الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق العلمانية في العراق والمنطقة [ 6]

عزيز الحاج

2012 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مما مر في المقالات السابقة، تتبين للقراء الأفاضل وجهة نظري غير المتفائلة عن حاضر ومستقبل العلمانية والديمقراطية في العراق والمنطقة.

لست أرى بصيص ضوء، لا حاليا ولا لمستقبل قريب ومتوسط، ولعقود وعقود، للخروج من هذا المأزق المزمن، الذي عمقته ووسعته التطورات الجديدة في دول ما يسمى بالربيع العربي- متمنيا من القلب لو كان عدم تفاؤلي هذا في غير محله ولو كنت مخطئا.

السيد مرسي أعلنها صراحة، وبلا تردد، بأن الشريعة وحدها أساس الحكم، لاحسا كل تصريحاته ووعوده الانتخابية بلا رمشة عين بعد أن " تملك الأرض"- أي السلطة والمجتمع والقانون والإعلام. والسلفيون في تونس يفرضون شريعتهم فرضا بتواطؤ صامت مع الحزب الحاكم، وحقوق المرأة التونسية في خطر داهم وأكيد، وكذلك الصحافة. والاحتفالات الثقافية صارت تفض بالقوة وبالهراوات لأنها تدنس المقدس! وقد تعرض نائب اشتراكي فرنسي من أصل عربي منذ أيام للضرب المبرح بالقضبان والهراوات عندما كان سائرا مع زوجته وابنته في شارع تونسي بحجة أن ملابس المرأتين غير لائقة مع أنها كانت طبيعية وعادية، فلا ميني جوب ولا لباس بحر، ولا طبعا نقاب!! والسلفيون الليبيون رفعوا رؤوسهم العفنة فراحوا يهدمون القبور والمراقد، بينما الحكام الجدد لم يكتموا أن أساس الحكم هي أحكام الشريعة، وللمتطرفين هناك مراكز قوة كبيرة.

أينما ننظر، فهناك السلفيون والإخوان، وصحفيون وإعلاميون من نفس القماش، وأئمة جوامع وفقهاء مدعون، يتاجرون بالدين ويداورونه كيفما يريدون حتى وصلت الحالة إلى تحريم الطماطم [ بندورة] لأن نصفها كالصليب، وإذا ابتلع الخروف صحيفة غربية فلحمه حرام، والأب لا ينبغي أن يختلي لوحده بابنته، وسباحة المرأة في البحر معناه الزنا لأن البحر مذكر!! وهكذا، وهكذا، من ترهات يصدقها عامة الناس ويمشون وراء مبتدعيها، بينما أمثال الراحل أرمسترونغ قد وصلوا القمر. وحين يتباهى أحد المعلقين في الحوار المتمدن بما يسميها نهضة المرأة الإيرانية في عهد الخمينية، فلعله ينسى، أو يتناسى، مقاتل الفتيات في شوارع إيران أيام الانتفاضة، ورمزهن ندا أغا سلطان، وينسي أعداد النساء اللواتي رجمن حتى الموت في إيران الخمينية، وأن الكليات الإيرانية أصدرت مؤخرا قرارات بحرمان الطالبات من عشرات الفروع الجامعية. وحين يشاد في المعلقات العراقية بديمقراطية حكومة المالكي، فلا ندري كيف تتلاءم الديمقراطية مع التضييق على المرأة وعلى حرية التعبير والنشر ومع حظر الغناء والموسيقى، وغير ذلك من تدابير تناقض أوليات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد شهد العالم العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، [كما بينا سابقا]، عهودا من الانفتاح الجريء على الحضارة الغربية، فتقدمت العلوم، ونشرت المؤلفات عن النظريات العلمية والفلاسفة التنويريين، وتطور التعليم خطوات باتجاه التعليم الحديث، وكانت السياسة بوجه غالب منفصلة عن السلطة الدينية. هذا ما مر، وبدرجات متفاوتة، على العديد من البلدان العربية، بفضل التلاقي والتلاقح مع المنجزات الحضارات الغربية، ولاسيما الحضارتين الفرنسية والإنجليزية. تلك عهود شهدت نهضة المرأة وفك الإسار عنها، وبروز العشرات والعشرات من خيرة المفكرين والأدباء والمبدعين والفنانين. إنها عهود طه حسين وسلامة موسى وعلي عبد الرازق وأحمد لطفي السيد ويعقوب صروف وفرح أنطون والكواكبي ومنصور فهمي ومي زيادة وتوفيق الحكيم وزكي نجيب محمود ونجيب محفوظ وأحمد أمين وزكي مبارك والمازني وعمر فاخوري ورئيف خوري وحسين مروه وشوقي وعلي محمود طه والشابي والطاهر وطار والرصافي والزهاوي ونازك الملائكة والسياب وشعراء الستينيات العراقية وعلي الوردي وطه باقر، والأفلام والتمثيليات الممتعة والشيقة، الخ، ألخ، ألخ..

فماذا نجد اليوم غير طغيان سلطة فقهاء الحلال والحرام، وصعود أحزاب الإسلام السياسي بمذهبيه، ومحاولات إلغاء كل ما يمت للحداثة والعلمانية من العقول، واعتبار الفلسفة "طاعونا لا نهاية له" [ حسب عنوان كتاب عراقي جديد]، ومحاربة الحريات الشخصية؟!

في نيسان 2004، خطب الشيخ الراحل محمد حسن فضل الله داعيا المسلمين "لمقاومة" مشروع علمنة العراق، وهو ما نسبه للقوات الأميركية التي قال إنها " تريد للعراق أن يكون دولة علمانية لا علاقة للإسلام بها"، مساويا بين العلمانية ومعاداة الدين. وكم كنا نتمنى لو أن مشروعا كهذا قد وجد ونجح، ولكن المأساة أن الولايات المتحدة أعطت كامل ثقتها بالإسلاميين، الذين جاءونا بدستور أحكام الشريعة، وبالأحوال العامة المتردية التي وصلنا إليها اليوم، بحيث أنه، برغم أن الميزانية تزيد عن 100 مليار دولار، فإن الحكومة تفشل في تزويد المواطنين بالكهرباء، بل وتفشل في تنظيف العاصمة نفسها من الزبالة، وهي مشغولة بحظر النوادي والموسيقى والنحت والغناء ومنع الخمور وبفرض الحجاب وقمع المظاهرات السلمية وبالتساهل مع الفساد، وبالزيارات المليونية، التي تكلف حياة المئات المستهدفين من القتلة، والتي تبذر الأموال، وترسخ الطائفية. ولا شك في أن للعلمانيين، أو المفترض أنهم علمانيون، وخاصة الأطراف الكردستانية، دورا بارزا في هذا المآل، وذلك بتحالفها " الإستراتيجي" مع الإسلام السياسي الشيعي، بدلا من تعزيز العلاقات والروابط مع التيارات والقوى والشخصيات الديمقراطية العلمانية العراقية. بل، وكان هناك مؤخرا خبر عن صياغة مشروع قانون يعرض على برلمان كردستان لمقاضاة من "يسئ للدين"! ونعرف كيف تفسر الإساءة على ضوء ما شهدناه في الغرب نفسه من هياج المسلمين لصدور كتاب ما أو فيلم ما، أو رسم ما، وملاحقة هذا الكاتب أو ذاك، و قتل هذا المخرج التلفزيوني ومطاردة مؤلف كتاب. والسياسة الأميركية في عهد اوباما لم تتعظ بدروس حرب أفغانستان والعراق، فها هي تقوي علاقاتها مع الإخوان المسلمين في مصر وغير مصر ، جريا وراء سراب ما تعهدوا به من التزامات ما أسهل أن ينفضوا عنها.

إن إمارات العلمانية وبعض معالمها التي وجدت في عهود سابقة كانت، كما قلنا، نتيجة التأثر الإيجابي بالنهضة الأوروبية الحديثة، ونتيجة الاتجاه نحو الحداثة. فالحداثة والعلمانية لا تنفصلان، كما لا تنفصل الديمقراطية عن الحداثة. ولذا هاجم أخونا المالكي الحداثة والعلمانية مقترنتين معا. وعندما تتحول العقول والسياسات والمطامح نحو ماض سحيق، يعتبر كله مقدسا، وتراد إعادة إنتاجه، كالخلافة أو دولة الإمام الغائب أومن ينوب عنه؛ وحين تتركز النظرات على هذا، وتتكلس ،وتنغلق، ولا تتركز على الأفق البعيد وطموح التحول والتطور للأمام لمواكبة لعصر والمساهمة في إثراء مكتسباته العلمية والتقنية والثقافية؛ وعندما تصاغ العقول صياغة أهل الأنفاق المظلمة والكهوف السوداء، حتى في المدارس والجامعات، ناهيكم عما يبث ويصاغ في المدارس الإسلامية- التي أخرجت وتخرج عشرات الآلاف من المتطرفين وفصائل إرهابيين؛ عندما يحدث هذا كله أمام أعيننا، فعن أية علمانية منتصرة قادمة يمكن الحديث؟!! وعندما نمجد العنف بكل أشكاله، وتتوارى سيادة القانون لتتحول العدالة والقانون لبطش جموع هائجة منفلتة تتحول لغوغاء متعطشة للدم والتمثيل بالجثث؛ وعندما يصاب مثقفون عراقيون وعرب في الغرب الديمقراطي العلماني نفسه بمرض الطائفية وتصديق الخزعبلات الفقهية؛ فكيف إذن يكون الشارع والنخب مؤهلين للعلمانية الديمقراطية؟!!

هل العلمانية هي "قدر" الوطن العربي، كما كان يكتب الأستاذ العفيف الأخضر منذ سنوات؟ - بمعنى قانون موضوعي وتاريخي لابد وأن يفرض نفسه؟ هل ما عندنا من البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية، ومن هيمنة الفقهاء، والسجل التاريخي، وسياسات الحكام، ومشاعر الجمهور وغرائزه، يؤهلنا لحلول هذا القدر ذات يوم؟! وهل القوى والتيارات العلمانية لها من القوة والإمكانيات والتبصر وبعد النظر والصبر والجلد وشجاعة المراجعة بروح النقد الذاتي لتلعب دورها الشاق، والمعقد، والمحفوف بالخطر، في هذا السبيل؟؟ ثم هل أوروبا الغربية، وهي مركز ولادة العلمانية، والتي تعاني من أزمة مالية واقتصادية عاتية، قادرة هي نفسها على الحفاظ على مكاسبها العلمانية أمام تحديات ومطالب الجاليات المسلمة [ أكثر من 30 مليون فرد هم في ازدياد مستمر]، المتمسكة بأحكام الشريعة، وبعاداتها وممارساتها المنافية كثرة منها لحقوق الإنسان، ومحاولة فرضها في الغرب نفسه؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شيء من هذا
kaldoon ( 2012 / 8 / 27 - 22:20 )
تحية طيبة للاستاذ عزيز
كل ما قلته يا استاذنا صحيح ومقارب للصحة في جوانب اخرى , كانت نظرتنا للتغيير في المنطقة العربية فيما يسمى الربيع العربي وانا اسميه الخريف العربي نظرة فيها الشك والريبة فيمن يمسك زمام الامور في البلدان المتغيرة وكانت الغلبة منذ البداية للاحزاب الاسلامية رغم انها ظلت في مواقف الثورات موقف المتفرج ولكنها انتهزت الفرصة المناسبة لتظهر بصيغة المحرر من الظلم والتعاون من اجل نيل الحريات للشعب العربي المهتظم من حكم العسكر , لكن في رايي المتواضع لا اعتقد ان الجماعات والاحزاب الاسلاموية وصلت الى دفة الحكم في هذه البلدان بالصدفة او بصورة اخرى لا نعتقد الدخول السريع وفرض خكمهم على الشارع بدون سابق انذار جاء بمحض الصدفة وانما هناك ارادات دولية وراء هذا الصعود وصاحبة الامتياز في هذه اللعبة كما لايخفى عليك يا استاذي هي الولايات المتحدة الاميركية وخطتها لاسلمة انظمة البلدان العربية بتيارات متشددة له بعد كبير جداً حيث من طبيعةهذه التيارت هي كثرة الصراع الداخلي في بلدنها لاختلافات مذهبية وفكرية وكذلك تخلف هذه الانظمة يجعل منها بلدان مستهلكة مائة بالمائة .


2 - لم يكن هذا ألأنحدار صدفةً - 1
أحمد حسن البغدادي ( 2012 / 8 / 28 - 00:33 )
تحية لك أيها الرفيق العزيز.

إن الذي نراه اليوم وفي كافة البلدان ألأسلامية من إنحدار، إجتماعي، أخلاقي، ثقافي، حضاري، لم يكن صدفة، بل هو ثمرة عمل كبير، قامت به الحكومات العربية السابقة، وعلى مدى أكثر من ٥٠ سنة، لمحاربة العلمانيين، بحجة إنهم ينشرون الفكر الشيوعي، بمباركة الولايات المتحدة وبريطانيا.

وقد كان مشروع أسلمة المجتمعات يتم بالتدريج، وسن قانون، الأسلام دين الدولة الرسمي، والشريعة الأسلامية مصدر التشريع، ودخلت دساتير الدولل العربية بعد أن أول من وضعها السادات في مصر.

تأسيس حزب الدعوة في العراق عام ١٩٥٩ ، رداً على ثورة ١٤ تموز التقدمية.
أسلمة التلفزيون، ووضع القرآن في بداية إفتاحه ومن ثم نقل الصلاة مباشرة بقرار مؤتمر القمة الأسلامية في الرياض.
كثرة الجوامع والمعاهد الدينية، لتخريج الأرهابيين.
هذا كله، فيما كان يتم تصفية الكتاب التنويريين والمثقفين وزجهم بالسجون، وإتهامهم بالشيوعية، لحين ما فرغت الساحة منهم تقريباً، ثم بدأت الحرب على الأرهاب، بين منتجي الأرهاب، الحكومات العربية، وحليفتهم أمريكا من جهة، وبين الأسلاميين وشريعتهم الدموية من جهة ثانية.

يتبع...


3 - ما نفعل لوقف المأساة - 2
أحمد حسن البغدادي ( 2012 / 8 / 28 - 01:23 )
والسؤال هو، ماذا نفعل لوقف المأساة ؟

نعم، إن القادم هو مأساة، لربما مأساة الصومال أسهل منها بكثير، فهناك الحرب الشيعية السنية، قادمة لامحالة، وقد بدأت في العراق لتكتمل صورتها في سورية.

إنَّ محاربة الفكر لاتتم إلا بالفكر، ومفكر علماني واحد قادر على هدم آلاف الفتاوي الزائفة، وسقوط كافة ألأدعاءات الكاذبة، لأن الجهل والخرافة لاتصمد أمام العلم، مهما حاول علماء الأعجاز العلمي في القرآن من إدعاءات كاذبة.

إنّ فضح الأسلام، وإبتداءً من القرآن ومحمد وسيرته الدموية، وخلفائه الأربعة، وفي حقيقتهم هم عصابة الأربعة، وكشف كذب شيوخ الأسلام، وعدم قولهم الحقيقة عن محمد وأفعاله المشينة، وعصابة الأربعة وجرائمهم بحق بنات وأبناء الصحابة الطاهرين المبشرين بالجنة حسب قولهم، لكفيل بهدم ألأسلام من أساسه غير مأسوف عليه.

كفا كذباً وضحكاً على الذقون، ها هو مثلهم ألأعلى بعد محمد، ذو النورين عثمان، يقتل ويرمى بالزبالة، ويأتي اليهود الكفار وبدفنوه بمدافنم، وعلي ولي الله، تقتلهم عائشة، أم المؤمنين، ونصف دينهم منها، حسب حديث محمد.

من هنا، قول الحقيقة دون مجاملة، ستمسح الأرض بهؤلاء الغوغاء.

تحياتي.


4 - الاستاذ الحاج المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 8 / 28 - 17:02 )
تحيه
كل ما جرى بدوافع و معروف من رتب الامور وانت تعرف حائط الصد الثاني الذي بنته امريكا لمنع وصول السوفييت الى المياه الدافئه بانقلابي شباط واذار 1963
اليوم امريكا تبارك مرسي لانه اعلن ان السياده لله
لم يتعضوا
اكرر التحيه

اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو