الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الزيارة - (قصة من الخيال العلمى - سبتمبر 2011) - الفصل الثانى

محيي الدين غريب
كاتب ومهندس

(Mohey Eldin Gharib)

2012 / 11 / 17
الادب والفن


الحياة بعد حدث الانفصال
عندما يأتى فصل الخريف يجيئ معه الحنين إلى الجد جاك ، ويعاودنى الحنين إلى الذهاب إلى حجرة المخزن وفتح الصندوق للإطلاع على المزيد من الأوراق والمذكرات ، فجدى هو الذى لفت نظرى لجمال هذا الفصل وحببنى إليه.
وفى وصفه للخريف كتب : ان شعورا بالتفائل يمتلكه وهو يصتنت لوقع حفيف أوراق الشجر ولصوت حبات المطر وهى تتحاور مع فروع الشجر ، وكأن أوراق الشجر وهى تشارف على الرحيل أبت أن ترحل قبل أن تستعرض ألوانها وهى تتدرج بين الأخضر والأصفر والأحمر ومابينها من ألوان لتمتعنا بلوحة رائعة. فى الخريف تذبل الأوراق والزهور وتهرم وتموت وكأنها تضحى من أجل الطبيعة ، وكأنها فى حالة من التسامى فوق الألم.
مر الوقت بطيئا هادئا وأنا أتأمل هذا الجمال من وراء النافذة ، بين ذكرى الجد جاك وبين ملاحقة شعاعات الشمس وهى تتسلل خلال الاشجار فى سباق حتى تصل إلى الأرض. وأفقت على صوت صغيرتى ماجى تخبرنى أن أمها فى حاجة للمساعدة فى إعداد الطعام.
بعد الانتهاء من العشاء جلسنا جميعا لتناول الشاى والاسترخاء ، ولكنى لاحظت على وجه جاكى بعض الارهاق ، فهى كطبيبة متخصصة فى الأدوية ستشترك فى الأيام القادمة فى المؤتمر العالمى لمناقشة الأمراض الضوئية الجديدة المستحدثة منذ حدث الانفصال. ولقد أعربت جاكى عن قلقها بسبب أن شركات الأدوية فى جميع أنحاء العالم سارعت بإنتاج الكثير من الأدوية فى الفترة الأخيرة وأغرقت الأسواق بها مما أربك الناس. ناهيك عن الأضرار الجانبية لهذه الأدوية حيث أنها لم تجرب لوقت كافى كما ينبغى.
المعروف علميا أن معظم الأمراض التى نجمت حتى الآن هى أمراض وقتية ونفسية فى المقام الأول ، بالإضافة إلى أمراض الحساسية ونقص المناعة ، ومعظمها يمكن علاجها بوسائل مختلفة تقليدية وليس بالضرورة علاجها بالأدوية الجديدة. ولكن للأسف فإن الكسب المادى السريع هو كل ما تطمح اليه بعض هذه الشركات.
تراوحت أسباب الأمراض النفسية لتتدرج ما بين عدم تحمل صدمة حدث الانفصال وعدم قبول أو رفض ما حدث.
ومع أن الطبيعة البشرية مصممة على تحمل ماهو غير مألوف أو متوقع من الصدمات ، حيث يساعد على ذلك عدد من الغدد التى تفرز أشكالا من المضادات لحفظ التوازن المطلوب ، إلا أنه بمرور الآلاف من السنين ومنذ أستقرار الإنسان الهوموسابيان تقلص دور هذه الغدد عندما قل الإحتياج إليها نظرا لسهولة سبل الحياه والتقدم التكنولوجى والصحى مما أدى فى النهاية إلى أنها فقدت وظيفتها. ويفترض أن هناك مساعى علمية لإعادة تفعيل وتحفيذ هذه الغدد.
وأضافت جاكى ، أما أشكال ومظاهر الأمراض النفسية فلقد تعددت ، فبعض المرضى لاينامون خوفا أو لصعوبة ذلك. ومنهم من يحلم فى نومه كابوس الحدث كل يوم ، ومنهم من نسى أو تجاهل ما حدث ومنهم من أختلطت عليه الحقيقة والخيال وهكذا.
ولكن أصعب الحالات هم الرافضون تصديق ما حدث.
أما أمراض الحساسية فهى أيضا متعددة ومتنوعة ولكن لحسن الحظ فإن معظمها يمكن أن يعالج ويعافى بالأدوية العادية ويزول مع الوقت.
فيما عدا بعض الحالات القليلة والتى تأثر فيها جلد الوجه نتيجة التعرض لبعض الموجات الكهرومغناطيسية الضارة التى تسربت أثناء الانفجار والانفصال فإنه جارى البحث لإيجاد العلاج المناسب لها.
وقاطعتها ماجى لتقول لها ولكن ياأمى أنتى تحاولى أن تبسطى الأمر ، فالأرقام تتحدث عن مليارات من الناس ، إن ما يعادل أكثر من 35 % يعانون من هذه الأمراض.
قالتها وكأنها لا تنتظر إجابة أو تبرير ، قالتها وهى تهم للذهاب إلى حجرتها. ومرة أخرى لمحت على وجه جاكى القلق على ماجى والارهاق ، فحاولت أن أخفف عنها وتكلمنا فى مواضيع أخرى مختلفة.
لقد تغيرت الحياة كليا حتى فى أدق مظاهرها وتفاصيلها ، تغير نمط الحياة ولم يكن تغير تدريجي حتى تستوعبه طبيعة الإنسان ولكنه كان مفاجأ ، وفقط ستة عشر ثانية أحدثت كل هذه التغيرات. حتى أن كثيرا من الناس لايزالون فى حالة من الذهول مما حدث ، وأنعكس ذلك على السلوكيات والتصرفات وردود الأفعال.
تغيرات جاءت لتسطر صفحات جديدة ومختلفة فى تاريخ الإنسان والبشرية.
إن ظاهرة توالى الليل والنهار والتى عايشها الإنسان منذ الخليقة كانت من أهم الأسباب فى استقرار أوجه الحياة المختلفة على الأرض. فطبيعة الإنسان الفسيولوجية وسلوكه وتصميمه وحواسه وجميع أجهزته ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه الظاهرة. وكذا النباتات والحيوانات والطيور والحشرات ومعظم المخلوقات.
لذلك عندما تغيرت هذه الظاهرة وتحول الليل إلى نهار بوجود الشمس الصغرى حدث خلل فى دورة الكائنات الحية ودورة النباتات. ولولا العلم والتكنولوجيا لما أمكن السيطرة إلى حد ما على هذا الخلل.
فبجانب الأمراض التى تعرض لها الإنسان تعرضت معظم الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات أيضا لأمراض مختلفة لم يكن بالإمكان حصرها جميعا حتى الآن ذلك لأن ظهور أعراضها قد تأخذ أعواما وأجيالا. ويتوقع العلماء احتمال أن تنقرض منها تلك التى كانت تعتمد فى دورة حياتها على توالى الليل والنهار.
لكن أخطر ما يخشاه العلماء هو أن تتسرب إلى الأرض كميات كبيرة من الجسيمات المشحونة العاكسة عالية الطاقة التى انبعثت
أثناء الانفصال ، وهى على خلاف الشحنات التى تنتج من التفاعلات النووية أو من العناصر المشعة أو من الموجات الكهرومغناطيسية لا تنتشر في الفراغ بسرعة ثابتة ولا تخضع للخصائص الموجية من حيث الحيود والتداخل. وفى هذه الحالة سيصعب التكهن بمصير الكائنات الحية على الأرض كافة.
مع ذلك فهناك حالة عامة من التفائل أقرها الكثير من العلماء والمتخصصين ولكنه تفاؤل مشوب بالمغامرة. ولما لا فالإنسان عاش ملايين السنين منذ العصر الحجري ومرورا بالعصور الجليدية والكوارث الطبيعية المختلفة والحروب العالمية ، عاش وأثبت أنه قادر على التأقلم والتحمل والتعلم.
بل أن كثير من المتفائلين رأوا أن ماحدث سيعود بالفائدة على البشرية بطريقة أو أخرى.
فمن الناحية الاقتصادية ستزداد الرقعة الزراعية وستتحسن سلالة الكثير من المحاصيل الضرورية ، بل ستستنبط نوعيات أخرى جديدة.
أيضا ستوزع العمالة على مدى اليوم بطريقة أفضل حيث لا يصبح ظلام الليل عائقا ، وسيوفر أكثر من 70 % من الطاقة التى كانت تستهلك فى الاضاءة والتدفئة ، وسيتضاعف حجم الاستثمارات فى المجالات المختلفة.
من الناحية الاجتماعية سيزداد التقارب بين الجنس البشرى وستتوحد الجهود الاقليمية أمام التحدى الجديد من أجل الصالح العام بعيدا عن حروب المعلومات والحروب النفسية التى انتشرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة منذ سنة 2034.
ومن الناحية العلمية فالآمال كبيرة من الاستفادة من الجسيمات المشحونة العاكسة عالية الطاقة المخزونة فى الفضاء الثالث فى العديد من التطبيقات ، وستساهم فى الإسراع فى تنفيذ بعض المشاريع العملاقة مثل المدن الفوقية والفضائية والطيران خلال الأنابيب الكهرومغناطيسية. وأيضا سيزداد البحث العلمى لتعميم ثقافة الانتقال للعيش على الكواكب الأخرى بأعداد كبيرة ، حيث لم يتعدى سكان المستعمرات الفضائية حتى الآن أكثر من مائة ألف خاصة بعد التأكد أنه من المحتمل حدوث المزيد من الكوارث على الأرض بسبب الانفجارات الشمسية والاصطدام بالنيازك الركامية وغيرها.
والأهم من ذلك والأكثر إثارة ، هو التحديات الملحة والاقتراحات المختلفة للتخلص من الشمس الصغرى أو إعادتها إلى الشمس الأم.
أما من الناحية الصحية فكانت مظاهر التفائل متعددة حتى فى تزايد أعداد الناس الذين يقضون ساعات طويلة من الليل المفروض أنها ساعات مخصصة للنوم ، يقضونها للتجول تحت ضوء الشمس الصغرى ، ربما لتوفر الهدوء والسكينة فزحام الشوارع أقل بكثير وضوضاء المواصلات تكاد تختفى.
وبالرغم من مرور أربعة أعوام على حدث الانفصال إلا أن الأمر
لايزال يختلط على الباحثين العلميين والاجتماعيين ، ما إذا كان الناس يعيشون حالة من الذهول ، أم حالة من الرفض وعدم تصديق ما حدث ، أم حتى حالة من الفضول والإعجاب والترقب ، أم أنها خليط من كل هذه الحالات مجتمعة.

العمة ريدا
كانت العمة ريدا سعيدة ومبتهجة وهى تبلغنا على شاشة التليفون نبأ عودتها من رحلتها الفضائية السياحية وطلبت من العائلة أن نجتمع فى بيتها الشتوى لكى تحكى لنا عن هذه الرحلة المثيرة.
كان يوما من أيام الشتاء الباردة لذا تجمعت العائلة حول مدفأة السقف الالكترونية وأمرت ريدا الخادم الروبوت سون أن يبدأ فى تقديم المشروبات الساخنة للضيوف. ومع أن الوقت كان ليلا إلا أن ريدا أرادت أن تضيف شيئا يوحى ببعض الدفئ وذلك بالتحكم بإدخال بعض الشمس من الزجاج المقرمع الجديد وكأننا فى وقت الغروب.
العمة ريدا شغوفة ومهتمة بكل ما هو جديد فى عالم الفضاء مع أن دراستها وهواياتها هى الموسيقى. وكما تعودنا فهى تمتعنا فى أول اللقاء بالعزف على البيانو قطعة من روائع شوبان ، وكنا ننصت لها بكل احترام واهتمام لأننا نعرف أنها تعزف لذكرى زوجها الذى توفى منذ عشرة سنوات.
العمة ريدا تعتير أن الموسيقى هى أجمل شيئ فى الوجود بل هى الحياة نفسها ، الشيئ الذى يحرر الإنسان حتى من نفسه.
قالت بعد الانتهاء من العزف ، أنها أفتقدت فى رحلتها الفضائية الأخيرة شيئان ، العزف على البيانو والاستحمام بالماء العادى.

مقابلة العمة ريدا لأصدقائها فى استراحة المحطة الفضائية روف

فلا يزال فى هذه الرحلات تستخدم مكونات من الهواء المضغوط للاستحمام وهو ما لا يعطى نفس الاحساس مثل الماء.
بدأت العمة وصف رحلتها بأنها كانت مختلفة كثيرا عن رحلاتها السابقة قبل حدث الانفصال ، ففى الطريق إلى المحطة الفضائية الأولى سجما كان منظر الشمس الصغرى أكثر من رائع وهى تتدرج فى لونها البرتقالى وهى تتحرك منسحبة بهدوء بعيدا عن الشمس الكبرى وكأنها تستأذن الرحيل ، لا بل وكأنها تستعرض استقلالها وأنها أبدا لن تعود إلى أمها الكبرى بعد أن انفصلت عنها.
استفاضت العمة فى وصف الهدوء النفسى الذى تمتع به السائحون خاصة فى الرحلة بين محطتى الفضاء سجما وروف والمناظر الخلابة الطبيعية للكواكب والنجوم والنيازك وهى تسبح حول المركبة.
وحكت لنا عن الجرعات الجديدة المنبهة التى ساعدت السائحين على تقليل الرغبة فى النوم للاستفادة بمعظم ساعات اليوم للاستمتاع ، وعن وجبات الأكل غير الشهية التى تناولوها ولكنها كانت تؤدى الغرض وتعطى الاحساس بالشبع.
وسألتها جاكى عما إذا اتيحت لها الفرصة أن تقابل أصدقاءها على المحطة الفضائية روف ، فقالت العمة : نعم بالفعل وكان لقاءا حميما فأنا لم أراهم منذ رحيلهم للعيش هناك ، أى منذ ما يقرب من تسع سنوات.

الحياة على الكوكب تراجيد

كان اللقاء بيننا من خلال الشاشة الزجاجية فى استراحة المحطة روف ، لأن الدخول إليهم يتطلب بعض التصاريح وأيضا يتطلب استبدال البدلة الفضائية بأخرى مناسبة.
ولقد أعربوا عن سعادتهم بحياتهم على هذه المحطة وانشغالهم بالعديد من المشاريع العلمية المثيرة. وهم يفتقدون إلى الكثير من نمط الحياة على الأرض وينوون الزيارة لنا قريبا.
وعلمت من صديقتى أنها شفيت تماما من مرض السكر بعد فترة قصيرة هناك وبدون تناول الأدوية. ويبحث العلماء والأطباء حاليا هذه الظاهرة للوقوف على السبب الحقيقى وراء الشفاء.
أما باقى الأمسية فأستغرقتها العمة ريدا فى الكلام عن أمنيتها القادمة لزيارة الكوكب تراجيد الجديد الذى هاجر إليه من الأرض ثلاثة آلاف من المتخصصين بعائلاتهم فى تجربة تعد أكثر من ناجحة ، حيث أستقرت حياة الإنسان هناك وولد أول طفل خارج الأرض منذ ثلاثة أعوام وأحتفل مؤخرا بالطفل المائة.
وأعرب د. سامى عن اعجابه بما توصلت إليه هذه التجربة المثيرة وعن شفاء معظم الأمراض المنقولة معهم من الأرض مما شجع فى بناء المزيد من المستوطنات الفضائية فى عدد آخر من الكواكب القريبة.
وأكملت العمة ريدا ، أن مهمتها فى هذه الرحلة ستكون المساعدة فى إنشاء معهد للموسيقى هناك رغم التحديات القائمة حيث أن بعض الترددات السمعية تتداخل مع ترددات الموجات الكونية الغير ضارة الموجودة على الكوكب.
أما ما يقلقها هو أن وسيلة السفر الى الكوكب تراجيد ستكون عن طريق الأنابيب الكهرومغناطيسية وهى التقنية الحديثة للسفر السريع ، ولكنها تقنية لاتزال تحت التجربة.
أما أمنيتها على الأمد البعيد فكانت هى رحلة الزيارة إلى منطقة كوسوتو للاستمتاع بالليل الذى حرمنا منه جميعا السنوات الأربع الأخيرة منذ حدث الانفصال.
وسألتها ما إذا كانت مسجلة فى قائمة الانتظار القصيرة ، فأجابت : لا للأسف وهذا يعنى أن أمامى على الأقل سبعة أعوام قبل أن يصيبنى الدور ، ومع ذلك فأنا أحلم بهذا اليوم كل يوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة