الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وردة الفيولا

أحمد فرحات

2012 / 8 / 17
الادب والفن


خرج الفتى ليلا ، كان مرتديا حلته اللامعة ، موّج شعره ، وكان في التألق الذي يظنه به إخوته ، كانوا يعلمون أن أماكنهم عالية ، أربعة هم ، يجب أن يلمسوا السماء من فوق الجبال العالية ، قمة الارتفاع البشري ، والنرجسية السامية لمخلوقات نادرة ، والشاب فيهم – الفتى – كان يسبح نحو العوالم الخارجية ، كانت مملكته ، و ذا كان مصيره ، وذاك الفتى هو أنا ، اثنان من الأربعة يعلمان جيدا تلك الندرة الوجودية لمخلوقات تشبهم ، هناك فوق الجبال ، الطريق إلى النور في الحقيقة ينتمي إلى الظلام – احذر كلماتي الملعونة - ومرارة الأفيون في فمه ، مصيره الذي خلق ليكونه ، كان فتى مدللا ، ذهبت بعيدا ، اجعل مقعدك دائما في السماء ، ذلك مكانك ، فوق الجبال العالية ، بشرية إلهية متسلسلة ، ملعونة بحب ، وسامية ، دائما فوق الجبال العالية .
كانت ليلة ممطرة ، قديمة ، ضوء مدخل عمارتهم في القصر العيني من خلف الزجاج الأصفر وسط كتلة من الخرسان المظلم ، تسلله السريع من تحت مداعبات المطر ، كانت ليلة في الماضي ، تذكرها يشبه رؤية فيلم سينمائي قديم ، كان سيتم الخامسة والعشرين ، ليلة السر والزواج من النفس ، ( الكلمات ملعونة تذكر ) ، كان يعرف بتأكيد أنهم سيجتمعون ثانية ، الأربعة وفي نفس المكان ، صعد السلم ، بعد أن تزحلق في المدخل بسبب المطر وكعب الفرنيه ، وردة الفيوليت يحملها في سترته ، فاتنا مغويا جميلا أنيقا مدلل الإخوة الصغير دخل هناك ، استقبلته تلك الفتاة الهندية الحامية ونزعت عنه ملابسه ، ودلكته بكريم لطيف بعد أن أزالت له شعر البدن الزائد ، وأمتعته بالماء الدافيء في مسبح صغير بغرفة خشبية في وسط الشقة ، ودلكت ودلكت حتى رضي وقبلها في حياء عظيم ، هذه حقا قصة يجب أن تروى ، كان الجمال والألفة يغمران كل شيء بالمكان ، الأثاث بسيط وعميق ، له ثقل من التفاصيل ، يفهمها من يفهمها ، ولم يكن في الواقع يفهمها أحد بعدهم غير أمهم التي ماتت وفي البيت الذي يقدسون ، إن العظمة تملؤنا ، وتملؤني أنا حتى الاكتمال ، أن أكون قد سيرت لأكون راويا لهذا العمق البشري العظيم ، قلائل من يدركون ، نعم ، ولكن الآخرين أيضا يعرفون ، ( الأم كانت تقول لأصغرهم " أعرف أن بك شيئا ما سيخرج في يوم من الأيام ، بك قدرة وموهبة ، وستتنبأ بأحداث عظام لك ولإخوتك ، ولن يصدقك أحد ، ولكن منهم من سيعرف أنك حقا صادق ، وسينتظرون منك وعدك ، ستكون شيئا عظيما ، سأتركك مبكرا ، لتكون لك حرية ، تبدع فيها نفسك ، يا عظيم " وقبلته باكية وشعر هو بسعادة عميقة ، ووصل إلى إدراك اليقين ، بعينين ممتلئتين بالشقاوة واللموع ، تبرقان في حضنها الذي يضمه على سلم الفيللا أثناء لحظة الوداع قبل الذهاب إلى العملية بباريس ) .
هذه ليلته ، هذا الحين من العمر ، خمسة وعشرون عاما حيا ، لا يتذكرك في الحياة بعد كل هذا إلا قليل ، ( شكرتها في الهاتف على الرسالة ، وقلت لها " لم يتذكرني سواك وفرد آخر ، القلة في هذه اللحظة تعني قدسية القلائل ، هؤلاء لك ، هكذا ينطق الوجود فصيحا ممتلئا ، لا يقدر قيمة وجودي سوى " أخي " ، علمت أنني سأتصل بك لأخبرك هذا ، أحسسته من قبل ، وأقدر أنني خطرت بالبال ، أعرف الدنيا جيدا ، وأعرف معنى أن أخطر ببال أحد في هذه اللحظة ، ويجب أن أصير مدينا موثقا ، لمن منحني هذا الشرف في الحياة ، شكرا لك ، إلى اللقاء ) ، سيعلم بعد قليل لماذا تسمى بسنة الخطايا العظام ، إنه الوجود يتحرك في نفسه ، ويموج في زمانه ، لم يتغير للوجود زمن ، لم يتغير للوجود زمن ، الحقائق التي صار يملكها في سره كالشيطان الذي يقلده في بيتهم المقدس ، صار شبيها به ، إنه يحيى فيه ريعانه ، يتنفس انتعاش وجوده عبر جسد أصغرهم ، الفتى الشاب الأنيق ، الراوي ، أنا ، ساحر سيتملكك ، سيتملكها ، سيتملك الكثيرين ، سيعرف نفسه ، انظروا ، تسلل بخفة إلى الحمام المضاء بشمعة كبيرة ليستحم حمام تتمة الخامسة والعشرين ، كان استحماما طقوسيا ، في ذلك الضوء الخافت ، بينه ، وبينها ، التي يراها تلمع أمامه على جدران السيراميك تحت ماء الدش المنهمر مع انعكاسات النيران في عتمة المكان وظلالها المؤنسة الحية ، ينهمر الماء ، يسري باردا ، غير ساخن ، الليلة شتاء ، ولكن الجسد مغوى ، ينهمر ، ويسري بأنوثته في تفاصيل البدن ، مع التدليك الخفيف ، عشق واتحاد ، سيطرة على كامل الأعصاب حتى تدرك بوعيها اللحظات التي يسمونها ب"لحظات الغياب " ، الجسد و النفس ، هذا هو مذهبي وفني ، كان على الجسد أن يتصل بالجسد ، حتى تقبل على الروح نفسها ، واضحة ، راغبة عاشقة ، هي المريدة ، وهي المرادة ، هي تريد اللذة في تلك ، وتلك تريد اللذة فيها ، - اللعنات تتصل بك احذر – شملتها ، واعتصرتها ، وأخرجتها في التشنيجة والآهة والبدن المنتشي والذي شرع يتمثل الهدوء ، أطلق الماء وظل مستندا على الحائط ، مستوعبا كل شيء ، مستوعبا حقيقة بالكامل لأول مرة بلا خير أو شر ، وصل إليها ، أطلعته على سرها الأول ، وبدأت تحدثه في نفسه عن سرها الثاني ، المعرفة الكاملة بما سيعطيه له الآخرون من حب وإخلاص ، ويعرف أنه سيعذب من بينهم أناسا ، لا عذاب الألم ، ولكن عذاب الحب والإخلاص والوفاء ، كل هذا له عذاب ، سيعرفونه فيما بينهم ، ويكون هو السر الذي يستمرون به وبقوته ، هذه هي الحقيقة ، هذا هو الباقي ، أدركنا السنين السابقة بشكل خاطيء ، وأنا دونهم بالذات كنت أدركها بشكل خاطيء تماما ، والآن كشفت لي ، عارية ، واضحة ، أقرؤها ، وأعرف أنها ستحافظ على الاستمرار ، للأسف تملكني ذلك الشيطان اللعين للحظات وقال ما أراد وها أنا عدت للسيطرة ، ضاجعها وأحس أبعادها جيدا ، الآن يعرفها تمام المعرفة ، عندما أغمض العين ، تمثلها في المسيح ، ويهوذا الأسخريوطي ، ومريم ، والفتى العربي ، وموسى ، وكان منها أيضا في فرعون ، سر رهيب ، وانفتاح مقدس مع الغيب ، من صميم هذا الجسد ، المنتقى والمختار بعناية ، ليبلغ مثل هذا البلاغ ، ويكون في مثل هذا العمر ، سيلمع ، سيحرق الكثيرين ، سيجتمعون ثانية ، أمهم ما زالت في البيت ، السر منكتم بينهم ، يغيظون الغرباء ، يغيظون الأقارب الذين لا يمتون إليهم بصلة ، كشفت له السر الثالث والرابع ، يعلم في القرار من له ومن عليه ، يعلم في القرار من سيهاتف بعد قليل ، الخيط متصل ، والوجود متصل ، قال أخوه " أنبؤك أنك ستزداد ارتباطا بهذا المكان اللعين " ، قال أخوه " تعلمت شرب الغليون في الصغر لأشربه ممسكا به بين فكي أثناء الكتابة " ، " نعم ، نعم " ، " كلنا دخنا الغليون ، حتى أمك كانت تعرف أننا نعشق الغليون " ، أعشق الغليون ، صرت مكتملا إلى درجة أنه صار لا ينطفيء مني بعد الإشعالة الأولى ، اعذروا النرجسية فهذه هي الحقيقة ، حتى هذه تصلح من " الكلمات الخالدة " التي يجمعها صديقي صاحب ريسبشنست ، ارتدى حلته من جديد ، الملاك مكتملا ، الشيطان مكتملا ، يحبها ، ينظر لها في المرآة ، يراها تقف خلفه في المرآة ، نعم ، ويحب الأخرى التي يبتسم لها في الزجاج وتبتسم له عبر الزجاج فقط ، ويداعبها قاذفا وردة الفيولا في وجهها قبل أن يفتح باب منزلهم المقدس ، فترتطم الوردة بالمرآة وتسقط ، لتتكاثر ورود الفيولا ما ذبل منها وما لم يذبل بعد تحت أقدامه وتحت الفرنيه وهو يغادر في عظمة المنزل وينغلق الباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد