الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تثاؤب البشر في زمن التيه..

محمد امباركي

2012 / 12 / 7
الادب والفن


صــمـت الكــلام..
تثاؤب البشر في زمــــــن التيــــه..

عندما يجف القلم أو يضرب عن النزيف ينتاب كل مولع بحرقة السؤال إحساس عميق بتوقف نبض القلب و خلود خلايا الدماغ الى راحة تنبئ بنهاية قلق هو الذي يمنح للحياة معنى..آنذاك فقط تبدو أمامك- أيها المجنون بعشق الكتابة و نسج حروف هامش ممزق- هذه البسيطة صحراء جرداء عارية من كل لوحات الخصوبة و يغطيها صمت رهيب عدا نهيق خفافيش غارقة في الحلكة، فوق ظهرانيها جلد النوق و على رؤوسها عباءات سوداء و تنتظر العواصف و الزوابع القادمة من بعيد لتخفي قبحها و نزوعها النرجسي إلى صنع فتاوى القصاص باسم تعال الهي خادع سرعان ما يكشف عن عاهاته أثناء موسم الهجرة إلى أوكار التراشق بالنبيذ و الجسد و الرقص حيث تصرف عائدات الذي سموه "ذهبا اسودا " فتشيد قصور على جنبات الأوكار تلك..
لما –تعجز أيها الحالم بخلاص " سيزيف " من عذاب الصخرة الأبدي – عن التفكير و فك رموز حيرة زمن الفسيفساء هذا و تداخل حروف اليسار بحروف اليمين، تشعر أنك ولدت رغما عنك و في مكان وزمان لم تختر هما فتمتطي قوارب موت غير معلن..و يخيل إليك آنذاك أنك تسير بخطى بطيئة في شوارع مدينة منغمسة في الصخب و الرقص الجنوني و الإدمان بمختلف فصيلاته سوى فصيلة "السؤال"..مدينة تشبه " الهونغ كونغ" كما تشيدها فلموغرافية " العم "سام" حيث العنف يعانق العنف..
و السماء تضم بين ذراعيها أرضا يغطيها دخان ينبعث من السيجارة و الحانات الجوفية و السيارات
و القطارات السريعة و فوهات المسدس..و الجثث المحروقة و تثاؤب البشر..
تذهب إلى المقهى –كعادتك – أيها الحامل ل "مشروع حلم جماعي " كما تسعى دائما إلى إقناع نفسك..تطل من نافذة صغيرة و أنت تتلذذ بفنجان قهوة معصورة عصرا تكتمل لذتها حين لا تفارق السيجارة شفتيك الرماديتين..تتأمل المارة معتقدا أنك تفكر بكل قواك الذهنية بحثا عن خلاص لبشر غير منسجم.. يلهث لهثا وراء معدته..وراء اقتناء آخر "موديلات" الاستهلاك و الكلمات المتقاطعة و قنوات
و برامج الجنس و الدين..أنظر لهوية البتر ودولار و أنظمة البداوة النفطية.. فليس هناك أية مشكلة أن يكون مالك قناة " الفتوي الفضائية " و " التدين الرقمي " هو نفسه مالك قنوات العري و استنهاض الهمم الجنسية لهذا البشر المصاب بجوع تاريخي الى الديمقراطية..
لكن فجأة تبدو ابتسامة غريبة تغطي شفتيك -أيها الشبيه بالمثقف - كأنك انتصرت ووجدت ما يريح قلقك .. فتخاطب نفسك قائلا " هذه الهوية صاغها تاريخ مركب من الحروب المقدسة و المؤامرات و المكائد العريبة الإسلامية و الفكر الميت..أو ليس تاريخ العرب هو تاريخ حروب العرب سواء في الشعر أو في ساحة الوغى؟..تاريخ حروب العرب ضد العقل و العقلانية و الرؤية المنسجمة للعالم؟.." بهذا القول تتأهب بزهو و تنتشي بارتشاف السيجارة ثم تنظر إلى ساعتك و فجأة تصيبك رعشة شديدة الوقع..لأنه مر عليك وقت طويل تكتشف عبر "طفاية" مملوءة عن اخرها بعقاب السيجارة أنك لم تقل شيئا ..لم تكتب شيئا..كنت فقط تحلم ، بل تتوهم..و أنك لست مختلفا عن الكائنات المحيطة بك و هي منهمكة في احتساء القهوة و استهلاك سلطة الرصيف الخامسة..لتتأكد أخيرا أن غضب القلم منك و فقدان ولع الكتابة عن صراخ نساء و أطفال صبرا و شاتيلا و تل الزعتر و دير ياسين و معسكر أنصار.. و شباب و شيوخ بابل..و "ديمقراطية السياح " في بلدك..يجعلان منك عرضة لقمامات "الفكر المأجور" و يعيدانك إلى صخب "الهونكونغ" ..بل هذه المرة الى "بومباي" حيث تلتقي بعبقرية و نبي هذا الزمن الرديء "فوكوياما" فتسأله على التو كالبلهاء " ما الذي يحدث ؟" ..وبدعابة العم "سام" و ثقة قارئة الفنجان يجيبك : " ألم أقلها؟ ..نهاية التاريخ..
محمد امباركي
الناضور فبراير 1994








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا