الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طقوس عاشوراء

خالد صبيح

2012 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




طقوس عاشوراء غدت أداة سياسية وثقافية فعالة ومؤثرة بيد السياسيين ورجال الدين الشيعة في العراق. فقد تحولت من طقوس شعبية إلى أداة لقمع الآخر وابتزازه ولتعزيز الرصيد الذاتي، السياسي والمادي والرمزي لهذه القوى. في أيام عاشوراء عُطلت معظم محطات التلفزة برامجها الاعتيادية وأخذت تقدم فعالية واحدة، طويلة ومملة، هي عزاءات كربلاء والمدن الأخرى. وأخذ الجميع يتسابق ويتهافت على إعلان ولاءه للمزاج العام، وبدا في تلك الأيام وكأن الدنيا ليس فيها حدث، وان التاريخ لم تقع فيه واقعة غير واقعة ألطف ومقتل الحسين بن علي. وتسابق (المثقفون) على الفضائيات وفي الصحف للحديث عن (المزايا) و (المدلولات) التاريخية والرمزية والجمالية لهذه الواقعة التاريخية باعتبارها مصدر الهام فني وأدبي واسع، مسرح ورواية وشعر... الخ.. ولم يتأخر أبناء الديانات الأخرى في تقديم ولائهم بإعلان الحداد والمشاركة ببعض جوانب الطقوس، وهو أمر لم تكن له سابقة في حياة العراقيين، مما يعزز شبهة الابتزاز الضمني والخفي الذي أنتج هذا السلوك، وهو على العموم سلوك يجلب العار على الطرفين، الخائف والمخيف. وأقول لمن يعترض بان ليست هناك ضغوطا مباشرة وفعلية تمت ممارستها على الآخرين، من أتباع ديانات وغيرهم، لفرض الولاء عليهم من خلال مشاركتهم في طقوس عاشوراء، ان هذه الضغوط وأشكال الابتزاز خفية ومضمرة، ناعمة، تمارس تأثيرها على الفرد والجماعة دون ان تكون مشفوعة ومدعمة بإجراءات عملية مباشرة، تماما كما تفعل النظم الفاشية والشمولية التي يكون الإرهاب فيها داخلي ومسحوب إلى أعماق النفس ليمارس تأثيره بدون أية محرضات خارجية مباشرة.

من جانب آخر صارت هذه الطقوس ميدان صراع بين القوى الشيعية نفسها، فكل جهة تحاول ان تدعي شرعية التمثيل الحقيقي لممارسة الطقوس لما لهذه الطقوس من بعد تاريخي مقاوم (للظلم والطغيان)، وان هذا الطرف هو الأحق بالانتماء لهذه الطقوس ولرموزها من الطرف الآخر المنافس، حتى اخذ هؤلاء يبتزون بعضهم البعض، فما ان يختلف طرف منهم مع طرف آخر إلا وألصق به تهمة (السعي لتعطيل الشعائر الحسينية). وهنا ينبغي التأكيد على ان ما وصفه بعض الكتاب والسياسيين، بغبطة، على انه تحول نوعي في مزاج الجماهير عندما أخذت في هذا العام تضمن شعاراتها في المواكب انتقادات للحكومة وفسادها ما هو إلا شكل من أشكال المنافسة وامتداد لها ولاصلة له، برأيي، بتحول في وعي ومزاج الشارع والجماهير، (فالجماهير) العراقية ماتزال مغيبة طوعا ومستنفدة القدرة على التفكير تماما. وأخمن ان وراء هذه الهتافات والشعارات الناقدة للحكومة والناقمة عليها، هو التيار الصدري لأنه دأب منذ البداية، وبسبب من نزعته الراديكالية، وميوله الإقصائية، ومزاج العنف والقسر الذي يطبع سلوكه العام ونظرته للأخر، دأب على ان يضع نفسه كنقيض وناقد لكل الأطراف السياسية الشيعية الأخرى، حكومية وغير حكومية، فهو تيار يختلف مع الجميع ويأمل بانفراد كلي بالشارع وبالسلطة.

لقد باتت مناسبة عاشوراء مناسبة لاستعراض القوة ووظفت من اجل ابتزاز المواقف وتقديم الولاءات تماما كما كانت تفعل النظم الشمولية في مناسباتها القومية و (الثورية) حيث تهيج الجمهور وتشحنه هستيرياً بالشعارات والمواقف التي تفرضها عليه من خلال المسيرات والتحشدات العامة حيث يعلن الجميع الخضوع المجازي، الرمزي، لقوة السلطة. وهذا هو ما وقع في واقع الحال في عاشوراء؛ مسيرات من كل الأطياف شملت حتى تلاميذ المدارس الذين شكلوا مواكبهم الخاصة. لكن الفارق في طقوس عاشوراء عن تحشيدات النظم القومية والفاشية هو ان هذه الطقوس متوزعة الانتماء بحسب تعدد القوى الشيعية، وهو تعدد مؤقت، فالصراع بين هذه القوى لابد ان يفضي ذات يوم إلى تركيز القوة وبالتالي ممكنات الولاء بيد احد أطرافها. هذا بالإضافة إلى مايطبع ممارسة هذه الشعائر من قناعة واندفاع ذاتيين لدى عامة الشيعة، وهنا يكمن بالذات منبع خطر استخدامها وتوظيفها.
هناك جانب أخر مهم هو ان هذه الطقوس، بقدر ماتكون أداة استقطاب لبعض القوى فأنها تكون في نفس الوقت أداة تفتيت للمجتمع وتقف، إلى جانب أشياء أخرى، حجر عثرة في طريق ولادة أو إنضاج فكرة الوحدة الوطنية المرتكزة على ثوابت جامعة، لهذا، وغيره، لايمكن ان تكون لدينا،نحن العراقيين، حركة جماهيرية واعية وحيوية مثل تلك التي في بلدان أخرى كمصر وتونس مثلا لننتج ثورتنا (الميدانية).

طقوس عاشوراء محور صراع سياسي وثقافي واجتماعي ينبغي التركيز عليه. وان الخضوع لابتزازات القوى الدينية في هذه المناسبة هو، برأيي، أول واكبر مقدمات الهزيمة الشاملة للمجتمع كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س