الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بتهمة الاعتداء على المقدسات صُلب الحلاج و أحرق حيا .

فريد العليبي

2012 / 11 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




عاش الحسين بن منصور الحلاج بين القرنين التاسع و العاشر الميلاديين ، و قد وُلد ببلدة فارسية ، و تُوفى صلبا و حرقا في عاصمة الخلافة العباسية بغداد ، و كان ضحية من بين كثيرين آخرين ، من ضمن المفكرين العرب ، للسلطان السياسي ، في اتجاره بالمقدسات الدينية لحراسة جبروته .
عُرف الرجل بورعه الديني ، حتى قيل أنه كان يُصلى في اليوم أربعمائة ركعة ، و ربما كان ذلك في صلة بتصوفه ، و قوله بوحدة الوجود و الحلول ، فالله يحل في الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم ، فكان على صورته ، و ينسب إليه في ذلك قوله :
أنا من أهوى و من أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصــــرته و إذا أبصرته أبصرتنا
لم يــــرض الحلاج بالسائد من الأفكار في زمانه ، حتى أنه لم يختلف فقط مع كبار المتكلمين و الفقهاء ذوى النفوذ الواسع ، و إنما مع غيره من المتصوفة أيضا ، فاختط لنفسه طريقا لم يسبقه إليه أحد ، فكان بذلك تميَزه و تفرَده ، و عُرف عنه حبه للمناظرة و الحجاج ، حتى أنه ناظر إبليس و فرعون ، و قد صنف كتبا كثيرة حسب ابن النديم ، الذي أحصى سبعة و أربـــعين منها ، و قد أُحرقت و أُتلفت ، و لم يبق منها غير كتاب وحيد هو الطواسين ، و رغم أن المعتزلة كفروه ، فقد كان الأقرب إليهم و إلى الفلاسفة ، فهو من نزه الله عن كل الصفات ، ومن قال " الحقيقة دقيقة، طرقها مضيقة، فيها نيران شهيقة، ودونها مفاوز عميقة " .
ينسُب إليه الرواة قوله : " ما تحت الجبة إلا الله " ، و هو ما أجاب به إعرابيا سأله : ما تحت جبتك يا حلاج ؟ ، مُعتبرين ذلك سبب نكبته ، فقد سُجن على مدى ثمانية سنوات عرف خلالها صنوفا من العذاب الشديد ، فجُلد ألف مرة ، و صُلب على أحد أبواب بغداد ، و قُطعت يداه و رجلاه ، ثم رمى به في النار الملتهبة لكي تلتهمه حيا ، و قد استمر طقس التعذيب هذا أياما ثلاثة بلياليها، و لكن هل كان ذلك هو السبب الحقيقي لمقتله ؟
قد تكون تلك التهمة مجرد ذريعة ، أستعملت للتخلص منه ، فالرواة يذكرون أيضا تجواله في بلدان كثيرة لنشر أفكاره ، فأصبح له مُريدين و أتباعا ، بل إن تأثيره وصل إلى مراكز القرار في دولة الخلافة نفسها ، مما أثار جزع القيمين على أمر الدولة ، التي نظرت إليه باعتباره صاحب دعوة سياسية ، متخفية تحت جلباب التصوف ، يقول عنه ابن النديم : " كان جسورا علي السلاطين ، مرتكبا للعظائم ، يروم انقلاب الدول " ، فأخذت قرارها بتصفيته ، و وجدت السبيل الأمثل في اتهامه بالاعتداء على المقدسات الإسلامية ، و الاشتغال بالسحر و الشعوذة ، و خدمة الجن و الشياطين ، و ادعاء النبوة ، و تأليه الإنسان و أنسنة الإله ، فنكلت به و قتلته شر قتلة ، و ما يُرجح اعتبار السبب السياسي هو ما يُفسر مأساته أن معاصره أبو بكر الرازي ، الفيلسوف و الطبيب المشهور ، كان في نفس الوقت يُنكر نبوة الأنبياء ، فلا تلتفت الدولة إليه ، بل تُكرمه بالإشراف على تأسيس أول مستشفياتها ( البيماريستان ).
كان الحلاج مُدركا أن ما يقوله سوف يكون له وقع الزلزال عليه ، و على الناس من حوله ، و لكنه كان يسير في طريقه غير ملتفت لمصيره ، و ينسب إليه قوله :
يا رب مكنون علم لو أبوح به لقيل لي أنت من يعبد الوثنا
و لاستحل رجال صالحون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا
نسجت حول شخصيته أساطير كثيرة ، منها أنه لما قطع الجلاد يده يوم مقتله ، طلب منه طلاء وجهه بالدم حتى لا يبدو وجهه شاحبا فيشمت أعداؤه به ، و قيل أنه عندما احتشدت الجموع لتشهد مقتله خاطبهم بشموخ قائلا : معبودكم تحت قدمي ، و هو ما أثار سخط الجميع ، بما في ذلك بعض من كان حاضرا من مريديه ، و لكن آخرين رأوا في ذلك حكمة ، فأخذوا فأسا و حفروا في الموضع الذي كان يقف فيه ، فوجدوا كنزا ، فقد كان ينظر إلى الناس كعبدة لا لله ، بل للدرهم و الدينار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحلاج كان زنديقا ملحدا
عبد الله اغونان ( 2012 / 11 / 6 - 12:08 )
لاداعي لتبييض وجه الحلاج اذ شعره يدل على كفره
ابعده الله من زنديق


2 - ابن عربي
طريف سردست ( 2012 / 11 / 6 - 13:44 )
اعتقد ان الذي قال معبودكم تحت قدمي هو ابن عربي


3 - الحلاج
حمدي الراشدي ( 2012 / 11 / 6 - 14:09 )
الحلاج رمز باهر على كفر غالبية المسلمين، الذين والى اليوم ، لايتوانون عن قتل وتقطيع الاخر لمجرد الخلاف الفكري معه. ان الزنادقة الحقيقين هم الذين نصبوا انفسهم وكلاء الله على الارض واقاموا محاكمة اليوم الاخر واصبحوا يبعدون ويقربون، مكان الله وبالنيابة عنه. بوجود هؤلاء اصبح الله عاطلا عن العمل في بلادنا.


4 - من كفره من المعتزلة
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 9 / 28 - 19:09 )
-
و قد أُحرقت و أُتلفت ، و لم يبق منها غير كتاب وحيد هو الطواسين ، و رغم أن المعتزلة كفروه ، فقد كان الأقرب إليهم و إلى الفلاسف
-
من كفره من المعتزلة
اذا قصدت المتأخرين مثل الزمخشري
او مثل
القاضي عبد الجبار
فهؤلاء متسننة ومتاثرين بالفكر السني وهم مختلفين جدا عن متقدمي المعتزلة العقلانيين امثال
1 المريسي
2 الجاحظ
3 ثمامة بن الاشرس
4 العلاف
5 ابراهيم النظام وهو قطعا اعظمهم ولكن كل هؤلاء قبل الحلاج اظن
فاذن من كفره من المعتزلة ان سلمنا بأنهم كفروه هم المتأخرين الذين تسننوا او تشيعوا ووافقوا السنة على خزعبلاتهم وتبنوا مذاهبهم الفقهية ( الشافعي والحنفي ) وانتصروا لها
ونعم اعلم ان بشر المريسي حنفي
ولكنه في المذهب الحنفي قبل ان يتحول الى مذهب حديثي ويخسر عقلانيته

اخر الافلام

.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل




.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال