الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوقفوا هذه التجاوزات الخطيرة

جواد وادي

2012 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يوما بعد آخر يتبين لنا وبالأدلة القاطعة أن أجهزتنا الأمنية وكل من يسيرها ويصدر الأوامر لها، تعيش في أرض ليست بالعراقية وتتعامل مع الأحداث اليومية بطريقة كارثية ستقود حتما إلى نتائج لا تحمد عقباها، وكأن كل ما حدث من (تغيير) وصل إلى أقصى نقطة كونية، لم يبلغها وهجها المستعر، أو بلغت من الوقر حالة ميؤس منها، فزوال السلطة البعثية الغاشمة وحلول نظام بديل يدعي تطبيق (الديمقراطية) ليحل محل النظام الإستدادي الشمولي وما نتج عنه من (تغييرات) في بنية الحكم العراقي، الأمر الذي يستوجب أن يزحف (التغيير الجديد) لكل مفاصل المؤسسة الأمنية بكل (هيلمتها) وجعجعتها المكرسة ضد الأبرياء وليس ضد ماكنة القتل الإرهابي اليومي الأرعن. كل هذه المتغييرات وأجهزة الأمن لم تتلق ولو درسا واحدا فاطنا في كيفية إحترام الحريات العامة والحفاظ على أمن وسلامة الناس والدفاع عن كرامة المواطن بكل جزئياتها لنتيقن بأنها فعلا قد لامست (التغيير) وبأن المواطن حقا يعيش عهدا جديدا يتنفس فيه نسيم الحرية التي عانى من مصادرتها طيلة سنوات الحكم الفاشي، لكن الألم والغصة ظلتا متلازمتين له في حله وترحاله وهو يضرب بكفيه حسرة على أن (التغيير) لم يحصل حتى في حدوده الدنيا، وأن التجاوزات عليه ما لبثت تراوح في ذات النهج الصدامي وبطرق قد تختلف شكلا، ولكنها في العمق في ذات البشاعة والسادية، دونما إعتبار للرأي العام الذي يفترض أن نظام الحكم الجديد يحسب له بدقة، حفاظا على سمعة السلطة داخليا وخارجيا.

لكن وللأسف الشديد أن كل من يتسيد سدة القرار السياسي والأمني، لم يستفد من دروس وعبر الماضي، وعدم وعيهم بأن القمع مهما بلغت مدياته وساديته تحت أي مسمى، سيؤدي بمنفذيه وعرابيه حتما إلى الهلاك وستنسحب النتائج مهما بلغ بهم الوقت، عليهم هم أنفسهم، وهم سيكونون السباقين لتلقي صفعات الكارثة وهزات الزلزال، فهل هم في غفلة عن ذلك، إن كانوا حقا وكما يدعون ضحايا نظام البعث المنهار؟

تتسابق الأحداث وتستمر التجاوزات بشكل يومي ومخيف، فمن المداهمات المستمرة للأماكن الامنة في الأندية ومحلات التواجد الإجتماعي السلمي، إلى الإعتداء على المنتديات الثقافية والإجتماعية، مرورا بإغلاق محلات بيع الخمور والتي أعدها أنا شخصيا، أنبل من مواخير الفساد التي يرتادها بعضهم دونما رقيب أو محاسبة، والممارسات الدونية التي يندى لها جبين من يتهمونهم بمقارعة الخمر. دون أن ننسى التجاوزات الخطيرة على الإعلاميين والصحفيين وأصحاب الأقلام الحرة،

وصولا لنصف المسيرة الحاقدة، ولم نصل بعد لنهاية المطاف، بالإعتداء الأخير السافر والمخزي على بسطيات بائعي الكتب في شارع المتنبي، الذي سيبقى منارة معرفة ووهج دائم مهما تعاظم حقد خفافيش الظلام والجهل والتخلف، لأنه ببساطة يمثل ضمير ووجدان المثقف العراقي المقهور، فهؤلاء الباعة الرائعون، لم ( يسمسرو) بثروات الوطن، ولم يسرقوا المال العام، ولم يوزعوا المناصب والوظائف على الخاملين والمنبوذين ومزوري الشهادات، ولم يسرقوا نفط العراق وآثاره وخيراته وبيعها بأبخس الأثمان، غير معتبرين لإفقار الملايين وبقاء العراق في ذات الدائرة المخيفة من التخلف والإهمال والفقر، وهؤلاء المسحوقين، ليسوا من مزوري الإنسان وخداعه، ليعود من اللطامة والمرائين من سماسرة الدين والمذهب والقومية، بدعوى الحفاظ على المقدسات رياء ونفاقا، وحاشى للدين والمذهب أن ينزلا لهذا الدرك، وهم كذلك ليسوا ممن جعلوا العراق رهينة للأطماع الأجنبية بأجندات خاسئة، لتجعل من العراق تابعا ذليلا لتلك الدول ومنقوص السيادة والكرامة، وهم ليسوا كذا وكذا مثلما يفعل فرسان النهب والخراب وما أكثر ملفاتهم الرثة.

وقبل كل شئ هم ليسوا من مهربي قتلة العراقيين من الإرهابيين وسفاكي الدماء العراقية البريئة، وليسوا أيضا من مروجي الفساد ومطلقي يد مليشيات القتل والخراب، وليسوا من المتهاونين في الحفاظ على أرواح الناس، بتمرير العجلات المفخخة والعبوات الناسفة ونشر فرسان كاتمي الصوت وتمرير وتسهيل ماكنة القتل لأن تطال الأجساد العراقية الطاهرة، وليسوا من مروجي المخدرات والأقراص المهلوسة لتكون بديلا عن الخمر الذي يتجنون عليه ويمنعونه ظلما وكذبا، لتخلوا لهم التجارة الرائجة، ولا نريد أن نسترسل أكثر في ملفات أخطر وأدهى... إنطلاقا من القول الرائع (رحم الله إمرءا عرف قدر نفسه)، وما أبلغ المثل القائل (إن كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بحجر)

هؤلاء الكسبة هم مروجو الثقافة والفكر والأدب السامي، ليزرعوا حب الوطن ويرسخوا مبدأ الإنتماء الحقيقي للعراق، هؤلاء رسل محبة وسلام ونقاء ووعي إنساني لا يباع ولا يشترى، كغيرهم ممن يراهن بكرامته لقاء حفنة من المال المندوف بالعار، فهل من المعقول أن تترك الأجهزة الأمنية (المحروسة بسور سليمان)، المخربين في طول البلاد وعرضها يشيعون الفساد والفوضى، (وعلى عينك يا تاجر)، وتتجه لمحاربة بناة الإنسان الحقيقي والمتطلع لغرس قيم المحبة والأخاء والتسامح والتساكن الإنساني البهى.

كيف تسنى لهم وبهذه الوقاحة قلب الحقائق والمعايير والقيم، أليسوا هم بوعي أو دونه، من يكشف المستور عنهم ليتعروا أمام الملأ بقصد أو دونه، وقد اعمتهم السلطة وأبقتهم مسلوبي التفكير والقيم الإنسانية النبيلة؟ بعيدين عن الإحساس الحقيقي بإنتمائهم للعراق العظيم الذي سيكنسهم كما كنس الذين من قبلهم ودونما سابق إنذار، بعد أن وصل السيل الزبى من إمتهان لكرامة الناس وتغييبهم قهرا والتدخل حتى في مصدر قوتهم. إنهم إن استمروا بغيهم في مصادرة الحريات، سيجدون أنفسهم خارج دائرة الإنتماء للأرض العراقية الولودة دائما بالبهاء والألق النيروطرد الطارئين، متمثلين بمن سكن من قبلهم الجحور والأنفاق المظلمة وهم في حالة من الخزي ما بعده خزي.

لم يبق لنا إلا أن ننصح هؤلاء أن يثوبوا لرشدهم أيا كانوا، سياسيين أم قوى أمن أو أية جهة لها اليد الطولى في إدارة دفة الحكم وتسيير السلطة، نقول لهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي أهاليهم وفي الناس جميعا قبل أن تدور عجلة التغيير لتأخذ منحى خطيرا، ويبدو لنا أنها ستبدأ التحرك قريبا إن استمرت مثل هذه الأفعال المشينة، لأن الأمتيازات والكراسي والجاه والسطوة والسلطة وغيرها، كلها الى زوال ولم يبق من آدمية الناس إلا العمل الصالح والذكرى الطيبة والأيادي البيضاء.

وليكن لهم في مثال سدنة الحكم الصدامي الفاسد بكل فضاعاته، الذين ذهبوا خاسئين لمزبلة التأريخ، خير مثال، وليحتكموا للعقل والمنطق والضمير، يوم لا ينفع لا جاه ولا مال ولا سلطة.

فلترفعوا سياطكم الذليلة عن العراقيين الآباة إن كنتم لا زلتم تحتكمون على القليل من التعقل والحكمة وصحوة ضمير وإنتماء لهذه التربة المقدسة. ولترتبوا بيتكم الأمني الهش لتطول زمر الإرهاب لا أن تستأسدوا على ضحاياه من العراقيين الشرفاء.

أقول قولي هذا وقد أرحت وأسترحت

وقد أعذر من أنذر

* كاتب وشاعر عراقي مقيم في المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل يفعل الجاهل بنفسه كالعدو ام ان هذا معدنهم الردي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2012 / 9 / 18 - 19:37 )
تحيه استاذ جواد
هل من عدو يستطيع الاساءة لحكومة العراق وخصوصا لمن اعتبرناه اخا لنا وشبيها بالزعيم عبد الكريم-كما هم يفعلون بانفسهم وقد بداءها علي الاديب ببناء الجوامع في الجامعات في حين كنا -وفي جميع العهود نصيح باعلى اصواتنا حينما يشط البعض عن منهج العلم الصحيح -هاي جامعه مو جامع
ثم بليلة كشره هجموا على النوادي الليلية التي يحقق العراقيون شيئا من كينونتهم الانسانية فيها محتسين ما اكتشفه -ولم يخترعه-انساننا العراقي وهو يلاحظ البلبل الغريد صباحا بعد ان يكون قد نقر نقرة او نقرتين لتفاحة كاملة النضوج او عنبة محمرة بفعل القدم والندا
هؤلاء الاوباش الذين لايعلمون ان الخمرة والتقاء الناس هو مملكة الحرية وكلما قلت او انتفت الخمرة من مائدة الناس وقلت لقاءاتهم كلما تحولوا الى اوباش
الا يرى حكامنا الاوباش الوهابيين ولماذا اصبحوا اوباشا هل يريدون العراقيين ان يتحولوا كما حول ال سعود اهل نجد والحجاز الى اوباش
خسئوا انهم فاشلون لاريب في ذالك

اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف