الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة :عجيبة هي الحياة

بديع الآلوسي

2012 / 6 / 24
الادب والفن


لم تفعل خرافة الشكولاته فعلها ، أيقظني باكرا ً . ألم في صدري كاد يخنقني ، نهضت من سريري، تملكني احساس ان روح السمكة تركب وعي ، خذلتني ساقايِِ إثر دوار مباغت . قلت :
ـ عجيب ،إنهما ترتجفان ، قطعا ُ إن ذلك يرتبط بأنخفاض الضغط .
ارتميت على الكرسي ، رافق كل ذلك إرتباك او التباس في ادراكي بما حولي .
إحساسات الليلة المنصرمة بعدها تجثم على روحي وتفقدني التوازن ، كلما تفحصتها يقشعر بدني ، إنها مزيج مِن دهشتي بالعالم الأرضي والخوف من ما يتربص بي في العالم السماوي . اللعنة ، الحياة تعاكسني وتثنيني بإزعاجاتها ؟ .
لم يخطر ببالي ان ضحكي ، رغباتي ، أحلامي كلها ستؤول وتنتهي الى التساؤل :
ـ ماذا أنا فاعل ؟ .
إزداد تعكر مزاجي حال تذكري للسنين السبعة من عمري التي دفنت في السجن ، إنها لم تهبني سوى القرف و اللاجوى، الأشهر الثلاث الأولى من الإعتقال عمقت شرودي وحقدي اللاواعي تجاه كل شيء .
لم أفز من الحياة إلا بتجارب تزيد تجهمي ، كان الأحرى بي ان لا ألتحق بالحرب ، لكني خطوت اليها كأي ابله ، انها أورثتني السذاجة ، رويدا ً ..رويدا ً.
بدى لي للوهلة الاولى أن الكرسي يتحرك نحو النافذة ، لكن ما يثير عجبي أن الهواء تحول الى كتلة هلامية تستفزني بسطوتها .
رغم ذلك التوتر ، لا أدري لماذا تعاضمت لهفتي للركض الى المستنقع. اشتبك الزمن وتعقد حين تعذر علي تحريك ساقي ، وقتها قلت : هيا ، لا يقتلك التخاذل .
لم اعد افهم ما يجري ، ولماذا صار مستحيلا ًتحقيق رغبتي الصغيرة بالمشي .
حاولت ان افلسف الأمر ، قلت في خلدي :
ـ ربما الأمر لا يتعدى كابوسا ً اخرق ، من السخف الركون الى هذه العذابات .
أيعقل ان يكون كل ذلك بسبب إنبهار ذاكرتي حد الهوس بالمستنقع ، مع إن تلك المشاعر لا تتعدى سوى مغامرات طائشة ، لتتحمل حواسي وجع الحياة .
الإرباك الذي يداهمني زاد حالتي سوءا ً .
المحاولة العاشرة كانت غير مجدية . ولم تسعفني ساقاي على النهوض ، صدمت الفوضى وعيي ، ، بدأت تنبعث رائحة لا إفهمها ، شعرت بالتقزز ، إنتبهت حينها الى هول ما انا به ، قلت مندهشا َ : عجيبة هذه الحياة ، لماذا تغيرت احوالها على هذا النحو السيء دون سابق إنذار.
ياه ، لحضتها شلني القنوط لكن خاطري تمادى محاولا ً أن يظل مسكونا ً بالتمرد .
تجاوزت الأزمة حدود شجاعتي حين التبس في مخيلتي الواقع والحلم ، الوهم بالحقيقة .
عجائزالمستنقع كسرن السكون بالصراخ ، إنحسر الصراخ في فمي ، متيقنا ً إن هذا الفعل سيكثر الضجيج المشؤوم ويلطمني بالخذلان .
توقفت عن مطاردت الأفكار ، بعد لحظات ، بدأت ارى من خلال النافذة تساقط الأوراق شجرة البلوط الذهبية ،هذه الالتفاته جعلتني اتحفز ، بدت لي الطبيعة وكأنها تتجاوز حدودها الغرائبية ،كأنها تصرخ عوضا ً عني ، وبعيدا ً عن الكراهية التي تملأ ذاكرتي .
لم يبق لي سوى تأمل الأوراق المتراقصة ، انها حتما ً تنتظر لقائي .
ما زال فكري يتساءل :
ـ كيف لي ان أتدبر امري الأن ! ؟ .
ليس محض صدفة اذن أن يتوقف قلبي عن مزاولة مهامه بعد ساعات هو الاخر .
لم أحتمل بعد رتابة اللعبة ، التي هي اكثر من مجرد وهم او حلم ، إكتشافي الآخر كان محموما ً، سأفارق بهرج الحياة المدهشة ، يا للشيطان ، سأدفن ، سأفارق الأضواء والموسيقى ووردة فريسيا * والمستنقع ، أيعقل أن صديقي العدم سيقضمني كما اقضم تينة برية ، سأتحلل وسيتلاشى طعم الشوكلاته ، أبهذه السهولة ستنتهبي القضية اذن !؟ .
آه ، هل ثمة أشياء يمكنني ان أ ُصدقها ، عقلي صار كل شيء يتطفل عليه ، لكن سطوة الأوراق الذهبية ذكرتني بعشوائية الموت ، الحقيقة الوحيدة التي لا تبارجني هي مرارة الغدر المفاجىء الذي لا يخلو من لؤم .
لا أذكر لماذا قلت : هل روحي بدأت رحلتها ؟ .
طارت روح ابي منذ خمس سنوات ، مر الزمن سريعا ً كانه البارحة ، لو عرف الان ان روحي تطير نحوه ، ربما إختل عقله من الفرح .
في المقبرة التقيت بصديقي العدم الذي كان بإنتظاري ، قال لي : جاء دورك يا ... ، حينها اللاجدوى خسفت روحي ، ان امي اكثر الناس معرفة بي ، لكنها لم تقل لي لماذا انت بلا إمرأة او موهبه ، تعرف اني جبان ونتهى الأمر ، عالجت الموقف في المقبرة بإعطائي قطعة الشكولاته ، وردد جملتها الخرافية : قطعة منها تمكنك من العيش مرتاح البال شهرا ً كاملا ً .
ياه ، اني اغطس في دبق حسرات تنهكني كذباب لجوج . أشتهي ترطيب مزاجي بسمفونية الوداع ** والتي ربما تغريني بتفحص الموقف وتحد من تذمري ، حسنا ً ، لنفترض جدلا ً اننا نؤمن بتلك الحقيقة التي تحتضننا بسؤالها المدهش : ماذا لو ..؟ .
اللعنه ، لم أعد قادرا ً على ترتيب سلسلة أفكاري ، من يعطيني الشكولاته الأن ؟ ، اريد ان اتشبث بالحياة شهرا ً اخر .
إني أتأرجح ، افكاري تتأرجح ، الورق يتأرجح ، تعصرني افكاري بلا شفقه ، اردت ان اتطاول و ابصق بوجه الحياة ، لكني شعرت بالذعر مخافة أن يسلخ الله فروة رأسي .
ياللموقف الصعب والمخجل ، ان يقهرنا الخواء ، نشوة الغرائز قد بدأت تتفتت ، كل ذلك دفعني الى ان اقول :
ـ سخافات ، كل ما يراودني ليس سوى افكارا ً بلهاء .
عبثا ً التفكيير بأمي الان ، ربما سيتعكر مزاجها بعد موتي ، لكنها ستقضم الشكولاته ، وتنسنى ، كما نست ابي ، إنها بحق متصابية ، إختارت بعلا ً آخر في عامها السبعين ، ابي لم يعود وهي لا تروم اللحاق به .
في الحقيقة اني أخترع التبريرات لأتذكر وجودي ، وجودي الحي والميت ، ما يزيد من شكوكي اني لم اعد اسمع ضحكة الحياة الغنجة ، هل مخيلتي فقدت جلال الإندهاش ايضا ً، انتبهت من وخزة العدم التي بدأت تلفحني بدفقات عدائية ، بدأت الحقيقة والوهم في رأسي يختلطان ، لكن هل حقا تنزهت البارحة عصرا ً ؟ ، ألم أر تلك السمكة الكبيرة الطافية على جرف المستنقع ؟ ، نعم نظرتها ببلادة باردة ، لكنها اربكتني فيما بعد ، اني في شك من كل ذلك الان ، لكني اذكر جيدا ً ان الأضواء إنطفأت وصارت المستنقع اكثر وحشة لكنه اكثر ضجيجا ً .
هل كان كل ذلك ايضا ً حلما ً ؟ ، تعثرت ، استدرت على اعقابي هاربا ً من نداءات العجائز ، ليس ذلك وهما ً حتماً ، لأن السمكة التي جلبتها لأراقب عيونها الميته هي امامي الآن، في هذه اللحظة إقتنعت أن ما أصابني قريب من الوهم لكنه حقيقة يمكننا التوثق منها ، رجعت الى البيت متعبا ً ، محملا ً ومبهورا ً بالقمر السابح في المستنقع ، والعجائز الجائعات الى الثرثرة ، الواتي كن يصرخن ساخرات :
ـ ماذا تفعل هنا يا ......
حقا ً الحياة عجيبة . كإنها فاصل بين حلمين ، فاصل بين زمنين .
خيالي بدأ يتجمد ، أنطفأت امام عيني لذة الأمس تماما ً ، صدق ام أكذوبة ما جرى لم يعد يعنيني ، على هذا الكرسي صار كل شيء تخيلات بلا معرفة ، توقف الورق وتوقف نظري عن متابعته ، هل يعقل أن يكون ذلك أيضا ً كذبة او خداع بصري .
يا ويلاه ، يا حسرتي ، سأنتهي واعود الى صيرورتي المبهمة .
طفح ذهني بتساؤل أخير لوث دمي : هل حقا ً عشت كما يجب ؟.
ياله من سؤال بليد ، اغلقت جفوني ، صار النور يجرحها ، الأحساس بالضلمة جارح هو الأخر ، استغثت ، قلت للرب : ارجوك لا تسلخ فروة رأسي .
لزوجة الموت ادمعت عيني بمطر مهدار .... قلبي تسارعت ضرباته ،هواجسي الخالية من الشوكلاته أفسدها خيالي المنطقي .
لذت بالصمت ... نعم كانت إحتياطاتي غير كافية لمجارات ما هو قادم .
يوم غد سأختفي عن المشهد ،لأني سألج عوالم أخرى .....
نعم سيكون وجودي مصادفة ً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وردة فريسيا : (fressia ) تعني البراءة . 15 /12 / 2011
** سمفونية الوداع : السمفونية 45 للموسيقار هايدن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في