الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحسنت..!

جمال البنا

2012 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



أحسنت أيها الرئيس الدكتور محمد مرسى فى قراراتك الصارمة.. وإجراءاتك الحاسمة.. التى صححنا بها الانحراف الذى فرضه على الثورة رجال لا يلحظون إلا المصلحة الفئوية، وليس المصلحة الوطنية، وبوجه خاص أود أن أشير إلى الإعلان الدستورى الخاص بتكميل الدستور، وهى وثيقة من أردأ وأسوأ ما كتب فى عالم الدساتير، فهذه الوثيقة تجرد الحكم الشعبى من حق مساءلة السلطات العسكرية عن مواردها ومصارفها وسياساتها الخاصة ومدى استعدادها للدخول فى معركة مع إسرائيل، إذا اقتضت الضرورة.

وهو باختصار يجرد الحكم الدستورى من أعظم حق للشعب.. فهل يعقل أن يطلق على مثل هذه الوثيقة «المكملة» للدستور؟.. إنها فى الحقيقة المدمرة للدستور.

وإنى آمل أن يسير الرئيس على هذه الخطة الصريحة الصادقة، والبعد عن الميل والهوى، ولو كان ذلك لحساب الإخوان المسلمين.. فالإخوان المسلمون ليسوا إلا جزءاً من الشعب.. وليس الشعب جزءاً من الإخوان.. وأنت تحكم شعب مصر.. فأرجو أن تحكمه بهذه الصفة دائماً وأبداً، فقد أثارت هذه القضية حرب سيناء، وكشفت بذلك عن تقصير فاحش فى سياسة هذا الجزء الثمين من مصر.

وأذكر مقالاً للإمام الشهيد حسن البنا نشر فى أكتوبر سنة ١٩٤٦م تحت عنوان «سيناء والسودان»، وقد كتبه رداً على ما جاء فى بيان صدقى باشا، للتعبير عن سيناء المباركة بلفظ «برية سيناء»، ووصفها بعد ذلك بأنها أرض قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات إلا أربعة بلاد جعلت للتموين وقت اللزوم.

وتحدث الإمام الشهيد عن السياسة البريطانية التى اتبعتها بريطانيا فى عهد الاحتلال بالنسبة لسيناء والسودان، وهذه السياسة تقوم على تعيين محافظ إنجليزى يعمل بخدمة الحكومة المصرية ويتقاضى راتبه منها، لكنه لا يفكر ولا لدقيقة واحدة فى مصلحة مصر، وإنما ينفذ السياسة التى وضعتها قوى الاستعمار لهذه المناسبات، فهى تلجأ إلى تعيين موظف إنجليزى وتعطيه السلطات الكاملة، بحيث لا يدخل أو يخرج أحد من سيناء أو من جنوب السودان، إلا بإذنه بحيث تكون المنطقة مغلقة أمام كل المؤثرات الوطنية.. وفى خلال ذلك يشجع مدارس التبشير المسيحى على استقطاب الشباب، وإثارة الرغبة فيما تقدمه من حوافز.. وتكون النتيجة ظهور جيل.. يسبح بحمد الإنجليز.. ويظن أنهم هم السادة.

وقال الأستاذ البنا بالحرف: «إن سيناء تبلغ ثلاثة عشر مليوناً من الأفدنة، أى ضعف مساحة الأراضى المزروعة فى مصر».

وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعاً من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثاً، ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سيناء من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة، وهى عظيمة القابلية للزراعة، وفى الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات يانعة على نحو بيارات فلسطين، تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات، وقد تنبه اليهود إلى هذا المعنى ووضعوه فى برنامجهم الإنشائى وهم يعملون على تحقيقه، إذا سنحت لهم الفرص.. لن تسنح بإذن الله.

واستطرد الإمام الشهيد، فقال: «فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها، ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود.. فلعل هذا من أصلح المواطن للصناعة، ويرى بعض المفكرين العقلاء أن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش تضم من شاء من المصريين، ومن وفد من فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وشرق الأردن وغيرها من سائر أوطان العروبة والإسلام، ويرون فى هذه البقعة أفضل مكان للتربية البدنية والروحية والعقلية على السواء».

ومضت أيام البنا والأسرة المالكة والحقبة الناصرية والحقبة المباركية، دون أن تتغير الأمور أو يحدث الإصلاح، وقد ذكر أحد الاقتصاديين أن مصر أنفقت على توشكى ١٢ مليار جنيه، ولم تنفق على سيناء ملياراً واحداً.

أقول هذا لما يتوارد على ذهن الحكام من فكرة أن الوضع الأمنى هو الوسيلة المثلى للحكم فى هذه البلاد، وهذا خطأ فاحش، فالأمن لا يُضمَن ولاؤه ولا يتمسك بالمقدسات الوطنية، وإنه يهمه فحسب إخضاع الناس لسلطته، وهذا أمر لا يجوز مطلقاً ولا يصح اللواذ به فى عهد ديمقراطى.

والخطة المثلى هى أن نجلس مع شعب سيناء من العرب وبقايا العصور القديمة، لتسوية كل مشاكلنا بالشورى والديمقراطية والدراسة وابتغاء مرضاة الله ومصلحة الوطن، وهذه كلها قيم أنتم أجدر بها، والأمل أنكم لن تقفوا عند الحرب فى سيناء، لكن ستضعون أسساً سليمة لسياسة هذا الجزء العزيز لمصر، وتمكين أهله من إدارة شؤونهم، فهم أعلم بها وأقدر عليها، وهذه هى الديمقراطية، وبهذا نكون قد بدأنا بداية سيئة فى الحرب، لكننا سنختمها ختاماً حسناً بالسلام والشورى والديمقراطية واحترام سكان البلاد وعاداتهم وتقاليدهم، بما يحقق الحكم الصالح.

■ ■ ■

أثار موضوع مليونية ٢٤ و٢٥ أغسطس، احتجاجاً على حكمكم وعلى سياستكم، وأنكم لا تنفذون حكم الشعب، وإنما تنفذون حكم الإخوان، والإخوان المسلمون بعد كل هذا جزء من الشعب، وليس صنفاً مستورداً، بل لا نبالغ إذا قلنا إنهم يمثلون الشعب العامل، أكثر من أى حزب آخر «بورجوازى» لا يمثل الكادحين فى الأرض أو العاملين فى المصانع، وقد تعرضوا للاضطهاد من كل النظم الحاكمة من فاروق حتى مبارك، وشبوا وشابوا فى السجون وهم اليوم يجنون أمراً استحقوه بالصبر وحسن التنظيم، وليس المهم أن تنفذ سياسة الإخوان أو تنفذ سياسة خصومهم.. المهم أن تنهج الطريق السليم، ومادامت هناك سلطة قضائية فلن يسمح بتجاوزات تخالف الدستور أو القانون.

وبالطبع فقد كنت أتمنى أن يوفق الإخوان فى تقديم أنفسهم إلى الشعب كجزء لا يتجزأ منه.. يعمل لخيره ويحجب عنه كل سوء وشر.. واضعاً يده فى يد بقية فئات المجتمع على اختلافها.. وأولاهم إخواننا الأقباط الذين أكدت لهم أن الإسلام أفضل من الديمقراطية نفسها، لأن الديمقراطية هى حكم الأغلبية، وقد تضل الأغلبية أو تخضع لاعتبارات معينة تحرم الأقباط حقوقهم، لكن الإسلام لا يسمح بهذا، فحقوق الأقباط مقدسة بحكم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وحكم التاريخ أيضاً.

ولكن يبدو أن هذا أمل بعيد، ومن ثم فلا أَقَلّ من إقناع الشعب بأن الإخوان ليسوا أعداء الشعب، ولا هم صنف غير المصريين، وأنهم جزء لا يتجزأ من طينة هذا الشعب، وأن مصلحته الحقيقية هى مصلحة البلاد التى يجب أن تكون شعارنا جميعاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللعنة
محمد مختار قرطام ( 2012 / 8 / 23 - 13:12 )
اللعنة على المنافقين واهل النفاق اين الحياء في مثل يقول
اذا لم تستحي فقل ماشئت

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة