الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيدرالية العراقية في الميزان

جاسم الحلوائي

2012 / 6 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



ولد الدستور العراقي مشوهاً ومليئاً بالنواقص حال ولادته، لذلك جاء في المادة 142 منه ما يلي: " ـ يشكّل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعة اشهر يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور".
ولكن لم تُجر التعديلات المنشودة حتى يومنا هذا!
إنني لست هنا بصدد التوقف عند تشوهات ونواقص الدستور وكيف استغلت من القوى المتنفذة ومدى مصداقية ادعاءاتها بالالتزام بالدستور، فقد قيل وكتب الكثير عن ذلك. ولكنني بصدد التوقف عند النص الدستوري المتعلق بالفيدرالية،وتحديداً النص الذي يبيح تحول كل محافظة من محافظات العراق أو عدد منها إلى اقليم. إن هذا النص غير السليم قد اصطدم بالواقع وسبّب مشاكل بدأت وسوف لن تنتهي إن لم يعالج هذا الأمر جذرياً. فقد راحت بعض المحافظات وبدوافع مختلفة تنحو لتطبيق النص الدستوري غير آبهة بالتبعات السلبية على وحدة العراق، وراحت محافظات أخرى تهدد به كلما تصاعدت الخلافات مع المركز وأخيراً، وليس آخراً شاهدنا تهديد بعض رؤساء وأعضاء مجالس محفظات الوسط والجنوب بهذا النص كرد فعل على القوى السياسية التي تنوي سحب الثقة من رئيس الوزراء دستورياً. ومع ذلك لم تعترف القوى السياسية بعدم تزكية الواقع لصحة هذا النص لكي تضع الأمر في نصابه الصحيح وتطلب ترحيله إلى ملف التعديلات الدستورية. ولم تقر بهذا الخطأ لحد يومنا هذا حتى القوى الديمقراطية التي نصت وثائقها سابقاً على مفهوم سليم للفدرالية ينسجم مع ظروف العراق. فعلى سبيل المثال، جاء في برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي اقره المؤتمر الوطني السابع للحزب المنعقد في 2001، وهو آخر مؤتمر قبل إقرار الدستور، ما يلي: "وإقرار صيغة الفيدرالية لإقليم كردستان دستورياً". ولا توجد أية إشارة، لا من بعيد ولا من قريب، إلى إمكانية تكوين إقاليم في المحافظات سواءً في الوثيقة المذكورة أو في أية وثيقة حزبية أخرى قبل إقرار الدستور. وكان منطلق الحزب هو أن الفيدرالية تصلح كحل للمسألة القومية الكردية في الظروف الملموسة.
وبدلاً من أن تعترف القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وخاصة المتنفذة، وبالأخص حزب الدعوة الذي يقود الحكومة عملياً، بالخطأ وتحويل الأمر، مثل أمور كثيرة أخرى، إلى التعديلات الدستورية، فإنها تحاول وضع شروط أو التشبث بحجج سياسية وغير دستورية لرفض تحول المحافظات إلى أقاليم. فقد اتهم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي مطالبة مجلس محافظة صلاح الدين بالطائفية و...الخ في حين لم يتهم مطالبة بعض رؤساء وأعضاء مجالس محافظات الوسط والجنوب بذلك لأن من حرّك هذه المطالبة هم من حزب الدعوة. وعزى في بيانه الصادر يوم 2 حزيران عدم تطبيق الفيدرالية لأن تطبيقها يحتاج إلى "ظروف طبيعية ومستقرة وملائمة". هذا في الوقت الذي لم يرد في الدستور أية شروط، ولم يربط الدستور إقامة الأقاليم بأية ظروف أو دوافع، فكل ما جاء فيه هو مجرد إجراءات إدارية. فقد نصت المادة 119 من الدستور ما يلي:
"يحق لكل محافظةٍ او أكثر تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين:
اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.
ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم".
وما جاء في قانون كيفية تشكيل الأقاليم لا يتعدى الإجراءات الإدارية ومنها هو أن "يكون الاستفتاء ناجحاً اذا حصل على أغلبية المصوتين من الناخبين".
ولو افترضنا حسن النية وراء الدوافع المعلنة للقوى السياسية التي كانت متحمسة للنص في الدستور على الأقاليم في المحافظات العربية فهي: "ضمانة لعدم عودة الدكتاتورية" و "إنها نظام ديمقراطي متطور". وهذا صحيح من الناحية النظرية ولكنه غير صحيح من الناحية العملية.
فباعتقادي أن العمل على إقامة اقليم غير اقليم كردستان في العراق وبأية شروط كانت هو خطأ فاحش سيؤدي إلى تجزئة العراق، ولا يستبعد أن يؤدي ذلك إلى حروب دامية. إن جيوسياسية العراق لا تسمح بإقامة ذلك. فالعراق محاط بتركيا وإيران وبأطماعهما التوسعية، وسوريا وأطماعها القومية غير المشروعة وبالسعودية ونزعاتها الوهابية، وقطر وطموحاتها في قيادة العالم العربي. إن عراق اليوم يعاني بمستويات مختلفة من التدخل الفظ لجميع هذه الدول في شؤونه الداخلية، فكيف بالأمر عندما تكون هناك فدراليات يبيح لها الدستور التماثل مع اقليم كردستان، بما يتمتع به من استقلالية؟! ومن المعروف أن جيوسياسية البلد لا تتبدل بسهولة وقد لا تتبدل لعشرات وعشرات السنين.
ويضاف إلى ذلك هو إن المجتمع العراقي يحتاج إلى فترة غير قصيرة ليتجاوز جملة من المعوقات الجدية ليطبق الديمقراطية الفتية قبل أن ينتقل إلى ديمقراطية متطورة.
باعتقادي أنه من الواجب على القوى السياسية التي وافقت على تضمين الدستور إقامة أقاليم في القسم العربي من العراق، وخاصة حزب الدعوة الذي يقود الحكومة، يجب أن تراجع موقفها وتعترف بخطئها (والاعتراف بالخطأ، كما هو معروف، فضيلة)، وتحيل النص الدستوري الخاطئ إلى ملف التعديلات الدستورية. وبذلك تضع حداً لموقفها المتسم باللف والدوران وتضع حداً للتهديدات والابتزاز الذي تمارسه بعض مجالس المحافظات بين آونة وأخرى. ووضح نهاية لعملية المضاربات والمزايدات السياسية، وما ينجم عنها من ردود أفعال كمظاهرات البصرة ضد الفيدرالية، التي تمارسها هذه القوى بهذا النص الدستوري غير السليم .
2حزيران 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نوري المالكي يرفض إقامة الأقاليم
علي عباس ( 2012 / 6 / 3 - 10:01 )
تحية للكاتب، ولكن يبدو أن مقاله جاء قبل تصريحات رئيس الوزراء حيث نشرت صحيفة(الصباح) خبراً جاء فيه- اعلن رئيس الوزراء نوري المالكي عن رفضه الدعوة الى اقامة الاقاليم بردود أفعال.وقال المالكي لـ(المركز الاخباري لشبكة الاعلام العراقي): -نرفض الدعوة الى الفدرالية بردود أفعال لأنها أمر دستوري وتحتاج إقامتها إلى ظروف مؤاتية وطبيعية-. لذا نرجو التنويه، فليس هناك تحيز طائفي ضد فيدرالية محافظة صلاح الدين أو غيرها


2 - فيدرالية = تقسيم
محمد علي محيي الدين ( 2012 / 6 / 3 - 10:12 )
اللافيق العزيز جاسم الحلوائي
يكمن الداء في الدستور العراقي الذي كتب على عجالة وبسوء نية من الاطراف النافذة في العراق والدول المؤثرة في القرار العراق وما وضعت من قنابل موقوتة قابلة للانفجار ومنها قانون الاقاليم الذي يتعكز عليه الجميع في مشروعية اقامة الاقاليم او عدم شرعيتها حسب مصالح القوى الحاكمة وعندما دعى المجلس الاعلى لفدرالية الوسط والجنوب عارضته كثير من الاطراف ان لم يكن جميعها باستثناء الكورد والشيوعيين فيما تعكز على هذا النص طرفي الصراع في المهعادلة السياسية عندما استوجب الظرف السياسية الضغط على الطرف الاخر واعتقدان اي فدرالية باي مسمى عدى كردستان هي فيدرالية طائفية ساعية لبلورة مشروع تقسيم العراق واضعاف السلطة فيه واخراجه من التاثير في مجريات الاحداث العربية والاقليمية وان الانسب هو التخفيف من الحكم المركزي وفسح المجال للمحافظات في اددارة شؤونها الادارية الداخلية بعيدا عن صرامة المركز وهو ما يجب العمل لاقراره في التعديلات الدستورية والا فان العراق سيضيع في متاهة الاجندات الخارجية وعملاء الاجنبي ممن تربعوا على سدة الحكم في العراق


3 - الكارثة بالدستور
مكي الكاظمي ( 2012 / 6 / 3 - 12:24 )
الرفيق العزيز ابو شروق
يقول المونولجست العراقي المعروف عزيز علي في احدى اغانيه- كلها منّ كلها منّ مصايبنا وبلاوينا كله منّ- والدستور الذي اشرتم الى قصوره في مادّته الخاصة باقامة الاقاليم والتي تعتبر بنظري برميل بارود قابل للانفجار متى ما اراد الطائفيون والقوميون اشعال عود ثقاب بالقرب منه،يمتلك من المساويء الشيء الكثير لانه كتب بامر رجال الدين وكان رئيس لجنة صياغته رجل دين وهؤلاء فقهاء دين وليسوا فقهاء قانون. ولكن الخطأ الكبير الذي ارتكب حينها وندفع ثمنها اليوم هو عدم تضمين الدستور فقرة تمنع قيام الفدرالية الا على اساس قومي ، بل كان من الافضل الاشارة بوضوح الى امكان الكرد فقط في مناطقهم الجغرافية المحددة ، من اقامة اقليم على اساس قومي في عراق فدرالي موحد وهذا ما اشرتم اليه في مقالتكم. اتفق معكم حول خطورة اقامة اقاليم في ظل الصراع الطائفي القومي المستعر اليوم، لانها لو نجحت فسوف يكون لدينا اكثر من حصان طروادة في بلدننا عدا حصاني الطائفي والقومية الموجودة اليوم . واعود .. لاقول كما قال عزيز علي - كل من الدستور مصايبنا وبلاوينا كله منّ، علينا ان نعمل على اعادة النظر بالدستور باكمله.


4 - رد من كاتب المقال
جاسم الحلوائي ( 2012 / 6 / 3 - 12:35 )
الأخ علي عباس
شكراً على مرورك. لو أعدت قراءة المقال ستجد بأني استشهدت بتصريح المالكي في البيان الذي تذكره. فقد سمعت التصريح من وسائل الإعلام المرئية قبل نشره اليوم في الصحف والمواقع الألكترونية ولكنني لست متفقاً معه لأنني ضد إقامة أي إقليم غير إقليم كردستان. واليك نص ما جاء في المقال حول هذا الأمر: -وعزى [المالكي] في بيانه الصادر يوم 2 حزيران عدم تطبيق الفيدرالية لأن تطبيقها يحتاج إلى -ظروف طبيعية ومستقرة وملائمة-. هذا في الوقت الذي لم يرد في الدستور أية شروط، ولم يربط الدستور إقامة الأقاليم بأية ظروف أو دوافع، فكل ما جاء فيه هو مجرد إجراءات إدارية-.
مع تقديري


5 - رد من كاتب المقال
جاسم الحلوائي ( 2012 / 6 / 3 - 19:47 )
العزيزان محمد علي محي الدين ومكي الكاظمي
شكرا على مروركما. سرني جداً اتفاقكما معي على الفكرة الأساسية في المقال ألا وهي الفيدرالية لكردستان، كحل للمسألة القومية الكردية في الظروف الملموسة، واللامركزية لبقية محافظات العراق.
مع اعتزازي وتقديري


6 - أنا أختلف معكم .. ولكن ودياً...
موسى فرج ( 2012 / 6 / 4 - 01:48 )
تحياتي وتقديري للاستاذ العزيز جاسم الحلوائي واحترامي لصدقائي المتداخلين ..انا اختلف معكم في هذا ..بيها مجال ..؟ اذا بيها مجال فابين الاتي : 1 . مشكلة الاقاليم لا سببها الغفله ولا سببها العجاله .. وانما هم يريدون هذا وانا شخصيا سمعته من قادتهم بعد انتفاضة اذار وتم التبشير به والترويج له على نطاق واسع وانتم جميعا تتذكرون ذلك وهو العراق الشيعي وكان الطموح ان تتعمق منطقة حظر الطيران لتتحول الى الحال الذي هو عليه في كردستان والدافع هو جزء مضمون خير من كل غير مضمون لأن الطائفة السياسية لا يستقيم لها المر على كل العراق فاما التخلي عن ايدلوجية الطائفة السياسية لصالح العراق وفي هذه الحالة تشترط التخلي عن الطائفية لصالح المواطنة أو التمسك بالطائفية السياسية وفي هذه الحالة حصر الطموح بالاقليم الشيعي 2 .في ضوءه كانت الصفقة على اساس كونفيدراليه للكورد مقابل القاليم وصولا للقليم الشيعي وكل واحد يشوف دربه عاجلا وليس آجلا ..وبايدن آخذها من افواههم ..3 .مادة الاقاليم لن تدخل في التعديلات لأنها مطلوب منها البقاء ...-..


7 - تتمه..لطفا..
موسى فرج ( 2012 / 6 / 4 - 02:09 )
4 .المالكي امتدت به طموحاته لكل العراق لكن عليه ان عليه ان يبدل هوية حزب الدعوة من الشيعية الى العراقية (بس مو مال علاوي )وفي هذه الحالة يكون مثل الكردي البعثي ايام زمان وعليه ان يدخل كل الاحزاب والملل والنحل الشيعية التي يتضاعف عديدها على مدار الساعه في بوتقة الحزب الجديد لتكون واحدا ..يقبلون ؟؟وعليه ان يعد برقية تهنئه الى مسعود برزاني بمناسبة تقرير المصير وبخلافه فان اولادنا بانتظارهم حداد خانه .. يتمنون معها وكتنا.. وتصير الدوله الشيعيه ويضم دستورها حق اقامة الاقاليم ويبدأ العد العكسي لتقرير المصير وهذا ينطبق على الاقليم السني أيضا .. ماهو السبب ؟ لن الديمقراطيين العراقيين يبحثون عن مشترك ومازالوا حتى باغتهم السيد كاظم الحائري .. كل التحايا لكم ...


8 - اس المشكلة برأيي...
سعد السعيدي ( 2012 / 6 / 5 - 22:55 )
استاذ جاسم الحلوائي
تحية

اعتقد ان اس المشكلة هو طبيعة علاقة اية محافظة او اقليم بالمركز. فالكل خارج اقليم كردستان يريدون بحجة المظلومية تقليد تجربة الاخير ليتمكنوا بعدها من فرض إرادتهم على المركز بنفس طريقة الاقليم. هذا هو تصورهم للاقليم المبتغى. لذلك فاقول انه يتوجب اعادة التفاوض على اسس العلاقة بين المركز واقليم كردستان وتضمين النتائج بشكل واضح بالدستور تحت بند التعديلات مستقبلآ , كيلا يتسبب هذا الموضوع مرة اخرى باشعال نار الاطماع الهوية والطائفية الضيقة في باقي العراق.

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة