الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاتيح السعادة الثلاث

خالص جلبي

2005 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في الفترة الطويلة التي قضيتها في ألمانيا أثناء رحلة التخصص طالعني دوماً أمران استعصيا على الانسجام والتفسير ولم يحل ذلك اللغز لي الا آية من سورة النحل ووفرت لي دراسات علم النفس الانساني أدوات معرفية لتشريح الآية .
كان الاحظ المجتمع الألماني يسبح في بحبوحة من رغد العيش والضمانات والأمن الاجتماعي ، مع هذا فالانسان الألماني لاتطل من قسماته مظاهر السعادة تظهر حدتها بشكل خاص يوم الأحد بعد الظهر في منظر كئيب لاستقبال العمل يوم الاثنين في لغز يستعصي على الحل .
هذا الكلام لايعني أن مجتمعنا يشع بالسعادة والعافية بل هو أقرب الى استلاب الأمرين فلاضمانات ولاسعادة ورغد العيش يشكل استثناءً في جزر طافية على بحيرات بترولية لاترجع رفاهيتها الى العمل وبذل الجهد وعرق الجبين والابداع المعرفي بقدر الصدفة الجيولوجية البحتة تدين بوافير عيشها لحضارة نشطة في بعد المشرقين تعمل أجهزتها في الغرب وشاءت الصدف أن يتدفق جزء ليس بالقليل من دمها من منابع الشرق فيما يشبه كائن اسطوري جسمه في مكان ودمه في مكان آخر
كانت الآية القرآنية تعلمني مثل القرية التي ضرب الله فيها المثل آمنةً مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . أردت أن أنزل الى تشريح الآية بواسطة أدوات معرفية جديدة بتسخير علوم معرفية حديثة من علم النفس والمجتمع .
لايمكن فتح جمجمة بأدوات فرعونية ولايمكن الدخول الى عظيم أسرار الآيات بدون الاستعانة بمجموعة من الأدوات المعرفية الحديثة ، وسنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنهم الحق ، فيزداد التماع الحق بالتقدم في حقول النفس والطبيعة والتاريخ سيد قطب وابن كثير والقاسمي ثلاث مفسرون ينتسبون لفترات تاريخية مختلفة وهذا ماجعل إضاءة معاني القرآن لكل منهم يأتي حسب إحداثيات العصر ومشاكله ابن كثير توسع في قصة هاروت وماروت ومشاكل السحر كحاجات ملحة مسيطرة في عصره ولو بعث في عصرنا لبحث مشاكل من نوع مختلف ، وتناول قطب ميكانيكا الكم بدون ذكر اسمها في فكرة مفاتيح الغيب من سورة الأنعام كما توقف لصفحات طويلة عند كلمة اجعلني على خزائن الأرض ليوسف لتوسيع مفهوم الحاكمية ، ولو رجع قطب الف سنة الى الخلف لبحث اموراً تهم ذلك العصر . وتعرض لقاسمي لفكرة السياحة عند المرأة والرجل كما أن رشيد رضا توسع في تفسيره المنار في بحث المشاكل الاجتماعية والسياسية .
في ألمانيا لم أر الجوع وينام الانسان آمناً في سربه عنده قوت أكثر من يومه لايخشى الأجهزة الأمنية في ضمانات شتى ضد المرض والشيخوخة والبطالة وحوادث العمل وحتى ضمانات مابعد الموت لعائلته كي تعيش بكرامة ونعمة فلاتتكفف الناس . مع هذا كانت الوجوه في المانيا كالحة قاسية تشتد كآبتها مع ظهر يوم الأحد وتشرق الوجوه مع جرعة الخمر ظهر يوم الجمعة في استقبال عطلة نهاية الاسبوع .
واذا كان الرزق وفيرا في الغرب مع الامن على النفس فإن العالم العربي يعيش خارج عالم الضمانات ، كما رآه المفكر ملك بن نبي عندما توقف الاشعاع الحضاري في حدود امتداده الجغرافي ، فمعظمه لايتمتع بالضمانات لأي انسان في أي زمان أو مكان في تدمير كامل ساحق للبنى النفسية والاجتماعية لمجتمع مازال يعس في ليل التاريخ فلم يتنفس الصبح عنده بعد .
ابراهام ماسلو من مدرسة علم النفس الانساني رسم هرماً جميلاً للحاجيات الانسانية يقوم على قاعدة عريضة من حاجات فيزيولوجية خمسة من الطعام والشراب والملبس والمسكن والجنس ، وتقوم فوقها أربع طوابق تبدأ من الطابق الثاني بالأمن الاجتماعي ليأتي فوقها تقدير الذات والانتماء ويحلق على قمة الهرم أنف صغير من ( الحاجة لتحقيق الذات ) .
تحقيق الحاجات الفيزيولوجية التي أشار اليها القرآن ان لك ان الاتجوع فيها ولاتعرى وأنك لاتظمأ فيها ولاتضحى ( تبقى بدون مسكن ) لاتهب الانسان كل السعادة بدون إضافة (آمنهم ) من خوف بعد أن أطعمهم من جوع ، مع هذا فآية سورة النحل أضاءت الموضوع بشكل متفرد عندما وضعت ثلاث صفات لأهل القرية ( الأمان والرزق والطمأنينة ) الكلمة الأخيرة مفتاحية حلت لي إشكالية فهم مفاتيح السعادة الثلاث فابراهيم عليه السلام وصل الى طمأنينة القلب عندما رأى إحياء الموتى وحواريو عيسى عليه السلام أطمأنت قلوبهم بتنزيل المائدة والمؤمنون تطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب .
لابد من الرزق ولكن بدون أمن اجتماعي لن يهنأ لفرد شراب أو يستسيغ طعام أو يتمتع بزواج وعشرة ؛ فالاستبداد يستل نور الحياة ويقتل كل بهجة . وفوق هذه القاعدة العريضة والمتينة من ( أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ينبت شعور فردي جديد من تحقيق الذات فيشع بالطمانينة الروحية فتكسي الوجوه فتعلوها نضرة خاصة . هذا ماينقص المجتمع الغربي الذي قطع شوطاً واسعاً من تحقيق الرفاهية والديموقراطية ونقل السلطة السلمي وأمن الناس على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم . أما في مجتمعاتنا فنحن خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا الى اشعار آخر نعيش على افكار ميتة وأخرى قاتلة نعيش كي لانعيش .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك