الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة ( 8 )

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2012 / 8 / 1
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الرعاية الصحية الأولية..مشاكل جدية بالأرقام والوقائع

كان العراق يمتلك، بإعتراف منظمة الصحة العالمية،أفضل نظام للخدمات الصحية في الشرق الأوسط.بيد ان ذلك النظام الصحي لم يدم وتعرض للخراب والأنهيار نتيجة للسياسات الحمقاء والمستهترة للنظام المقبور التي عرضت العراق لحروب داخلية وخارجية مدمرة، بالأضافة الى عمليات النهب التي طالت مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات الطبية والصحية عقب سقوط النظام الدكتاتوري المقيت عام 2003.
وقد واجه العراق مخاطر صحية جسيمة، بسبب الحروب والحصار، وتراجعت القدرات البشرية والتمويلية والفنية للقطاع الصحي، وتفاقم التدهور البيئي، ودمار البنية التحتية، إلى جانب تراجع الإمكانات الاقتصادية للمواطن، وكل ذلك أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات، وتردي الخدمات الصحية، وتعاظم العبء النفسي والمادي على المواطنين [1]، الذين عولوا كثيراً على حكام العراق الجدد ليهتموا بمشاكلهم، ويعجلوا بحلها جدياً، وليعتنوا،على الأقل، بصحة وحياة أطفالهم، ولكن.. خابت اَمالهم..

الرعاية الصحية الأولية الراهنة

يعد نظام مراكز الرعاية الصحية الأولية في العراق- بحسب الدكتور مزاحم مال الله- من الأنظمة العالمية الذي خططت له ونفذته الجهات الصحية العراقية منذ زمن ليس بالقصير بعدما ثبتت أهميته وفائدته في عدة اتجاهات ومنها تقديم الخدمات الصحية الأولية للمواطنين، الرصد الوبائي، المسوحات الصحية، الصحة المدرسية، إضافة الى تطبيق برامج اللقاحات. والى جانبه يوجد في العراق نظام التأمين الصحي في القرى والأرياف والمناطق النائية، وزاد من أهمية الإعتناء بالجانب الصحي ما تم تخطيطه وتنفيذه من نظام العيادات الشعبية والتي تفتح أبوابها أمام مراجعيها ما بعد أوقات الدوام الرسمي الصباحي[2].
تنتشر في العراق شبكة واسعة من هذه المراكز والعيادات، والعمل فيها ينصب على تقديم خدمات رعاية الحوامل والأطفال وطلاب المدارس والتعامل مع أمراض المواطنين سواء أمراض حادة أو مزمنة.وقد مرت تلك العيادات والمراكز بجملة من الانقلابات الإجرائية سواء على صعيد تعرفة أجور الكشف وصرف الدواء أوعلى صعيد الدوام فيها أو استخدامها لنظام الإحالة على المستشفيات،وغالباً ما تصل لإدارات تلك المراكز والعيادات تعليمات خاصة وعامة تغير وتستحدث وتوجه و..الخ،وغالبية تلك الإجراءات والقرارات هي إدارية ونادراً ما تكون فنية.
تقسم المراكز الصحية عموماً الى وحدات،ومنها وحدة رعاية الأم والطفل،وحدة الصحة المدرسية والعينية والتي تقوم بجولات في المدارس لفحص الطلبة في المدارس والغاية اكتشاف العاهات والأمراض المزمنة والوراثية،وهناك وحدة الأسنان ووحدة الضماد ووحدة الرقابة الصحية ووحدة الإحصاء وغيرها.. المسميات والترتيب الوظيفي شيء والواقع شيء آخر!.. وبعض المراكز جعلتها السلطات الصحية مراكز نموذجية أي بمعنى فيها أجهزة ومعدات وتسهيلات لاتوجد في المراكز الأخرى إضافة الى سجلات إحصاء الولادات والوفيات [3].
بحسب التعليات الرسمية، فانه يفترض ان تقدم هذه المراكز الخدمات الوقائية والعلاجية الأساسية والفحوصات التشخيصية مما يمكن من تغطية كافة الأحتياجات الأساسية للمجتمع ضمن الرقعة الجغرافية للمركز الصحي الواحد. وفيما يخدم المركز الصحي الرئيسي الواحد ما بين 10- 45 ألف نسمة في الوقت الحاضر، والفرعي ما يقارب من 3-10 اَلاف نسمة، فقد وعدت وزارة الصحة ضمن الرؤية المستقبلية بالتوسع في إنشاء مراكز الرعاية الصحية الأولية وبكافة أنواعها ( رئيسي، فرعي) بحيث يمكن إتاحة تقديم خدماتها الى 10 اَلاف نسمة من قبل المركز الصحي الواحد لكافة أفراد المجتمع [4].

وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي-نقلآ عن وزارة الصحة- يبلغ سكان العراق 32 مليون و 941 ألف و 376 نسمة [5]. بينما أعلنت وزارة التخطيط بان عدد سكان العراق بلغ في 11/7/2011 ما يقارب من 31 مليون نسمة.. فأيهما الأصح ؟ والأدهى ان وزارة التجارة أعلنت في نفس القترة بان العدد هو 37 مليون نسمة،أي بزيادة قاربت الـ 6 ملايين نسمة فقط، لا غير!.. فأين الحقيقة ؟[6]..وبالتالي: فمن من الأرقام المذكورة نعتمده ؟!!..وماذا يدلل هذا التفاوت الصارخ في الأرقام بين مؤسسات الدولة ؟!!
يبلغ المجموع الكلي لمراكز الرعاية الصحية- بحسب إحصاءات وزارة الصحة (2331) مركزاً لعام 2010، مقابل (2168) مركزاً في عام 2009 مع أقليم كردستان [7].. هنا نتوقف مجدداً عند مفارقات التفاوت في الأرقام. فهذا العدد هذه المراكزتحيطه الشكوك.فقد أعلن وزير الصحة السابق د.صالح مهدي الحسناوي، في أواسط عام 2011، بانه يوجد في البلاد الآن حوالي 2000 مركزاً صحياً، بالأضافة الى العيادات المتنقلة والطبية الأخرى [8]..فأيهما الأصدق: التقرير أم الوزير ؟ وهل يعقل ان 331 مركزاً صحياً كانت موجودة ولا يعرف بها الوزير؟ فهل شُيدت دون علم وزير الصحة ؟ وهو الذي أعلن في عام 2010 في ستوكهولم وأمام حشد كبير من الأطباء العراقيين العاملين في السويد، وبحضور كبار مسؤلي وزارته،الذين كانوا يرافقونه ، بأنه لم يتم لحد الآن، ومنذ أعوام طويلة،تشييد ولا مستشفى جديد واحد ولا حتى مستوصف جديد واحد.. وبناء عليه،ألا يضع "الإنجازات" التي وردت في التقرير السنوي لعام 2010 موضع شك مشروع ؟..
لو إفترضنا جدلآ ان العدد ( 2331) صحيحاً،وأرقام عام 2010 تمثل الواقع الحالي تقريباً- بحسب الدكتور سلام يوسف- فأن معدل السكان لكل مركز صحي يكون 14 ألف و 132 مواطناً، وهو عدد كبير جداً قياساً لعدد الكادر الطبي والصحي العامل في كل مركز، والأمكانات المتوفرة، ناهيك عن التفاوت في الأعداد بحسب المناطق،علماً بأن هناك توزيعاً غير عادل بعدد المراكز الصحية في المحافظات، حيث أن عدد المراكز في بغداد 191 بينما سكانها تقريباً 7 ملايين و 750 ألف نسمة، أي بمعدل 40 ألف مواطن لكل مركز صحي. في حين بلغ معدل المواطنين في السليمانية للمركز الواحد حوالي 4 آلاف، حيث أن عدد مراكزها الصحية بلغ 498 وسكانها حوالي 2 مليون نسمة.وبالمقابل فأن محافظة كربلاء والتي فيها أقل عدد من المراكز الصحية (64 مركزاً) وسكانها جاوزوا الـمليون نسمة، أي بمعدل حوالي 15 ألف لكل مركز صحي. وتؤكد المؤشرات الدولية على أهمية أن يكون عدد مراجعي مراكز الرعاية الصحية الأولية محدوداً ليتسنى ما يلي : توفير فرصة فحص ومعالجة الحالات بشكل جيد.أمكانية تغطية الرقعة الجغرافية كاملاً بكل أنواع التحصين، كون أن حالة واحدة ممكن أن تسبب وباءً.أمكانية فرز الحالات وتشخيصها بالأحالة الى الخدمات الصحية الثانوية والثالثية.تطبيق برامج الرعاية بشكل أفضل.حصول المواطن على أستحقاقه من رعاية الدولة الصحية له وفق ما نص عليه الدستور. ضمان أداء جيد ومقبول من قبل مختلف كوادر المركز الصحي. وعليه فأن العراق بحاجة الى أنشاء ضعف العدد الحالي من مراكز الرعاية الصحية الأولية مع الوصول الى أقصى مناطق البلاد، وهذا يتطلب حصة محسوبة من تخصيصات الموازنة الأتحادية لوزارة الصحة [9].وعدا هذا،هناك سوء توزيع الاستشاريين على المحافظات، إذ حرم الكثير منها من الاختصاصات المهمة وبات على المواطن أن يسافر من محافظة إلى أخرى قاصدا طبيبا أخصائيا لمعالجة حالته المرضية[10].

في الواقع، تعاني المراكز الصحية،التي يفترض ان تقدم الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية الأساسية للمواطنين حيثما وجدوا،من مشاكل جدية كثيرة.. لنأخذ بضعة أمثلة نشرت في وسائل الأعلام :
* تشهد هذه المراكز حالات زحام بسب عدم وجود تناسب بين عدد المراكز والزخم السكاني في كل منطقة، وقد تحدث المفتش العام لوزارة الصحة، في تصريح له عن ان "عدد المراكز الصحية الموجودة في بغداد هو 350 مركزا صحيا، وما نحتاجه هو قرابة 500 مركز صحي"[11]..
* منطقة معامل الحسينية شمال بغداد ، يبلغ سكانها 450 ألف نسمة،سكانها تحت خط الفقر معيشياً- بحسب مسؤول بلدي.. يوجد فيها مستوصفان احدهما “مغلق” لعدم توفر كادر طبي، مع انه مجهز فنياً وفيه جهازي سونار وأشعة و صالة طوارئ صغيرة و صالة ولادة،لكن المولدة الكهربائية عاطلة بسبب سرقة البطارية الخاصة به!!..الأمراض السرطانية تتفشى بين سكان المنطقة، وسط إهمال واضح من قبل الحكومة ومسؤولي المحافظة.. ولان التعتيم على سوء الخدمات فيها على أشده، فقد آمر اَمر فوج حماية المؤسسات الصحية بمعاقبة منتسبي حماية المركز الصحي بسبب السماح لصحفي بتصويره!! [12].
* سكان مدينة البطحاء،الذين هم قرابة الـ 50 الف نسمه، يعانون من سوء تقديم الخدمات لهم، خاصة في الجانب الصحي، وقد انتشرت وسطهم في الفترة الأخيرة عدة امراض..عندما نراجع المركز الصحي الرئيسي في البطحاء وخاصة في الليل لا تجد طبيبباً، وانما مضمداً او معاون طبي فقط [13].
* في بابل،تعاني المؤسسات الصحية من ضغط كبير لكثرة المراجعين من المحافظات المجاورة خاصة وانها تعتبر مركزاً لمحافظات الفرات الاوسط،،ووجود تخبط في الأنظمة والقوانين التي تعتمدها وزارة الصحة في إدارة المراكز الصحية والعيادات الشعبية والأجنحة الخاصة في المستشفيات، تسبب بأعباء كبيرة على المراجعين،خصوصاً المصابين بالأمراض المزمنة،وإرباك في توزيع الأدوية [14].
* في ناحية الفجر،الخدمات الطبية التي يقدمها المركز الصحي متواضعة جدا ولا ترتقي الى المستوى المطلوب، وبما يتناسب مع الكثافة السكانية التي تشهدها الناحية. ويفتقرالمركز الى الكثير من المستلزمات الطبية والادوية، فضلا عن النقص الحاد في كادره الطبي [15].
* في الديوانية أعلن مسؤول صحي بان الوضع الصحي في المحافظة بحالة حرجة ،ودلل على ذلك بان عدد المراكز الصحية هناك لا يتجاوز 35 مركزا وبحساب كل مركز وفقا للمعايير المحلية تغطي خدماته 10 آلاف نسمة ، وبحساب نفوس المحافظة ، ولنقل 1.5 مليون ، يكون ما تحتاجه الديوانية 70 مركزا صحيا ، أي ضعف ما موجود الآن. اذن كل مركز من هذه المراكز يؤدي خدماته لثلاثة إضعاف طاقته[16].
* في الموصل تعيش مراكز الرعاية الصحية الاولية والمستشفيات واقعا صحيا وبيئيا سيئا.وقد نبه باحثون مهتمون،بالأستناد لدراسات ميدانية، الى وجود ضعف في الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين [17].
عموماً، لا يسد الحاجة العدد الحالي من المراكز الصحية لتقديم الرعاية الصحية الأولية، الوقائية والتشخيصية والعلاجية الأساسية للمواطنين.وتعاني مراكز الرعاية من قلة الكادر الطبي والصحي والخدمي. وبناياتها قديمة وضيقة ، تزدحم بالمرضى والمراجعين يومياً.وما نسمعه بين فترة واخرى عن افتتاح مركز صحي جديد ما هو الا عبارة عن بناية حديثة تفتقر الى الاجهزة الطبية الضرورية والى الكوادر الطبية الكافية [18].وهذا ما ينطبق على معظم المراكز الطبية الحالية. وقسم منها لا يوجد فيه حتى طبيب، وإن وجد فهو واحد، وعادة يكون "غارقاً" بالمراجعين، "يفحص" في غرفة ضيقة المرضى، رجالآ أم نساءً، أطفالآ وكباراً[19]. وغالباً هو مضطر لإستقبال 250- 300 مراجعاً خلال الدوام الرسمي. ولذا لا يتوفر له الوقت الكافي لفحص المريض.أما " الدواء" الذي يصفه فغالباً لا يتعدى بضعة حبوب، لا يحصل عليها المريض إلا بعد أنتظار طويل في الطابور أمام الصيدلية [20]..
بصراحة، لا يمكن الحديث عن خدمات وقائية وفحوصات تشخيصية، ناهيكم عن علاجية دقيقة تقدمها مراكز الرعاية الصحية الأولية في وضعها الراهن..والتذمر على أشده..فكم من مريض فقير توفي، وما كان يفترض ان يموت، عقب مراجعته للمركز الصحي لأكثر من مرة ولم تتحسن حالته... فما مبرر إستمرار الخدمات الصحية الحكومية المتدنية ؟!!

الهوامش
1- الصحة - بوابة الحكومة الالكترونية العراقية
2- د. مزاحم مبارك مال الله، واقع الوضع الصحي في العراق،"إيلاف"،9/2/2012 3- المصدر السابق.
4-دليل مراكز الرعاية الصحية الأولية،إعداد:د.مثنى عباس بلال ود.محمد شاكر رشيد، شعبة ضمان الجودة، دائرة الصحة العامة، وزارة الصحة، جمهورية العراق، بلا تأريخ.
5- التقرير السنوي 2010، وزارة الصحة، جمهورية العراق، ص 16.
6- كفاح محمد مصطفى، همسة: أين الحقيقة؟، "طريق الشعب"، 2/7/2012 7- التقرير السنوي لعام 2010، ص 9.
8- علي صاحب-" طريق الشعب"، 25/5/2011. 9- د. سلام يوسف، واقع الخدمات الصحية ومخصصاتها في الموازنة الأتحادية لعام 2012 (1)،على المكشوف:"طريق الشعب"، 29/1/2012
10- رياض عبيد سعودي،صحة المواطن بين التقصير الحكومي وابتزاز القطاع الخاص،"طريق الشعب"،16/7/2012
11- سهاد ناجي، العيادات الشعبية بين واقعها وكفاءة العيادات الخاصة!،" طريق الشعب"،28/6/2012
12-"المستقبل العراقي"/ خاص،12/6/2012 13- احمد محمد،شبكة أخبار الناصرية،31/5/2012
14- بابل-وكالة نينا للأنباء،4/3/2012 15- " طريق الشعب"-خاص،3/7/2012
16- عادل اليابس،عراق بلا صحة ... عراق بلا تنمية (5) ، "كتبات"،12/7/2011
17-"السومرية نيوز"،7/10/2010 18- وكالة أنباء الأعلام العراقي، 23/2/2009
19- سعاد البياتي- "الصباح"،24/9/2011
20- زاهر الزبيدي، تطور الواقع الصحي .. على من نكذب ؟، "الأخبار" العراقي،31/1/2012
------
* أكاديمي وباحث بيئي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير