الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور الجماعة (2.مخاطر الدولة الدينية)

عمر أبو رصاع

2012 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الدساتير في العادة لا تحتوي على أي نصوص أو عبارات مرسلة وشعارات (كلاشيهات)، لا سبيل إلى تحديد سياقها التطبيقي، وعلى خلاف ذلك جاءت الدساتير العربية بعيد الاستقلال خاصة في المادة التي تقرر أن "الاسلام دين الدولة"، والمشكلة في هذه العبارة هي أننا لا نعرف ولا نسطيع أن نحدد السياق القانوني لها وكيفية تطبيقها، ولن تقف على أثر لمثل هذه العبارة في التاريخ السياسي للعرب المسلمين، كذلك لن تجد مصطلح الدولة المسلمة أو "الاسلامية" إلا في الأدبيات التي لا يزيد عمرها عن قرن.
نستطيع أن نفهم أن يكون الفرد مسلماً، بما يعنيه ذلك من اعتقاد ومن سلوك تعبدي ينتج عن ذلك الاعتقاد، لكن كيف تكون الدولة مسلمة وما معنى وجود هذا النص في الدستور؟!
الدولة لا تأتي بأي فعل تعبدي ولا تمارس طقساً، فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تدفع زكاة ولا تحج إن استطاعت للحج سبيلا، من يفعل ذلك هم الأفراد، فإذا كان ذلك النص يتجلى في التطبيق من خلال احترام الدولة للمناسبات الاسلامية كالجمع والاعياد الدينية، فهو لا يزيد هنا كما ذكرنا عن أن يكون "كلاشيه" شأنه شأن التقرير بأن شعب هذه الدولة "جزء من الأمة العربية"، لأن هذا النص أيضاً لا يستتبع أي تطبيق عملي قانوني، إذ لا يمكن أن يحتج محامي أمام أي محكمة بهذا النص في أي قضية أياً كان نوعها، أو أن يستند إليه قاض في أي حكم يصدره، أو ان يستبع سلوكاً عاماً للدولة!
الحقيقة أن مثل هذه الكلاشيهات لا يوجد لها أي مثيل أو أثر في أي دستور في العالم، خارج دائرة الأمم والشعوب ذات الاغلبية المسلمة، مع ذلك فإن هذا النص لم يكن عائقاً أمام المشرِّع يحول دون صياغة دستور دولة مدنية، ولا يعدو كونه تقرير في أحسن الحالات لكون أغلبية مواطني الدولة مسلمي الديانة، رغم أن الدستور ليس بطاقة تعريف عن الهوية الدينية وبالتالي فالنص هنا لزوم لما لا يلزم.
وأما مصطلح الشريعة الاسلامية، فلم يكن موجوداً في دستور 1923 ولا الدستور المقترح عام 1954 ولا في دستور 1956، وعملياً كان أول ظهور لمصطلح الشريعة الاسلامية في الدستور المصري في عهد أنور السادات عام 1971، إذ جاء في المادة الثانية منه: " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع" للأسف تاجر السادات هو الآخر بالشريعة ليمرر في نفس حزمة التعديلات الدستورية ما يمكنه من الترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية، وكالعادة استُعمل الدين واستُعملت الشريعة مادة للتجارة السياسية، يوظفها الساسة ليصلوا إلى السلطة وليضفوا الشرعية على أنفسهم وعلى سياساتهم ولينتصروا على خصومهم.

ثم تم تطوير العبارة في الدستور الجديد المقترح لتصبح "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وعززت بنص المادة 219 من الدستور المقترح "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة." والتي سنأتي للحديث عنها لكن قبل ذلك ما هي الشريعة الاسلامية؟
الحقيقة أنه لا وجود لمصطلح "الشريعة الاسلامية" لا في القرآن ولا في ما نقل إلينا عن الرسول الأعظم من أحاديث، وتعريفها بالضرورة إذن اصطلاحي ونتاج اجتهاد بشري.
عصام العريان القيادي الاخواني مثلاً في معرض رده على سؤال عن المقصود بتطبيق الشريعة الاسلامية من وجهة نظر الاخوان المسلمين، قال: "الشريعة الاسلامية ليست قواعد قانونية، الشريعة الاسلامية منهاج حياة للفرد والبيت والمجتمع والدولة" واستعرض العريان أمثلة تعكس رأيه في التطبيق من تجارب الدول المختلفة مع الحجاب مثلاً في مصر وتركيا والسعودية وايران ليخلص إلى أن الإلتزام بأي تعليم ديني مسألة تنبع من الداخل، وأن السبيل فيها هو الدعوة والاقناع لا الاكراه بالقوانين والانظمة.
فيما يرى وجدي غنيم أن الشريعة هي: "الحق العدل المساواة الحرية وحد الكفاية" ويضيف" إذا حكمتني بها احفظها بالحدود" فالشريعة حسب وجدي غنيم هي الحق والعدل والمساواة والحرية وحد الكفاية والحدود ليست الشريعة ذاتها، وإنما الحدود لحماية الشريعة، وقد شبهها بسور المنزل في حديثه أو بالاسلاك التي تحوطه، ويذهب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي البارز سابقاً في الجماعة ومرشح الرئاسة الخاسر في الانتخابات الأخيرة، إلى أن الشريعة لا تفرض قهراً وغصباً، أكثر من ذلك يرى أن النظر بسخرية إلى شارب الخمر مثلاً لا يجوز لأن فيه قهراً معنوياً حسب تعبيره، وأن واجبه كمسلم تجاهه يتمثل بأن ينصحه، وحمل بشدة على من يريدون فرض رؤيتهم للتعاليم الاسلامية والشريعة الاسلامية على الافراد في سلوكهم معتبراً أنهم أولى باصلاح انفسهم.
فإذا كانت الشريعة هي الحق والعدل والمساواة والحرية وحد الكفاية بالأساس، فإنه لا يوجد دستور في العالم تقريباً لا يتبنى هذه القيم، بحيث تسعى سلطات الدولة إلى تمثلها وتحقيقها وصيانتها.
فهل كان الحكم الاسلامي قائماً والشريعة مطبقة في العهود الماضية؟
حسب رأي أبو القتوح فأن الحكم الاسلامي كان ولا زال قائماً في مصر منذ اربعة عشر قرناً تخللها بعض الخلل من فساد واستبداد وانحراف حسب رأيه.
أما الشيخ صلاح أبو اسماعيل والذي يعتبر من أكثر الناس تشدداً في فهمه للشريعة الاسلامية، فنجده في كتابه "الشهادة" ينقل لنا أن القاضي سأله: "هل تقطع بعدم اتفاق أي نص من نصوص التشريعات السارية مع أحكام الشريعة الاسلامية؟" فكان جوابه: "بالنسبة للحدود لا مجال لها في تشريعاتنا، وبالنسبة للتعزير فإن قانون العقوبات يصلح لأن يكون قانوناً للتعزير، وبالنسبة للمعاملات المالية إذا حذفنا الربويات وإذا عدلنا بعض أحكام التأمين فإننا نقترب من الشريعة الاسلامية" واضح أن الشيخ صلاح (وهو بالمناسبة والد حازم صلاح المرشح المستبعد من سباق الرئاسة) ينظر إلى الشريعة بوصفها احكاماً، وأن ما نحتاجه حتى نقترب من الشريعة اضافة تطبيق الحدود وحذف الربويات من المعاملات المالية وتعديل بعض احكام التأمين.
بداية لا بد من أن نفهم أن العقوبة التعزيرية يؤخذ بها حتى في الجرائم التي تستوجب حداً إذا لم تتوافر شروط اقامة الحد فيها، والحقيقة هي أن أغلب العقوبات في تاريخ القضاء عند المسلمين كانت تعزيرية، والعقوبة التعزيرية هي اجتهاد وضعي، بمعنى أنه متروك تقديرها سواء للقاضي أو للمشرع الارضي لأنه لم يرد فيها نص قاطع ولا تستوجب حداً، ولمن لا يعلم فإن الحدود المتفق عليها في الاسلام ستة فقط هي: حد الزنى وحد القذف، وحد شرب الخمر، وحد السرقة، وحد قطع الطريق، وحد البغي، وورد في الأثر عن أنس بن مالك قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبحت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: ((أليس قد صليت معنا؟)). قال: نعم، قال: ((فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك)). متفق عليه"
هذا الأثر يقطع بأن انزال الحد كعقوبة ترك هنا لتقدير ولي الأمر وللنبي الأكرم المثل الأعلى، فلو كان انزاله ملزماً بقطع الدلالة لما توانى النبي عن انزاله بالفاعل كما جاء في الاثر المتقدم وإلا لخالف – حاشاه - أمراً إلهياً، والواضح أن اقامة الحد عقوبة قصوى لا يجوز تجاوزها، أي هو الحد الأقصى للعقوبة التي يمكن انزالها بفاعل ذلك الجرم، وهو ما فهمه وعمل به الفقهاء والقضاة المسلمون من خلال تفعيلهم لما اسموه بقاعدة "درء الحدود بالشبهات".
هذا فضلاً عن أن شروط اقامة الحد حسب ما قرر الفقهاء تقترب من درجة الاستحالة، فلا تقوم إلا بالاقرار بالذنب، أو بشهادة العدول؛ على ما في شرط العدالة من صعوبة في التأكيد خاصة كلما كبرت المجتمعات وتعقدت اشكال العلاقات الاجتماعية، ولك أن تتخيل معنى أن يكون القاضي مطالب بالتأكد من عدالة شاهد يقف امامه بحيث يعرف "أحواله وصدقه ودينه ومروءته" في دولة تعداد سكانها بالملايين.
اما فيما يتعلق بما ذكره الشيخ صلاح أبو اسماعيل حول المعاملات الربوية، ففيه خلاف جذري طويل عريض، وكما أن هناك فتاوى تحكم بأن معاملات البنوك التجارية هي معاملات يقع فيها الربا، فهناك فتاوى أخرى مشهورة تقول بعكس ذلك بعضها لأكثر من شيخ من شيوخ الأزهر، حيث استندت تلك الفتاوى إلى أن شروط الربا لا تتحقق في تلك المعاملات المصرفية.
عموماً، إذا كان الحال كذلك فإلى أي مدى هناك فعلاً مشكلة عظمى في دولنا هي مشكلة عدم "تطبيق الشريعة"؟! أما إذا كانت الشريعة فعلاً في امتثال قيم الحق والحرية والعدالة والمساواة وحد الكفاية، فكلنا معاً نقول نعم هذه كانت وستظل الغاية والهدف ويجب أن ننشدها جميعاً دون توقف.
إلا أن الخطاب السياسي الذي يتذرع بشعار "تطبيق الشريعة" يصور المشكلة وكأنها في تطبيق الحدود الستة، وبشكل خاص ثلاثة منها تتعلق بالسرقة وشرب الخمر والزنى، مع الأخذ بالرأي التحريمي لمعاملات البنوك التجارية، فهل هذه هي مشكلة تطبيق الشريعة الاسلامية؟! خصوصاً وأن التشريعات الوضعية لم تتجاهل تجريم الزنى أو السرقة ولم تتركها دون عقوبة.
ما نخشاه فعلاً هو أن تكون تلك كلمة حق يراد بها باطل، أو مجرد شعار سياسي تعبوي لا يملك اصحابه مضموناً حقيقياً من شأنه أن يحدث فرقاً جوهرياً، إلا أن يكون وسيلة لفرض نوع من الكهانة الدينية على المجتمع، هي أبعد ما تكون عن روح الدين نفسه بل وعن صريح ما جاء بكتب الله عز وجل.
أما إذا كانت الشريعة فعلاً كما قال وجدي غنيم وغيره من أنها الحق والحرية والعدالة والمساواة وتأمين حد الكفاية للإنسان، فتعالوا إلى كلمة سواء نعلن فيها جميعاً أن هذه هي القيم العليا للدين وللدولة معاً، ونعمل فيها من أجل هذه القيم ومن أجل سيادتها وتمثلها، فمن منا لا يتوق إلى الحق والحرية والعدالة والمساواة وتمكين الإنسان من حد الكفاية؟!
ثم ما هي موجبات المادة 219 إذا كانت هذه هي الشريعة التي نريدها جميعاً ونقبلها مسلمون ومسيحيون بل وبشر من كل ملة وهو الأصوب ذلك أن الشريعة توافق الفطرة.
النص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة." يصبح احالة واضحة إلى فقه بعينه داخل حرم المدارس الفقهية، وإلى اجتهادات بشرية بعينها دون غيرها، أوليست القواعد الاصولية والفقهية مثلاً من وضع علماء بشر؟ ولماذا لا يحال على كتاب الله صراحة في مبادئ الشريعة، بل لمّا كانت تلك المبادئ واضحة صريحة بل وانسانية الطابع "الحق والحرية والعدالة والمساواة وحد الكفاية" فلتكن كما هي على هذا النحو واضحة صريحة في الدستور، أو لتبقى الصيغة بالنص على أن "مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيس للتشريع" وكفا، فلا داعي لنص المادة 219 الذي سيكون مدخلاً لمشاكل لا حصر لها.

ثم ما هو الداعي لاقحام نص خاص بمؤسسة الأزهر في الدستور؟!
"الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على
كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر
والعالم. ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.
وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين
أعضاء هيئة كبار العلماء.
وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون."ّ المادة (4)
هذه أول مرة في تاريخ دساتير الدول العربية، يتم فيها ادخال نص يخص مؤسسة دينية اسلامية، وهذه بادرة خطيرة ليس فقط لأنه لا كهانة في الاسلام ولا وجود اصلاً لسلطة مؤسسات دينية فيه، بل كذلك لأن الدستور أعطاه دوراً خاصاً وحساساً يتمثل بأخذ "رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الاسلامية"، فعبارة "يؤخذ رأي" قد تعني اخذه استئناساً وقد تعني أخذه لزوماً، فإذا أصبح رأي الأزهر في الشؤون المتعلقة بالشريعة الاسلامية والتي مبادئها كما قرر الدستور نفسه "المصدر الرئيسي للتشريع" ملزماً، فنحن أمام مرجعية دينية للدولة هي هيئة علماء الأزهر وشيخها لا تكاد تختلف عن المرجعية الدينية لمرشد الثورة في ايران، وهكذا يصبح في الدولة المصرية أربع سلطات هي التشريعية والتنفيذية والقضائية والأزهر!
وأما إذا كان على الاستئناس فلا معنى لذكر ذلك كله في مادة دستورية، إذ أنه من الطبيعي أن تعطي تلك الهيئة رأيها حيث يلزم شأنها شأن غيرها.
ومع ذلك ورغم خطورة هذا المدخل برمته، فإن الدستور يميز بين الازهر والكنيسة من حيث درجة الاستقلال عن سلطات الدولة، بأن نص في نهاية المادة الرابعة منه على أن "كل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون." أي أن كل ما قررته المادة بشأن الأزهر يكون على النحو الذي ينظمه القانون، طبعاً القانون يأتي من السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الشعب، بينما نجد أن نفس الدستور يعطي المسيحيين في كنيستهم ودون قيد ذلك بقانون، الحق في اختيار القيادات الروحية، فمجلس الشعب حسب هذا الدستور لا يحق له التدخل في طريقة اختيار بابا الكنيسة مثلاً، بينما هو الذي يضع القانون الذي يحدد طريقة اختيار شيخ الأزهر.
أما المادة الثالثة من الدستور ونصها:
"مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات
المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية."
فقد حصرت ذلك بالمسيحيين واليهود (رغم أن آخر يهودي مصري مات قبل سنوات) دون اتباع الشرائع أو المذاهب الدينية الأخرى، والموجودين فعلاً مثل الشيعة والبهائيين، وكان الأولى أن تلغى المادة الرابعة الخاصة بالأزهر وتفتح المادة الثالثة ليكون نصها: "مبادئ شرائع المصريين المصدر الرئيسى للتشريعات، المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية" غير ذلك فإن المادتين الثالثة والرابعة تتعارضان صراحة مع مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
أما المادة 43 من الدستور "حرية الاعتقاد مصونة.
وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون."
السؤال من الذي له الحق في تحديد الاديان السماوية؟ هل البهائية مثلاً دين سماوي؟ البهائيون يعتقدون أنها كذلك، بينما يقتصر وصف الاديان السماوية عند المسلمين على: اليهودية والمسيحية والإسلام فقط، وبالتالي فالدولة لا تكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة لخمس وعشرين ألف بهائي مصري بينما تكفل ذلك للسواح اليهود القادمين من اسرائيل مثلاً.
اما المادة 44 والتي نصها : "تُحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة." فواضح أنها وضعت تحت تأثير الموجة الأخيرة من الاساءات التي حدثت في بعض دول العالم للرسول الأعظم، ورغم تفهمنا الشديد للنوايا الحسنة التي تقف خلف مثل هذه المادة، فلنا أن نسأل كيف يتم تحديد الرسل والانبياء، وما هي المعايير التي على أساسها يمكن أن نحدد معنى "الاساءة والتعريض"؟ ثم أنك تجد بالضرورة داخل المعتقدات بل والنصوص الدينية ما قد يعتبر اساءة وتعريض بنبي أو رسول في دين ما، بينما لا يعتبر كذلك في دين آخر(قصة لوط وبناته في التوراة مثلاً)، كذلك قد تصبح هذه المادة قيداً على بعض أشكال البحث الفكري الرصين، فهل عدم الايمان برسول أو نبي ما واعلان ذلك الرأي يدخل تحت باب التعريض والاساءة أم تحت باب حرية العقيدة والفكر؟ لذا فالأولى أن تنصرف المادة إذا كان لا بد منها إلى حظر تناول الأديان والمعتقدات والمقدسات الدينية بسخرية واسفاف.
المادة (10) من الدستور ونصها:
"الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية.
وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى
تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة
نحو أسرتها وعملها العام.
وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة"
ككثير من مواد هذا الدستور، تحوي هذه المادة جمل انشائية أنطباعية أكثر مما تحتمل مادة دستورية، حيث استخدمت فيها مصطلحات فضفاضة الدلالة بما لا ينسجم مع طبيعة المواد الدستورية التي تتطلب الدقة والتحديد والوضوح، فما معنى "الطابع الاصيل للأسرة المصرية" مثلاً، ثم كيف تحرص عليه الدولة؟ والأخطر أن على المجتمع أيضاً أن يحرص عليها؟ كيف يمكن للمجتمع ان يرسخ القيم الأخلاقية ويحيمها؟ وهل يجوز الاحتجاج بهذه المادة لانشاء جماعة لترسيخ القيم الاخلاقية وحمايتها على غرار جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموجود في المملكة العربية السعودية، بدعوى أن "الحرص على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها " منوط بالمجتمع أيضاً بموجب الدستور؟ هذا فضلاً عن أنها كمادة دستورية توحي بالكثير من الوصاية على الأسرة من قبل الدولة والمجتمع وتفتح باباً عريضاً أمام المشرع لاستخدام القانون في التدخل في شؤون الأسرة وتفتيت نظامها بدعوى حمايتها والحفاظ على الدين والقيم والاخلاق.
كذلك عبارة "عناية وحماية خاصة" في آخر المادة، فما معنى عناية وحماية خاصة؟ وكيف يمكن ترجمتها بالضبط؟ إذ هل تلزم هذه العبارة الدولة مثلاً بتأمين حد الكفاية لها على أقل تقدير؟!
وقس على ذلك في الكثير من العبارات الواردة في هذا الدستور. –يتبع بالمحور الثالث والأخير-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء