الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دستور يشرعن الاستبداد إلى دستور ديموقراطي في خدمة حقوق الإنسان

عبد الحميد أمين

2005 / 2 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تولي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أهمية كبرى للمسألة الدستورية و هو ما يعكسه الشعار المركزي لمؤتمرها السابع المنعقد أيام 9 و 10 و 11 أبريل 2004: " من أجل دستور ديموقراطي في خدمة حقوق الإنسان و مغرب بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".

لماذا تولي الجمعية أهمية كبرى لمطلب الدستور الديموقراطي؟

● لأن الجمعية و كما ورد ذلك في قانونها الأساسي تناضل من أجل ملاءمة كافة القوانين المغربية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن الطبيعي و المنطقي إذن أن تعمل الجمعية أولا و قبل كل شيء على ملاءمة الدستور – القانون الأساسي للبلاد– مع معايير حقوق الإنسان الكونية.

● إن الجمعية تناضل إلى جانب كافة القوى الديموقراطية من أجل بناء دولة الحق و القانون و نحن نعتقد أن منطلق هذا البناء هو الدستور الديموقراطي المنسجم مع معايير حقوق الإنسان الكونية.

● لقد أبرزت معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها بلادنا الضرورة الحيوية للإصلاحات المؤسساتية والقانونية بما يفرض بدوره استبدال الدستور الحالي المشرعن للإستبداد بدستور ديموقراطي.

إن انشغال الجمعية بالمسألة الدستورية ينطلق إذن من اعتبارات حقوقية صرفة رغم تقاطع انشغالاتنا مع اهتمامات بعض القوى السياسية التي تولي بدورها أهمية كبرى للمسألة الدستورية مما يؤدي بالبعض إلى اعتبار أن الجمعية برفعها لشعار الدستور الديموقراطي تحيد عن مجال اشتغالها – المجال الحقوقي – و تتدخل في العمل السياسي.

في هذا العرض سأعمل على توضيح الطابع اللاديموقراطي للدستور الحالي (دستور شتنبر 1996) و للدساتير الأربعة التي سبقته (دساتير 1962، 1970، 1972 و 1992) و على طرح المرتكزات الأساسية للدستور الديموقراطي المنشود



1. على مستوى بلورة الدستور و المصادقة عليه

● كل مشاريع الدساتير التي عرفها المغرب و كل مشاريع التعديلات الدستورية وضعت من طرف الملك ضدا على المطلب الذي كانت ترفعه الحركة الوطنية الديموقراطية في السنوات الأولى من الاستغلال و المتعلق بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع مشروع الدستور. و لا غرابة إذن أن تحظى المؤسسة الملكية بالمكانة الأساسية و المحورية في البناء الدستوري، مع العلم أن المشاريع التي كان يصوغها الملك كانت تطرح مباشرة للتصويت بنعم أو لا دون إعطاء فرصة لمناقشتها قبل الإستفتاء و أخذ المناقشة بعين الإعتبار في الصيغة النهائية المطروحة للإستفتاء.

● و في ما يخص المصادقة على الدساتير فقد كانت تتم بنسب خيالية سواء على مستوى النشاركة أو المصادقة بنعم ( نسب تتراوح بين

96% و 99.9%). و ذلك أن الهدف من الاستشارات الاستفتائية لم يكن فقط مراجعة الدستور و إنما تأكيد البيعة، و هذه الأخيرة لا يمكن أن تكون سوى بالإجماع أو شبه الإجماع في نظام يطبعه التداخل بين العلاقات الأتوقراطية و التيوقراطية أي التداخل بين الإستبداد السياسي واحتكار السلطة الدينية.



2. على مستوى مضمون الدستور

أ) مكانة حقوق الإنسان في الدستور

رغم ديباجة الدستور و تلك الصيغة الإيجابية التي وردت فيها بشأن "التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا" ليس هناك في الدستور:

- ترسيخ لقيم حقوق الإنسان الأساسية الكرامة الإنسانية، الحرية، المساواة، التضامن، قدسية الحياة، السلم، التسامح.

- تثبيت للعديد من معايير حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة و السلامة البدنية، حرية العقيدة، حرية التنقل في الداخل و الخارج، حق اللجوء السياسي، حق التظاهر السلمي، المساواة في كافة الحقوق بين الرجل و المرأة (بدل حصرها في بعض الحقوق السياسية)، الحق في التعليم و في الضمان الإجتماعي و الصحة و السكن اللائق و البيئة السليمة و الحياة الكريمة، الحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية.

ب) الدور المحوري للملك في نظام الحكم السياسي

ينص الفصل 2 من الدستور على أن "السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالإستفتاء و بصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية".

إلا أن قراءة سريعة للدستور تبين أن السيادة للأمة تختزل في السيادة للملك في نهاية الأمر باعتبار أن الفصل 19 ينص على أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة. و يتضح إذن من خلال الدستور أن الملك يسود و يحكم و هو ما تم اختزاله مؤخرا في مفهوم الملكية التنفيذية.

و يبرز الدور المحوري للملك أساسا من خلال:

● الفصل 19 الذي يعد دستورا داخل الدستور على اعتبار أنه يمكن أن يبطل مضمون الفصول الأخرى أو يعطل تطبيقها و الأمثلة متعددة في هذا المجال:

المثال الأول: في سنة 1981 و بعد انتهاء صلاحية البرلمان المحددة آنذاك في 4 سنوات قرر الملك و ضدا على الدستور المكتوب و باللجوء إلى الفصل 19 تمديد ولاية البرلمان لسنتين إضافيتين.

المثال الثاني: في سنة 1984 تمت المصادقة عبر استفتاء شعبي و بنسبة خيالية كالعادة على الوحدة بين المغرب و ليبيا في إطار ما سمي بالإتحاد العربي الإفريقي. و في 1986 و بعد سنتين من تأسيس هذا الإتحاد – و على إثر انتقاد معمر القذافي رئيس ليبيا لزيارة شيمون بيريس للمغرب – تم إعلان الملك لفسخ هذا الإتحاد بموجب ظهير يرتكز على الفصل 19 و دون اللجوء إلى استفتاء شعبي و لو شكلي.

المثال الثالث: حاليا، إن العديد من المؤسسات و اللجان التي تسلب الحكومة صلاحياتها و تفرغ العمل الحكومي من مضمونه أصبحت تؤسس استنادا على الفصل 19.

● شخص الملك مقدس، لا تنتهك حرمته:

كما لا يمكن لخطابات الملك أن تكون موضوع أي نقاش، و أن الحصانة البرلمانية نفسها (الواردة في الفصل 39) لا تمتد للآراء المجادلة في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو المخلة بالإحترام الواجب للملك.

كل هذا يعد نفيا صارخا لإمكانية نقد المواطنين لكيفية ممارسة السلطة من لدن الحاكمين و يتناقض مع حرية الرأي والتعبير. و تتضح خطورة الأمر أكثر إذا ما انتبهنا إلى العبارات الفضفاضة المستعملة في النص الدستوري مثل "المجادلة" و "الإخلال بالإحترام" و التي يمكن تأويلها بسهولة للجم حرية الرأي و التعبير في هذا المجال.

● الملك هو الذي يعلن حالة الإستثناء (الفصل 35) دون أي قيد دستوري أو قانوني.

●الملك هو صاحب المبادرة الأساسية و الفعلية في تغيير الدستور أو تعديله عبر الإستفتاء. و رغم أن البرلمان له كذلك الحق في المبادرة إلى تعديل الدستور فممارسة هذا الحق معقدة و صعبة إلى حد كبير و في جميع الأحوال لم يسبق للبرلمان أن حاول القيام بهذه المبادرة. كما أنه لا يحق للشعب أن يراجع الدستور إذا كان موضوع المراجعة هو النظام الملكي للدولة أو النصوص المتعلقة بالدينالإسلامي.

● الملك يعين الوزير الأول (من خارج الأغلبية البرلمانية إذا ارتأى ذلك) و له الحق في إقالة الوزير الأول و إقالة الوزراء.

● الملك هو حامي الحريات في المغرب (الفصل 19) مع العلم أن هو الرئيس الأعلى و الفعلي للسلطة التنفذية التي تشكل المصدر الرئيسي للتطاول على الحريات. و للإشارة فإن حماية الحريات في فرنسا موكولة للقضاء.

●الملك يجمع كافة السلط على مستواه: التنفيذية و التشريعية و القضائية و الدينية. و ليس هناك أي فصل للسلط على مستوى المؤسسة الملكية، كما صرح بذلك الملك الراحل الحسن الثاني.

ج. البرلمان هو جهاز لتمرير الإرادة الملكية إما مباشرة أو عبر الحكومة الخاضعة لتعليماته.

و هذا ما يتجسد سواء في:

- ضعف دوره التشريعي: حيث لا يمكن لأي تشريع لا يحظى بالموافقة الملكية أن يرى النور. و في جميع الأحوال هناك إمكانية حل البرلمان إذا ما أراد هذا الأخير. السير في هذا المنهاج.

- ضعف دوره الرقابي و الذي يقتصر في جميع الأحوال على مراقبة الحكومة.

د. الحكومة لا تحظى سوى بسلطات ضعيفة و هو ما يتجلى بالخصوص في دور و مكانة الوزير الأول و في دور مختلف الوزراء إذا استثنينا وزير الداخلية الذي يستمد قوته من العلاقات المباشرة لوزارة الداخلية مع المؤسسة الملكية.

فالوزير الأول يعين من طرف الملك خارج أي معيار سياسي و يمكن أن يعين من خارج الأغلبية البرلمانية، كما يمكن إقالته في أي وقت و إقالة الوزراء فرديا أو جماعيا و تظل الحكومة تحت وصاية الملك.

و ليس للوزير الأول دستوريا سلطة تحديد و تسيير سياسة البلاد و حتى سلطة قيادة العمل الحكومي . و ليست له في نهاية الأمر سلطة خاصة على وزرائه الذين هم (كما هو) مسؤولين أمام الملك. و مسؤولية الوزير الأول و كل وزير على حدى هو ترجمة الإرادة الملكية إلى أعمال حكومية.

و في بعض الحالات كحالة التوتر مع البرلمان أو تصاعد السخط الشعبي يمكن أن تستعمل الحكومة كصمام أمان للإلتفاف على التوتر عبر إقالة الحكومة أو تعديل تشكيلتها.

ه. القضاء

إن الدستور المغربي يرفع القضاء إلى مستوى سلطة مثل السلطة التنفيذية أو التشريعية. كما أن ضمانات استقلال القضاء ضعيفة في الدستور و يبقى المجلس الأعلى للقضاء و المجلس الدستوري بدوره و من خلال تشكيلتهما خاضعين للإرادة الملكية.

و كخلاصة لهذه اللمحة السريعة حول مضمون الدستور، يمكن القول أن الدستور المغربي يدستر للأتوقراطية والتيوقراطية أو بمعنى آخر للإستبداد السياسي و لنظام شبه أصولي تجعل من الدين ركيزة أساسية للسلطة السياسية.

إن الدستور يؤكد في فصله الأول أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديموقراطية اجتماعية. فما هي حقيقة هذا التحديد؟.

● نعم إن نظام الحكم هو نظام ملكي بالتأكيد ما دام رئيس الدولة يظل كذلك مدى الحياة و ما دام تداول الحكم يرتكز على الوراثة.

● بالنسبة لمفهوم الملكية الدستورية: فعلا الملكية قائمة ببلادنا و منذ 1962 على دستور مصادق عليه شكليا باستفتاء شعبي رغم تعطيل الدستور إما عبر الإعلان الصريح عن حالة الإستثناء (من 1965 إلى 1970) أو إقرارها بشكل ضمني (1972 إلى 1977) أو عبر استعمال الفصل 19 لتعطيله جزئيا. بعض المحللين للدستور يتساءلون حتى عن وجود دستور حقيقي بالمغرب نظرا للفصل 19 الذي يمكنه أن يبطل مفعول مختلف فصول الدستور الأخرى.

● بالنسبة لمفهوم الديموقراطية، يتضح من خلال كل ما سبق أن النظام الملكي ببلادنا رغم طابعه الدستوري فهو غير ديموقراطي كما أبرزنا ذلك من خلال الدور الإستبدادي للمؤسسة الملكية و من خلال دور الشعب الضعيف في إقرار السلطة بالبلاد و من خلال أوضاع حقوق الإنسان دستوريا و قانونيا و عمليا ببلادنا.

● أما عن مفهوم "الإجتماعية" فمن الواضح أن المقتضيات المتعلقة بالحقوق الإجتماعية لها وجود هزيل داخل الدستور وبالتالي فليس هناك داخل الدستور أو في القوانين و على مستوى واقع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية ما يمكن أن يعطي مصداقية لمفهوم الملكية الاجتماعية.

3. اعتبارا لكل ما سبق رفعت الجمعية شعار "دستور ديموقراطي في خدمة حقوق الإنسان".

فما هو المضمون الأساسي لهذا الشعار؟ نحن كجمعية مغربية لحقوق الإنسان يمكن لنا بسهولة و من خلال دراستنا للدستور الجاري به العمل أن نبرز مكامن ضعفه على المستوى الحقوقي و هذا ما تم القيام به في هذا العرض إلا أنه لا يمكننا أن نطرح بديلا متكاملا للدستور الحالي أو مشروع دستور بديل لأن هنالك عدة بدائل انطلاقا من الأهداف السياسية المختلفة و هذه البدائل تأخذ بعين الإعتبار البرامج السياسية لكل تنظيم سياسي و كذا التصورات حول موازين القوى.

أما بالنسبة لهيئة حقوقية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فلا يمكنها و لا يحق لها أن نتجاوز طرح المواصفات الأساسية للدستور الديموقراطي المشود و هي التي تتجسد في:

● بلورة مشروع الدستور الديموقراطي من طرف ممثلي القوى الحية بالبلاد و هذا ما يمكن أن يتم عبر مجلس تأسيسي منتخب من طرف الشعب لهذه الغاية أو عبر التوافق على صيغة أخرى لضمان تمثيلية القوى الحية في هيئة تكلف بصياغة مشروع الدستور.

● المصادقة على مشروع الدستور عبر استفتاء حر و نزيه.

● في ما يخص المضمون، إن الدستور الديموقراطي المنشود يجب أن يقر في نظرنا بـ:

1. تثبيت قيم حقوق الإنسان الأساسية (الكرامة الإنسانية، الحرية، المساواة، التضامن، قدسية الحياة، السلم، التسامح،...) و المعايير الأساسية لحقوق الإنسان التي لا يتضمنها الدستور الحالي: الحق في الحياة و السلامة البدنية، حرية الرأي و التعبير و العقيدة و المساواة التامة بين الرجل و المرأة، حرية التنقل في الداخل و الخارج، و حق اللجوء السياسي، حق التظاهر السلمي، الحق في التعليم و في الضمان الاجتماعي و الصحة و السكن اللائق و البيئة السليمة والحياة الكريمة الحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية،...

2. السيادة للشعب الذي يعتبر مصدر كل السلطات وفقا لمبدأ حق الشعب في تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي.

3. حكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية و مسؤولة أمام البرلمان و تمارس كافة صلاحيات السلطة التنفيذية.

4. برلمان قوي منبثق عن انتخابات حرة و نزيهة مجسدا بذلك الإرادة الشعبية و يحظى بكافة السلطات التشريعية و له صلاحية توجيه و مراقبة الحكومة.

5. القضاء كسلطة مستقلة.

6. اقرار فصل حقيقي للسلط ليس فقط السلط الثلاثة التشريعية و التنفيذية و القضائية و إنما فصل الدين عن الدولة كذلك.

هذه هي أهم المبادئ التي يجب مراعاتها في بناء الدستور الديموقراطي الذي يمكن أن يشكل مدخلا حقيقيا لبناء دولة الحق و القانون.

إن المسألة الدستورية أخذت من جديد تحظى باهتمام القوى السياسية. و أريد بهذه المناسبة أن أؤكد على ضرورة أخذ القوى الديموقراطية لزمام المبادرة في هذا المجال حتى لا تسقط مجددا في فخ التعديلات الدستورية الجزئية و الشكلية التي ترسخ وجود الدولة المخزنية بطابعها الإستبدادي و شبه الأصولي. و السقوط في هذا الفخ وارد بالرجوع إلى التجربة التاريخية التي تبين بأن التعديلات السابقة كانت تتم بشكل مفاجئ و فوقي و خارج أي مناقشة عمومية تهدف إلى نوعية المواطن(ة) بأبعاد التعديلات قبل مطالبته التصويت عليها.



* نص المداخلة التي قدمها عبد الحميد أمين رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الندوة المنظمة بفاس يوم 25 دجنبر 2004 حول الدستور و حقوق الإنسان من طرف الجمعية الجهوية للمحامين الشباب بفاس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع