الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر: الجمهورية الثانية والمنقذ المنتظر!!!

وديان حمداش

2012 / 5 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


مرت مصر العظيمة بتاريخها العريق وشعبها الطيب بأوقات عصيبة، فمنذ اندلاع ثورة 25 يناير والبلد تُحرق وتُنهب وتُدمر بشتى الطرق وبدون وجه حق، حتى قيل لنا بأن زمن مبارك كان أرحم بكثيرمن زمن ذيوله وبقاياه، فلم يسبق للعالم أن شاهد المرأة المصرية شبه عارية يُعتدى عليها في المظاهرات، وحدث هذا بعد الثورة، ولم يسبق للعالم أن رأى المرأة المصرية يُكشف عن عذريتها ويبرئ القضاء المذنبين، وحدث هذا بعد الثورة، ولم يسبق للعالم أن شاهد أبناء الشعب الواحد يقطعوا أوصال بعضهم البعض بسبب كرة منفوخة بالهواء، وحدث هذا بعد الثورة (أحداث استاد بورسعيد)، ولم يسبق للعالم أن شاهد بشكل مباشر مجزرة بين المسيحيين والمسلمين وُصفت بالطائفية، وحدث هذا بعد الثورة (أحداث ماسبيروا)، ولم يسبق للعالم أن شاهد مصري يرفع السلاح في وجه أخيه لحساب مرشح رئاسي أو آخر، وحدث هذا بعد الثورة (أحداث العباسية)، ولم يسبق للعالم أن شاهد تعسفا على حرمة الصحافة وحرية الإبداع وحدث هذا بعد الثورة (الحكم على الفنان الكبيرعادل امام بالسجن لمدة 3 شهور، وارتفاع عدد الإعتقالات العشوائية للصحفيين والمدونين بسبب أو بدون) والقائمة طويلة من التجاوزات والفوضى الغير مبررة بعد ثورة يفترض أنها قامت من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية!!!!

السباق الرئاسي وصعوبة الإختيار:

تتجه أنظار العالم اليوم إلى مصر، حيث تُجرى أول انتخابات رئاسية تنافسية بعد ثورة 25 يناير، وقد انتظر المصريون هذه اللحظة التاريخية بفارغ الصبر، ولم يكن الإنتظار سهلا فقد دفع ثمنه المئات من خيرة شباب مصر بأجسادهم وأطرافهم وعيونهم من أجل بناء دولة جديدة بدأت تتشكل أولى ملامحها اليوم، الكل توجه لصناديق الإقتراع لانتخاب أول رئيس لجمهوريتهم الثانية لمواجهة العديد من الملفات والقضايا الساخنة - الإقتصاد والأمن والسياسة الخارجية وغيرها من التحديات التي تأرق الشارع المصري والعربي. وبالرغم ما تحمله هذه اللحظة التاريخية من قيمة كبيرة إلا أن المواطن المصري وُضع في موقف صعب ومحير، فإذا اختار (السيد عمرو موسى أو السيد أحمد شفيق) لرئاسة الدولة سيقال عنه "فل" جمع "فلول" أي من بقايا النظام السابق ويدعم بصوته الثورة المضادة، وإذا اختار(السيد عبد المنعم أبو الفتوح أو السيد محمد مرسي) سيقال عنه "إخوان" أي من رعايا آل سعود ويدعم بصوته الفكرالوهابي لبناء دولة دينية تهدف إلى إرجاع مصر للعصور الوسطى، أما إذا اختار (السيد حمدين صباحي أو السيد خالد علي) فسيقال عنه أنه "لا يفهم" لأنه اختار مرشحين بلا خبرة وساهم بذلك في حرق البلاد والعِباد!! ووسط هذه الدوامة من الحيرة والإرتباك عُرضت ولأول مرة في تاريخ الأمة العربية، أول مناظرة رئاسية متلفزة بين اثنين من أبرز مرشحي الرئاسة عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، لعلها تساعد المصريين على اختيار رئيسهم القادم. لكن بعد مشاهدة المناظرة، والتي استغرقت لأكثر من 5 ساعات بسبب كم الإعلانات التي ارهقت المشاهدين والمتناظرين ومعدي البرنامج، خرج الشعب المصري بحقيقة واحدة وهي أنه صانع القرار في جمهوريته الثانية، فكلا المرشحين عَمِلا جاهدا على إقناع الشعب المصري بكفائته وتعهدا بأن يعملا جاهدا لخدمة هذا الوطن والسهر على راحة شعبه، بل قام أبو الفتوح بالتنازل عن قصر الرئاسة ووعد بأن يعيش في "الدور الأرضي" في شقته البسيطة!!! الكل أصبح يغازل هذا الشعب المطحون بالفقر والتهميش والوقوف في طوابير العيش، ليس لسواد عيونه، ولكن لأنه أصبح يملك صوتا بعد ستين عاما من الصمت والسُبات!!! إن المصريين الأحرار لا يرضوا لرئيسهم أن يعيش في الدور الأرضي بشقة بل في قصر رئاسي يليق بمكانة مصر "أم الحضارات" لكن ليس من اللائق أيضا أن يعيش أبناء هذا الوطن (بناة الاهرامات) أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر أو العشوائيات (عشش الصفيح).

ولم يكتفي المرشحان بمغازلة الشعب بل كلاهما فضح الاخر بسرد نقاط ضعفه وأخطائه وزلاته التاريخية كلما أُتيحت له فرصة السؤال. إن الخطأ الذي ارتكبه السيد عمرو موسى هو أنه بالرغم من وقوفه في مناظرات كثيرة مع خصومه بالعديد من المؤتمرات الدولية وحنكته السياسية، إلا أنه حاول تجنب الحديث عن خبرته كدبلوماسي سواء في عمله كوزير للخارجية أو أمين عام الجامعة العربية، ربما لتفادي اتهامه بتهمة العصر بأنه من "الفلول" لكن خبرته هي نقطة قوة ولا أرى فيها ضعف، فمتى أصبحت خدمة الوطن عيب وعار!!! إن كل إنسان عاقل يجب أن يُفرق بين الشخص الذي عمل في النظام السابق لكن خرج منه نظيفا—لم تلطخ يداه بدم المصريين ولاجيوبه بأموال الشعب—وبين الشخص أو"الفل" الذي نهب وقتل وسعى في الأرض فساداً! فمن منا ليس جزءا من دولته (من السفير والوزير إلى الغفير والإسكافي)، فالفساد لا يتجزء!! حتى الإعلاميين الذين لبسوا عباءة جيفارا ونصبوا أنفسهم بوقا للثورة كانوا يتغزلون في آل مبارك ويمسحون جزمة النظام والدلائل موجودة بالصوت والصورة على شبكة الإنترنت/ ومن منا لا يتذكر بكاء الإعلامية منى الشاذلي ( التي قامت بتقديم المناظرة) تأثرا بخطاب مبارك ودعت الثوار للرحيل من الميدان. أقول هذا وأنا واثقة بأنه بالرغم من أن عمرو موسى سياسي محنك وصاحب خبرة في العمل الدبلوماسي ويصلح أن يكون رجل دولة، إلا أن سنوات عمله وزيرا للخارجية في عهد مبارك ستظل عقبة كبيرة في طريقه لسلم الرئاسة لا لشيء إلا لأن الشعب المصري أصيب بفوبيا "الفلول".
أما السيد أبو الفتوح فحظوظه أكبر فقد يكون الرئيس المحتمل لمصر بالرغم من احترافيته لفن الكذب واللف والدوران فهو في نظر الكثيرين رمزا للتوافق بين جميع التيارات أو بمعنى أصح رئيس توافقي أو تواطئي (كما يحلو للبعض وصفه): فهو ليبرالي مع الليبراليين وإسلامي مع الإسلاميين وناصري مع الناصريين ويساري مع اليساريين...الخ لكن لست أدري إلى أي مدى يمكن لتاريخه القيادي في جماعة الإخوان المسلمين ستعيق وصوله للرئاسة خاصة بعدما نشرت مذكراته والتي قال فيها التالي:

"...وحين فزنا باللجنة الفنية في الاتحاد لم يكن لدينا أي رؤية عن الفن سوى أنه حرام ومن ثم لم يكن لدينا أي تصور عن إدارة هذه اللجنة سوى إيقاف عملها تقربا إلى الله!... وكنا متأثرين – كما أسلفت- بأبي الأعلى المودودي الذي كان يعرف ب"أمير الجماعة الإسلامية" بباكستان، -فقد كنًّا بالأساس حركة اعتراض ورفض ضد الحكومات "المنحرفة عن الدين" التي "لا تطبق شرع الله "، ومن ثم فقد كان مشروعنا – على الأقل في بدايته- أساسه وجوب إزالة هذه الحكومات وإقامة أخرى تقيم شرع الله... وقد تأثرنا كثيرا بالتيار السلفي في مرحلة مبكرة من تكويننا الإسلامي، وأظن أن السلفية الوهابية أقحمت على المشروع الإسلامي في مصر إقحاما... في هذا الوقت كانت الكتب الإسلامية تأتينا من السعودية بالمئات بل والآلاف وكانت كلها هدايا لا تكلفنا شيئا.... وأذكر أنني زرت السعودية بصفتي ممثلا للجماعة الإسلامية في مصر، وكان العلماء هناك يرحبون بنا كثيرا ويحسنون استقبالنا ويعتبروننا امتدادًا لهم هنا في مصر. في هذه الاثناء كنًّا- مثلا- نؤمن بجواز استخدام العنف بل وجوبه في بعض الأحيان من أجل نشر دعوتنا وإقامة فكرتنا، وكان العنف بالنسبة إلينا مبررا بل وشرعيا، وكان الخلاف بيننا في توقيته ومدى استكمال عدته فحسب. كانت الفكرة المسيطرة على مجموعتنا نحن ألا نستخدم القوة الآن، وإنما نُعدُّ أنفسنا لاستخدامها حين تقوى شوكتنا ونصبح قادرين على القضاء على هذا النظام الممسك بالحكم..."

إن كلام السيد أبو الفتوح عن دعم آل سعود للإسلاميين بمصر ليس بجديد فقد أصبح واضحا وضوح النهار، ففي العاشر من هذا الشهر المبارك (مايو 2012) نشر خبر في الجزيرة بخط عريض وواضح "السعودية تضخ مليار دولار دعما لمصر". إن المشكلة ليست في الدعم المالي سواء من السعودية او أمريكا أو غيرهما لكن في استغلال هذه الأموال لممارسة ضغوطات سياسية على مصر "ما فيش حاجة ببلاش" فالسياسة تتحدث بلغة واحدة وهي "لغة المصالح"!!! فماذا تبقى للمواطن المصري من كرامة عندما باع صوته بربع فرخة في انتخابات مجلس الشعب وها هو مضطر لبيع سيادته الان من أجل انقاذ البلد من الإفلاس؟؟؟

وأخيرا أقول، إن منصب الرئاسة ليس فسحة أو عطلة ترفيهية إنها مسؤولية تفوق التصور، فالرئيس القادم أمامه تحديات كثيرة أهمها إعادة بناء الوطن، الذي يتطلب تشكيل حكومة تكنوقراط مكونة من كفاءات متميزة بغض النظرعن انتماءاتهم الفكرية أو الحزبية أو الدينية، فالقدرة على الإبداع في التخطيط والتنفيذ هو المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر. كما يتطلب من الرئيس المقبل إيجاد طرق جديدة للتعامل مع الأزمة الإقتصادية الخانقة من خلال وضع قوانين جديدة تعطي الإهتمام الأول للمواطن، مثل تفعيل قانون تحديد الحد الأدنى لأجور العاملين وتوفير رعاية صحية مناسبة وحل مشكلة الفقر والبطالة والقضاء على الزحام في الطوابير التي يقف أمامها المواطن ساعات للحصول على أدنى احتياجاته سواء رغيف الخبز أو العلاج في المستشفيات الحكومية، كما يجب الإرتقاء بالخدمات الأساسية للبلاد مثل التيار الكهربائي وتطوير وسائل المواصلات وتوفير مياه صالحة للشرب والصرف الصحي، خاصة في المناطق الشعبية. ولا ننسى بالطبع الإهتمام بالعلاقات الخارجية لاستعادة مكانة مصر وهيبتها ودورها الإقليمي والدولي والعمل على التخلص من التبعية السياسية والإقتصادية لأي دولة في صنع القرار. وتبقى المهمة الكبرى التي تنتظر الرئيس القادم هي التوافق على معايير الجمعية التأسيسية لوضع دستور البلاد الذي ينتظره الشعب المصري والذي قامت في الأساس من أجله الثورة، فالكل يعلم بأنه قبل اندلاع ثورة 25 يناير، انتقد سياسيون وحقوقيون بشدة المواد 76 و77 و88 من الدستور المصري وطالبوا بتعديلهم، ما يجعل كتابة دستور يليق بمكانة مصر أصعب من مهمة انتخاب رئيس دولة بوضع ورقة في صندوق شفاف!

إن الرئيس المقبل أو المنقذ المنتظر لمصر، سواء أكان فلول أو إخوان أو يسار أو يمين أو ... يجب أن يكون ولاءه الوحيد لوطنه وشعبه وليس في خدمة أي قوى سياسية أخرى سواء حزب أو دولة أو جماعة خاصة إذا كان الفائز من "الإخوان" فالديمقراطية الحقة تقتضي التوازن والفصل بين السلطات، والكل يعلم بأن رئيس مجلس الشعب السيد (محمد سعد الكتاتني) كان أمين عام سابق لحزب الحرية والعدالة وعضو سابق بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، مما يعني أن مجلس التشريع يرأسه ويحكمه "الإخوان" وفي هذه الحالة يبقى أملنا الوحيد أن يبقى القضاء مستقلا ويلتزم الرئيس المقبل باحترام القوانين والدستور والحفاظ على حقوق المواطنين وكرامتهم في الداخل والخارج. ومهما كان قرار الشعب المصري يجب أن يحترم وتُحترم إرادته حتى إذا فاز رئيسا من الفلول أو الإخوان فلا داعي للنزول إلى الميدان!! البلد في حاجة إلى الإستقرار وميدان التحرير يجب أن يبقى رمزا للشهداء الذين ماتوا من أجل مصر وتوحيد صفوف أبناءها، وأتمنى أن لا يتحول الميدان إلى ساحة لتصفية الحسابات والفوضى والتخريب من جديد. فمصر في حاجة ماسة إلى نشر الثقافة الديمقراطية والتي تبدأ من سلوك المواطن نفسه، فكما تريد أن يُحترم رأيك يجب أن تموت دفاعا عن رأي خصمك كما قال الفيرسوف الفرنسي فولتير " إنني مستعد أن أموت من أجل أن أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول."

فالنقف جميعا من أجل أن تحيا مصر حرة و آمنة فهي التي قال فيها شاعر النيل (حافظ ابراهيم ):
أنا إن قدر الإله مماتي *** لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر


.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع




.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة