الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من رواد القومية العربية

محمد فخري حسن

2012 / 8 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من رواد القومـــــــــــــــية العربــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــية في العراق ..................الأب انستاس ماري الكرمــــــــــــــــلي
بالرغم من الجمود الفكري الذي كان مخيما على الوطن العربي في بداية النصف الأول من القرن التاسع عشر عندما كان وطننا الكبير ولاية عثمانية مجزاة إلى ولايات وبالرغم مما جرته سياسة التجهيل آنذاك من مصائب وويلات ومنها محق الهوية واللغة العربيتين فان الفكر العربي الجبار شق بأنواره الساطعة المتألقة دياجير الأمية والجمود فبرهن على هوية امتنا العربية وكان حماة الهوية واللغة العربيتين اللذان هما رمزا وحدة الأمة العربية هم الرواد الأبطال الذين تقدموا الصفوف وحملوا المشاعل وأناروا لجيلهم والأجيال اللاحقة من أبناء العروبة الدرب المظلم الذي أدركوا أن الأمة إذا فقدت ركائزها (اللغة والهوية ) فقد فقدت أهم أسباب وحدتها وتماسكها وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الموت ونحن إذ نعرض في الأسطر التالية لأحد هؤلاء الأفاضل وهو العلامة الأب انستاس ماري الكرملي نريد التأكيد على تواصل الجيل العربي الحالي مع الرواد الأوائل لقوميته العربية ومعرفة الإبداع الذي أنجزوه وافنوا حياته في سبيله ليكونا قدوة له في السير على طريق وحدة هذه الأمة واعتلاء كلمتها .
اان نظرة سريعة في اعمال العلامة الكبير ستؤكد ان الرجل كان يمارس بشجاعة وحكمة لاحدود لهما السياسة الوطنية العليا الرامية الى تحقيق غايات وطنية كبرى فقد كان صاحب مشروع سياسي ظخم يرمي الى إرساء الأسس الثقافية اللازمة لإرساء قيام حركة سياسية هدفها السعي لقيام كيان سياسي عربي مستقل لأمة عربية موحدة وتتجسد الشروط الثقافية لتحقيق ذلك في تشكيل وعي فاعل لدى جميع العرب بوجود هوية ثقافية عربية مشتركة وجعلهم يعتزون ويفخرون بها وكان ذلك الهدف يتطلب منه إحياء اللغة العربية والبحث في تاريخ العرب وتراثهم الشعبي المتمثل في عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وأساطيرهم وخرافاتهم ومصنوعاتهم اليدوية وحكاياته التي أبدعوها ونقودهم التي سكوها وأزيائهم التي لبسوها وكل ما يشكل عنصرا في عقليتهم ومزاجهم وطريقة حياتهم ويميزهم عن غيرهم من الأمم وهكذا فان الأب الكرملي انخرط في مايمكن أن نسميه الحركة القومية العربية التي تقوم على إن العرب يربطهم تراث مشترك من اللغة والثقافة والدين والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة وينبغي ان تكون لهم دولة واحدة مستقلة .
بدأت القومية العربية أول الأمر حركة ثقافية في الشام ومصر والعراق خلال القرن التاسع عشر الميلادي حين كانت معظم البلاد العربية ترزح تحت الحكم العثماني ولم تتحول هذه الحركة الثقافية إلى حركة سياسية إلا في أواخر القرن المذكور وأوائل القرن العشرين وما يسمى بالنهضة العربية هو من ثمار تلك الحركة الثقافية واهذا فان الأب الكرملي رائد بارز من رواد النهضة العربية وعلما خفاقا من أعلامها وسنبين ذلك بالتفصيل .
من هو الكرملي :-
ولد الأب انستاس ماري الكرملي في بغداد عام 1866 أبوه ميخائيل جبرائيل عواد يمت الى بيت قديم ويرجع نسبه إلى بني مراد المشهورين في تاريخ العرب على العهد الجاهلي ظعن جدهم الأعلى إلى جبل لبنان حيث عاش هو وذريته الى يومنا وامتد له فرع إلى بغداد وأمه مريم ابنة أوغسطين جبران من النصارى القدامى في مدينة السلام وكان جبرائيل عواد رجلا دينا جاء الزوراء والجاته الحالة السياسية إلى أن يعر ف باسم ميخائيل الماريني .

عصر الاب الكرملي :-
يسمي المؤرخون القرن التاسع عشر كما قلنا عصر القوميات اذ شهد هذا القرن انهيار الإمبراطوريات او تضعضعها وظهور الدول القومية بحيث تظم الدولة الواحدة امة واحدة فقط تربط ابنائها وشائج اللغة والتاريخ والجغرافية والدين والمصالح المشتركة فقد كانت الثورة الفرنسية (1789) فاتحة عصر القوميات وإيذانا بانتهاء عصر الإمبراطوريات فالإمبراطورية الرومانية المقدسة التي كانت بمثابة اتحاد بين بلدان أوربا الوسطى خلال القرون الوسطى وأوائل العصر الحديث اضمحلت إبان الحروب النابليونية وتنازل آخر أباطرتها فرانسيس الثاني عن العرش عام 1806وكانت بلدان هذه الإمبراطورية تستخدم لغة الدبلوماسية العالمية حتى القرن الثامن عشر ولغة التعليم في جامعاتها حتى أواخر القرن التاسع عشر ولكن هذا القرن شهد ظهور دول قومية تستخدم لغاتها القومية فقد استطاعت الحركات القومية واللبرالية في عدد من البلدان الأوربية أن تحقق الوحدة والاستقلال فتمكنت اليونان من تحقيق استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية سنة 1822كما استطاعت بلجيكا الانفصال عن هولندا ( وكانت تكونان مملكة الأراضي المنخفضة) وإعلان استقلالها سنة 1830واستطاع غال باردي (1807-1882) من تحقيق وحدة الإمارات الايطالية السبع ( وكانت أربع منها خاضعة لنفوذ النمسا ) وأعلنت ايطاليا مملكة مستقلة عام 1861كما تمكن بسمارك (1851-1898)رئيس وزراء بروسيا الألمانية من قيادة الولايات الألمانية المتحالفة التسع وثلاثين إلى الاتحاد في دولة واحدة شبه دستورية عام 1871.
وخلاصة القول إن القرن التاسع عشر شهد نجاح الحركات القومية في تحقيق استقلال عدد من البلدان الأوربية ووحدة أراضيها على اساس قومي ولكم نجاح هذه الحركات القومية في تحقيق أهدافها استند الى حركات ثقافية ممهدة لها .
إن الحركات الثقافية ذات الأهداف القومية الرامية الى استقلال البلدان الأوربية عن الإمبراطوريات التي كانت تابعة لها على أساس قومي بدأت قبل القرن التاسع عشر بوقت طويل وقد اعتمدت هذه الحركات الثقافية على وسائل لإثارة الوعي القومي في البلاد عن طريق بلورة هوية قومية خاصة بالبلاد واستخدمت هذه الحركة وسائل ثقافية محددة يمكن ايجاز أهمها بما يلي :
1-اللغة :-اخذ المثقفون المنضوون في الحركة القومية بتشجيع استخدام اللغة القومية الخاصة ببلادهم والتخلي عن استخدام لغة الإمبراطورية فبينما كانت بلدان أوربا تستخدم اللغة اللاتينية في العصور الوسطى نجد ان اللغات القومية الحديثة كالفرنسية والألمانية والايطالية صارت تحل تدريجيا محل اللغة اللاتينية خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وراح المعجميون يعدون معاجم أحادية اللغة ومعاجم تاريخية لهذه اللغات القومية ولا نغفل الإشارة إلى دور الأكاديميات الايطالية والفرنسية والبرتغالية والاسبانية التي تأسست في القرنين السادس عشر والسابع عشر في تعزيز هذه اللغات وتنميتها (1) .
2-التاريخ :- أدى تصاعد الشعور القومي في أوربا الى الاهتمام بالتاريخ فاستخدم المثقفون التاريخ بوصفه أداة لتوعية المواطنين بتاريخهم القومي والاعتزاز بأبطالهم التاريخيين والفخر بأمجاد ماضي امتهم فاخذوا يهتمون بتأليف كتب تهتم بتاريخ الألمان والفرنسيين والايطاليين دون غيرهم .
3- علم التراث الشعبي الفلكلور )(2) وهو مجموع الثقافة التعبيرية الخاصة بشعب من الشعوب ويشتمل على الموسيقى والرقصات والأساطير والخرافات وحكايات ربات البيوت والأمثال والنكت والأعياد والتقاليد والمآتم وما إلى ذلك ويعرفه يعظهم بالتواصل الفني داخل المجموعات الصغيرة .
وقد استخدم التراث الشعبي في القرن التاسع عشر بوصفه جزاء من إيديولوجيات القوميات اذا كان يرمي إلى إعادة تشكيل التقاليد الشفوية لتحقيق أهداف سياسية ويتفق الباحثون على ان الفلكلور لم يتخلص من أهدافه السياسية الظاهرة إلا في أواسط القرن العشرين (3).
4-الأدب ( خاصة الروايات التاريخية ) الرواية التاريخية هي رواية توضع فيها الحكاية في إطار من الإحداث التاريخية وتركز على أبطال تاريخيين أو على أشخاص تاريخيين يتحركون في ماض تاريخي كما يفهمه المؤلف ويفهمه معاصروه وتتطلب كتابة الروايات التاريخية بحثا معمقا في التاريخ وقد اشتهر في كتابة الرواية التاريخية السير والثر سكوت (1771-1832) خاصة في روايته (ورفلي) (1814) وروب روي(1818) ايفاناهو(1820) التي جددت الاهتمام بتاريخ اسكتلندا خلال القرون الوسطى وما زالت تؤجج الشعور القومي لدى الاسكتلنديين ويستطيع كاتب الرواية التاريخية أن يتفادى الرقابة على طرح الأفكار القومية .
أعمال الأب الكرملي من اجل وعي قومي :-
إن أفضل الوسائل لنشر الأفكار القومية والسياسية هي التعليم والصحافة والتأليف والنشر واللقاات المنظمة مع المثقفين لتغذيته بتلك الأفكار وقد استخدمها الأب الكرملي جميعا في سبيل إثارة الوعي القومي فقد كان يؤلف المجلدات ويحقق وينشر كتب التراث ويصدر الكتب والمجلات ويستقبل المثقفين في صالونه الأدبي صباح كل يوم جمعة والتي شملت كتب اللغة العربية والتراث الشعبي والتاريخ علما إن بعض الكتب المؤلفة تدخل في أكثر من باب معرفي واحد كما إن الكتب التي حققها الكرملي تدخل في أكثر من باب مثل اللغة والتاريخ والأدب .
ومن ابرز المؤلفات المنشور للكرملي منها :
1-الفوز بالمراد في تاريخ بغداد -1911.
2-العين –للخليل بن احمد الفراهيدي المجلد الأول عام 1914.
3-أغلاط اللغويين الأقدمين –بغداد -1933
4-تذكرة الشعراء –أو شعراء بغداد وكتابها أيام داود باشا –لعبد القادر الخطيبي الشهرباني ( تحقيق بغداد 1936).
5-نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها (1939).
6-نخب الذخائر في أحوال الجواهر : لابن ساعد الأنصاري المعروف بابن الاكفاني السنجاري (القاهرة 1939)
7-المساعد : نشر الجزآن الأول والثاني بغداد 1972-1976.
لقد بلغ مجموع ما إلفه الكرملي 49كتابا بين مخطوط ومطبع ولكن الصعوبة تكمن في أل 1300 مقال وموضوع التي كتبها ونشرها في الصحف والمجلات حتى بلغت 62 دورية عراقية وعربية وأجنبية ووقع بعضها بأسماء مستعارة مثلا ( امكخ ) وبعيث الخضري البغدادي ) و(فهر الجابري ) و(كلدة) و(محقق) ومستفيد) ومستهل) و(ساتسنا)-
كذلك استحالة الاطلاع على آلاف الرسائل التي تبادلها مع عشرات من الشخصيات الفكرية العربية والأجنبية والتي ما زال بعضها مخطوطا ومحفوظا في مكان ما في بغداد (4).
نستنتج من هذه المجالات التي خاض فيها الكرملي انه لم يكن لغويا صرفا فحسب وإنما وجه اهتمامه كذلك إلى التاريخ والتراث الشعبي ونشر كتب التراث والأدب واشتغل في الصحافة وهي المجالات التي استخدمها المثقفون الأوربيون في القرن التاسع عشر خاصة لتكوين الهوية القومية وقد استخدمها الكرملي كذلك لإثارة وعي قومي لدى أبناء جلدته العرب بهوية قومية واحدة وتنمية اعتزازهم بها لتكون أساسا لأمة عربية واحدة تتمتع بالاستقلال والتقدم فمن أسماء الدوريات التي أصدرها : لغة العرب وجريدة العرب وفتاة العرب وكان بإمكانه ان يسميها مجلة بغداد أو فتاة العراق وحتى بعد استقلال العراق عن الدولة العثمانية وتقسيم الأمة العربية إلى دويلات على غرار العراق مثل سوريا وفلسطين ولبنان فانه ضل متعلقا بحلمه في امة واحدة للعرب ولهذا فانه يسمي الجريدة النسوية فتاة العرب على الرغم من اعتزازه ببغداديته حتى انه رفاقه الرهبان الكر مليين كتبوا على رمسه (قبره) اسمه الكنسي الأب انستاس ماري الكرملي وأضافوا اليه لقبه الذي يحبه البغدادي(5) .
لقد حمل هذا العلامة الفذ على عاتقه تنوير الشباب العربي المؤمن بقضية أمته العربية التي سعت القوى الاستعمارية –ومازالت – إلى جعلها امة ضعيفة ممزقة تتكالب عليها الدول الاستعمارية والطامعين في خيراتها وتحويلها إلى ساحة للصراع وتصفية الحسابات فيما بينها وإدامة التخلف والتبعية من خلال الحكام المأجورين ونشر التطرف الديني والطائفي بصيغته السلفية المتحجرة ومحاولة ربط الأمة العربية بمشاريع إقليمية ذات محتوى تفتيتي يجعل من عملية النهوض الحضاري للأمة العربية مسالة خيالية وعبثية وما يجري اليوم من محاولات تستهدف القلعة القومية العربية في سوريا الحبيبة بعد ان تمكنوا من العراق وقبله التجربة الناصرية هو خير دليل على الاستهداف لهذه الأمة التي تأبى إلا المقاومة والصمود وان شاء الله سيحفظ التاريخ لأبنائها المخلصين موقفهم البطولي في المقاومة والصمود وكذلك من كان لهم شرف بعث القومية العربية بين أبنائها ومنهم الأب الكرملي الذي نتمنى ان نكون قد وفينا جزاء من الدين الذي في أعناقنا لهذا العربي الأصيل الذي كان له دور في تنمية وعينا بمكانة ودور الأمة العربية التي يجب ان تعود لها مكانتها يوما رغم انف الغزاة والخونة والعملاء من الطائفيين والأعراب .


الهوامش :
1- استهويته اللغة العربية منذ فجر شبابه وبدا بتأليف معجمه اللغوي –المساعد –الذي اشتغل فيه أكثر من (50) سنة وتوفي قبل إن يكمله وينسقه كما يريد .
2-اسماه الكرملي بعلم القوميات لدور هذا العلم في إثارة الشعور القومي .
3-للكرملي مساهمات كبيرة وعديدة في هذا المجال منها ماكتبه في مجلة لغة العرب عن البلدانيات وهي مصدر لاغنى عنه للتراثيين وكذلك جمعه الحكايات الشعبية العراقية ونضمها في ديوان سماه ( التفتاف) وقد نشره المرحوم عزيز الحجية وقامت دار المدى بنشره بعنوان حكايات بغدادية عام 2010 ويحتوي حكايات باللهجة الموصلية والبغدادية .
4-كان الكرملي يقتني الكتب باي ثمن وجدت في بغداد ومن مكتبات الدنيا بأسرها فكانت في مكتبته النوادر والنفائس وقدرت ب20الف مجلد ومخطوط .
5- كان مثل غالب القوميين العرب يقرا القران ويصفه بانه فخر العرب وكانت لديه علاقات متميزة مع رجال دين مسلمين مثل الشيخ جلال الحنفي والشيخ محمد رضا الشبيبي وعلي الشرقي .
3
المصادر :-
1- روفائيل بطي / مجلة الكتاب القاهرية -1947.
2-علي ألقاسمي /انستاس الكرملي والنهضة العربية الحديثة . منشورات قسم الدراسات التاريخية في جامعة الرباط في المغرب .
3- محمد علي محي الدين /من رواد الفلكلور العراقي /ملحق جريدة المدى البغدادية العدد1580في 13/8/2009.
4-أعداد متفرقة من مجلة لغة العرب / النت –موقع 4sherd.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة