الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو يعرب المرزوقي و ابن رشد و قشرة الموز

فريد العليبي

2012 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



قبل سنوات ليست بالبعيدة كتب أبو يعرب المرزوقي في جريدة القدس العربي اللندنية مقالا صحفيا تعرض فيه لأبى الوليد ابن رشد معتبرا إياه قشرة موز ألقاها في طريقنا مستشرق فرنسي شرير اسمه ارنست رينان فوقعنا فيها ، كنت يومها طالبا في المرحلة الثالثة بشعبة الفلسفة في كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس العاصمة ، وكان من بين أساتذتي أبو يعرب المرزوقي .
لم استغرب وقتها فحوى المقال فقد كان أستاذنا غزاليا متطرفا ، نسبة إلى حجة الإسلام أبى حامد الغزالي مكفر الفلسفة و الفلاسفة ، و خادم السلاطين السلاجقة الأتراك الذين تطايرت رؤوسهم الواحد بعد الآخر على يد المنتفضين ضد حكمهم ، و ما أشبه اليوم بالبارحة ، و لم يكن أستاذنا يكره فقط ابن رشد صاحب تهافت التهافت في الرد على حجة الإسلام ، و إنما يتمنى لو أن اسمه زال من الذاكرة .
و في مثل هذه الحالة كثيرا ما يبحث الابن عن قتل أبيه ، و التلميذ عن التمرد على معلمه و الباحث في مجال المعرفة عن ضالته المسماة حكمة ، فتوجهت إلى دراسة ما كتب من أطلق عليه " الأستاذ " قشرة الموز، فاكتشفت علما لا ضفاف له ، و إلى حد اليوم لا زلت أحاول ضبط حدود فلسفة ابن رشد ، ذاك الذي أنجزت حوله أطر وحتى : رؤية ابن رشد السياسية ، و هي التي صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت .
بحثت في فلسفة ابن رشد فوجدت العقل و التعقل والنقد و الاجتهاد و الانحياز إلى المظلومين و المقهورين ، بما في ذلك جمهور النساء الموضوع المفضل لجندرمة البغاء الثقافي و تجار الأديان ، باعتباره مجالا حيويا لإظهار فحولة مفقودة ، بينما وجدت عند أستاذي هراء فلسفيا رفع بموجه ابن تيمية الذي كفر فلاسفة العرب كلهم دون استثناء إلى مرتبة الفلاسفة ، و فضلا عن هذا وجدت لديه سبقا يحسب له على صعيد السياسة عندما ناشد قبل الآخرين سلطان مكانه و زمانه للاستمرار في حكم رعيته ، أعنى ما صدر في مجلة جون أفريك الباريسية التي تحدثت عن أبى يعرب و مقترحه القاضي بتمكين زين العابدين بن على من ولاية جديدة باعتباره الأقدر على الإيفاء بما تقتضيه المرحلة ، بحثت عن الحلقة المفقودة ، حلقة الوصل بين ما يقوله " الحكماء " و بين ما يمارسونه فاكتشفت فجوة هائلة .

و ازداد غضبى بعد ذلك بسنوات و انأ اشهد سكوت " الفلاسفة " يوم أشعل الشعب شرارة انتفاضته ، فعندما بلغت القلوب الحناجر و ثار المقهورون في وجه طغاتهم في طول البلاد و عرضها ، لم نسمع و لو حفيف أوراق الشجر في بيوت هؤلاء الذين لاذوا بصمت ساكني القبور ، و لما هرب بن على حلت عقد ألسنتهم فجأة فأسمعونا صليل فتاويهم و ضجيج تهريجهم في باردو و ما جاورها ، بما يفيد أن هؤلاء يعتقدون أننا في أرض خلاء ، و أن أعيننا فقئت ، و آذاننا قطعت ، و أن الشهداء و الشهود قد دفنوا و لن يعودوا أبدا .
و عندما ثار هذه الأيام اللغط حول ما قاله أبو يعرب المرزوقي عن السياحة باعتبارها بغاء لم أجد في كلامه ما يثير الدهشة ، و تذكرت قشرة الموز، و التفت حولي فإذا بثقافة الموز تغزو الإذاعات و الصحف و قنوات التلفزيون و المواقع الاجتماعية ، على اثر جملة عابرة عن جمهورية الموز التونسية ، و راعني تذمر بعض التونسيين من موزة حملوها وزر غروب شمس ثورتهم قبل شروقها ، و وفاتها قبل ولادتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لك الشكر حتى ترضى!
محمد أغ محمد ( 2012 / 8 / 23 - 03:54 )
أسعدت كثييرا بمقالتك أستاذي، وقد كان أمثال -أبو يعرب- من إشكالاتي الفلسفية قبل أن تكون -إشكالات سياسية ... كيف ينحط مفكر فيلسوف بقدر المرزوقي إلى التصفيق لتجار الدين!؟؟
لا يحزنني أمر مثل حزني عندما أرى أمثاله يدافعون عن -فكر العامة-!!!
وبالمناسبة أتمنى أن تعود تونس إلى -أصلها الأمازيغي، ووعيها الديمقراطي.

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح