الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديكتاتورية البروليتاريا والديموقراطية الاشتراكية - الجزء الرابع والأخير

الاممية الرابعة

2005 / 2 / 5
الارشيف الماركسي


10) دفاع الدولة العمالية الذاتي:

يجب طبعا على دولة عمالية أن تدافع على نفسها ضد محاولات إطاحتها وضد خرق قوانينها الأساسية. وفي إطار ديموقراطية بروليتارية لدولة عمالية مستقرة، مثلما انبثقت بعد نزع سلاح البورجوازية ونهاية الحرب الأهلية، سيمنع الدستور وقانون العقوبات التملك الخاص لوسائل الإنتاج والتأجير الخاص لقوة العمل كما منع الدستور وقانون العقوبات، في ظل سيادة البورجوازية، كل مس بحق الملكية الخاصة. وطالما بقيت الدولة البروليتارية وبقيت إعادة الرأسمالية ممكنة فإن دستور ديكتاتورية البروليتاريا وقانون عقوباتها سيمنعان ويعاقبان الأعمال المسلحة ومحاولات إطاحة سلطة العمال بالعنف والإعتداءات الإرهابية على ممثلي سلطة العمال وأعمال التخريب والتجسس لمصلحة قوى رأسمالية أجنبية، الخ. لكن لا تستوجب العقاب سوى المثبتة من هذه الأعمال أو الإعداد النشيط لها وليس الدعاوة العامة، صريحة أم ضمنية، لصالح إعادة الرأسمالية. هذا يعني حرية التنظيم السياسي لكل من يحترم فعليا دستور الدولة العمالية بما فيها العناصر المؤدية للبورجوازية، أي لكل من لم ينخرط في أعمال عنف لإطاحة سلطة العمال والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

ليس ثمة دوافع لفزع العمال من دعاوة "تحثهم" على إرجاع المصانع والبنوك للملاكين الخواص ولا لإعتبارها خطرا قاتلا. ثمة مخاطر قليلة "لإقتناع" أغلبهم بهذا النوع من الدعاوة. إن لدى الطبقة العاملة، بالدول الإمبريالية والدول العمالية المتبقرطة وعدد متزايد من الدول شبه المستعمرة، من القوة ما يغنيها عن إعادة إدراج "جريمة الرأي" في قانون عقوبات الدول العمالية أو في ممارستها اليومية.

إن الأهم هو إقامة تمييز واضح بين أنشطة تؤدي إلى العنف ضد سلطة العمال وأنشطة سياسية أو مواقف إيديولوجية أو تصريحات برنامجية قد تفسر كتأييد لإعادة الرأسمالية. تدافع الدولة البروليتارية عن نفسها ضد الإرهاب باستعمال القمع، أما ضد الإقتراحات السياسية أو الأفكار الرجعية فتدافع عن نفسها بالنضال السياسي والإيديولوجي. ليست المسألة "أخلاقية" ولا إعتمادا لموقف "رخوة"، إنها، في الجوهر، مسألة فعالية عملية على المدى البعيد.

إن التجربة الكارثية للستالينية التي استعملت، على نحو منظم، اتهامات مفترية ب"التواطؤ مع الإمبريالية" و"التجسس لصالح قوى أجنبية" و"أعمال تفيد الإمبريالية موضوعيا، وتحريض "معاد للسوفيات" و"معاد للإشتراكية" بغية القضاء على كل شكل للنقد السياسي والمعارضة أو فقط كل لا إمتثالية في البلدان التي سادت فيها شريحة بيروقراطية طفيلية ونظمت، بهذا المبرر، قمعا همجيا على نطاق جماهيري، قد خلقت حذرا عميقا (وسليما في الجوهر) إزاء كل سوء إستعمال للمؤسسات العقابية أو القانونية أو مؤسسات الطب العقلي أو المؤسسات البوليسية لأغراض القمع السياسي. لذا يلزم الإلحاح على أن استعمال البروليتاريا ودولتها وسائل قمع للدفاع الذاتي ضد محاولات إطاحة سلطة العمال بالعنف يجب أن ينحصر بصرامة في جرائم وأفعال مثبتة، أي أن ينفصل بدقة عن مجال الأنشطة الإيديولوجية والسياسية والثقافية.

تؤيد الأممية الرابعة الدفاع عن المكاسب الأكثر تقدمية للثورات الديموقراطية البورجوازية وعن توسيعها في مجال قانون العقوبات والعدالة وتناضل لإدماجها في الدستور وقانون العقوبات الإشتراكيين. ويتعلق الأمر بحقوق من قبيل:

1- ضرورة قانون مكتوب وعدم اللجوء إلى مفهوم الجريمة الإرتجاعية. ولزوم قيام الإتهام بتقديم حجة الجرم وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته بالحجة.

2- حقوق جميع الأفراد الكاملة والشاملة في تعيين دفاعهم. وحصانة المحامين الكاملة والشاملة بخصوص جميع التصريحات أو نوع الدفاع المعتمد خلال المحاكمة.

3- رفض كل مفهوم للمسؤولية الجماعية لجماعات إجتماعية أو عائلات ردا على جرائم جرى إرتكابها فرديا.

4- منع صارم لكل أشكال التعذيب أو انتزاع اعترافات بالقوة.

5- إلغاء عقوبة الإعدام خارج أوضاع حرب أو حرب أهلية

6- توسيع تعميم المحاكمات العلنية أمام هيئة قضائية.

7- إنتخاب كافة القضاة ديموقراطيا مع حق عزل جميع المنتخبين وفق رغبات الناخبين.

ويمكن للدولة العمالية من جهة أخرى أن تلغي تدريجيا مؤسسة القضاة المحترفين، تاركة في البدء الجماهير نفسها تمارس وظائف القضاء على المستوى المحلي وفي أقل المخالفات أهمية.

وبديهي أن الكلمة الأخيرة في هذا المجال، وكذا في الصياغة النهائية لقانون العقوبات الإشتراكي واشتغال النظام الجنائي في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، بعد سحق مقاومة البورجوازية المسلحة، تؤول للمجالس العمالية نفسها، التي سنحيل عليها برنامجنا ونناضل في إطارها بوسائل سياسية.

تكمن الضمانة الأساسية ضد كل تعسف قمعي من طرف الدولة في أوسع مشاركة للجماهير الكادحة في النشاط السياسي أي في أوسع ديموقراطية اشتراكية وفي تسليح البروليتاريا المعمم (الميليشيات العمالية) وإلغاء كل إحتكار للسلاح من جانب أقلية.

لكن كما يقول لينين: "إنجاز البروليتاريا للثورة الإشتراكية لن يجعل منها قديسا ويضعها في منأى عن الأخطاء ومكامن الضعف". لذا لا يجب أن يخبو حذر الشيوعيين الثوريين بأي وجه خلال الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي. ويجب على الطليعة الشيوعية رصد أدنى مظاهر "النزعة البيروقراطية" وفضح ومحاربة كل شطط الدولة العمالية والسهر على احترام مبادئ المساواة والديموقراطية والدفاع عن حقوق النساء والأقليات العرقية أو القومية أو الإثنية أي باختصار الاضطلاع بدور الطليعة الشيوعية إزاء الدولة البروليتاريا نفسها.

هاهو معيارنا البرنامجي والمبدئي: حرية سياسية لا محدودة لكافة الأفراد والمجموعات والتيارات والأحزاب التي تحترم عمليا الملكية الجماعية ودستور الدولة العمالية. هذا لا يعني إمكان تطبيق معاييرنا كليا دون مراعاة الشروط الملموسة. فخلال سيرورة تكون ديكتاتورية البروليتاريا وخلال أزمة ثورية تتوج بالإنتفاضة وخلال الإنتفاضة نفسها، حين تنتقل سلطة الدولة من طبقة إلى أخرى، تحدث اضطرابات عنيفة مع ما يلازمها من غياب للشرعية. وهي لا تجلب النصر للبروليتاريا إلا إذا حضيت الإنتفاضة بدعم معظم السكان –أغلبية الأجراء الكبرى- على الأقل في كل البلدان حيث يمثل الأجراء أقوى طبقات المجتمع عددا. بقدر ما تتسع تعبئة الجماهير خلال الإنتفاضة، يقل العنف والتعسف الملازمان حتما لهذا الإنقلاب الإجتماعي الهائل.

وقد لا تتوطد ديكتاتورية البروليتاريا إلا بعد حرب أهلية أو تدخل عسكري أجنبي أي بعد محاولات الطبقات السائدة القديمة إطاحة سلطة العمال بالعنف. في هذه الحالة يجري تطبيق قواعد الحرب، ويمكن أن تطبق تقليصات للأنشطة السياسية للبورجوازية. لم يسبق أبدا لأية طبقة اجتماعية ولا لأية دولة أن متعت بكامل الحقوق السياسية المتورطين في أعمال عنف للإطاحة بها. ولا يمكن لديكتاتورية البروليتاريا أن تفعل خلاف ذلك في هذا المضمار.

على نحو واقعي أكثر، سيكون كل الأفراد والمنظمات والأحزاب المشاركين في العنف المضاد للثورة أو الممكن إثبات دعمهم أو استعدادهم النشيط له، عرضة للقمع وسيوضعون في شروط استحالة موصلة هذه الأنشطة. وسيرتبط مدى وأشكال هذا القمع الملموسة بالظروف وبموازين القوى تلك اللحظة في بلد معين أو مجموعة بلدان.

خلال المرحلة الأولى لإرساء دولة عمالية، ضد المقاومة المسلحة للبورجوازية أو محاولاتها لإطاحة تلك الدولة، قد يتأخر وجود قانون عقوبات مكتوب (وشرعية اشتراكية) بالنظر إلى حاجات الثورة لحل أوضاع أزمة لا يمكن إخضاعها لوجود مقدم لقانون العقوبات. أتبثت التجربة التاريخية مرة أخرى ودوما أنه بقدر الإسراع في سحق جذري للمقاومة المسلحة للبورجوازية بقدر ما تقصر مرحلة الحرب الأهلية بحصر المعنى وتتقلص الكلفة البشرية للثورة الإجتماعية.

تظل المقاييس المحددة للإطار العام للفعالية الثورية على المدى البعيد هي تلك التي تربط إجراءات الضرورة الآنية بمستلزمات توطيد النظام الإجتماعي الجديد على قاعدة انخراط ومشاركة أوسع الجماهير الممكنة. لكن في شروط حرب أهلية تنفرد بالفعالية الحقيقية تلك الإجراءات الآنية التي ترفع وعي البروليتاريا الطبقي وثقتها بنفسها ولا تخفضهما البتة، والتي تزيد الإيمان بقدرتها على بناء دولة عمالية ومجتمع لا طبقي، والتي تضمن دعمها ومشاركتها النشيطين في إدارة دولتها الخاصة وقدرتها على التعبئة والتنظيم الذاتي. لا يجب نسيان هذا المقياس الأساسي حتى في ظروف حرب أهلية بقدر ما قد تنمو مستقبلا ثورات في إطار موازين قوى أفضل مما في روسيا 1919 و1920 أو 1921.

عبر تروتسكي في هذا الصدد بأوضح طريقة عام 1940. ويصح ما كتبه تلك اللحظة بدرجة أكبر اليوم: "يمكن إستباقا أن نصوغ القانون التالي: بقدر ما يكبر عدد البلدان التي جرى فيها تحطيم النظام الرأسمالي بقدر ما تضعف مقاومة الطبقات السائدة بالبلدان الأخرى، وتقل حدة طابع الثورة الإشتراكية ويقل عنف أشكال ديكتاتورية البروليتاريا، وتقصر مدتها وتزداد سرعة بناء مجتمع اشتراكي على قاعدة ديموقراطية جديدة أكثر شمولا وكمالا وإنسانية. لن تكون للإشتراكية قيمة إن لم تأت ليس فقط بالحصانة القانونية بل أيضا بالحماية التامة والشاملة لكافة مصالح الشخصية الإنسانية" (ل. تروتسكي –كتابات بالإنجليزية- 1939-1940 ص155-156).

ومن اللازم أيضا التشديد على مسؤولية الثورة البورجوازية المضادة، سياسيا وعلى نحو مادي مباشر، في كل تقليص للديموقراطية الإشتراكية في شروط حرب أهلية أو حرب. هذا يعني وجوب أن يوضح للمجتمع بمجمله ولبقايا الطبقات السائدة نفسها أن طريقة معاملتها متوقفة، في آخر التحليل، عليها هي، أي على سلوكها العملي.

11) الثورة والثورة المضادة العالميتان:

طالما بقيت الإمبريالية ببلدان كبرى –ويقينا بالولايات المتحدة- فلن تكف أبدا عن محاولة وقف كل توسع جديد للثورة الإشتراكية باستعمال الضغط الإقتصادي والقوة العسكرية. كما لن تتخلى أبدا عن جهودها لإستعادة بعض ثم كل الأراضي التي فقدها الإستغلال الرأسمالي المباشر. تستحيل إعادة الرأسمالية هذه بالطريق التدريجي والسلمي مثلما تستحيل إطاحة الرأسمالية تدريجيا وسلميا. ينتج عن هذا أن كل دولة عمالية ناشئة عن ثورة اشتراكية ظافرة وكل مجموعة دول عمالية، مهما بلغت درجة تبقرطها أو ديموقراطيتها، ستوجد في شروط هدنة مسلحة مع الرأسمالي العالمي قد تؤدي في بعض الأحوال إلى حرب مفتوحة. تكمن إذن إحدى مسؤوليات ديكتاتورية البروليتاريا الأساسية في حفظ وتدعيم الشروط المادية والبشرية لقدرة دفاعها الذاتي العسكرية الدائمة قصد التمكن من مجابهة هذا التحدي حين يمثل أمامها.

إننا نرفض حتمية الحرب النووية العالمية كما نرفض فكرة أن الدعاوة والتحريض وتنظيم العمال الطبقي بالبلدان الرأسمالية كافبة في حد ذاتها لمنع حروب إعتداء إمبريالية على الثورات الجديدة والقديمة. سيبقى خطر الحروب المضادة للثورة قائما طالما لم تطح الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية الرئيسية بسيادة رأس المال. ويجب على البروليتاريا في القسم الآخر من العالم أن تستعد لهذا الخطر، كما عليها أن تتهيأ لمساعدة الجماهير المنتفضة في بلدان أخرى في مواجهة التدخل المسلح للثورة المضادة القومية والعالمية.

إن ضرورة الإستعداد العسكري لمواجهة حروب عدوانية إمبريالية تعني للدول العمالية تحويل موارد مادية، كانت ستخصص لتسريع التحول نحو الإشتراكية، إلى إنتاج الأسلحة. وهذا سبب إضافي لرفض الطوبى الرجعية حول إمكان إستكمال بناء الإشتراكية في بلد واحد أو في عدد قليل من البلدان.

تمثل المليشيات العمالية والشعبية، أي الشعب المسلح، قاعدة دفاع الدولة العمالية الذاتي. لكن هذا الدفاع يستلزم أيضا الإبقاء على جيش متخصص في إستعمال الأسلحة المتطورة جدا. سيكون هذا الجيش العمالي جيشا من طراز جديد يعكس قاعدته الطبقية الجديدة. وكما فعل الجيش الأحمر في بداية جمهورية السوفييتات، سيلغي فئة الضباط ويستعيض عنها بمجالس الجنود وبقادة منتخبين ديموقراطيا، ويقيم علاقة متوازنة مع الميليشيات. وعموما "قد يفيد الإرتباط بين الجيش النظامي والميليشية كمؤشر واضح على التقدم الحقيقي نحو الإشتراكية" (تروتسكي –الثورة المعذورة).

لكن هذا لا يستتبع بتاتا أن يفضي حتما ضغط الإمبريالية الخارجي على الدول العمالية إلى الإنحطاط البيروقراطي ولا حتى إلى تقليصات جدية للديموقراطية الإشتراكية.

أولا، لم يكن صعود وإنتصار البيروقراطية الستالينية نتيجة مباشرة وآلية للحصار الرأسمالي للإتحاد السوفياتي. بل كانا ثمرة عناصر متداخلة: وضع تأخر نسبي لروسيا وضعف نسبي للبروليتاريا الروسية والهزائم الأولى للثورة العالمية، وما نتج عنها من حصار، ثم نقص الإستعداد السياسي للطليعة البروليتارية بوجه مشكل البيروقراطية ومضاعفات الصعود المتدرج لسلطة البيروقراطية على نتائج موجات النضالات الثورية المتلاحقة عبر العالم وغياب قيادة ثورية بديلة خارج الأحزاب الشيوعية التي يتحكم بها الكريملين، وهي كلها عوامل فاقمتها النتائج المتراكمة لهزائم الثورة العالمية. وضئيل جدا إحتمال تكرار تركيب العوامل هذا لاسيما في حالة ثورات اشتراكية ظافرة في بلدان أكثر تصنيعا من روسيا عام 1917 والصين 1949. إن درجة تأخر روسيا اليوم، مقارنة بالرأسمالية العالمية، هي أقل بكثير مما كانت عام 1923 أو 1927 كما أن القوة الموضوعية للبروليتاريا السوفياتية أكبر بما لا يقاس. وإذا انضافت إلى القدرة النسبية للدول العمالية الحالية قدرة الثورات الإشتراكية الظافرة بأوروبا الغربية واليابان أو بلدان كبرى بأمريكا اللاتينية –ناهيكم عن الولايات المتحدة- فإن موازين القوى مع الرأسمالية العالمية ستشهد اختلالا خطيرا لغير صالح هذه الأخيرة لدرجة لن تجعل ضغط المحيط الرأسمالي وضرورة الإبقاء على تسلح وجيش قويين مصدرا موضوعيا لتقليصات جدية للديموقراطية الإشتراكية.

وعلاوة على هذا، إذا أدى بقاء مؤقت لدول إمبريالية قوية وطبقات بورجوازية غنية في العالم إلى حالة مواجهة كامنة، دائمة إلى هذا الحد أو ذلك، فإن ضرورة إحتماء الدولة العمالية ضد خطر التدخل الإمبريالي الأجنبي لن تستتبع بتاتا اعتبار حرب كامنة حربا حقيقية، فهذه مماثلة استعملها باستمرار الستالينيون والبيروقراطيون من كل نوع تبريرا لخنق الديموقراطية العمالية في البلدان الواقعة تحت هيمنة بيروقراطية طفيلية.

من جهة أخرى ليس المشكل الرئيس اليوم بالإتحاد السوفياتي والصين وأوروبا الشرقية هو خطر عودة الرأسمالية في شروط حرب أو حرب أهلية. المشكل الرئيس الذي تواجهه الطبقة العاملة بهذه البلدان هو تحكم في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية والسياسية تمارسه، على نحو ديكتاتوري، فئة بيروقراطية ذات امتيازات. إن التجاوزات الجسيمة التي خلفها هذه التحكم قد نسفت بعمق تماثل جماهير هذه البلدان مع الدول القائمة، وهذا يضعف، على المدى البعيد، قدراتها على مقاومة ظافرة لهجوم قد تشنه جيوش إمبريالية مستقبلا. لذا تزداد ضرورة الدفاع عن الحقوق الديموقراطية ضد كافة التقليصات التي تفرضها البيروقراطية والنضال لأجل الثورة السياسية. لن تضعف هذه السيرورات، بل ستوطد، قدرة الدول العمالية على مقاومة كل هجوم إمبريالي بصرف النظر عن قدرتها على مساعدة سيرورة الثورة العمالية بنشاط.

وأخيرا يجب وضع هذا الإستدلال على رجليه. إننا ننكر أن تكون تقليصات الديموقراطية الإشتراكية -وبالأحرى الديكتاتورية البيروقراطية- ثمنا ضروريا للدفاع عن الثورات الظافرة وتوسيع الثورة عالميا بوجه القوة العسكرية للإمبريالية. على العكس، نؤكد أن هذه التقليصات تضعف البروليتاريا سياسيا وعسكريا بوجه الإمبريالية.

إن مستوى وعي طبقي أرقى وقناعة اشتراكية من جانب الجماهير الكادحة ومستوى رفيع من النشاط والتعبئة والحذر السياسيين من جانبها وتربية ونشاط أمميين للبروليتاريا، كلها تساعد على توطيد الدفاع الذاتي والقوة العسكرية لدولة عمالية عموما.

أبرز التاريخ أن قدرة الدفاع الذاتي لأية دولة تتوقف، في آخر التحليل، على عاملين أساسيين: مستوى انسجام اجتماعي وسياسي أرقى وتماثل جماهير الشعب مع الدولة من جهة، ومستوى أعلى لمتوسط إنتاجية العمل وللقدرة على الإنتاج. بقدر إتساع الديموقراطية البروليتارية يرقى مستوى تماثل أغلبية الشعب العظمى مع الدولة العمالية وتنمو أيضا بسرعة إنتاجية العمل بما فيها إمكانية تحقيق فتوحات تكنولوجية حاسمة مقارنة مع الإمبريالية. بهذا المعنى ليست الديموقراطية الإشتراكية "ترفا" في وضع عالمي مطبوع بحروب عدوانية كامنة من قبل الإمبريالية ضد ثورات إشتراكية جارية. بل هي سلاح فعال بيد الدولة العمالية حتى في المجال العسكري الصرف. هذا صحيح من وجهة نظر دفاعية كما سبقت الإشارة. وهو صحيح أكثر من وجهة نظر هجومية. لا يمكن أن ترتمي الإمبريالية في مغامرات عسكرية ضد ثورات سابقة وحالية دون أن تثير معارضة جماهيرية داخل قلاعها الخاصة. وستضطر، بقصد إضعاف هذه المعارضة، للجوء متنام للقمع ولتقليص الحريات الديموقراطية للجماهير. ولهذا سيمارس مستوى رفيع من الديموقراطية الإشتراكية بالبلدان العمالية جاذبية أعظم على الجماهير المضطهدة بالبلدان الرأسمالية، ناسفا هكذا القوة العسكرية للإمبريالية ومعززا حظوظ اتساع الثورة. يجب أن تشمل الإستعدادات العسكرية للدول العمالية أمام أخطار العدوان الإمبريالي إجراءات خاصة ضد التجسس وضد المخربين المبعوثين من الخارج وضد أشكال أخرى من العمل العسكري المعادي للعمال قد تستمر طيلة سنوات أو حتى عقود. بيد أن ضرورة إجراءات تقنية خاصة لأجل دفاع الدولة العمالية الذاتي لا يجب أن تؤدي إلى تقليص الديموقراطية الإشتراكية بنعت مواطنين يمارسون حقهم في النقد والمعارضة بالجواسيس والمخربين. وفعلا بقدر ما سترتفع درجة نشاط وحذر الجماهير الكادحة وانسجامها الإجتماعي –وهذا أمر متعذر دون ازدهار الديموقراطية الإشتراكية- بقدر ما يصعب عمل جواسيس أو مخربين حقيقيين في وسط معاد لهم بعزم، وتقوى أكثر قدرة الدفاع الذاتي لدى الدولة العمالية.

12) الدول العمالية المتبقرطة وديكتاتورية البروليتاريا وصعود الثورة السياسية

من زاوية نظرية يمثل الإتحاد السوفياتي والدول العمالية المتبقرطة أشكالا من ديكتاتورية البروليتاريا شديدة التشوه والإنحطاط باعتبار أن الأسس الإقتصادية التي أنشأتها ثورة أكتوبر لم تدمرها البيروقراطية. بهذا المعنى فإن ضرورة الدفاع عن الإتحاد السوفياتي وباقي الدول العمالية ضد كل محاولة لإعادة الرأسمالية –ستمثل هذه تاريخيا خطوة جبارة إلى الوراء- تنبع من كونها ما زالت دولا عمالية منحطة أو مشوهة بيروقراطيا أي أشكالا منحطة من ديكتاتورية البروليتاريا.

لكن لا يترتب عن هذا بتاتا وجود عدة تنويعات تاريخية من ديكتاتورية البروليتاريا نجمعها، إلى هذا الحد أو ذاك في مستوى واحد، بينما تمثل الديموقراطية البروليتارية (الإشتراكية) كما وصفها برنامجنا مجرد "معيار مثالي" مزعوم ابتعد عنه الواقع وسيبتعد عنه بقوة أكبر مستقبلا.

ليست ديكتاتورية البروليتاريا في حد ذاتها هدفا. إنها مجرد وسيلة لبلوغ الهدف: تحرر العمال وكل المستغلين والمضطهدين عبر إنشاء مجتمع لا طبقي على نطاق عالمي بما هو الوسيلة الوحيدة لحل كافة المشاكل الخطيرة التي يجب أن تواجهها البشرية ولتفادي سقوطها مجددا في الهمجية. لكن الديكتاتورية "البيروقراطية" للبروليتاريا في شكلها المنحط للغاية، أي ديكتاتورية البيروقراطية، لا تتيح التقدم نحو هذا الهدف. إنها تعيق الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية. إنها عقبة يجب أن تزيلها البروليتاريا بثورة سياسية.

يترتب عن ذلك أن الديموقراطية الإشتراكية ليست مجرد إحدى تنويعات ديكتاتورية البروليتاريا –تنويعا مثاليا أو معياريا أي "غير واقعي" على نحو ما، وهذا يستتبع دفاعا موضوعيا عن الستالينية والديكتاتورية البيروقراطية- بل إنها تمثل، بما هي ممارسة البروليتاريا بنفسها للسلطة مباشرة عبر مجالس عمالية وشعبية منتخبة ديموقراطيا، الشكل الوحيد لديكتاتورية البروليتاريا المطابق لهدفنا الإشتراكي، أي الشكل الوحيد الذي يجعل منها سلاحا للتقدم نحو الثورة العالمية والإشتراكية العالمية. إننا نكافح لتحقيق هذا الشكل من ديكتاتورية البروليتاريا دون غيره، وليس ذلك لدواعي "أخلاقية" أو إنسانوية أو مثالية تاريخية (محاولة فرض نموذج مثالي على السيرورة التاريخية) بل لأسباب تتعلق بالفعالية والواقعية السياسيتين ولأسباب تخص المبادئ البرنامجية ولأسباب الضرورة الآنية والتاريخية من وجهة نظر الدفاع عن مصالح البرولتاريا العالمية والإشتراكية العالمية.

من جهة أخرى، كما حدث في روسيا، لا يمكن أن تظهر الديكتاتورية "البيروقراطية" للبروليتاريا سوى كهزيمة سياسية كاريثية ومستديمة تلحقها البيروقراطية بالبروليتاريا. لم يكن صدفة أن إستعمل تروتسكي في هذا السياق تعبير "تجريد البروليتاريا سياسيا من جانب البيروقراطية". لسنا، بما نحن ثوريين بروليتاريين، محايدين أو لامبالين إزاء مسألة إنتصار أو إنهزام طبقتنا سياسيا. إننا نعمل لضمان إنتصارها. ونحاول بكل الوسائل المتاحة تفادي هزيمتها. يترتب عن ذلك مجددا أننا نناضل فقط لأجل شكل ديكتاتورية البروليتاريا الذي يضع السلطة السياسية بيد مجالس عمال منتخبة ديموقراطيا.

ليست المسألة أكاديمية بتاتا من وجهة النظر السياسية. إنها مشكلة ملحة لكل البلدان، ليس الإمبريالية منها وحسب، حيث اكتشفت الطبقة العاملة الآن جرائم الستالينية والبيروقراطيات العمالية عموما. إن كل مماثلة ل"ديكتاتورية البروليتاريا" بتأميم ملكية وسائل الإنتاج وحده، دون شروط خاصة متعلقة بممارسة الطبقة العاملة للسلطة في الدولة و الإقتصاد، تصبح عقبة كبرى على طريق ثورة اشتراكية ظافرة نحو تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا في الواقع. إنها تساعد موضوعيا البورجوازية والبورجوازية الصغيرة والاشتراكيين-الديموقراطيين والأحزاب الشيوعية على إبقاء الطبقة العاملة في مشد الدولة البورجوازية الديموقراطية.

وتمثل هذه المسألة مشكلة أكثر إلحاحا في كل الدول العمالية المتبقرطة نفسها حيث الثورة السياسية على جدول الأعمال. إن كل محاولة تضع هدفا للثورة السياسية الصاعدة في هذه البلدان تنويعات أخرى غير الديموقراطية الإشتراكية ستحكم على أصحابها بعزلة شديدة عن الجماهير. وتهدد بأن يشملهم نفس حقد البروليتاريا على البيروقراطية و"الأسياد الجدد".

إن التجارب الملموسة للثورة الهنغارية في أكتوبر-نونبر 1956 والثورة البولونية في غشت 1980- دجنبر1981 اللتين سارتا أبعد من غيرهما على طريق الثورة السياسية المناهضة للبيروقراطية وكذا تجربة "ربيع براغ" في 1968-1969، أتاحت استخلاص دروس بالغة الدلالة حول دينامية الثورة السياسية. كان لربيع براغ والثورة السياسية في بولونيا، فضلا عن ذلك، ميزة الحدوث في شروط اقتصادية-اجتماعية وسياسية لبلدان مثلت الطبقة العاملة غالبية سكانها النشيطين وإستندت على تقليد قديم لمنظمات جماهيرية اشتراكية وشيوعية ونقابية، وكذا في بولونيا على تجربة غنية لثورات عمالية ضد البيروقراطية ونضالات لأجل التسيير الذاتي العمالي. تؤكد هذه التجارب الثلاثة لبدايات ثورات سياسية أن مضمون الديموقراطية الإشتراكية، كما يعرضه برنامجنا وتدققه هذه الأطروحات، ليس سوى التجربة الواعية للأهداف التي ناضل من أجلها ملايين العمال حين قاموا ضد ديكتاتورية البيروقراطية الشمولية.

النضال ضد البوليس السري، ولأجل تحرير السجناء السياسيين، وضد قمع الأنشطة السياسية والنقابية التي تمس باحتكار البيروقراطية السائدة للسلطة، وضد الرقابة على الصحافة، وضد التعسف القضائي (أي لأجل وجود قانون مكتوب ولأجل حق المتهمين في محاكمة ودفاع طبق القانون)، وضد منظومة الحزب الواحد، وضد تحكم البيروقراطية في النتاج الإجتماعي الفائض ومجمل النظام الإقتصادين وضد الإمتيازات المادية الضخمة للبيروقراطية، ولأجل تقدم جوهري نحو المساواة الإقتصادية-الإجتماعية: هذه هي المطامح الأساسية التي عبأت الجماهير الكادحة الهنغارية والتشيكوسلوفاكية في الشارع ضد البيروقراطية. وسيكون الأمر كذلك غدا في الإتحاد السوفياتي وفي الصين الشعبية.

ليس لتلك المطامح أية علاقة بإعادة الملكية الخاصة والرأسمالية كما زعم المفترون الستالينيون بقصد تبرير القمع المضاد للثورة الموجه ضد الإنتفاضات الجماهيرية المناهضة للبيروقراطية عبر إرسال الجيش السوفياتي إلى هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا أو إعلان حالة الحرب في بولونيا. وليست لها، في نفس الإتجاه، أية علاقة البتة بإطاحة ديكتاتورية البروليتاريا.

أيدت مجالس العمال في هنغاريا عام 1956، خاصة مجلس العمال المركزي في بودابيست، الدفاع عن الملكية المؤممة وعن حرية كافة للأحزاب السياسية ما عدا الفاشيين، وذلك بعد نقاشات طويلة. وخلال ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا كان مطلب حرية التنظيم السياسي اللامحدود للنوادي والتيارات والأحزاب السياسية محط دفاع من طرف زعماء "الربيع" الراديكاليين، ثم تبنته تيارات واسعة داخل الحزب الشيوعي نفسه، وكسب دعم أغلبية النقابات والمجالس العمالية التي برزت في ذروة الربيع. أيدت الطبقة العاملة بقوة حرية الصحافة في حين قام الناطقون الستالينيون باسم البيروقراطية، الذين أعدوا وسهلوا ودعموا تدخل البيروقراطية السوفييتية المعادي للثورة، بتركيز نيرانهم على الكتاب "اللا مسؤولين" و"المؤيدين للبورجوازية" ساعين مهما كلف الأمر إلى خنق حريتهم في التعبير. وأيدت الطبقة العاملة بأغلبية واسعة جدا حرية تعبير هؤلاء الكتاب.

أعطت الطبقة العاملة في بولونيا طيلة 16 شهرا من سنتي 1980-1981 دفعا لأطول تجربة نضال لأجل الديموقراطية السياسية داخل دولة عمالية. وبرهنت الديموقراطية الداخلية، التي مارسها عشرة ملايين عامل بولوني المنظمين في نقابة تضامن، على تشبث الطبقة العاملة بمبادئ الديموقراطية البروليتارية. وعبرت بوضوح شعارات حركة الجماهير بخصوص "تشريك وسائل الإنتاج والتخطيط" و"بناء جمهورية مسيرة ذاتيا" عن طموحها إلى إنتزاع الرقابة على الإقتصاد والدولة على السواء وإخضاعهما لتسيير العمال الديموقراطي والجماعي، وهو طموح تجسد في النضال لأجل التسيير الذاتي وفي بناء مجالس عمالية وأجهزة تنسيقها. يؤكد البرنامج الذي صادق عليه مؤتمر نقابة تضامن "أن على التعددية الإيديولوجية والإجتماعية والسياسية والثقافية أن تشكل قاعدة الديموقراطية في الجمهورية المسيرة ذاتيا"ويصرح فضلا عن ذلك: "تستلزم الحياة العمومية في بولونيا إصلاحات عميقة يجب أن تفضي إلى إرساء نهائي للتسيير الذاتي وللديموقراطية وللتعددية، ولهذا السبب نناضل سواء لتغيير بنيات الدولة أو لإنشاء وتطوير مؤسسات مستقلة ومسيرة ذاتيا في جميع مجالات الحياة الإجتماعية"

ويدقق البرنامج قائلا: "نرى أن يسري تطبيق مبادئ التعددية على الحياة السياسية. وستساعد نقابتنا وتحمي المبادرات المدنية الهادفة لإقتراح برامج اجتماعية-سياسية واقتصادية مختلفة على المجتمع"

إن حدوث مثلهذهالمواجهات خلال كل ثورة سياسية مقبلة أمر أكثر من محتمل. لاسيما بالإتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية. لا يمكن أن يتردد الماركسيون الثوريون أو يتخذوا موقفا إنتضاريا. يجب أن ينحازوا إلى إنشغالات السواد الأعظم من الجماهير الكادحة دفاعا عن الحريات الديموقراطية دون تضييقات وضد الرقابة والقمع البيروقراطيين.

تميز الجماهير، إبان بداية ثورة سياسية فعلية، بين قطاعات البيروقراطية التي تحاول منع تعبئات الجماهير وتنظيمها الذاتي، حتى باستعمال العنف، وقطاعات أخرى تستسلم، مهما كان دافعها، لضغط الجماهير وتبدو متحالفة معها. سيجري دون رحمة إستبعاد القطاعات الأولى من جميع الأجهزة المنبثقة عن السلطة العمالية والشعبية الحقيقية. أما الثانية فسيطبع التعامل معها بالتسامح، بل سيقيم معها الجماهير تحالفات تكتيكية لاسيما إن هاجمها ممثلو الديكتاتورية البيروقراطية الأكثر إثارة للمقت.

خلال إضفاء الطابع المؤسسي على سلطة العمال، ستتخذ الجماهير الكادحة كل الإجراءات المناسبة لضمان غلبتها العددية و الإجتماعية والسياسية داخل السوفييتات المجددة بقصد تفادي سقوط هذه مرة أخرى تحت هيمنة البيروقراطية ولو جناحها التكنوقراطي و"الليبرالي".

لكن قد يتحقق هذا حتى بقواعد إنتخابية مواتية ولا يجب أن يستتبع بتاتا منع أحزاب أو تيارات إيديولوجية معينة تعتبر ممثلة لقطاعات البيروقراطية المتحالفة مؤقتا مع الجماهير الثورية.

خلال صعود الثورة السياسية المناهضة للبيروقراطية وخلال النضال لإنتصارها سيكون على الماركسيين الثوريين تجاوز العائق الهائل المتمثل في فقد الإعتبار الذي سببه ستالين والستالينية وورثتهم للماركسية والشيوعية واللينينية والإشتراكية عموما حين ماثلوا هيمنتهم وإضطهادهم المقيتين بتيارات التحرر الكبرى تلك. تستطيع الأممية الرابعة تجاوز هذا العائق بنجاح إستنادا على حصيلة نضالات تفوق نصف قرن دون توقف ولا مساومة، خاضها مؤسسوها ومناضلوها ضد هذا الحكم المضطهد. لكن يجب عليها أن ترفق هذه الحصيلة ببرنامج جريء من مطالب ملموسة تجسد، في نظر الجماهير، إسقاط حكم البيروقراطية واستبداله بسلطة يمارسها العمال أنفسهم وبمطالب الجماهير من ضمانات ضرورية لتفادي كل نزع لسلطة العمال الإقتصادية والسياسية من طرف شريحة ذات امتيازات. يؤلف برنامجنا للديموقراطية الإشتراكية كل هذه المطالب المعبرة عن صلاحية الهدف الإشتراكي بنظر مئات ملايين بروليتاريي الدول العمالية المتبقرط.

13) برنامج الديموقراطية الإشتراكية جزء لا يتجزأ من برنامج الثورة العالمية.

يمكن تلخيص حصيلة 60 سنة من سلطة البيروقراطية منذ صعود النظام الستالينييي بالإتحاد السوفياتي وبعد 30 سنة من أزمة الستالينية العالمية كما يلي:

1- رغم ما يطبعها من فروق ورغم كل ما شهدته من تغيرات، ما زالت كل الدول العمالية الأوروبية والأسيوية مميزة بغياب سلطة عمال مباشرة أي مجالس عمالية أو عمالية فلاحية تمارس سلطة الدولة مباشرة وذات طابع مؤسسي ومضمونة دستوريا. ففي كل مكان تستمر منظومة حزب واحد معبرة عن احتكار السلطة الفعلية الكامل، في كافة مجالات الحياة الإجتماعية، من جانب بيروقراطيات ذات إمتيازات. ويكمل غياب حق الإتجاهات داخل الحزب الواحد وإلغاء المركزية الديموقراطية الحقيقية بالمعنى اللينيني للكلمة وجود ذلك الإحتكار لممارسة سلطة الدولة. فضلا عن ذلك يستتبع الطابع الطفيلي للبيروقراطيات ذات الإمتيازات المادية وجودا بدرجات مختلفة لعدة عوائق كبيرة على طريق الثورة الإشتراكية العالمية وبناء الإشتراكية. إن الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية محجوز واالإبداع مخنوق وكتلة ضخمة من الخيرات الإجتماعية عرضة لسوء الإستعمال وللتبذير.

2- رغم الإنتقادات الجزئية العديدة للنظام السياسي والإقتصادي بالإتحد السوفياتي من جانب مختلف التيارات الإيديولوجية التي نمت منذ أزمة الستالينية (التيتوية والماوية والأروشيوعية والوسطية اليسارية من الطراز الإيطالي والإسباني أو الألماني الغربي، الخ) لم يقدم أي من هذه التيارات أي بديل مختلف جوهريا للنموذج الستاليني بالإتحاد السوفياتي. فبوجه بنية السلطة البيروقراطية لم يقترح أي منها أن تمارس الطبقة العاملة السلطة مباشرة وديموقراطيا. يستحيل كل فهم للمشكل الستاليني دون تحليل ماركسي للبيروقراطية كظاهرة نوعية. يستحيل كل بديل بالنسبة لسلطة البيروقراطية (بالنسبة لإعادة الرأسمالية) دون إضفاء الطابع المؤسسي على السلطة المباشرة للبروليتاريا عبر مجالس عمال (أو عمال وفلاحين) منتخبة ديموقراطيا مع نعدد حزبي وحقوق ديموقراطية كاملة مضمونة لكافة العمال على قاعدة تسيير ذاتي مخطط وممركز ديموقراطيا للإقتصاد من جانب المنتجين المتشاركين.

إن أغلب الأحزاب الشيوعية بأوروبا الغربية، إذ ترفع حدة نقدها لعقائد البيروقراطية وممارستها بالإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وتوسع السجال مع الكريملين، لا تقترح –في أفضل حال- سوى إصلاح أسوأ تجاوزات النظام الستاليني بدل تغيير ثوري. لم تقطع هذه الأحزاب حبل السرة الذي يشدها إلى البيروقراطية السوفياتية، وهي تواصل تقديم تبريرات ودفاع "موضوعي" عن الجرائم السابقة للبيروقراطية وعن الأشكال الحالية لسلطة البيروقراطية. وفي البلدان الإمبريالية، فضلا عن ذلك، يؤدي الخط العام لتلك الأحزاب، بوصفه خط تعاون طبقي وحفاظ على النظام البورجوازي حتى خلال انفجارات قوية للنضالات الجماهيرية، إلى الحد حتما من مصداقية هذه الأحزاب فيما يخص إرادتها الديموقراطية داخل الحركة العمالية. وعلى نحو منظم مسحت في انتقاداتها الفروق بين الديموقراطية البورجوازية والديموقراطية العمالية. وتدافع، تحت غطاء محاربة الحزب الواحد بالإتحاد السوفياتي، عن المؤسسات البرلمانية البورجوازية بوصفها بديلا وحيدا لسلطة البيروقراطية ومنظومة الحزب الواحد، وهي بهذا المعنى تدخل ثانية إلى الحركة العمالية الأطروحات العامة للإشتراكية-الديموقراطية الكلاسيكية حول الإنتقال "السلمي" و"التدريجي" نحو الإشتراكية.

على ضوء هذه الإخفاقات يبرز برنامج الأممية الرابعة لصالح ديكتاتورية البروليتاريا، بما هي سلطة عمال مباشرة عبر مجالس منتخبة ديموقراطيا وبتعدد الأحزاب السوفياتية، كبديل وحيد منسجم وجدي مقارنة مع المراجعتين الأساسيتين للماركسية المتمثلتين في الإشتراكية-الديموقراطية وفي التقنين الستاليني لسلطة فئة بيروقراطية غاصبة.

هذا البرنامج، في خطوطه العريضة، استمرار لكتابات ماركس وإنجلز حول كمونة باريس وكتاب لينين "الدولة والثورة" ووثائق المؤتمرات الأولى للأممية الشيوعية حول ديكتاتورية البروليتاريا، وجرى، على ضوء تجارب ثورات البروليتاريا اللاحقة و إنحطاط أو تشوه الدول العمالية بيروقراطيا، إغناؤه في البدء من جانب تروتسكي في "الثورة المعذورة" وفي وثائق تأسيس الأممية الرابعة، وفيما بعد في وثائق الأممية الرابعة بعد الحرب العالمية الثانية. يلخص هذا النص التصورات الحالية للماركسيين الثوريين حول هذا المظهر الأساسي من برنامج الثورة الإشتراكية.

عن موقع جريدة المناضل-ة
www.al-mounadhil-a.info








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا