الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر- كشف الحساب أم رأس النائب العام؟

عمر أبو رصاع

2012 / 10 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قضاة المحكمة التي برأت قتلة الثوار إنما حكموا بناء على ما دفع به النائب العام لهم من أدلة في القضية، بمعنى أن المشكلة ليست في القضاة؛ فالقاضي يحكم بناء على ما يقدمه له الادعاء العام والدفاع، المشكلة إذن هي في النائب العام الذي اعد قضاياه بطريقة لا تدع للقاضي مجالاً إلا أن يحكم بالبراءة، وهنا قد يكون "النائب العام متواطئ وعمل عن عمد على أن تقدم القضايا على هذا الشكل لتمكين القتلة من الافلات من العقوبة" وفق تعليق عبود الزمر أحد قادة الجماعة الاسلامية، الذي أضاف "هو نفس النائب العام الذي قدم قضايا أفضت إلى إعدام أكثر من مئة من اخواني فهل استطاع هناك أن يحكم الادلة ويقدم قضايا متماسكة وفشل هنا أم تعمد الفشل؟"
مرسي كرئيس للجمهورية لا يملك صلاحية اقالة النائب العام أو اقصائه من منصبه، كما لا يجوز عزله حتى ينهي مدته القانونية، فيحق للرئيس عندها أن يعين النائب العام الجديد، حسب النظام المصري الذي يقوم هنا على اعتبار الادعاء العام جزء من الجهاز القضائي والسلطة القضائية، وبالتالي فهو غير تابع لوزير العدل والجهاز التنفيذي للدولة، وذلك على نقيض الولايات المتحدة مثلاً حيث وزير العدل هو نفسه رأس الادعاء العام، إلا أن الولايات المتحدة انشأت بموازاة ذلك هيئة مستقلة للادعاء العام تابعة للكونجرس ومتخصصة بقضايا كبار المسؤولين في الدولة.
اعتبار جهاز النيابة العامة أو الادعاء العام جزء من القضاء أولى بطبيعة الحال وأصح فيما أرى، مع ضرورة أن تكون مرجعية اختيار النائب العام هي مجلس النواب لا رئيس الجمهورية، أو في أقل تقدير كليهما معاً، وسبب المشكلة الآن في مصر مردها أن الرئيس الاسبق هو تماماً من أختار النائب العام الحالي، اضافة لأنه لا توجد أي آلية قضائية واضحة وفعالة لمحاسبة النائب العام إذا ما انحرف أو خالف القانون، صحيح أنه حتى يتمتع بالاستقلالية والحصانة لا بد أن لا يكون عزله بيد السلطة التشريعية أو التنفيذية، لكن أيضاً لا بد من وجود آلية فعالة لمحاسبته داخل الجسم القضائي نفسه.
في حال استمرار غياب الدستور الجديد ومجلس الشعب المنتخب، يبدو أن مصر تعاني فعلاً أزمة لا تكون حلولها أبداً على طريقة مرسي وحزب العدالة وجماعة الاخوان، بل لا بد من تكريس الجهود للخروج بالدستور أولاً فهو مفتاح الولوج الفعلي إلى اعادة بناء الدولة واطلاق الجمهورية الثانية بالطرق الشرعية، لقد كان محمد البرادعي هنا محقاً عندما رفض الترشح للرئاسة واطلق عبارته "الدستور أولاً"، فما نراه من أحداث في مصر يبدو صراعاً على السلطة وعلى الدولة كلها، بين الاخوان الذين يستعجلون السيطرة على كل مفاصل الدولة والقرار وانتاج جمهوريتهم، وبين بقايا الجمهورية الأولى التي لازالت ترفض التسليم، فيما تنهض وتتطور قوة ثالثة ترى أنها هي صاحبة الثورة ابتداء، وهي ترفض أن يستولي الاخوان على الانجاز وأن ينفردوا في صياغة الجمهورية الثانية، وتصر على اعتماد آلية التوافق الوطني لانتاج الدستور ومن ثم اعادة تشكيل السلطات الثلاثة بناء عليه.
عود إلى طريقة مرسي وحزبه وجماعته في التعامل مع تفاصيل الحدث، إذ اخطأ الرئيس عندما توجه لابعاد النائب العام فذلك لا يقع في دائرة صلاحياته، مما اضطره للتراجع أو في أقل تقدير الاعلان بأن هذا كان من قبل مستشاريه وليس من قبل الرئيس، ثم جاءت تصريحات خطيرة من بعض قيادات جماعة الاخوان تدافع عن ذلك كتغريدة العريان: "أهمس لعبد المجيد محمود الخيار اﻷفضل لك هو قبول المنصب بكرامة، فكر جيدا فالخيارات اﻷخري صعبة"، فهل الصعوبة مثلاً مكمنها توجيه المتظاهرين لاقتحام مكتبه واقتلاعه من منصبه بالقوة كما فعل عبد الناصر بالسنهوري من قبل؟!
تلميح غير مريح وفي غير محله من حيث المبدأ، وينطوي على جرأة غير محمودة على البنية الدستورية والقانونية والمؤسسية عامة للدولة وبطرق غير شرعية؛ لأن هذه الجرأة إنما تُطلب بالتوافق الوطني لتحديد بنية الدولة الجديدة أولاً وقطعاً ليس بدون ذلك التوافق، حيث أن الفعل دونه يتحول إلى وسيلة لصناعة نظام مستبد جديد يسارع لاستئصال خصومه والاستفراد في الدولة وبنيتها ومفاصل القرار فيها، أقول هذا بغض النظر عن الموقف من النائب العام.
ثم لماذا اختيار هذه الجمعة بالذات للتظاهر ضد النائب العام؟ علماً بأن عشرات القوى الثورية والحزبية كانت قد اعلنت ومنذ اسبوعين عن تنظيمها لتظاهرة في هذا التاريخ تحت عنوان "جمعة كشف الحساب"، بعد انقضاء مهلة المئة يوم التي قدم الرئيس مرسي وعوداً تعهد بتحقيقها خلالها، وبدا واضحاً ان ما تمكن من تحقيقه حتى حينه أقل كثيراً مما وعد به، فهل سارع الاخوان للاعلان عن التظاهر هذه الجمعة كما لمح البعض لتحويلها من جمعة ضد مرسي إلى جمعة ضد النائب العام؟ وهكذا جعلوا من دماء الثوار قميص عثمان المرفوع في وجه الثوار أنفسهم عندما خرجوا ضد مرسي؟!
لا يعفي ذلك القوى الثورية من اتهامها أيضاً بالقابلية للانخداع والاصطياد، فإذا كانت ترى أن جماعة الاخوان تقصدت التظاهر في نفس جمعتها تلك لافساد فعاليتها، فقد كان الأولى بها اعمال الحصافة وتأجيل فعاليتها اسبوعاً، لأن موضوع النائب العام يعنيها كذلك إن لم يكن يعنيها أكثر من الاخوان، ولكانت هكذا فوتت الفرصة على الاخوان إن كانوا كما ترى قد استغلوا موضوع النائب العام لافساد فعاليتها "كشف الحساب" الموجهة ضد مرسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا