الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاتالونيا، وكلاسيكو يحبس الأنفاس!

آکو کرکوکي

2012 / 11 / 26
كتابات ساخرة


الكل يحبس الأنفاس في العالم، ففي الخامس والعشرين من نوفمبر 2012، توجه الناخبون في أقليم كاتالونيا الإسباني، الى صناديق الإقتراع، في إنتخاباتٍ محلية، ومن المتوقع، أنْ يلي هذه الإنتخابات، أستفتاءٌ على تقرير المصير. حيث كان البرلمان المحلي، قد وافق على إجراء هكذا إستفتاء، بعد الإنتخابات، تلبية لمظاهرات عارمة، أجتاحت مدينة برشلونة. ولو نجحت هذه الخطوة، فستضع أقليم كاتالونيا، الحكومة المركزية بإسبانيا، في مأزقٍ كبير.

رئيس وزراء اقليم كاتالونيا أرتور ماس، أستغل هذه الأجواء، ووجه رسالة الى المسؤولين في مدريد، مطالباً أياهم بالتوقف عن التهديد والوعيد، والكف عن وصف هذه الخطوة، بغير الدستورية، وغير الشرعية، ونصحهم بإتباع خُطى بريطانيا في هذا المجال، التي وافقت في أكتوبر الماضي، على إجراء إستفتاء في أسكتلندا في 2014 القادم، وذلك لتقرير المصير أيضاً.

أجواء من الإثارة، والتشويق، وحبس الأنفاس، تغمر المتابعيين، لِمعرفة رد فعل مدريد على هذه الخطوة، لو دخل حيز التنفيذ. فهل ستأخذ بنصيحة ماس، وتتقبل الخسارة بروح رياضية، مثلما تفعل عند خسارة النادي الملكي، أمام البرسا، دائماً؟

أم ستستعين بقدرات العراق، وتتعاقد مع الشابندر والعسكري لإسداء النصيحة، وتشكل قيادة لعمليات ((عسكرية))، مِن رهط من البعثيين، والفرانكويين القدامى. وتشن هجوماً عسكرياً على الأقليم الإنفصالي، دفاعاً عن حياض وطينة الوطن، ووحدة ترابهِ وسيادته المنقوصة تحت البند السابع. في كلاسيكو خبرتها الحكومات العراقية. مثل خبرة غوارديولا مع البرسا!

وخاصة والحكومة المركزية في مدريد، مثل الحكومة المركزية في بغداد، يعجبها -وفي أوقات معينة فقط - أن تتذكر الدستور والشرعية!

المشاكل بين أقليم كاتالونيا وأسبانيا، حديثة نسبياً، وترجع بالإساس، الى نهاية الثلاثينيات، من قرن العشرين. حين شن فرانكو، جملة من الجرائم الوحشية على الشعب الكاتالوني، محاولاً محو هويتهم، وإخضاعهم بالقوة. ومتسبباً بحربٍ أهلية، حصدت أرواح الملايين. والكاتالونيون لايمكنهم أن ينسوا هذا... حتى اليوم. بالرغم من تمتعهم، بالإنضمام الى دولة أوروبية، ديمقراطية، يسودها القانون، والمساواة، كإسبانيا.

لكن الأحداث هذه، تصبح قديمة، لو قارناها، بجرائم صدام، وحزب البعث، تجاه أقليم كوردستان، قبل حوالي بضعة سنين سابقة. وإن لم تزد... فإنها بالتأكيد لاتقل عنها في مستوى الإجرام والشناعة.

الغريب، إنَّ الكوردستانيين لو تحدثوا اليوم عن هذه الجرائم، سيُنعتون بالعنصرية والإنفصالية، والمعاناة من عقدة الماضي. بالرغم من إرغامهم، على الإنضمام الى دولة إسلاموية، يسودها الفوضى، والفساد، واللاقانون، مثل العراق.

وقد يعترض، على ذلك من يقول: إنَّ المشاكل بين كاتالونيا ومدريد، هي فعلاً أحدث، من مشاكل كوردستان مع بغداد، حيث إنَّ الأمر يعود في الأساس، الى إستيلاء العراق على ولاية موصل العثمانية في 1925، وضمها اليها قسراً، دون رغبة سكانها. وهذا أقدم من الحرب الأهلية الإسبانية، في نهاية الثلاثينيات.

ولكني أعتقد جازماً، إنَّ هذا يشكلُ فرضاً يفتقر الى التعمق، فالفرض الأقرب الى التشخيص الأدق، سوف يعترض على توصيفات كالحديث، والقديم، لوصف هذه المشاكل، بين كوردستان وبغداد تحديداً، فهو ليس بأمرٍ حدث وأنقضى، بل بمشكلة بدأت ولم تنتهي. وسيكون من السهل على هذا الرئي، أن يدلل على إستمرارية هذه المشكلة، ويجد لصدام حسين أشباهٌ كثيرة في العراق، كانت القوة العسكرية خيارهم المفضل والوحيد، للرد على مطالبات كوردستان. فمنذ الزمن الملكي، مروراً بزمن قاسم، والأخوين عارف، الى صدام، والمالكي لاحقاً الموضوع هو هو. والذي تغيير، من الزمن الملكي الى الزمن المالكي هو الألف فقط، أقصد طبعاً ميزانية العراق، التي ضُرِبت في الألف، وجعلنا نستبدل الميك والميراج بالإف سطعش!

كما سبق لنا وذكرنا، فالمثير ليس هو التأريخ، والماضي، وماذا بقى، وماذا أنقضى. بل المثير، ماذا ستفعل مدريد بمأزقها الحالي؟

وكيف ستتصرف لو قرر الكاتالونيون الإستقلال عن إسبانيا؟

وهل ستستفيد من كلاسيكو الحرب بين كوردستان وبغداد، الجاري الآن على ملعب كركوك؟

حين طرحت هذه الأسئلة على صديق لي، رد ضاحكاً: المُقارنة في الأساس خاطئة. فأنت تجلب أوروبا الجميلة الى حضن الشرق الأوسخ، وتساويهم بعضهم ببعض.

وأستطرد قائلاً: ياعزيزي فهؤلاء الأوربيون، صاروا يتناولون، ويتقبلون الأمور، برقة، ومرونة أكثر، ونحن مازلنا نتناوله بشدة وتطرف أكبر. فلو أردت أن تفهم هذا الأختلاف، أنصحك أن تترك التفكير، والكلام بلغتهم، وتتكلم وتفكر مثلنا. ويمكنك أن تبدء مثلاً، من تصحيح ما تسميه ((كاتالونيا))، فهي في لغتنا تسمى ((قاطلونية))!

وعلى فكرة (والحديث مازال لصاحبي)، فهؤلاء قبل أن يكون ضحايا لِفرانكو، فهم ضحايا لجيش من المغاربه، قائدهم كان يسمى ((محمد أمزيان))، رافق فرانكو لنهاية حكمهِ.

رغم ما بدى من سطحية، وقد شابت آراء صاحبنا هذا، وربطه الغريب بعض الشئ بين اللغة، وطريقة التفكير، والسياسة. لكني وبعيداً عن هذا الموضوع، فلا أخفيكم إستغرابي أيضاً، من التشدد الذي أتلمسه، في اللغة العربية حين تتناول بعض الأسماء الأوربية. فلماذا مثلا يتحول في العربية ((توم)) الى ((طوم)) أو ((إيتالي)) إلى ((إيطاليا))؟

حيث إن هذهِ الإسماء أوروبية أساساً، والعربية تملك حرفي التاء والكاف أيضاً، وتتجنب عمداً إستعمالهما هنا!

ولعلني أستطيع الآن أن أقول: إنَّ الذي منعني من الإعتراض، على أرائه حقاً: هو ((سطحيتي)) أنا أصلاً!

لا بل قل: ((سطحية)) ماسمعتهُ دوماً، من بعض الزملاء والأخوة العراقيين، حينما كانوا يسارعون الى إخراسنا، عندما كنا نتكلم كالكاتالونيين، في حق تقرير المصير. فكانوا يمطروننا بوابل من الإتهامات، التي تبدأ بالتطرف، والتشدد، والتشنج وتنتهي الى إتهامنا بالعنصرية، والشوفينية. ولم يكونوا ليتركوا لنا فرصة، كيما نصد هذا الهجوم العنيف، فيستدلوا بأوروبا ويقولوا لنا: أنظروا الى الإتحاد الأوروبي، فالعالم يتوحد، وأنتم تريدون التجزئة، والتقسيم... فما الذي يمنع أن نكون مثلهم؟

ولقد قدر لهذا التصور الخاطئ عن أوروبا، والتشبيه غير العادي بيننا وبينهم، أن يسود بعض العقول فعلاً. وبعيداً عن حقيقة: إنَّ الإتحاد الأوروبي، هو في الأساس، مجردُ سوقٍ إقتصادية موحدة. أما صلاحيات الدول القومية، المُشاركة في هذا الإتحاد، فهي مضمونة لكل أعضائها، بل إنَّ هؤلاء الأعضاء المستقلين، في طريقهم للتجزئة،كالإنفصال المتوقع لكاتالونيا عن إسبانيا.

أما أوروبا نفسها كقارة، فتفرخ دوماً دول جديدة، فمن إنقسام تشيكوسلوفاكيا الى جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، الى الجمهوريات التي أنفصلت عن الإتحاد السوفيتي السابق، الى إنقسام يوغسلافيا على كل من كرواتيا، وسلوفينيا، وجمهورية مقدونيا، ومن ثم الى صربيا، والجبل الأسود، والبوسنة، وكوسوفو. وإنتهاءاً بالإستقلال المتوقع لأسكتلندا، عن التاج البريطاني، في 2014 القادم. هذا غير مطالبات أقليم باسك في إسبانيا للإنفصال أيضاً.

والظاهر إنَّ بعض التشابهات هنا وهناك، يدفعنا دائماً، الى محاولة لعقد مقارنات، ولكنها سرعان ما تدحض، بإختلافات تفرضها الجغرافية، والثقافة، والأهم هي الإختلافات التي تفرضها توازنات القوة.

وإذا كنا قد أطلقنا العنان لتفكيرنا، لعقد المقارنة مع أوروبا، فيمكننا أن نعقد مقارنات أخرى أيضاً. مع أمثلة هي أقرب إلينا، على المستويين الجغرافي، والثقافي معاً.
فمثلاً: ماذا لو شبهت المشكلة بين بغداد، وأربيل، بالمشكلة في السودان، بين خرطوم، وجنوب السودان؟

فمسلسل الحروب الكلاسيكية، إنتهى بإستفتاء لتقرير المصير، وإنشاء دولة جنوب السودان. وهذا من شأنه، أن يرسم مستقبل العلاقة بين كوردستان والعراق أيضاً، سواءاً بحرب أخرى أو دونها.

أو لو تكلمنا عما يسمى دستورياً بمشكلة المناطق المتنازع عليها، مثل كركوك، فلماذا لانقارنها بالمدن والمناطق الفلسطينية، التي قامت إسرائيل بتهويدها، وبنت فيها مستوطنات، ومن ثم فرضتها كأمر واقع على الآخرين. تماماً مثلما جلبت الحكومات العراقية السابقة، وافدين عرب من الجنوب، وبنت مستوطنات في كركوك، وأسكنتهم فيها، وقامت بتعريبها، واليوم تقوم الحكومة العراقية الحالية، ويقوم الغالبية من العراقيين، بفرضها علينا كأمر واقع.

ولو بقينا في الحالة الإسرائيلية -الفلسطينية، فبماذا يختلف الأطفال، والمدنيين الأبرياء، في غزة، واللذين قتلوا بسبب قصف الطائرات الإسرائيلية، عن الأطفال، والمدنيين، اللذين يقتلون ومنذ شهور، من قبل الطائرات التركية في كوردستان؟

فما الذي دفع إذن، جيش من الكتاب والإعلاميين، ممن يسمون باليساريين، والأممين، والليبراليين، كي يهمروا بحراً من دموع التماسيح، ويسيروا نهراً من المقالات المتدفقة يومياً، لإجل الضحايا في غزة، ويمتنعوا سراً، وجهراً، ويصمتوا دهراً، عن الضحايا في كوردستان؟

لربما لأننا في الحالة الأولى، نتناول ضحايا عرب، وفي الحالة الثانية، تتناول ضحايا كورد، فهناك إختلافٌ، ودافعٌ قوميٌ بحت!

أو لربما لإن المقاومة الكوردستانية، تستهدف الجيش التركي فقط، وتطالب بفدرالية ضمن تركيا. أما المقاومة في فلسطين، فلا تفرق بين جيش الدفاع الإسرائيلي، والمدنيين في إسرائيل، ولاترضى بمجرد دولة مجاورة لدولة إسرائيل، بل تريد أن تمحي إسرائيل من الوجود، وترمي اليهود في البحر!

مثلما رئينا، فلا من حالة تشبه حالة أخرى تماماً، والإختلافات دائماً في المرصاد، في وجه أي مقارنة، نعقدها هنا وهناك. فحتى مبادئ حقوق الإنسان، والمساواة، التي يتشدق بها الجميع، والتي من المفترض، أن لاتختلف، بإختلاف الزمان، والمكان، والقومية. نراها وقد أختلفت، بحكم القوة، والغلبة.

وهذا أمرٌ، ينسجم والمسار التأريخي أيضاً. فلا من مرحلة تأريخية تشبه الأخرى. فالأمسُ، ليس مثل اليوم. ولن يكون اليوم مثل غد.

ولربما هذا مادفع نائب وزير البيشمركة، في أقليم كوردستان، لئن يصف التطلعات، التي تراود مخيلة المالكي، والجيش العراقي، بإحتلال أربيل مرة أخرى، مثلما كان يفعل صدام سابقاً بـ...((حُلم البِعران))!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي