الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والربيع العربي

محمود يوسف بكير

2012 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كيف يمكن تصور حال المجتمعات الأوربية اليوم لو حقق رجال الكنيسة عندهم ما حققه رجال الدين عندنا من إعاقة لحرية التفكير والاعتقاد وتأثيم الدعوة لفصل الدين عن السياسة واعتبار المرآة مواطن درجة ثانية والتقليل من شأن العلوم الإنسانية والطبيعة الحديثة حتى وصل الأمر إلى الادعاء بأن كلمة العلماء في القرآن الكريم تعني علماء الدين فقط ،بالإضافة إلى تأييدهم المستتر للاستبداد وغض الطرف عن فساد الحكام كما كان الحال في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها؟

واليكم بعض الأمثلة من تاريخنا القديم والحديث حيث يرى شيخ الإسلام بن تيمية بأن ستين عاماً مع حاكم مسلم ظالم أفضل من ليلة واحدة مع حاكم ضعيف ،وتبريره أن الأخير لن يتمكن من تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل حاسم وقوي أما الأول"المسلم الظالم " فإن بقدوره هذا ومن ثم فإن علينا أن نصبر على بلاء ظلمه وندعو له عسى أن يهديه الله ويكف عنه.

وقد نسي شيخ الإسلام أن الحاكم الظالم يجعل حياة الملايين جحيماً وأنه ليس هناك ما هو آمر من الظلم. وابن تيميه بهذا يوحي بأن الإسلام يمكن أن يتعايش في سلام مع الظلم والاستبداد ، وهذا نوع من الاستنطاع بالطبع لأنه لا يوجد دين عبر تاريخ الإنسان يبرر للظلم بأي حال .

أما آراء الإمام الغزالي في العلم فهي صادمة بحق حيث كان يرى أن لا حاجة للمسلمين للبحث والعلم لأن كل شيء يحدث بإرادة الله وليس وفقاً لتفسيرات النظريات العلمية . وهذا رأي غريب لان البحث العلمي لا ينبغي أن ينظر له على أنه ضد إرادة الله او منافس له.

ومن العصر الحديث قال الشيخ الشعراوي ما معناه أن المسلمين ليسوا بحاجة لإضاعة وقتهم وجهدهم في العلوم والاختراعات لأن الله سخر لنا علماء الغرب لاختراع كل شيء لنا!
وعلى سبيل المزاح فإن قول الشعراوي هذا يفكرني دائماً بموقف مضحك حدث معي منذ سنوات عديدة في منزلي بالقاهرة الذي يتعرض لمشاكل عديدة دائماً بسبب عدم إقامتنا به حيث سألت السباك الذي يشرفنا في كل زيارة لنا للقاهرة لمعالجة نفس المشكلة في الحمام، سألته عما إذا كان هناك شيء ما لمعالجة المشكلة بشكل دائم فأجابني بتلقائية وبساطة شديدة بأننا في انتظار أن يقوم الخواجة (يقصد السباك الغربي ) باختراع هذا الشيء لنا! والمعنى أننا أصبحنا مفلسين فكريا بانتظار الخواجة دائما.

وعودة إلى موضوعنا حيث مازال السواد الأعظم من فقهائنا يشغلون الناس بأمور بسيطة لا تقدم ولا تؤخر وكل يوم تقريباً نسمع عن فتاوى عجيبة ومتضاربة ،وهم يدعون دائماً أنهم أعلم البشر بمقاصد الله، والمسائل الدينية مناطق محظور الاقتراب منها ولا يصح لأي مسلم أن يجتهد في أي مسألة دينية أو أن يعمل عقله بل عليه أن يلجأ إلى العلماء في كل شيء بدءاً من كيفية غسل فرجه حتى كيفية أداء الصلاة إلى الله .

قبل عصر التنوير في أوربا كانت الكنيسة تلعب نفس الدور الظلامي والمسيطر والمراقب والمتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة العباد وكان لديهم أيضاً نسخة أوروبية من بن تيمية والغزالي والأشعري والشعراوي .

ولكن بعد صراع طويل وتضحيات انتصر الفكر المنطقي والتنويري وانتقلت أوربا من عقالها إلى الأمام ونحن مازلنا نعاني من ويلات الاستبداد والفساد في ظل وجود رجال دين ينشدون السلامة والنفوذ ولذلك تجدهم دائماَ في مربع الحاكم يمنحونه الشرعية ضد إرادة الشعوب الممتهنة والمظلومة والمطالبة دائماً بالصبر على البلاء والدعاء إلى الله .

ولأن الشعوب العربية متدينة بطبيعتها فإنها تجنح إلى العاطفة الجامحة لإن العقل لا يوافقها ومنطقه لا يفهمه إلا النخبة ولذلك نجد أن مآل ثورات الربيع العربي التي نجحت حتى الآن في الإطاحة برؤوس الاستبداد في بلادها تتجه طواعية إلى نوع من التسلط الديني آملة أن تحقق الحركات الدينية أحلامها في حياة أفضل بعد أن عانت كثيراً من ويلات الفقر والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية .

ونحن نعتقد أن هذه الحركات الدينية مثل حزب النهضة والأخوان المسلمين والسلفيون صادقون في نواياهم في تحسين أحوال شعوبهم ولكن المشكلة أن مشروعهم الفكري ونموذجهم التنموي يقوم على آليات لا تؤدي إلا إلى الاستبداد، فهم لا يؤمنون بالديمقراطية ويعتقدون أن مبدأ الشورى غير الملزمة أفضل منها بكثير وهم لا يؤمنون بالمساواة بين الرجل والمرآة ولا بمبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات ولا يقرون بحرية الفكر والاعتقاد.
والتاريخ شاهد على فشل نموذج الدولة الدينية كما حدث في افغانستان والسودان والباكستان وإيران والصومال وغيرها وشعوب هذه الدول عانت ولازالت من ويلات هذه التجارب التي فشلت لا لشئ إلا لإصرارها على تبني أفكار ما قبل عصر الحداثة.

إنه العقل الديني المتجمد الذي يقود دائماً إلى الانغلاق على الذات والتعصب وعدم قبول الآخر.
وبكلمات أخرى، فإن المشكلة ليست في الدين ذاته ولكن في العقل الذي يتعاطاه ويؤوله وينطقه بما شاء.

إن نموذج الدولة الدينية في أوروبا وفي الخلافة الإسلامية كان مسئولاً دائماً عن إعانة الحاكمً على الاستبداد أو الفساد أو كلاهما معاً ولم يسع اينما حل إلى تنوير الشعوب وإعانتها على المطالبة بحقوقها المسلوبة ولذلك فإن هناك حالة من الخوف والتوجس لدى البعض من التوجهات الحالية لبعض الأنظمة العربية التي هبت عليها نسمات الربيع العربي .

ولكن هناك بارقة أمل أن تتعلم الحركات الدينية الحديثة في عالمنا العربي من التاريخ وأن تتعظ من التجارب السابقة بحيث يبتعد الدين عن السياسة ويصبح سلطة أخلاقية مراقبة للدولة بشكل فاعل بما من شأنه منع الحاكم من التسلط على العباد باسم الدين وفق ما قال به الإمام محمد عبده في مصر منذ أكثر من قرن .

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السباك ضعيف الايمان
محمد البدري ( 2012 / 9 / 6 - 18:32 )
الفاضل العزيز أستاذ بكير، كيف طاوعك ايمانك باستقدام سباك ضعيف الايمان ولا يعرف كيف يحل مشكلات الصرف الصحي اسلاميا. اقوال الشعراوي هي مجرد اجتهاد لا آخذ به أنا لانه اجتهاد لن يثاب عليه الشيخ الشعراوي لتعامله مع الكفار الخواجات ويأخذ منهم ما بني عندهم علي كفر وفسوق. الخلاء الخلاء يا استاذ بكيرهو الحل انه الحل الاسلامي طبقا للسنة المطهرة. كيف تكون السنة الصححية بين ايدينا ونضل الطريق الم تسمع عمن ضل سعيعهم ودخلوا الحمامات بينما الخلاء في فسحة للجميع وفبه ايضا فوائد اقتصادية حيث لا سباكة ولا سباكين. اضافة لتوفير مياه الاستنجاء للوضوء. ثم انه يمكنك قضاء الحاجة في الخلاء جماعة ولها ثواب الجماعة بدلا من تقضيها في الحمام وحدك. الم تسمع عن فضل الجماعة في الصلاة والتي يمكن القياس عليها ايضا في قضاء الحاجة . استغفر الله علي ما تقترفه في حقك وحق السنة المطهرة في كل زيارة لبلدك التي ارجو ان تطبق الشريعة بعد وصول الاخوان المسلمين الي الحكم فيها بقتل كل السباكين وتحطيم كل الحمامات وجعل القاهرة خلاءا لقضاء الحاجة. . اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد.


2 - حُجة زاهية
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 7 - 01:28 )
تتحججون بقوز الاسلاميين ولا تمتلكون وسائل الوصول الى الجماهير
وترجعون تندبون الحظ
هذا هو العجز بعينه


3 - قال شيخ الأسلام
.مريم رمضان ( 2012 / 9 / 7 - 03:15 )
حيث يرى شيخ الإسلام بن تيمية بأن ستين عاماً مع حاكم مسلم ظالم أفضل من ليلة واحدة مع حاكم ضعيف ،وتبريره أن الأخير لن يتمكن من تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل حاسم وقوي - .

هذا بإعتراف شيخ من أشهر مشايخ الإسلام أن الشريعه الإسلاميه طاغيه وإستبداد و ظلم لا تتناسب مع الإنسانيه ولا الأخلاقيه.


4 - الاسلام غير قابل لنزع السلطة منه
بشارة خليل قـ ( 2012 / 9 / 7 - 06:38 )
لانه ايديولوجية سلطوية يسمونها دين ودولة ولا حل الا بالقضاء على الاسلام وتحرر الشعوب من اغلاله.هذا الامر قائم على قدم وساق فمهلكة الاسلام عرض محتواه وانتشار المعلومات عن مخازيه وكشف القناع عن وجهه البشع الدموي..يساهم في هذا كل من اتباعه واعدائه الاخذين في الازدياد
تحياتي


5 - عبدة الاوثان افضل من افضل امة اخرجت للناس
حكيم العارف ( 2012 / 9 / 7 - 07:09 )
قول حكيم عند اليابانيين : (الموحدين ببوذا)
اذاكان يوجد احد يستطيع عمل ذلك الشئ .. انا ايضا استطيع
واذاكان لايوجد احد يستطيع عمل ذلك الشئ ... فلابد انى استطيع ..



قول العرب كان كالتالى :
والله اذاكان يوجد احد يستطيع عمل ذلك الشئ .. اتركه يفعله
واذاكان لايوجد احد يستطيع عمل ذلك الشئ ياحبيبى ... فكيف افعله انا..


6 - !!!
عبد الله خلف ( 2012 / 9 / 7 - 17:59 )
الحمد لله أنه ولى أمر المسلمين ليس من هؤلاء الملحدين .
نرى هنا التهجم على الدين الإسلامي الخالد -بإذن الله- و هؤلاء الذين يسبون الدين هم من المسيحيين المجرمين , هؤلاء المسيحيين لا يتطيعون أن يردوا على اليهوديّه التي تقول -أن يسوع ابن زنا- , و لم يستطيعوا أن يقاتلوا اليهود الذين قتلوا نبيهم (يسوع) كما يزعمون .
بالنسبه للكاتب المسيحي , فالرسول -صلى الله عليه و سلم- الذي تنتقده يؤمن برسالته مليار و نصف المليار .
هذا الدين أذبت أنه مبتغى الشعوب الإسلاميه , فقد نجح أهله بصناديق الاقتراع الانتخابيه في كلا من :
1- مصر
2- ليبيا
3- اليمن
4- تونس
5- الجزائر
6- المغرب
7- تركيا
سؤال : لماذا الملحدين و العلمانيين و الليبراليين لم يفوزوا بصناديق الاقتراع , و لماذا رفضتهم الشعوب؟؟
طبعاً الشعوب لم ترفض الا ما بني على باطل , و في الأخير , قال تعالى : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (8) هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون(9) }

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح