الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش السيرة السياسية الحدث بين نزاهة السرد وهوس الافتراء [ 1]

عزيز الحاج

2012 / 9 / 5
سيرة ذاتية





إن سيرة الشخصية العامة، سياسية أو في مجالات أخرى، معرضة في كل ساعة للإشارة والذكر، ما بين النقد أو الترحيب، وربما أيضا التحامل والتشهير. فالشخصية العامة لا تعود ملك نفسها إلا فيما يخص الخصوصيات الخاصة جدا، وحتى هذه تتعرض أحيانا للفضوليين.

والرجل السياسي، وخصوصا إن شغل منصبا مهاما أو كان يتزعم حركة سياسية، مستهدف أكثر من سواه لما في نشاطه، إيجابا أو سلبا من عواقب، جزئية أو كبيرة خطيرة، على الحياة السياسية، وبالتالي على المجتمع والشعب. ومن حق المواطنين والمتابعين أن يطلبوا الشفافية، وأن يمارسوا حق النقد والملاحظة والتنبيه أو التحذير، ولكن بشرط أن يكون المنطلق هو الصالح العام، أي بعيدا عن العقد والحسابات الشخصية، والتعصب المسبق والتحيز، وروح العداء. والمحلل أو الناقد السياسي يفترض فيه توفر هذا المنطلق، أي أن يكون منصفا وموضوعيا حتى إذا كان رجل السياسة المعني لا يعجبه، ولا يرتاح منه لسبب من الأسباب. وبالمقابل، فإن السياسي يجب أن يتحلى بروح المسؤولية وبالتواضع، والاستعداد للاعتراف بالخطأ عند اقترافه، وتصحيحه. وتقدم الديمقراطية الغربية دروسا بليغة هنا وتضرب أمثلة للاقتداء بها، وإن كانت الساحة السياسية الغربية لا تخلو أحيانا من بعض الظواهر السلبية، في التعامل مع الخصوم السياسيين، ولكن المهم هو الخط العام، أو الممارسة المهيمنة عندهم. وكثيرا ما استقال وزير أو رئيس وزراء عندهم لخطا مهم ارتكبه، ويستقيل بمبادرة منه. كما أن هناك القانون الذي يعاقب التشهير الشخصي والقذف والإهانة وتلفيق القصص التي تسئ للسمعة. وهذا فضلا عن دور وسائل الإعلام في الرصد ومحاولة كشف الحقيقة وتمييزها عن الإشاعة والفرية.

أما العقليات السائدة في الساحة السياسية العربية وعند النقاد السياسيين عندنا، ومع استثناءات طبعا، فإنها، مع الأسف، تتصف بالتشدد والتحامل ومحاولة إلغاء الآخر بأية طريقة كانت ولو بتلفيق الروايات وترويج الاتهامات الباطلة لغرض التشهير والتحطيم. ومع الأنترنيت تزايدت ممارسات هذه العقليات، ونجد حتى مثقفين مسيسين، ممن يعيشون من لسنوات طويلة في قلب الغرب، لا يتورعون عن استخدام التشهير الشخصي وتلفيق الحكايات وتعمد الإساءة للغير، سواء للتنفيس عن عقد شخصية أو لتصفية حسابات سياسية وأيديولوجية. وكثيرا ما يجري استخدام تواقيع مستعارة وكأن هناك رقيبا في الغرب يحمل سيفا لقص رقبة الكاتب أو المعلق، ولكنها ممارسة تخفي غالبا ما يشين في سيرة ذلك الشخص نفسه والخوف من انكشاف حقيقته أمام القراء.

ولعل العقلية السياسية العراقية في هذا الشأن هي الأكثر فجاجة وعنفا ورداءة؛ فلغة التخوين والاتهامات الخطيرة وعادة الكذب الصريح رائجتان في بازار النقد السياسي العراقي. وسبق لي أن نشرت عدة مقالات بعنوان " بؤس السجال السياسي العراقي –العراقي".

إن مما يندر عند العرب أن يتراجع عن موقفه من يسئ لغيره بالاتهام الباطل، في الصحف أو الإذاعات أو الفضائيات، حتى ولو كذبه المساء إليه وصدمه بالدليل، فضلا عن أن يطلب منه الاعتذار علنا، مع أن هناك من الإساءات ما يرقى لدرجة القذف والتشهير اللذين يعاقب عليهما القانون، كما في الغرب. وأكثر من ذلك، ومن تجاربي شخصيا، يحدث أن المفتري يكرر افتراءه مرة بعد مرة وإن صدر التكذيب والتوضيح أمام الملأ، متظاهرا بأنه لم ير ولم يقرأ. وقد أوردت في بداية كتابي " شهادة لتاريخ" قصتي مع الناقدين الفنيين الشقيقين اللبنانيين فيكتور وسليم سحاب، رغم أن الموضوع قد يبدو بعيدا عن الحسابات السياسية. وأكرر لمن لم يطلع بعد على القصة أن إحدى دوريات اليونسكو التي تصدر عن إدارة المنظمة الثقافية الدولية، ولا علاقة لمندوبي الدول بها، نشرت في أحد أعدادها عام 1979 مقالا فنيا يرى أن الموسيقار محمد عبد الوهاب ينقل بعض ألحانه من موسيقى غيره. وبعد أيام قليلة نشرت صحيفة السفير أن منظمة اليونسكو اتخذت قرارا بمحاربة موسيقى عبد الوهاب!! وكنت عهد ذاك رئيسا للمجموعة العربية، والتهمة المذكورة تمس المندوبين أيضا، فطلب مني تكذيب الخبر، ففعلت. وذكرت في التكذيب أن اليونسكو لم تتخذ مثل هذا القرار وليس من حقها ذلك أصلا، فضلا عن أن القرارات يتخذها المؤتمر العام والمجلس التنفيذي، أي الدول وليس السكرتاريا العامة. وما أن نشر التكذيب حتى هب فيكتور سحاب في الصحف ليتهمني شخصيا بمحاربة موسيقى محمد عبد الوهاب محاباة مني للموسيقى العراقية على حساب الموسيقى المصرية!!! ويظهر أن المذكور سبق ودرس في موسكو؟ وفي ردي أوضحت أنني منذ صباي اعشق موسيقى عبد الوهاب، وأن التهمة باطلة، وأنه إن كان هناك نقد للموسيقار لكونه لبس ملابس المارشالية في المطار، فهذا نقد سياسي ولا علاقة له بتقدير موسيقى عبد الوهاب. ترى هل اعتذر الموما إليه؟ كلا، ثم كلا، بل ظل يردد نفس الأسطوانة، مرة في صحيفة الحياة، ومرة من إذاعة الشرق الأوسط الباريسية، وهكذا دواليك. واستمر العزف النشاز حتى عشية الانتفاضة المصرية، حين تلفن لي صحفي مصري صديق من القاهرة وقال إن إحدى الصحف القاهرية نشرت التهمة نفسها وبحذافيرها! وقد علقت في كتابي عن موقف الأخوين السحابيين :" فما أعظم أمانة الأخوين ونزاهتهما!"

هذا مثال " خفيف" وغير عراقي. أما الأمثلة العراقية عندي فكثيرة، ومن " العيار الثقيل" في بشاعة التهم ونيات التشهير.

وقبل إيراد بعض من هذا العيار الثقيل!!! أذكر للطرافة ما كتبه في مذكراته وزير قومي زمن طاهر يحي [ لعله عبد الكريم فرحان] كان في قصر النهاية حين كنت فيه [ ولكن في مكان آخر]عن أحوال المعتقل والتعامل معهم. كتب، فيما كتب، أن عزيز الحاج كان "مدللا" بدليل أنه شوهد بلا لحية بينما الآخرون كانوا بلا حلاقة، قاصدا أنهم كانوا محرومين من أدوات الحلاقة وأنني كنت مجهزا بها. ضحكت حين قرأت ذلك، [ربما نشرت المذكرات في أواخر أو أواسط التسعينات]، وقد كتبت [ في القدس العربي أو الزمان، لا أتذكر] تعليقا على بعض ما ورد في مذكراته، ومن ذلك قصة اللحية. وذكرت أنني، ولحسن الحظ، كالمرحوم أبي لا تنبت لي غير بضع شعيرات في الذقن حتى ولو لم أستعمل أدوات حلاقة شهورا. ولذا لم أكن أصلا بحاجة لأدوات حلاقة في المعتقل. وقصة اللحى تذكرني بقصيدة ابن الرومي في ذم صاحب لحية طويلة، فجعلها مرة كالمكنسة تمسح الأرض، ومرة " كمخلاة الحمير"-نعوذ بالله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو