الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ترى عقلك أيها الملحد؟

بسام البغدادي

2012 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تم أستخدام المغالطات المنطقية وعلى مر التأريخ في محاولة أثبات وجود الله. وعلى مر التأريخ تم تفنيد كل هذه المغالطات واحدة بعد الاخرى لأنها لم تكن أكثر من العاب لفظية أو تحايل على الفكر و المنطق من أجل أثبات وجود غيبي نطلق عليه اسم الله. الطامة الكبرى أن كثرة ترديد هذه المغالطات جعلت البعض يعتقد بأنها حقيقية أو صحيحة وبأنها ليست مغالطات, رغم أنه منطقياً ترديد الخطأ عشرة مرات لايجعلهُ صحيحاً في المرة العاشرة أكثر من المرة الاولى. لكن في حالة الله فيتم أستغلال صيغة "الاقناع" بوجود الله من خلال غسيل مستمر للدماغ بترديد نفس المغالطة آلاف المرات حتى تصبح هذه المغالطة حقيقة في عقل المتلقي غير قابلة للنقاش.

لندخل في الموضوع مباشرة, ماهي المغالطة المنطقية؟ المنطق هو الوسيلة التي يستخدمها المتحدث من أجل أقناع المُستمع بفكرة ما, في أفضل الاحوال يتم ألاقناع بطرق موضوعية بحتة, لكن في حال غياب أي أساس علمي أو منطقي أو أخلاقي (أو الثلاثة سوية) للفكرة التي نحاول أقناع الآخرين بها يلجأ البعض الى أستخدام المغالطات المنطقية. المغالطات المنطقية وهو أسلوب للأستدلال يبدو للوهلة الاولى منطقياً وصحيحاً لكن بمجرد التعميق في الفكرة يبدو زيف المنطق الذي قام عليه الاستدلال. يتم أستغلال المغالطات المنطقية بشكل فاضح و مريع في الفضائيات العربية لدرجة أنني توقفت عن مشاهدة الكثير من البرامج الحوارية كونها لاتعدو أن تكون جدل عقيم وخوار غير مفيد بل ومرهق في الكثير من الاحيان. النجاح المنقطع النظير لأستخدام هذه المغالطات سببهُ بشكل واضح أستغلال جهل المشاهد بهذه المغالطات من جهة, وعدم قدرة المشاهد على التعمق في الافكار المطروحة من جهة أخرى بسبب سرعة تدفق المعلومات في وسائل التواصل الحديثة.

من هذه المغالطات على سبيل المثال لا الحصر مغالطة (هل ترى عقلك ياملحد؟) وهي مغالطة حديثة و كما تبدو إسلامية بحتة غير موجودة في أي لغة أخرى بأستثناء اللغة العربية. هذه المغالطة تقوم على مجموعة من المغالطات المتراكمة فوق بعضها البعض لدرجة يبدو السؤآل لأول وهلة منطقياً وبأن شئ مثل (العقل) رفيقنا الدائم شئ غير مادي ومع ذلك نؤمن بوجوده فلماذا لانؤمن بشئ غير مادي آخر كذلك مثل (الله, الجن الازرق, الشيطان, العفاريت)؟ فما هي المغالطات التي يقوم عليها هذا السؤآل؟

أولاً يقوم السؤآل على الخلط المقصود بين مصطلح عقل الذي نستخدمهُ في اللغة اليومية الدارجة و الذي نقصد فيه الدماغ (المخ) وبين العقل (الوعي) والذي يمثل النشاط العقلي الذي يحدث داخل الدماغ. مثل هذا الخلط قد يصعب كشفهُ لأول وهلة وخاصة في الحوار المباشر فيبدو التردد في الرد كأنهُ تفوق وحنكة للسؤآل في أثبات وجود أشياء غير مادية نؤمن بها, وبهذا, إذا كنا نؤمن بشئ غير مادي مثل "العقل" فلماذا لانكمل الطريق كلهُ و نؤمن بكل الاشياء الغير مادية الاخرى مثل "الله" وتوابعهُ؟ ينتج هذا الخلط تجاهل أو تناسي بأن العقل المقصود في هذه المغالطة هو الوعي الإنساني الموجود و المترابط بشكل مباشر مع الدماغ "المخ" ولايمكن فصلهُ عنه. بمجرد توقف الدماغ عن العمل فلن يكون هناك اي وعي "عقل". لهذا فمن العبث الفصل بين الاثنين و الحديث عنهما وكأنها شيئان قائمان مستقلان عن بعضهما البعض.

ثانياً صيغة السؤآل (هل ترى عقلك) تحتوي على كمية كبيرة من الشخصنة في الحوار, حيث لانستطيع هنا أن نناقش فكرة وجود الله بمعزل عن آراء و أفكار ومشاعر المتحاورين أنفسهم. فيصبح أنكار وجود العقل أنتحار للمحاور ويتم أتهامهُ بالجنون لهذا رأيهُ غير مهم في الموضوع. أما إذا رفض الرد شكاً منهُ بوجود فخ فسيتم أتهامهُ بأنهُ يتهرب من الحقيقة وبأنهُ ينكر وجود الله تكبراً فقط. والخيار الثالث وهو التسليم بوجود العقل "الشبحي" الذي يقصدهُ المؤمن يعتبر تسليم بأنتصار الخصم الذي يحاول أثبات وجود كيان وهمي بهذه المقارنة القائمة على مغالطات واضحة. السؤآل الذي يطرح نفسهُ هنا, هل وجود الله مرتبط بشكل من الاشكال بوجود "العقل" الذي يتحدث عنهُ المؤمن؟ الا يعني هذا بأن المؤمن يقوم بحفر قبر الله بيده في هذه المغالطة بجعل وجود الله مرتبطاً بأعترافنا بوجود العقل؟ وهل غياب العقل فرضاً يعني أن الله غير موجود حينها؟ أسئلة على المؤمن ان يطرحها على نفسهُ قبل أن يطرح هذا السؤآل.

ثالثاً وهذه النقطة الاهم, أن العقل في السؤآل المغلوط هذا حل محل الروح في فكر المؤمن عندما كان يسأل قبل عشرات السنين (هل ترى روحك؟). ولكن بدل من أن يسأل عن الروح, لانهُ يعرف أن الغير مؤمن سيقوم بأنكار الروح مباشرة وبدون تردد لانها خرافة أخرى من خرافات الاديان, لهذا يستعيض عن مصطلح الروح بالعقل (لغلق طريق الانكار). ثم يصبغ العقل بصفات تشبه الروح, بحيث لايمكن وصفه ولايمكن لمسه ولايمكن التأثير عليه أو تتبع آثاره أو قياسها. لكن, بسؤآل بسيط أسترجاعي حول ماهو العقل الذي يقصده المؤمن في هذا السؤآل, سنكتشف بأن السائل لايمتلك مفهوم حقيقي للعقل الذي يبحث عنه, حيث هو لايتحدث عن النشاط العقلي ولا عن الدماغ ولا عن أي شئ آخر يستطيع الاشارة اليه, بل يتحدث عن شئ بلا وزن ولا طعم ولارائحة ولاتأثير ولا تفسير هو أشبه بالروح التي يتجنب الحديث عنها, ولكن تم الصاق أسم العقل عليها عنوة وبدون فهم أو سبب.

أخيراً, إذا كان الله موجود فهو لايحتاج لي أو لك أو لأي شخص آخر لأثبات وجوده. لو كان موجوداً لكان وجوده أكثر الاشياء طبيعية في عالمنا مثل ضوء الشمس و سطوع البدر في ليلة صيف. أما إذا كان هذا الإله بحاجة خلائقه لإثبات وجوده فهو ليس أكثر من إله بلا قيمة ولا طعم ولا رائحة وإله بمثل هذه المواصفات لافائدة ترجى منهُ أساساً. وأستخدام المغالطات المنطقية لأثبات وجود الله لا يؤكد الا حقيقة أنك تؤمن بوهم كبير يسيطر على أفكارك لهذا تحتاج أن تخدع عقلك بمغالطات منطقية كي تقتنع بما لايقبل عقلك الاقتناع بهِ.

بسام البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال روعة
حكيم فارس ( 2012 / 10 / 26 - 18:50 )
السيد بسام البغدادي المحترم
مقال أعجبني جدا وفي غاية الروعة والمنطقية
يجعل السادة المؤمنين في حيرة ما بعدها حيرة
انت تجردهم من اخر سلاح يمتلكونه
سلاح المغالطات والاكاذيب
تحياتي


2 - مغالطات منطقية !!!؟؟
الآشوري الحر ( 2012 / 10 / 27 - 05:28 )
 سبق لي ان شاهدت دوكنز في احدى مناظراته يقول فيها انه من الطبيعي للإنسان انه عندما ينظر الى ((بستان)) ان يفكر بحتمية وجود ((ديزاينر)) وأن ما فعله دارون هو انه حاول إثبات امكانية وجود احتمال انه ليس هناك ((ديزاينر)).. ،(وهذا ما لايزال يفعله العلماء بلا جدوى)،  فها هو الامام الاكبر للملحدين يتحدث عن المنطق
أليست المغالطة المنطقية الاكبر هي ادعاء بأن كل شئ أتى من لا شئ، خصوصا بعد إثبات (علميا) انه كان للكون بداية 
وايضا ان الانسان هو متطور عن الحجر بعدما امطرت عليه لملايين السنين، هل هذا هو العلم او المنطق؟؟!! ، افضل الغيبيات -شخصياً- على هكذا علم (وطبعا هذا ليس علم ، بل مجرد نظريات) . 
ارجو ان تلاحظ المنطق الذي في دينك اولا قبل انتقاد الأديان، ففي مقالك السابق كنت تنتقد الاسلام (فقط الاسلام) ولكنك كنت تزج باسم المسيح في كل مرة لتوهم القارئ انهما مثل بعضهما، أليست هذه مغالطة؟؟، ولكن (ولسوء حظك) جاءك الرد سريعا في التعليقات ومن الملحدين

**********************************************
اعتقد ان المناظرة كانت the god delusion debate  


3 - كيف نعرف ونحدد؟
فادي ( 2012 / 10 / 29 - 13:05 )
مرحبا

وديت ان اضيف التالي:

لا ولن نستطيع تحديد وجود اي شيء سواء مادي او غير ذلك سوى بالعقل، اعني ان كل الاشياء هي مجرد افكار بما يشمل الله والغاء الافكار وأو من يحددها - الدماغ - هو الغاء وجود كل ما نؤمن به.

تحديد الحقيقة والوصول اليها يعتمد وبالضرورة على تعريف جوهر الدماغ -كيف نحدد ونعرّف دماغنا؟ ما هي الوسيلة؟ وهذا موضوع لم يتم اعتماده من قبل العلماء والفلاسفة بعد.


4 - ؟؟؟؟
عبد العزيز ( 2012 / 11 / 3 - 00:30 )
لا أجد أنك جاوبت على السؤال و لا أجدك أوضحت المغالطات المنطقية التي تدعيها
فحينما تُسأل هل ترى عقلك الغرض من السؤال أن الأشياء ليس بالضرورة أن يتم الإستدلال عليها بدليل حسي
نجد عند كثير من الملاحدة لا يطالبون إلا به ويدورون حوله ويرفضون غيره
بحجة أن الدليل الحسي هو الدليل العلمي وهم بقولك هذا يهدمون أهم أسس كثير من العلوم ا التي يحاولون أن يحتجوا بها
وقولك من العبث الفصل بين المخ والعقل لا ينفي أن العقل غير مادي
فالروح عند المؤمن مرتبط بالجسد وقوله هل ترى روحك لا يعني أنه فصل روحك عن جسدك
يبدو أن عندك خلل في المفاهيم كمفهوم العقل والروح وضحالة علمية في المنطق وأصول الأستدلال وكارثة علمية في أنواع البراهين والدلائل في العلوم
فأنصحك نصيحة مشفق أن تحاول أن تفهم ما أنت جاهل به لعل وعسى أن يستقيم تفكيرك المعوج
وقولك إذا كان الله موجود فهو لا يحتاج لإثبات وجوده صحيح هو لا يحتاج ولكن كثير من البشر يحتاجون
وكثير كذلك يرون أن وجود الله أكثر الأشياء طبيعية(بديهية)
أخيرا
أرجو عدم استخدام المغالطات المنطقية لمحاولة إثبات ما تؤمن به لإن هذا لا يؤكد إلا
الا حقيقة أنك تؤمن بوهم كبير يسيطر على


5 - ؟؟؟؟
عبد العزيز ( 2012 / 11 / 3 - 01:59 )
جواب على ملحد يقول أن السؤال الذي يطرح دائما لكل صنع صانع فمن صنع الله؟
بداية لماذا يطرح هذا السؤال أن لكل صنع صانع فمن صنع الكون والإنسان؟!
لأنه من المعلوم قديما أن الإنسان كان قبل وجوده عدما ومن المثبت حديثا أن الكون كان قبل وجوده عدما
فلهذا يُسأل هذا السؤال من أوجد الكون والإنسان من العدم لانه كل موجود كان قبل وجوده عدما لابد له من موجد
وفي جواب هذا السؤال ثلاث أقوال لنرى ما الصحيح منها
القول الأول أنهم وجدوا صدفة من غير شي
فالقائل بهذا القول حتى نصدقه يجب أن نحكم على عقولنا باالإنتحار لأن الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال وجوده ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فكيف يقول بأن العدم(اللاشيء) أوجد شيئا وهو بقوله هذا يناقض نفسه فهو يلزم نفسه أن يقول أن العدم(اللاشيء)شيئا حتى يوجد شيء؟!!!
أو أنهم أوجدوا أنفسهم
والقائل بهذا القول أشد تناقضا من الذي قبله لأن الشيء لا يوجد نفسه لأن قبل وجوده عدما فكيف يكون موجدا لذاته؟!
أو أن الله أوجدهم
وهذا هو القول الصحيح الموافق للعقل والعلم

اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و