة الوطنية ، لهذا فان القوى الديمقراطية ولهدف صيانة مصالح بلادها وقواها الاجتماعية يتعين عليها الاصطفاف بجانب القانون الدولي وليس مع الشرعية الدولية التي تودي في أغلب الأحايين الى التدخلات الخارجية الهادفة الى تفكيك الدول الوطنية .

ــ الدولة الوطنية والنظم السياسية .

ان التوسع الراسمالي بأطره التاريخية المعاصرة يستهدف ضمان مصالحه الاستراتيجية من خلال مد فعاليته في اقتصادات الدول والتحكم بثرواتها الوطنية من خلال إعادة تكييف الدولة الوطنية بعد تحويلها الى ( شريك ) ملحق بأحد المحاور الاقتصادية والشركات الاحتكارية . لهذا يتحتم التفريق بين الدولة كمنظومة سياسية حقوقية ذات سيادة ومساواة مع الدول الأخرى وبين طبيعة النظم السياسية الحاكمة التي تتغير تبعا لطبيعة النزاعات الاجتماعية وكيفية حلها . بكلام آخر ان المستهدف من التوسع الراسمالي في طوره المعولم هي الدولة الوطنية وليس بناء نظم سياسية ديمقراطية .

ــ الكتل الاجتماعية الحاكمة وتوجهاتها السياسية

من المعروف ان القوى الحاكمة في البلدان العربية تتوزع بين قوى بيروقراطية عسكرية ماسكة بالسلطة والثروة وبين قوى ملكية وراثية تتحكم فيها برجوازية مالية متحالفة مع الاحتكارات الدولية.
ان التفريق المشار إليه بين طبيعة القوى الطبقية الحاكمة يهدف الى تحديد خطرين اساسيين يتشكل الخطر الاول من اصطفاف النظم السياسية القبائلية مع الرأسمال المعولم الأمر الذي يضفى على سلوكها السياسي الإقليمي سمات تدخلية ( ***) . والخطر الثاني روح الانغلاق الطائفي الذي تشهده بعض النظم السياسية وما ينتج عنه من إعاقة تشكل قوى طبقية وطنية تسعى لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية وسوقها الوطني. لهذا فان التحول من نظم الاستبداد الى نظم سياسية ديمقراطية بعيدا عن التدخلات الخارجية يساهم في الحفاظ على الدولة الوطنية ويمنع انهيار تشكيلاتها الاجتماعية .

ـــ الاحتجاجات الشعبية والإرهاب السلفي

أفرزت الاحتجاجات الشعبية تكتيكاً كفاحيا سلمياً يسعى الى تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية حيث اثبت الشارع المعارض ان شرعية النظم السياسية يمكن اكتسابها من خلال صناديق الاقتراع .
ان تكتيك الكفاح السلمي المتبناة من قبل الحركات الشعبية تزامن وعنف المنظمات السلفية المرفوع الى درجة الارهاب والهادف الى الحد من المطالبات الديمقراطية المشروعة واستبدال الأنظمة الاستبدادية بأنظمة سلفية . لذلك يمكن القول ان النزعة الإرهابية السلفية المتحالفة وراس المالي الخليجي والمباركة من قوى الليبرالية الجديدة تشكل في الظروف الراهنة بديلا عن الانقلابات العسكرية التي سادت في الحقب الماضية مع التأكيد على ان نزعة الإرهاب أنتجت خراباً اجتماعيا واقتصاديا على البلدان المستهدفة .

ارتكازاً على بنية المقال الفكرية ورؤاه السياسية يمكننا صياغة الاستنتاجات الآتية : ـ

أولا : ـــ تتحدد مضامين النزاعات الدائرة بين المشاريع الدولية في الشرق الأوسط بتقسيم الدول العربية وثرواتها بين المراكز الدولية القديمة والجديدة على اساس مشروعي التبعية والإلحاق .
ثانياً : ـ رغم تحول الكثير من الشرائح الطبقية القائدة في المراكز الرأسمالية الجديدة ــ روسيا الصين ــ الى قوى اجتماعية ذات نزعات قومية عنصرية إلا أن تحول الاقتصاد الاشتراكي الى السوق الراسمالي قدم تجربة واقعية لصيانة الدولة الوطنية.
ثالثاً : ـ تشكل النزعة السلفية الطائفية خطرا كبيراً يتمثل بتفتيت الدول الوطنية فضلاً عن تفكيك تشكيلاتها الاجتماعية الأمر الذي يساعد على انهيار الهوية الوطنية .
رابعاً : ـ تشترط وحدانية التطور الرأسمالي الراهنة بناء رؤية فكرية جديدة تستمد فعاليتها من الترابط بين الوطنية والديمقراطية تساعد التيار الديمقراطي على تشكيل تحالفات اجتماعية قادرة على الحد من عمليات التهميش والإلحاق .




الهوامش

* : ـ لغرض التمييز بين المراكز الرأسمالية الدولية المتحكمة في مسار السياسة استخدم تسمية المراكز الرأسمالية القديمة وأعني بها الولايات المتحدة ، فرنسا ، بريطانيا وألمانيا . أما المراكز الرأسمالية الجديدة فأعني بها مجموعة دول البريكس الصين ، روسيا الاتحادية ، والبرازيل ، والهند فضلا عن جنوب أفريقيا .
** : ــ استنادا الى قانون المنافسة المتحكم في حركة السوق العالمية والميل العالمي نحو بناء تكتلات اقتصادية تسعى المراكز الرأسمالية القديمة الى ضم الدول الخليجية الى تكتل اقتصادي شرق أوسطي بزعامة أمريكية وشراكة إسرائيلية .
*** : ــ أصبحت قطر في خضم الاحتجاجات الشعبية العربية ناطقا رسميا باسم دول التحالف الأطلسي مشددة على التدخل العسكري الخارجي لحل النزاعات الوطنية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟