الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تخليق المنظومة القضائية _الجزء الأول_

اسماعين يعقوبي

2012 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


سئل مغربي عن أحلامه، فأجاب: قضاء نزيه، وظيفة وسكن لائق. فقيل له، يا مغربي إننا نسألك عن أحلامك وليس عن حقوقك.
فأن تتحول حقوق إنسان أو مواطني بلد بأكمله إلى أحلام، فهذا يؤكد بالملموس ان خللا كبيرا تعرفه البلاد وعلى جميع المستويات: اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، قضائيا، تربويا وأخلاقيا.
لكن السؤال الكبير يتجلى في البحث عن مكمن الخلل، فاقتصادنا لم يولد منهارا، وقضاؤنا لم يولد فاسدا والمواطن المغربي لم يولد عبدا ومنزوع الحقوق، ولم تتحول حقوقه إلى أحلام إلا في ظل صراع مرير وعقود من الزمن.
فالواقع ينطق بقوة ويقول أن هناك مسلسلا ممنهجا لإفساد كل مناحي الحياة، من السياسية، إلى الاقتصادية، إلى الاجتماعية، من طرف السلطة السياسية التي عملت كل ما بوسعها لخلق وإبقاء وضع الاستغلال والنهب الاقتصادي لصالح فئة لا تهمها الأخلاق ولا التربية ولا التكوين ولا المستقبل، بقدر ما يهمها استمرار نهبها لثروات البلاد والعباد.
وقد تجلت عملية الإفساد هاته في خلق واصطناع نخب وأحزاب تظم انتهازيين لا مبدأ لهم ولا كرامة، ومقاولات اقتصادية لا يهمها أساس العمارات ولا شكلها ولا مضمونها بقدر ما يهمها الربح الذي تجنيه وراء ذلك. وعموما تم إنتاج "مخلوق" مغربي بمواصفات الربح وليس بمواصفات الأخلاق والكرامة والعفة والعمل.
ونظرا للدور المركزي الذي يحتله القضاء، حيث يشكل ملجأ المواطن البسيط الذي تسرق دجاجته، وهو أيضا ملجأ مالك الأرض أو المصنع الذي يتم احتلاله عنوة، وهو أيضا ملجأ ذاك المناضل الذي يتم اعتقاله، أو اختطافه وإقامته في زنازن أو حفر لا تتوفر فيها ابسط شروط عيش الحيوان وما بالك بالإنسان، فقد تم إدخاله في متاهات الفساد والرشوة، وغياب الكرامة حتى يتمكن أصحاب المال والنفوذ والسياسة والنهب من تمرير مخططاتهم.
وقد اعتمدت في سبيل ذلك عدة وسائل ليس أقلها تطبيق نظرية كريشام "LA MAUVAISE MONNAIE CHASSE LA BONNE" أي العملة السيئة هي التي تروج في السوق.
فالقاضي أو موظف كتابة الضبط، أو المحامي، أو الخبير أو المفوض القضائي... الذي له مبادئ وأخلاق وكرامة أي العملة الجيدة، يجد نفسه في طي النسيان، مغيبا ومرميا في متاهات الأرشيف ومهددا في ماله ووظيفته واستقراره، بينما يسطع ضوء العملة الفاسدة وتؤطر الندوات، وتدشن البنايات وتحضر الاحتفالات الرسمية. وعموما إنها عملة البلد وهي العملة التي أنتجت ما نراه ونشتكي منه اليوم من رشوة وكل مظاهر الفساد والزبونية والمحسوبية على حساب الحق والاستحقاق والقانون.
وكل شيء ينقلب في ظروف وشروط معينة إلى ضده، فالمواطن أو المستثمر الذي أصبح يحس بغياب الأمن قضائي هجر المحاكم بطرقه الخاصة. فالأول ينحو منحى الانتقام الشخصي وعدم انتظار ما قد يأتي أو لن يأتي ، والثاني يجد في بلدان الأمن القضائي ملجأ وملاذا له ولأمواله حتى يحصنها ويحصن نفسه.
إننا أمام صورة عكسية لتطور التاريخ والحياة الإنسانية، فالحياة البشرية ابتدأت بحياة وقانون الغاب، القانون فيها غائب تماما إلا قانون أكل القوي للضعيف، ثم تطورت رويدا رويدا حتى وضعت قوانين تحكم الجميع وتفصل في جميع النزاعات، في حين كان تطورنا عكسيا وردة إلى الوراء. فوضعنا القانون ثم خرقناه وتعمدنا ذلك بضغط من السياسي LE POLITIQUE المؤطر لتوجهات البلد، ثم رجعنا إلى حياتنا البدائية التي يقتص فيها كل واحد لنفسه، ويجعل من نفسه القاضي المصدر للحكم، وكاتب الضبط المنفذ له، وبعد ذلك يدفع نفسه قربانا لقضاء يعرف أيضا حكمه وقد رضي به لأن هو من أصدر الحكم بناء على معطيات يعرفها جيدا وتعطيه راحة نفسية من عدالة الحكم الذي سيصدر بعد مرور مرحلة حكم اللاعدالة التي أوصلته إلى القضاء هاته المرة كمتهم وليس كمطالب بحق.
في ظل هذا الوضع الكارثي بكل المقاييس، تأتي أسئلة كثيرة من قبيل: هل قدرنا أن نعيش وسط الفساد ونتعايش معه؟ كيف يمكن الانتقال من هذا الوضع إلى وضع أفضل؟ ومن أين نبدأ التخليق، من السياسي أم من المنظومة الداخلية للقضاء؟ ما هو دور الهيئات النقابية والمهنية والجمعوية في تخليق المنظومة القضائية؟ وما هي آليات التخليق وشروط نجاحه؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء