الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تكون سوريا مسرحاً لصراعات دولية واقليمية قادمة؟

عماد يوسف

2012 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



كانت منطقة الشرق الأوسط ومازالت عبر عصور التاريخ البعيدة منطقة صراعات أزليّة، ومن يحكم قبضته عليها يحكم قبضته على جزء كبير من خارطة العالم الجيو- سياسية. وبما أنَّ سوريا تقع في قلب الشرق الأوسط فقد كان من الطبيعي أن تشكّل مفتاحاً هاماً لجزء كبير من صراعاته، واستقراره السياسي والعسكري. بقيت سوريا ردحاً كبيراً من الزمن تحت نير الإحتلال العثماني. ومن ثم جاء الإنتداب الفرنسي ليبقَ فيها حتى عام 1946. مع خروج الفرنسيين بدأت الاستقطابات الإقليمية في المنطقة، وجاءت مشاريع النفوذ تحاول السيطرة الواحدة تلو الآخر، فكان مشروع حلف بغداد، وايزنهاور والمشروع الصهيوني وغيرها.
جعل الرئيس حافظ الأسد من سوريا خلال حقبته التي امتدت ثلاثين عاماً، بلداً مستقراً سياسياً وأمنياً. وأبعد من ذلك فقد حوّلها إلى لاعب رئيسي في المنطقة، بل ومفتاحاً أساسياً للكثير من قضايا هذا الشرق العالقة، والمصيرية. فماذا بقي من إرث حافظ الأسد الذي تركه خلفه في العام 2000 بعيد رحيله، وهل ستعود سوريا كما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وماقبل ذلك أيضاً، كنقطة تجاذبات واستقطابات دولية واقليمية كبرى..؟؟!
عرّت الأزمة السورية التي عصفت بالبلاد منذ 15آذار 2011 الكثير من الخبايا التي كانت خافية على الكثيرين في سوريا، بما فيهم الأجهزة الأمنية القوية جداً، والتي كان يُظنُّ أنها ترصد حركة النمل في أوكاره. ولكن ما انكشف بيّن بشكل قاطع بأنَّ جانباً كبيراً من هذه المؤسسة الأمنية العملاقة قد استهلكها الفساد، والبيروقراطية، والروتين، والأهم من هذا كلّه غرور من ينام في العسل، ظناً منه أن كل ما يدور حوله يدور في ركبه وبإرادته. حيثُ ثبُتَ بأنَّّ هذه المعادلة غير صحيحة. وأنَّ الفأر قد كبر في جحره الذي وضعناه فيه، وتحوّل إلى جرذ ضخم عملاق.
لقد كان من الطبيعي، مع توفر دعم خارجي مفتوح سياسياً، واعلامياً، وعسكرياً، ومالياً أن تستمر المعركة التي تدور رحَاها في سوريا والتي يدفع ثمنها الشعب السوري وحده، دماءً، وخسارات اقتصادية ودمار اجتماعي شامل واصطفافات مذهبية ودينية في صميم المجتمع. بينما تدفع سوريا كبلد من هيبتها وقوتها، وصمودها، ومكانتها السياسية ثمناً باهظاً أيضاً لهذه المعركة التي لها علاقة باشياء كثيرة أكثر من علاقتها بموضوع التحوّل الديمقراطي والحرّيات التي يغالون فيها وبطرحها. فمن يدعمه حَمَد، وسعود الفيصل، والشق الديني الأصولي من تركيا العلمانية، وأمريكا وفرنسا وغيرها من قوى عالمية، فلن تكون معركته معركة حرّيات، قد تكون جزءاً منها، ولكنها في الغالب صراعات سياسية على سلطة، ونفوذ، وهيمنة، واستقطابات دولية واقليمية. وقد أثبت الجميع ذلك من خلال أدواتهم في الحرب التي يخوضونها، حيث ليس هناك أي مساحة قدم واحدة لمفهوم " الآخر" في هذا الصراع، ولا لإرادة شريحة كبيرة من السوريين تقدّر بالملايين. ولا لوطنٍ ينوء تحت ارهاصات واستحقاقات قد تصل به حد الدمار الشامل ولسنوات كثيرة قادمة. وليس لديهم مصداقية لما يقولون ويدّعون، ويروّجون. فهم نصوصهم وكلماتهم مقدّسة، ونصوص غيرهم ومقولاتهم مشكوك بها، وغير صالحة للإستهلاك لاالسياسي ولا الاجتماعي.
في الجهة المقابلة، إبتلى الله السوريين بنظام غاشم ظالم لا يرحم. وعلى استعداد لفعل أي شيء في العالم إلاّ تقديم التنازلات والمشاركة السياسية في سلطة استولى عليها بالقوة في 8 آذار 1963، ولمّا يزل يعتبر نفسه مالكاً مطلق الصلاحيات في بلد يزيد عدد سكانه عن 23 مليون، ومساحته على 185 ألف كيلومتر ربع. ولطالما كان نبراساً وهدى للمنطقة وسكانها بسبب حجم طاقاته الهائلة، البشرية منها، والطبيعية، والجغرافيا التي جعلته في موقع نقطة الوصل بين شرق أقصى، وغرب بعيد جداً.
إنَّ عملية رصد بسيط لما آل إليه الصراع في سوريا يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك ما رمينا إليه من تحليل آنفاً حول سوريا. فالتجاذبات الدولية والإقليمية قد اصبحت أعقد بكثير حتى من الأزمة السورية في الداخل برغم تباينها الكبير وشروخها العميقة وشبه العصيّة على الحل. فبين مجتمع مدني سوري متحضر، ومجتمع بدويّ متخلف، وشرائح اجتماعية دينية، ومذهبية تغوص في عمق السَلَف الإسلامي، وبين مكّونات إثنية متشابكة ومتصارعة، بين كل هذه العوامل ضاعت الإحداثيات وفقدت الناس بوصلتها. فما يُسمى ثورة في رقعة من أرض سوريا، يُسمى في مكان آخر من سوريا ارهاب يضرب البلاد، وما يُوصف بالشهيد في حيّ ما، يمكن أن يكون عميلاً ومجرماً في حيّ آخر من نفس المدينة. وبين نظام سادي الهوى دموي الأدوات، ومعارضة جاهلة مسعورة، دموية الحراك، تدفع سوريا وابنائها أثماناً باهظة لما يحصل. بالرغم من أنّ الحلول يمكن أن تكون موجودة، مع قليل من التنازلات من هذا الطرف وذاك.. لكن اللعبة كبُرَت كثيراً، وأصبحت المباراة في حلبات خارجية لا علاقة لسوريا وشعبها بها..؟!
ما زالت في الأفق بوادر حلول تلوح، بعضُ من العقلانية، وقليل من التنازلات، يضع الوطن ومصالحه وموقعه نصبَ أعين الجميع يمكن أن يُخرج البلاد من مأساتها التي تهدد المنطقة برمّتها فيما لو ازداد لهيبها، وتأجج سعارها أكثر من ذلك. وساعتذاك لن يبقى هناك لا وطن ولا هم يحزنون. بل ستكون سمة الجميع النواح والبكاء على أطلال ذهبت أدراج الريح ليبكيها القادم من السنين. لذلك، فإنه من المؤكد بأنه إذا لم تحصل تسوية سياسية شاملة يدرك كل طرف فيها حدوده وتخومه التي يُمثلّها تماماً وحجمه الشعبي بدقة، دون التعدّي على تخوم الآخر، فإن سوريا ذاهبة ليس فقط إلى فقدان مكانتها التي عرفتها خلال الأربعين عاماً التي مضت، بل هي ذاهبة إلى ما يُشبه النموذج اللبناني أو العراقي بأحسن أحواله، وستعود كما كانت في الخمسينيات من القرن الماضي ملعباً لثلّة من سفراء الدول الكبرى والدول الإقليمية الرئيسية التي تتحكم بالمنطقة وبمقدراتها، وصيرورة دورتها السياسية والعسكرية..؟!!!

كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب