الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في مفهوم العدالة الإنتقالية

محمد مختار قنديل

2012 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تتغير المفاهيم بالإضافة
هكذا هو الحال في العدالة الإنتقالية، فعندما نقرأه للوهلة الأولى نصاب بتصادم مفاهيمي ونكون بصدد إلى تعريف العدالة المعتادة أو ما يسمي بالعدالة التقليدية ولكن بالنظر إلى المفهوم ونكمل قراءته يتغير الامر، فإن هذه العدالة ما هي سوى عدالة مرحلية تأتي في فترات بعينها يوا كانت مرحلة إنتقال من حكم تسطلي إلى حكم ديمقراطي أو من حكم عسكري إلى حكم مدني أو من حكم ديني إلى حكم مدني، أو من حالة حرب داخلية أو خارجية إلى حالة سلم.
من واقع المفهوم نجده مفهوم مركب فهوم مكون من مقطعين هما العدالة والإنتقال ومن ثم في تعريفه نقول أنه تحقيق العدالة في فترة إنتقالية تمر بها الدولة موضوع البحث.
ومن ناحية تأريخ المفهوم نجد أنه مفهوم حديث النشأة حيث ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وأخذ يتنشر في السبعينات من القرن الماضي بصورة كبيرة حيث ظهرت العديد من التجارب في هذا المجال منها تجربة بيرو وتشيلي والسلفادور وصربيا وجنوب أفريقيا، ومن ناحية الدول العربية نجد أن أفضل تجربة في هذا المجال هي التجربة المغربية عن طريق هيئة الإنصاف والمصالحة نتيجة للإصلاحات السياسية التي تمت في المغرب في التسعينات من القرن الماضي، وعبر الباحثين عن هذه التجربة فيما يعرف باسم " عنصر المشروعية في العدالة الإنتقالية" حيث تمت تلك التجربة عن طريق السلطة السياسية بداية من تعيين عبدالرحمن اليوسفي رئيسا للوزراء وفتح ملفات إنتهاكات حقوق الإنسان في الفترة السابقة لذلك، وبالنظر إلى مصر _موضع الدراسة_ نجد أن هذا المفهوم لم يكن سوى إستعراض وطرح أكاديمي من قبل النخب في إطروحاتهم وكتاباتهم.
وإذا ما أردنا وضع مفهوم العدالة الإنتقالية على الخريطة المعرفية فإننا سنجده ينمتي منذ البداية إلى حقل القانون الدولي لحقوق الإنسان ولكن مع التطور في تطبيق المفهوم أخذ يرتبط بالعديد من العلوم والمجالات الأخري فيتم تداوله من خلال علماء القانون والسياسة ورجال الدين وعلماء الإجتماع والصحفيين والمؤرخين وغيرهم ولكن بصورة عامة ينطلق دارسين هذا المفهوم عن طريق أثنين من الراوفد الثقافية وهما:
الروافد الدينية:
تعتبر المصالحة الوطنية هي المحرك الاساسي لها أما حقوق الإنسان فيعتبر هذا لها ولكن درجة الإهتمام بهذا الهدف متباينه وذلك لتباين الديانات فمثلا هناك إهتمام قليل بحقوق الإنسان في بعض الديانات غير السماوية مثل الهندوسية وبعض الديانات السماوية مثل الإسلام، ومن ناحية أخري يزيد هذا الإهتمام في اليهودية والمسيحية الكاثوليكية.
الروافد الليبرالية:
تقوم تلك الروافد على نظريتين أساسيتين وهما:
1. معاقبة مرتكبي الإنتهاك
2. تأهيل المتضررين من الإنتهاك
والجدير بالذكر هنا أن العدالة الإنتقالية في الفكر الليبرالي تعود لأفكار سياسية ترتبط بكلا من كانط وميل ولوك فيما بتعلق بالمساواة والحرية، أما من ناحية الفكر الاقتصادي فإنها تعود لأفكار الاقتصادي جون رولز فيما يتعلق بالتوزيع العادل للموارد الاقتصادية.

فهناك مجموعة من المفاهيم المرتبطة بمفهوم العدالة الإنتقالية ومنها:
- العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية:
عندما يطرق مفهوم المصالحة الوطنية أذهاننا فإننا نعود إلى أسم كان أساس في ظهور هذا المفهوم وهو شارل ديجول الزعيم الفرنسي رابطا هذا بالجرائم والديون التي وقعت نتيجة الإحتلال الفرنسي للجزائر، ثم إهتم من بعده الرئيس الفرنسي متران كضامن للوحدة الوطنية، ثم إستخدمه محرر العبيد نيلسون مانديلا فيما يتعلق بالتشاور حول عودة المنفيين جراء المؤتمر الوطني الأفريقي، وبسابق تعريفنا للعدالة الإنتقالية نجد أن المصالحة الوطنية تعد شكلا من اشكال العدالة الإنتقالية وهدف من أهدافها.
- العدالة الإنتقالية وبناء السلام:
يستخدم بناء السلام كمفهوم يضم مجموعة من الأنشطة أو الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق السلام المستدام في المجتمعات ومن تلك الإجراءات غعادة توطين اللاجئين، دعم عملية التطور الديمقراطي، تأسيس دولة القانون.
ومن ثم نجد أن هناك تشابك بين مفهوم بناء السلام ومفهوم العدالة الإنتقالية، حيث أن علميات السلام يكون بينها وبين أنشطة العدالة الإنتقالية علاقة تعاونية.

- العدالة الإنتقالية والجندر:
يمكن لنا أن نربط ما بين مفهوم العدالة الإنتقالية وبين النوع الإجتماعي وذلك عن طرييق صياغة وتصميم عمليات عدالة إنتقالية بيحث تهتم بإنتهاكا حقوق الإنسان فيما يتعلق بالنوع الإجتماعي حيث أنه في معظم الأوقات يكون هناك إنتهاكات لحقوق الإنسان بصورة كبيرة على المرأة في مجتمعات العالم الثالث.
إستراتيجيات تحقيق العدالة الإنتقالية:
" لكل شيء هدف ولكل هدف إستراتيجية لتحقيقه"
فالعدالة الإنتقالية كأي مفهوم له مجموعة من الأهداف، وأهداف العدالة الإنتقالية عدة ومنها:
1- محاولة إيقاف إنتهاكات حقوق الإنسان.
2- فتح ملفات الإنتهاكات السابقة لمرحلة تطبيق العدالة الإنتقالية والتحقيق فيها.
3- معاقبة المسئولين عن تلك الإنتهاكات.
4- تعويض المتضررين من الإنتهاكات.
5- محاولة نشر ثقافة السلام الدائم والمحافظة عليه.
6- نشر مفهوم المصالحة الوطنية والمصالحة الفردية.
وكما قولنا أن لكل هدف إستراتيجية لتحقيقه، فإننا لكي نتمكن من تحقيق العدالة الإنتقالية هناك مجموعة من الإستراتيجيات ويمكن تناولها من خلال محوريين:
 إستراتيجيات غير قضائية:
وتنطوي في داخلها على إستراتجيتين وهما:
1- الإصلاح المؤسسي:
نعني بهذا إصلاح المؤسسات التي كانت من قبل تقوم بتلك الإنتهاكات والتي عادة ما تكون مؤسسات عسكرية وقطاعات أمنية ومؤسسات قضائية...إلخ، ويكون هذا الإصلاح عن طريق تطهير تلك المؤسسات من الموظفين الفاسدين إلى جانب وضع تشريعات جديدة تحد من إستخدام السلطة في عمل إنتهاكات جديدةمن الأعضاء الجدد في المؤسسة.
2- التعويض" جبر الخاطر":
تنطوي هذه الإستراتيجية على نوعين من التعويض:
تعويض مادي حيث تقوم الدولة بإعطاء تعويضات مادية للمتضررين أو لأسرهم.
تعويض رمزي حيث تقوم الدولة بوضع تعويضات رمزية للمتضررين من إعتذارات رسمية أو تخليد ذكري أو عمل نصب تذكاري...إلخ.
 إستراتيجيات قضائية:
تشمل نوعين وهما:
1- دعوي جنائية:
حيث يتم عمل تحقيقات وفتح ملفات قضائية مع مرتكبي الإنتهاكات، وهناك أمثلة عدة على تحقيق هذه الإستراتيجية مثل محاكمات نورمبرج للنازيين عقب الحرب العالمية الثانية، والمحاكمات الخاصة التي جرت في سيراليون.
2- لجان تقصي الحقائق:
وهي عادة ما تكون من قبل مؤسسات غير قضائية تقوم بتشكيل لجنة لدراسة قضايا ما وتصدر تقارير خاصة وتوصيات لمعالجة تلك الإنتهاكات.
ولكن هناك إختلافات حول ما إذا كانت هذه الإستراتيجيات تطبق منفصلة أم أنها متكاملة؟، ولكن من وجهة نظرنا نجد أنه من الضروري أن تحقق تلك الإستراتيجيات بطريقة تكاملية فلا يعقل أن يتم الإعتراف بالإنتهاك دون ما يتم تعويض المتضرر منه ولا يعقل تعويض المتضرر منه دون معاقبة القائم به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا