الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة ولعنة الاتهامات

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2012 / 8 / 18
القضية الفلسطينية


ما أن وقعت مجزرة سيناء حتى بدأت المصادر المجهولة والمختلفة عن توجيه الاتهامات لغزة بالضلوع في هذه الجريمة النكراء ، وبدأت ماكينة المغرضين الإعلامية بطحن الفلسطينيين واتهامهم بنكران الجميل ومعايرتهم بالمساعدات الغذائية واتهامهم باستخدام الأنفاق لتدمير أمن مصر ، حتى وصل الأمر ببعض المعلقين على أخبار الصحف المصرية الإلكترونية إلى هدر دم أي فلسطيني يدخل مصر، وكأن السيناريو المعد أصلا لهذه العملية هو تغيير طابع التعامل المعتدل بين الشعبين الفلسطيني والمصري وتدمير العلاقات المترابطة منذ أمد طويل بينهما، ورغم أن النظام السابق اجتهد دائما في إذلال الفلسطينيين وإهانتهم في المطارات والمعابر ، وإهمالهم لأيام في غرف حجز لا تصلح للآدميين، ناهيك عن سوء معاملة الأمن في معبر رفح الذي ينزع الآدمية عن أي فلسطيني ، إلا أن النظام السابق لم يحاول مس النسيج الاجتماعي وخلق عداء فعلي بين الشعبين أو تأليب الرأي العام الشعبي تحديدا ضد الفلسطينيين ، كون النظام السابق كان يدرك تماما أن القضية الفلسطينية هي قميص عثمان الذي يمكنه استخدامه كورقة رابحة كلما اشتدت الاعتراضات أو تحرك الشارع لأي غرض خاص بمصر ، حيث اعتاد النظام خلق بلبلة تخص فلسطين ، إما بقضية المصالحة ، أو هُدن غزة الكثيرة واشتباكاتها المتعددة من حين لآخر مع الاحتلال، أو قضية معبر رفح ، وصولا في المرحلة الأخيرة من عمر النظام إلى اتهام الفلسطينيين بارتكاب جريمة التفجيرات في كنيسة القديسين في تطور نوعي من طرف العادلي آنذاك في معادلة الاستغلال المتعلقة بكل ما هو فلسطيني .
والآن وبعد الثورة وفوز الإخوان المسلمين بالبرلمان والرئاسة في مصر ، تقع جريمة بحق الجنود المصريين الذين يقبعون في الصحراء وبالكاد يأتيهم المدد بالغذاء والاحتياجات الضرورية ، وفورا تتجه أصابع الاتهام لغزة قبل حتى أن تظهر حقيقة الأمور ، سيناريو جاهز تماما لكنه هزلي، فقد نشرت صحيفة اليوم السابع المصرية خبرا عن مصدر مسؤول ومجهول مفاده : أن جيش الإسلام الفلسطيني أراد أن ينتقم من الجيش المصري ردا على اغتيال الأمين العام لألوية الناصر صلاح الدين وذلك لأن مصر لم ترعَ حماية الأسرى في الصفقة التي كانت تشرف على إتمامها ، كان ذلك أسخف تصريح يمكن لمسؤول أن يصرّح به للإعلام لكن من ذكر ذلك كان يتحدث للرأي العام المصري ولا يعنيه الحقيقة التي يدركها الفلسطينيون ، فجيش الإسلام عبارة عن ميليشيات محدودة العدد لا علاقة لها تنظيميا على الإطلاق بالشهيد القيسي ولا بالألوية ، وليس لها امتداد فعلي خارج غزة إلا من خلال تصريحات متفرقة لا تحمل مصداقية حقيقية ، أما ألوية الناصر فهي ليست تنظيما إسلاميا متشددا ولا تكفيريا لترتكب مجزرة كهذه ويستحيل أن تقدم على فعل كهذا ، إذن هنالك طرف خارج المعادلة هو من دعم وساند المنفذين واشتراهم بالمال لارتكاب هذه الجريمة ، وتوجه المدرعات تجاه الأرض المحتلة ومعبر كرم أبو سالم كان لحرف الأنظار عن الغاية الحقيقية من العملية المشؤومة ، كان جيش الاحتلال ينتظر ومتأهب تماما، تفرج على الحدث وتابع تفاصيله وانتظر تحرك المدرعات لقصفها واحترقت معالم الجثث، ولم يعرف أي منهم ، وقد خرج الطبيب الشرعي قبل يومين ليعلن استحالة التعرف على الجثث عن طريق الحمض النووي وذلك لعدم توفر إمكانات وأجهزة حديثة !!، وكل ما تمكن من الإعلان عنه هو أن أحذية المنفذين كتب عليها صنع في نابلس ، وهذا أيضا مثير للدهشة، فحتى لو افترضنا خروج المنفذين من غزة ، فغزة لا تستورد الأحذية من نابلس ونابلس ليست من المدن التي تشتهر بصناعة الأحذية في فلسطين وإنما مدينة الخليل والتي يستورد منها تجار غزة كميات من الأحذية ، لذلك فوصول أحذية من صناعة نابلس لسيناء ليس أمرا منطقيا ، ولكن لأن بعض الجهات أرادت إلصاق التهمة بغزة فكل شيء حينها جائز ، لدرجة أن البعض تساءل :هل تقصف مصر غزة بالطيران!! ، الشعب المذهول في غزة انتظر تحركا سريعا من حركة حماس التي تحكم القطاع ولم يكن لدى حماس خيارات متعددة ، عليها شجب واستنكار الجريمة فورا ونفي وجود أي صلة لغزة من جهة ، ومن جهة أخرى الانشغال في التحري والبحث والتحقيق عمّن يمكن أن يكون قد ساهم بأي شكل في هذه الجريمة ، وفي كل هذه الانشغالات الإعلامية والسياسية والعسكرية في كل الأوساط في مصر وغزة ، فاجأ الرئيس مرسي الجميع بإقالة اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات ، والذي أعلن بوضوح أنه أوصل المعلومات عن العملية قبل وقوعها للأجهزة التنفيذية في الدولة وهي التي لم تتصرف لدرء البلاء قبل وقوعه ، أقيل موافي بكل خبراته الأمنية ، وتوقعت أن تكون هذه مقدمة لإقالة المشير طنطاوي ، وبالفعل حدث ذلك خلال أيام معدودة وفوجئنا بإقالة رئيس هيئة الأركان سامي عنان أيضا ، وكانت ضربة استباقية خطيرة بلا شك ، حيث أن الرئيس مرسي يوطّد حكمه بخطوات مفاجئة ومبادرة وقد تكون مبكرة إلا أنها نجحت مبدئيا في تحقيق أهدافه ، حيث استغل جريمة سيناء خير استغلال واستفاد منها لآخر رمق ، تخلص من قيادات يعتبرها لا تحمل انتماءً له ، وهذا يكرّس سياسة مقلقة تماما لأي حاكم جديد ، وأدخل قوات مصرية أكبر لسيناء مما قد يشكل تمهيدا لطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد ، وحين ينجح في ذلك يكون قد قدم للرأي العام قربانا عظيما ، فنجاح تعديل الاتفاقية معناه أن الرئيس المصري الجديد قلب صفحة عهد مبارك خارجيا خاصة أنه أعلن عن نيته زيارة إيران قريبا أيضا ، وبذلك قد يضطر معارضوه إلى السكوت على مضض عن الوضع الداخلي والانتقادات الداخلية ، لأنها هي الحرب الأكبر، فالترتيبات الخطيرة التي يحتاجها لوضع الأجهزة الأمنية تحت تصرفه لن تكون هيّنة ولا بسيطة أبدا وقد يقدم على تشكيل جهاز أمني جديد يكون تابعا للرئاسة ويشابه جهاز أمن الدولة السابق والذي انحل بعد الثورة، وسيأمر بتنقلات وانقلابات كبيرة داخل المؤسسة الأمنية ليتمكن من بسط السيطرة الكاملة وهذا سيحتاج لوقت كبير جدا قد تنفد فيه السنوات الأربع التي اختير فيها رئيسا ولا شك أنه سيفوز مرة أخرى وهذا يمكن للجميع أن يتنبأ به فعليا فتنازل الإخوان المسلمين عن هذا الانجاز مستحيل ، و في أوج كل هذه الصراعات والمعارك السياسية المختلفة تبقى غزة وحدها على هامش مخططات الرئيس مرسي ، إذ أنه يحتاج للهدوء التام في هذا الجانب ، وأعتقد أن الأمور تتجه لتحسين ظروف غزة للمحافظة على الهدوء فيها ، لأن هنالك أمور أهم يتفرغ لها الرئيس مرسي ، سيقدم بلا شك بعض الحلوى لأهل غزة ، ولحماس أيضا كنوع من الدعم المعنوي حتى لا يؤرقه أهل غزة بالضجيج الذي يمكن أن تخلّفه كلما انتفض سكانها ، فغزة المسكينة ، تلك البقعة الصغيرة ما زالت تبحث عن الأمان والاستقرار، ويريد أهلها العيش بحرية وكرامة ، دون إهانات وازدراء ، يريد أهلها الحياة والعمل ، ولا يريدون أن يشعروا دائما أنهم مهددون بالإبادة ، تلقى على كاهلهم كل المصائب التي تحدث في المنطقة ، ويهاجمهم الجميع وينهش في لحمهم بمجرد وقوع أي حدث يضر بأي طرف على الساحة السياسية ، لا بد أن يعتبر أهل غزة ، وتعتبر حركة حماس من مجزرة سيناء وأن يحذر الكل من الزج بنا فيما لا تحمد عقباه ، فشعب غزة ليس بحاجة لصراعات ولا لحروب ولا لتشدد وتكفير ، وإنما شعب يريد الحياة ويحبها وليس كما يصوره الآخرون ،علينا جميعا أن نوضح للشعب المصري وللشعوب العربية كلها أننا شعب حضاري به المثقف والعامل والتاجر والصانع والفنان ، كما به الجاهل والمجرم والمنحرف ، لسنا ملائكة ، ولكننا لسنا شياطين ، وإن كان هنالك مهربون فلسنا جميعا كذلك ، وإن كان هنالك تجار دماء فلسنا جميعا كذلك ، وإن كان هنالك تكفيريون فبالتأكيد لسنا جميعا كذلك ، فلا تأخذونا دائما بجريرة غيرنا ، وتذكروا قول الله عز وجل " ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى " ، ولنتسامح ونغفر أخطاء بعضنا البعض في هذا العيد فنحن شعوب يجمعها دين واحد وقومية واحدة ودم واحد ، فلا تهدروا ذلك فيفرح عدوكم وينال منكم جميعا في تفرقكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست