الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسَم الملعب وقسَم الميدان

سها السباعي

2012 / 6 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في فرنسا وفي ظل النظام القديم، كان "المجلس العام للطبقات" مجلسًا تشريعيًّا، مُمَثِّلاً لمختلف طبقات رعايا الدولة الفرنسية. وكانت كل طبقة تجتمع في مكانٍ منفصلٍ عن الأخرى ، حيث كانت الاجتماعات تنعقد وتنفض بإرادة الملك. ولم تكن للمجلس أية سلطة حقيقية؛ لم تكن له سلطة إقرار الضرائب المفروضة من قِبل الملك أو سلطة إصدار القوانين. كان دوره محددًا بتقديم الاستشارات والالتماسات من مختلف الطبقات، والتشاور حول السياسة المالية للدولة.

كانت بداية تكوين المجلس في عام 1302. عندما احتاج الملك فيليب العادل إلى المساندة في نزاعه مع البابا بونيفاتشي الثامن بابا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في بدايات القران الرابع عشر، حين كان البابا يريد استمرار فرض السلطة الروحية والزمنية على الملك، بينما كان الملك يرغب بالاستقلال عن سلطة الكنيسة، اتخذ الملك من المجلس المنتخب حجةً يثبت بها أن شرعيته مكتسبة من الشعب لا من السلطة البابوية. بمرور الوقت أصبح انعقاد المجلس فقط هدفه منح الإعانات للملك في نزاعاته وحروبه المختلفة. وظل دور المجلس منذ ذلك الوقت يتأرجح بين القوة والضعف حتى كان آخر انعقاد له عام 1614، وتوقفت الاجتماعات لأكثر من قرن ونصف .

كانت الطبقتان الأولى (رجال الدين) والثانية (النبلاء) تمثلان نسبة ضئيلة جدًا من السكان، بينما كانت الطبقة الثالثة تمثل نحو 98% منهم، لذلك كانت أكثر الطبقات تمثيلاً للمجتمع الفرنسي، وكانت مكونة من سكان المدن من البورجوازيين (التجار، المحامون والأطباء، والعمال الذين يحصلون على رواتب جيدة ، وبعض صغار رجال الدين) ومن سكان الريف (الفلاحون وأقنان الأرض، وهؤلاء لم يكن لديهم ثروة) . كان الرعايا من أفراد هذه الطبقة يرغمون على دفع الضرائب الباهظة مقارنةُ بالطبقات الأخرى، وكانت الامتيازات الممنوحة لهم جد قليلة ولم يكن لهم أي تأثير على الملك. وحتى عندما أصبح من حقهم التصويت في المجلس العام للطبقات كانوا يخسرون دائمًا بسبب نظام التصويت المقرر، فقد كان لكل طبقة صوت واحد مهما اختلف عدد ممثليها، وبهذا كانت الطبقتان الأولى والثانية تتحدان معًا في مواجهة الطبقة الثالثة .

في عام 1789، انعقد المجلس لأول مرة بعد فترة توقف طويلة بدعوة من الملك لويس السادس عشر لتقديم حلولٍ للمشاكل المالية للحكومة. واجتمع الأعضاء على النظام القديم نفسه - حيث يعقد ممثلوا كل طبقةٍ اجتماعاتهم في مكانٍ منفصل - عدة مرات لعدة أسابيع في شهري مايو ويونيو، وكانت رغبة الملك هي التمسك بالنظام القديم الذي يعطي الحكومة السلطة المطلقة، ولكن المناخ العام أصبح يطالب بالإصلاح، فتقدم رئيس الوزراء بمقترحات تتضمن أن يجتمع ممثلو الطبقات الثلاث في مكان واحد، وأن يكون لكل فردٍ صوته المستقل، وهذا كان سيجعل للطبقة الثالثة صوتًا أقوى في المجلس.

كان ممثلو الطبقة الثالثة متحمسين جدًا لهذه الإصلاحات، وكانوا تواقين لمناقشتها وإقرارها، وفي 20 يونيو توجهوا للقاعة المخصصة لاجتماعهم في فرساي، فوجدوها مغلقة. فغلب عليهم الظن أنها حركةٌ القصد منها إبعادهم عن المجلس، وأن هذه محاولة لإنهاء مطالباتهم ، وتوقعوا الأسوأ من قبل الملك. ثم اتخذوا قرارهم بالاجتماع في أي مكان، وكان هذا المكان ملعب تنس مغطى. وسرعان ما تصاعدت سخونة النقاشات؛ واتفقوا على أنهم قادرون على حماية أنفسهم من هؤلاء الذين يحتلون مواقع السلطة والذين يرغبون في القضاء عليهم. اقترح بعض النواب أن يتوجهوا إلى باريس حيث سيحميهم الناس من جيش الملك، ولكن علا صوت مضاد لهذا الاقتراح الذي اعتُبر ثوريًّا بدرجةٍ كبيرة وخطرًا من وجهة النظر السياسية، وبرز اقتراحٌ آخر: أن يُقسم الأعضاء على التحالف فيما بينهم، وعلى استمرار اجتماعهم حتى تتم كتابة الدستور، في أي مكانٍ متاح، وعلى مقاومة أي ضغوطٍ خارجية هدفها حل مجلسهم الذي أطلقوا عليه فيما بعد "الجمعية الوطنية". لاقى الاقتراح القبول ودُوِّن القسم ووقع عليه 576 نائبًا من أصل 577. سميت هذه الوثيقة فيما بعد "قَسَم ملعب التنس".

كان القسم تأكيدًا على أن سيادة الشعب لا يحددها الملك، وإنما الشعب نفسه ونوابه، وعلى السلطة الثورية التي تتمتع بها الطبقة الثالثة، فقد وحد بين أفرادها في فعلٍ واحد وفي اتجاه هدف واحد. بعد أسبوعٍ واحد من توقيع القسم، دعا الملك لويس السادس عشر المجلس العام للطبقات للاجتماع بهدف كتابة الدستور، ولكن يوم الرابع عشر من يوليو كان يقترب بسرعة!

خلَّد الرسام الفرنسي جاك لوي ديفيد هذا الحدث في لوحة معبرة تحمل اسم " Le Serment du Jeu de paume " أو "قسم ملعب التنس".

كان ميدان التحرير في فبراير 2011 أكثر رحابةً من ملعب التنس، وكان عدد الذين اجتمعوا فيه والذين رفضوا الانصراف وتوحدوا جميعًا في فعلٍ واحد على قلب رجلٍ واحد ومن أجل هدفٍ واحد، أكثر بكثير من عدد الذين اجتمعوا في ملعب التنس. لم يكونوا بحاجة إلى تلاوةٍ علنيةٍ لِقَسَم، ولم يوقعوا على قسمٍ مكتوب.

بعد الرضا بتعديلات دستورية لا ترقى لطموح الشعب، وبعد الموافقة على الانضمام للمنافسات الانتخابية، وبعد إقرار المحاكمات استنادًا على قانون ونظام كان الهدف هو تغييرهما ، وبعد تفرق الشمل وتعدد المصالح وتعارضها في كثيرٍ من الأحيان، لم يعد لميدان التحرير في يونيو 2012، العبقُ نفسه الذي كان لملعب التنس في يونيو 1789.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر