الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاليات الأجنبية فى مصر

محمد عبد الفتاح السرورى

2012 / 11 / 8
المجتمع المدني


إن أسوأ ما قد يبتلى به أى مجتمع هو أن يصبح مجتمع أحادى ... أحادى فى أى شئ أحادى فى الثقافة فى الأعراق وفى الديانات والرؤى وغير ذلك . إن التعددية الثقافية تثرى المجتمع وتجعل منه مجتمعا متحضرا راقيا يقبل الخلاف والإختلاف ويكون بحكم تكوينه حائط صد أمام كل محاولات التعصب أو محاولات زراعة الكراهية .. وقد كان المجتمع المصرى يوما ما كذلك كان مجتمعا - كوزموبوليتانيا- حاضنا للثقافات على إختلافها - وتعارضها- جامعا لمختلف الرؤى وأساليب العيش ومحتويا كل أصحاب الديانات الذين يعيشون بين جنباته ... كان مجتمعا يموج بالحركة والنشاط التجارى والصناعى والادبى ولم يعرف التناحر ولا التنابذ ولا العنف ولا الكراهية كان مجتمعا راقيا يوم أن كانت الجاليات الأجنبية تشكل جزءا أصيلا من أجزاءه لا تنفصل عراها عن عراه كانت هذه الجاليات ملتحمة مع المجتمع أيما يكون الإلتحام وكان المجتمع آنذاك يتقبل هذا الإلتحام بحب وبمودة ... عاش على أرض مصر الطيبة الكثير من أصحاب الجنسيات وكانوا يشكلون جاليات منها الكبير ومنها المتوسط ومنها ما هو صغير الحجم عرفت مصر الجاليات اليونانية والأرمينية والإيطالية والفرنسية وكذلك التركية والألبانية والإنجليزية بالطبع هذا غير الجاليات العربية مثل الجالية اللبنانية
بعض من تأثير الجاليات على مناحى الحياة فى مصر
على الرغم من أن مصر كانت محتلة إحتلالا إنجليزيا إلا أن لغة النخبة والصفوة كانت الفرنسية وليست الإنجليزية وكانت اللغة الفرنسية أيضا هى اللغة التى تكتب بها لافتات المحال التجارية ولا يزال بعض من هذه اللافتات موجود حتى يومنا هذا شاهدة على مدى التمازج والإحتضان لهذه الثقافة الفرانكوفونية الراقية وليس هذا فقط بل إن لافتات بعض من عيادات الإطباء كانت تكتب أيضا باللغة الفرنسية أو الإنجليزية ولا زالت هذه اللافتات موجودة هى الاخرى حتى يومنا هذا , ويقال - والعهدة على الراوى أن بعض من حكام مصر من الأسرة العلوية لم يكن يجيد العربية وكان يتحدث بالفرنسية كأفضل مما يتحدث بالعربية هذا غير إنتشار الكثير من مفردات هذه اللغة بين طبقات الشعب حتى بين الأطفال وكم كانوا ينطقون بعض هذه المفردات أثناء لهوهم فى الشارع
أما التاثير الأعظم الذى أثرته الجاليات الأجنبية فى مصر هى تلك الثروة المعمارية الرائعة والمتمثلة فى عشرات العمارات والبنايات ذات الطابع الإيطالى والفرنسى ولا تزال بعض من هذه العمارات والبنايات تحتفظ بأسماء المهندسين الذين شيدوها مثل المهندس ( فريد ديبانا) والذى لايزال أسمة محفورا على بعض من بنايات محافظة الاسكندرية حتى يومنا هذا , لقد تركت الجاليات الاجنبية فى مصر ثروة معمارية لاتقدر بثمن ويجب الحفاظ على هذه الثروة حتى لا تضيع ويأخذها تيار القبح والإهمال واللامبالاه ومنها على سبيل المثال تلك العمارات الرائعة فى شارع عماد الدين أوميدان طلعت حرب وباب اللوق فى محافظة القاهرة والعمارات الكائنة فى مناطق الأزاريطة والشاطبى الإبراهيمية فى محافظة الاسكندرية وذلك على سبيل المثال لا الحصر
بلغ من شدة إمتزاج الجاليات الأجنبية أن بعض من أبناء هذه الجاليات عمل بالفن وآخرين بالصحافة هذا طبعا غير عملهم الأساسى بالتجارة والصناعة مثل الفنان إستيفان روستى الذى ينحدر من أم إيطالية وأب نمساوى وقد ولد بالقاهرة حيث كان والده يعمل سفيرا للنمسا فى القاهرة والذى إندمج فى المجتمع المصرى حتى صار واحدا من نجومه فى السينما وغيره الكثير مما لا يتسع المقام لذكره
كانت الجاليات الأجنبية فى مصر جزءا فعليا فى التكوين المصرى - البوتقة المصرية - والتى إنصهر فيها الجميع على إختلاف أعراقهم وأديانهم ولغتهم تفاهموا جميعا بلغة واحدة هى لغة العيش الودى المشترك البعيد عن التعصب والكراهية وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية ,, كانت شوارع مصر - كما يتضح جليا من الصور الوثائقية آنذاك- كانت تموج بمختلف الجنسيات والأعراق وكانت المحال التجارية تعلن عن جنسيات أصحابها وديانتهم أيضا- بحكم الإسم- دون أى شعور بالخوف أو القلق او إثارة الريبة والشكوك لأن المجتمع آنذاك كان مجتمعا طبيعيا ,, يتجاور فيه الجيران كلا حسب ديانته وثقافته وجنسيته ولا توجد مشكلة وكما ورد على لسان البعض أن بعض المدارس أيضا كان تقبل أبناء هذه الجاليات ليتلقوا تعليمهم فيها أى أن الأباء كانوا على درجة من الإندماج أتاحت لهم إرسال أبنائهم كى يتعلموا فى المدارس المصرية فأين نحن الآن من هذا كله ؟
كم يحتاج المجتمع المصر الآن الى ترسيخ ثقافة الإختلاف والتعايش المشترك والدخول فى علاقات إنسانية وحضارية رائعة كما كان من قبل كم يحتاج هذا المجتمع أن يعود مجتمعا طبيعيا تتلاقى فيه الحضارات وتتمازج فيه الثقافت وتندمج فية مختلف الجنسيات تحت السماء المصرية والتى طالما أظلت أناس ولدوا على غير أرضها وأصبحوا بعد ذلك من اشد محبيها وعمروها وأثروا ثقافة شعبها الأصيل . هذا الشعب الذى طالما أحتضن وافديه كما إحتضن بنى جلدته ومواطنيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للاسف ايام وولت
مجدي سعد ( 2012 / 11 / 8 - 16:34 )
نعم ياسيدي العزيز هي كارثة ان تتحول مصر الي مجتمع احادي قبلي ..اذا كانت هناك ردة فهذه هي

بحكم سني عايشت بعضا مما تكتب عنه الي ان بدأ حكم عبد الناصر والذي لا يجب ان ننسي انه نبت من جماعة الاخوان المسلمين وان انشق عليهم او هم عليه فيما بعد

مصر كانت ملجأ وملاذ واختيار حر للعديد من الجاليات

لجوء الارمن من مذابح السلطان العثماني عبد الحميد

اختيار اليونان لمصر عن طريق التجارة والاعمال ومجرد الحب في البلد واهله
انصهر اليونان في مصر وغدت الاسكندرية كما لو كانت مدينة يونانية اجمل من مدن اليونان ذاتها

وكان الحال مطابقا لهذا الي حد كبير مع الايطاليين

كان لقب الخواجة يطلق علي الاجانب وكذلك علي الاقباط لانهم تزوجوا منهم ولانهم كانوا يجيدون اللغات الاجنبية

لم يكن نعتا للتمييز الديني لانه كان يستعمل ايضا لمن يجيد لغة اجنبية من المسلمين

ما الذي جري حتي تنحدر مصر بعيدا عن ماضيها المتمدن الراقي المتسامح؟

اليك عينة من اسماء مشاهير ولدوا في مصر

داليدا (غنت اغنية حلوة يابلدي الشهيرة) فرنسية ولدت في شبرا

ديميس روسوس يوناني ولد في الاسكندرية

ومن الاشرار

رودلف هيس نائب هتلر ولد في الاسكندرية

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ