الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب : ( التراث و الهوية ) لعبد السلام بنعبد العالي

محمد بقوح

2012 / 7 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لماذا ظل التفكير الفلسفي عندنا، كما هو الشأن عند الفلاسفة الغربيين القدامى منهم و المحدثين، يبحث عن ذاته و لا يزال، عبر مسار تاريخه الطويل؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أنماط و أشكال ذلك البحث الفلسفي. فمرة يتخذ شكل البحث عن ما هو كلي و مطلق، سواء داخل الإنسان ( الوعي، الذات، العقل، النفس، الروح، اللاوعي ..) أو خارج الإنسان، أي في الطبيعة و وراء الطبيعة نحو: ( الله، الحقيقة، السعادة ..). و مرة أخرى يتخذ البحث الفلسفي عند الفيلسوف شكل ما هو جزئي و نسبي، مثل التركيز على ما له طابع العلاقة التفاعلية بين الإنسان و محيطه الطبيعي و المجتمعي و التاريخي.

هنا تبدو الحقيقة، في تصور هذا التوجه الفلسفي المختلف، مجسدة في ما يمكن تسميته بالمراجعة النقدية و الذاتية، لهوية الإنسان التاريخية و الواقعية المحلية، قصد ليس فقط تحصينها و تثبيت أسسها و ثوابتها، و لكن أيضا تطويرها و تحسين فعاليتها إلى أقصى حد، من أجل تجاوز هفواتها و تجنب نواقصها، إن وجدت و ما أكثرها، استجابة لروح ما هو طبيعي و ضروري في الحياة البشرية.
هكذا تبدو القضية المحورية في الكتاب الذي بين أيدينا ( التراث و الهوية ). قضية فلسفية عربية و مغربية، تبحث عن ذاتها من خلال مراجعتها لتراثها. و يطرح الأستاذ بنعبد العالي مفهوم المراجعة هنا، بالمعنى الإشكالي القرائي ذي البعد النقدي. أي سلك نفس الطرح الذي سبق أن اعتمده الأستاذ محمد عابد الجابري في كتاب فلسفي نقدي.. نعني به ( نحن و التراث ). طارحا سؤال القراءة النقدية الفعالة و الإيجابية، للتراث العربي قصد احتوائه و تحديثه، و ليس العكس.

من هنا جاء كتاب بن عبد العالي كصرخة فلسفية تواصل رد الاعتبار للدرس الفلسفي النقدي، المعالج لقضايا الهوية و التراث و التاريخ في الوطن العربي، باعتبارها قضايا و مفاهيم فلسفية استراتيجية، يتم توظيفها في الكتاب المعني خدمة لتحصيل التحليل المنهجي البناء، و تحقيق المقاربة الفضلى استنادا لمفاهيم ابستيملوجية، ذات الأصل العلمي الفلسفي الحداثي الغربي نحو: العقلانية و الموضوعية و الواقع و الذات و الإشكالية و القطيعة و النقد.. إلخ.
بالإضافة إلى أن مسألة قراءة التراث و إعادة قراءته، من منظور نقدي معرفي متميز، ليس ظاهرة ثقافية و فكرية انفرد بها الباحث العربي و المغربي، بل هي ظاهرة شاملة و قديمة قدم النظر الفلسفي ذاته، باعتبار أن جميع الفلاسفة، مهما اختلفت أزمنتهم و جنسياتهم، كان همّهم الأول، قبل الإقدام على فعل التفلسف، هو قراءة تراث أممهم، قراءة مختلفة و مجتهدة، تكون بمثابة مراجعة جذرية لأسس هذا التراث، و مناقشة قضاياه و فلسفتها، تلك التي تعتبر العمود الفقري لتاريخ تلك الأمم و المجتمعات. أي ما يشكل جوهر هوية الإنسان فيها دون منازع.
و في مستوى آخر، عمل الكتاب الذي نحن بصدده، على الاستعانة بمفاهيم فكرية و فلسفية جديدة، لها قيمتها المعرفية و العلمية، و أيضا لها ميزتها العلائقية الواضحة بمرجعية الكاتب السوسيولوجية ( البورديوية ) نحو: الجدل و التعارض و الصراع و السلب و النفي و الاختلاف و الحقل..
و قد صدر كتاب ( التراث و الهوية ) في طبعته الأولى للباحث المغربي الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، ضمن سلسلة المعرفة الفلسفية، بدار نشر توبقال المغربية سنة 1987.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست