الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة في البرية*

محمد علي الشبيبي

2012 / 9 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي



قبل أيام اتصلت تلفونيا بالبروف. عبد الاله الصائغ، وهالتني نبرة صوته وأحسست بما يعانيه من ألم وقهر وعجز ويأس بسبب المرض والتقدم في السن! لم يسبق لي في أحاديثي معه أن اسمعه بهذه الدرجة من الحزن واليأس والألم، لم أسمع من قبل الصائغ بهذه النبرة الحزينة اليائسة المتشائمة. نعم لقد شكا لي عدة مرات ما يعانيه من آلام الفقرات. وقد سبق أن أجرى لها العملية الاولى وقد تكفل باجورها رئيس الوزراء السابق دكتور ابراهيم الجعفري وترك الصائغ دون العملية الثانية يكابد العوق والألم فهو بحاجة للعملية الأخرى، أو ان يستسلم للمرض والجلوس على الكرسي المتحرك والأوجاع . أحسست بالألم للحال الذي وصل إليه العراق وأبناؤه البررة! أن يعاني أساتذتنا ومن قدموا للعراق ما يجود به علمهم وفكرهم وخبرتهم بعيدا عن الانانية والتحزب الأعمى، بينما يهملون اليوم ليكابدوا بسبب المرض أو الوضع المادي والعجز للاستجابة لمتطلبات الحياة الضرورية!.
كتابات ونتاجات الصائغ غنية عن التعريف، ولكن هل سأل المسؤولون في الحكومة العراقية أو في وزارة الثقافة أو في التعليم العالي أين أستقر الزمن بهؤلاء العلماء الذين قدموا للعراق جل خدماتهم من خلال التعليم الجامعي، أو الإشراف على دراسات الماجستير والدكتوراه، أو من خلال البحوث والدراسات الاكاديمية؟ والبروف عبد الاله الصائغ واحد من هؤلاء الأعلام، فقبل أن يكون كاتبا وأديبا، فهو عالم متبحر في مجاله، قدم دراسات علمية جليلة واسهم في مؤتمرات عالمية . إضافة الى مواقفه الوطنية المشرفة التي لا تقبل المهادنة والنفاق. والسؤال الذي أطرحه أين مسؤولونا من هذه القامة العلمية؟
لا يعقل أن الرجل بكل امكانياته العلمية يعمل (كمستخدم محلي بتعاقد) في الدائرة الثقافية العراقية في أمريكا، ولا يشمله الضمان الصحي كونه مستخدما متعاقدا من بلاد اللجوء ... بينما نرى أصحاب الشهادات المزورة وخريجي المدارس الابتدائية والثانوية وغيرهم من الطارئين والطفيليين على الوضع السياسي يتمتعون بالحصانة، وبالجوازات الدبلوماسية، وبالحماية وبالحقوق التقاعدية المليونية حتى وان كانت خدمتهم لا تتجاوز السنتين (مثال ذلك المشهداني)!؟ لا بل أن المستخدم المتعاقد القادم من داخل العراق (الحارس أو المنظف أو الفراش) يشمله الضمان الصحي!؟
بعد تلفوني المذكور مع الاستاذ الصائغ واستماعي لنبرته الحزينة اليائسة، فكرت في الكتابة لا بل حاولت ولكن لم أكن موفقا في الكتابة لأن الغضب كان واضحا فيما أكتب ولم أشأ أن ينعكس غضبي على كتابتي ودعوتي السلطات الحكومية للوقوف الى جانب هذه القامة العراقية. فجاءت مقالة أ. د. جعفر عبد المهدي صاحب عن البروف . د. الصائغ، وهي مقالة بعيدة عن الانفعال وموضوعية ونابعة من حب وحرص على شخصياتنا العلمية، وتدلل على الاعتزاز بها.
وشجعني على الكتابة ما قرأته من خبر قبل أيام وصلني عبر البريد الالكتروني، والخبر نشر على صفحات المواقع الالكترونية وقد جاء فيه: (أن مكتب وكيل الوزارة فوزي الاتروشي رفع إلى وزير الثقافة توصية بمنح الأدباء الذين يمرون بظرف صحي حرج مكافأة مالية كإجراء أولي، ومفاتحة الأمانة العامة لمجلس الوزراء للتكفل بتطبيبهم بشكل عاجل داخل البلاد، أو إيفادهم إلى خارج العراق للعلاج.
وأضاف المصدر أن التوصية تضمنت أيضا مقترحا بإحياء مشروع صندوق التنمية الثقافية، والسعي للتوصل إلى صيغة قانونية نهائية لإقراره.
يذكر أن جريدة "طريق الشعب" نشرت في عددها الصادر يوم 7 آب 2012 تقريرا موسعا تحت عنوان "أدباؤنا في ذمة العراق" ألقت فيه أضواء على الحالة الصحية الصعبة لـ 14 من أدبائنا المعروفين، ودعت الجهات المعنية في الحكومة إلى القيام بواجبها تجاههم وإعانتهم على مواجهة المشكلات الصحية وغير الصحية، التي يرزحون تحت وطأتها.
والأدباء المذكورون هم كل من: مظفر النواب، زهير أحمد القيسي، فهد الاسدي، جاسم المطير، حميد المطبعي، منير عبد الأمير، جميل الجبوري، محمد علي الخفاجي، جبار سهم السوداني، سلمان الجبوري، آمال الزهاوي، صبري الزبيدي، حسين عبد اللطيف، غني العمار)
ان هذا المقترح قدم على أثر تقرير موسع عن حالة الادباء لصحيفة طريق الشعب بتأريخ 7 آب بعنوان (ادباؤنا في ذمة العراق) تحدث التقرير عن حالة بعض الادباء الصحية وحاجتهم للرعاية الصحية الجادة، وقد شخصت بعض الاسماء من الأدباء! وكان الأجدر بتقرير الصحيفة ان لا يذكر الاسماء كما وردت وكأن في العراق فقط هؤلاء (14) الادباء المرضى الذين بحاجة للرعاية الصحية، فيكون التقرير قد أساء لآخرين لم يذكروا كالبروف. د. عبد الاله الصائغ وربما هناك غيره.
وقد يتصور البعض أن كل المقيمين في الغرب يتمتعون بالضمان الصحي، فهم ليسوا بحاجة لرعاية صحية من وطنهم الام!؟ ربما هذا الاعتقاد صحيح في الدول الاوربية ولا أريد الجزم بذلك، ولكن أجزم في حالة البروف. عبد الاله الصائغ فإن الرياح تعاكس سفينته فهو كما ذكرت لا يتمتع بالضمان الصحي بسبب تعاقده كمستخدم محلي في وزارة التعليم العالي ، بينما الحارس والمنظف الذي تعاقد مع وزارة الخارجية أو غيرها من مؤسسات الدولة وقدم من العراق تغطي الحكومة العراقية مصاريف ضمانه الصحي!؟ أليس هذه مفارقة تدلل كم تقدر حكومتنا العلماء وأصحاب الشهادات الجادة وكم تهتم بعلمائها!؟ وربما يتساءل البعض ألا يشمله الضمان الصحي كونه مقيما؟ الجواب باختصار لا وبشكل مؤكد لأسباب وظروف لا مجال لشرحها!
أوجه ندائي هذا الى السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي لما له من مواقف مشهودة بالاهتمام بالثقافة والادباء، وتوصيته الاخيرة بخصوص علاج الادباء دليل آخر على ذلك، وأرى وهذا ضروري أن تكون القائمة التي قدمها مفتوحة لتشمل جميع كبار الادباء الذين يعانون من عجز في العلاج الصحي، والبروف. د. عبد الاله الصائغ أحد هؤلاء الادباء والأساتذة الذين خرجوا مئات الدكاترة من اصحاب الشهادات الحقيقية.
كما أوجه نفس النداء للسيد وزير التعليم العالي وهو على علم بحالة استاذنا الصائغ ووعد خيرا وربما انشغالات السيد الوزير حالت دون الاهتمام بموضوع الصائغ. أقول للسيد الوزير ألا يستحق أستاذ جامعي كرس خدمته العلمية للجامعات العراقية والعربية ايضا ويعمل -أقولها بخجل وألم- كمستخدم في السفارة العراقية دائرة الملحقية الثقافية ولا يشمله الضمان الصحي الذي يغطي أبسط المستخدمين في السفارة لأن عقودهم من داخل العراق!؟ لا أعتقد أن السيد الوزير يرضى بذلك! والحل سيكون بيده! لا أريد أن اكتب أكثر من ذلك ونحن ننتظر المبادرة قبل ان يقع المحظور ونخسر احد رواد الثقافة من الذين افنوا العمر بين العلم والوطن .

محمد علي الشبيبي
السويد ‏20‏/09‏/2012
[email protected]


*- العنوان أستعرته من رسالة وجهها البروف. د. عبد الاله الصائغ لي ولبعض أصدقائه تعليقا على نداء أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل