الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (فلم أبيض وأسود) .. صورة رمادية للوجع

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2012 / 11 / 5
الادب والفن



تمتلك اللغة خاصية تختلف عن غيرها من مصادر إنتاج المعنى ، ذلك ان الانزياح الناتج عن المنطوق اللغوي يمتلك دلالاته الايقونية التي تشكلت في وعي المتلقي كما هو الحال في مسرحية (فلم أبيض وأسود) والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني في بغداد ، تمثيل (بشرى إسماعيل ، أياد الطائي ، طه المشهداني ، حيدر سعد ) ، تصميم الإضاءة (جبار جودي ) إخراج (حاتم عودة)، والتي يحيل عنوانها إلى فرضيات فكرية وجمالية يمتزج فيها العرض المسرحي مع الفلم السينمائي ، وتعود تلك الإحالة إلى أن مؤلفا العرض (سمر قحطان و حاتم عودة) قد عملا على مغازلة وعي المتلقي ومرجعياته الجمالية التي إنطلقت بإتجاه إستكشاف المعنى المضمر وراء عنوان المسرحية ، ذلك أن (افلام الابيض والأسود) التي كانت تعد واحدة من معجزات الفن السابع والتي إستطاع من خلالها عدد من المخرجين تقديم روائع فنية سينمائية لم تزل راسخة في ذاكرة التلقي العالمي والعربي والمحلي .
إلا ان المخرج عمل في المشهد الاول على الاطاحة بذاكرة المتلقي الجمالية والمعرفية التي كانت قد بدأت بتكوين علاقة حسية ترتبط فيها الصورة البصرية بمنظومة الفلم السينمائي في تشكيل جمالي للمعنى، إلا ان حضور الملفوظ اللغوي الهجين على منظومة العرض البصري والذي بات مهيمناً على معطيات العرض؛ دفع بالمتلقي إلى مغادرة الفرضيات التي منحها عنوان المسرحية إبتداءً.
وقد كشف المخرج عن معطيات النص التي وقفت بمعزل عن عنوان المسرحية الذي يبدو ان إختياره جاء بطريقة عشوائية ، على الرغم من إحتكامه على فرضيات عدة من بينها الإشتغال على منظومة (الفلم الأبيض والاسود) كما في تجارب (شارلي شابلن) في السينما الصامتة ، وغيرها من تجارب السينما البصرية التي كان من الممكن الافادة منها في العرض المسرحي ، إلا ان المخرج إختار ان تكون فكرة (الحرب ) عنواناً ضمنياً لطروحات النص ، وهو يمتلك الحق في تفسير النص كما يشتهي لاسيما وانه كان قد إشترك في كتابته ، وعلى الرغم من القطيعة المعرفية بين العنوان والمتن النصي إلا ان المتلقي سرعان ما دخل في لعبة تأويل العلامات التي يطرحها العرض، والتي تلخصت في الكشف عن منظومة الحرب التي اطاحت بالشعب العراقي قبل إطاحتها بالسلطة في سنوات الحرب التي أشعلها النظام السابق سواء على مستوى الحروب الداخلية أو على مستوى محاربة البلدان المجاورة ، والتي لم تزل المقابر الجماعية وسجلات المفقودين تبوح بمعاناتها في نشرات الاخبار اليومية، وعلى الرغم من الخزين الذي تمتلكه الحرب في ذاكرة المتلقي إلا ان المخرج لم يوظف ذلك الخزين بل إكتفى بتحول ذلك الوحش الابدي (الحرب ) إلى ملفوظات لغوية أستهلكتها اوجاع الامهات وصرخات الاطفال ، مع انه كان يمتلك القدرة على تحويل تلك الملفوظات إلى وجع حقيقي يدفع المتلقي إلى التفاعل مع العرض وذلك عن طريق الافادة من (الأبيض والاسود) وهما يشكلان لونين متناقضين في الحياة لكنهما يتطابقان في الموت ذلك ان الاول وهو الابيض يمكن ان يتحول عن طريق سلوك الممثل إلى أكفان متناثرة لضحايا الحروب ، اما الثاني والذي يتمثل بالاسود الذي يمتلك دلالة واضحة المعنى يمكن الكشف من خلالها عن مآسي الحرب ، فضلا عن ذلك فإن إضاءة (جبار جودي ) قد منحت العرض مساحة واسعة من اجل تحقيق فرضيات (الأبيض والاسود) إلا ان المخرج إختزل التشكيل البصري عبر تصميم ملصق متواضع يتمثل في شريط سينمائي إعتمد على لوني : أسود وأبيض؛ لم يمتلك حضوره على خشبة المسرح .
ومن جهة اخرى فإن ادوات المخرج التعبيرية والتي تمثلت بالاداء التمثيلي الذي جاء متباينا بين الكلائشية التي إعتدنا مشاهدتها في البرامج التلفزيونية التي يشارك فيها عدد من الممثلين، وبين البحث عن شخصيات مغايرة للتقليد من اجل إثارة المتلقي والتواصل معه.
ختاماً .. لابد من الإشارة إلى ان المنظومة الفكرية للمسرح العراقي المعاصر باتت تدور في حلقة واحدة مفرغة ، ويبدو ان الرؤية الاخراجية تكشف عن عجزها في الكشف عن معالجات إخراجية تمتلك حضورها الفاعل على خشبة المسرح العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با