الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»

جمال البنا

2012 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى سنة ١٩٥٦م عندما تآمرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، فيما سُمى بالعدوان الثلاثى، وزحفت جيوش إسرائيل على سينا، بينما هاجم الأسطول البريطانى بورسعيد، لم يجد جمال عبدالناصر منبراً يُسمع المصريين صوت مصر إلا منبر الجامع الأزهر.. ومن منبر الأزهر أعلنها مدوية «حنحارب».

ترى لو كان السيد وزير الأوقاف موجوداً وقتئذ.. هل كان يمكن أن يقول لعبد الناصر: إن المساجد لها حرمة ودورها أداء الشعائر.. لا إعلان الحرب؟

لقد كانت «دور العبادة» من مساجد وكنائس هى المهد الذى حوى الأديان الناشئة، كانت أشبه بالرحم الذى يضم الجنين ويحميه، ومع تقدم الدعوة الدينية أصبح المهد هو «المنتدى» و«البرلمان» للدعوة، فيه تناقش الأمور، وفيه تعرض القرارات، كانت الصيحة «الصلاة جامعة».. دعوة للمسلمين لكى يهرعوا للمسجد لا ليؤدوا صلاة، ولكن ليسمعوا أخبار أنباء الانتصارات، وليحضروا قسمة الغنيمة، وقبل الانتصارات كان المسجد هو مركز الدفاع عن الإسلام شعراً، والرد على هجاء المشركين، وأقام الرسول لحسان بن ثابت منبراً لينشد، وفيه جاء الذين أسلموا من قريش ليعلنوا إسلامهم، وأنشد الشاعر قصيدته: «بانت سعاد فقلبى اليوم متبول»، ولم يصده أن كان فى المسجد - وأن الأمر دفاع عن الإسلام والرسول - أن يتغزل فى محبوبته، كما كان دأب الشعراء وتقبل الرسول ذلك ومنحه بردته، وخصص الرسول جانباً من المسجد يطلق عليه «الصُـفة» لفقراء المسلمين ممن ليس له قبيلة أو مأوى يعيشون فيها، وكان منهم أكبر المحدثين «أبو هريرة»، بينما خصص عمر ساحة للشعراء.

وفى المسجد عقدت البيعة للخلفاء الراشدين.

كان الجامع فى الإسلام هو أداة لتحقيق الديمقراطية وإعلان رأى الجماهير ومراقبة الحكام ومتابعة تصرفاتهم، وفيه وقفت امرأة ترد على أمير المؤمنين المطاع - عمر بن الخطاب - لأنه أراد أن يحد من قيمة المهور التى تغالى فيها الناس، فقالت: «ليس ذلك لك يا عمر.. وسألها الخليفة: لم؟ فقالت: لأن الله تعالى يقول: «وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً» (النساء: ٢٠)، فقال عمر: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».

وعندما توسع المجتمع الإسلامى، وانتشر الإسلام كانت المساجد هى ساحات العلم والثقافة والمعرفة، وداخلها نشأت المذاهب الإسلامية المقررة، بل تطورت أساليب ممارسة المعرفة بحيث وضعت أصول الدراسات الجامعية التى تطبقها حتى الآن أعرق الجامعات البريطانية من حرية الدراسة ومن العلاقة الوثيقة بين الدارس والأستاذ، ومن استبعاد القيود والشروط.. إلخ، بل إن كلمة «جامعة» إنما اشتقت من التعبير الإسلامى «جامع»، وقد ظل الأزهر يحمل اسم «الجامع» الأزهر قبل أن يجعلوه «الجامعة الأزهرية».

ومن مائتى سنة كان شيوخ الأزهر هم القادة الطبيعيين لشعب مصر، وهم الذين كانوا يقودون الجماهير للانتصاف فى ظلم المماليك، وأعظم من هذا أنهم هم الذين جعلوا من محمد على حاكماً وألبسوه خلعة الولاية، وأعلنوا الحرب على الحاكم الذى أرسله الخليفة التركى من الآستانة، وحاصروه حتى اضطر الخليفة أن يستقدمه، وقد ولى الشيوخ «محمد على» الحكم سنة ١٨٠٥م واشترطوا عليه أن يحكم بالعدل وإلا أقالوه، فهل هناك صورة من سيادة الشعب أوضح من هذه الديمقراطية الطبيعية المباشرة.

وقد أكد صفوت الشريف فى أيامه الخالية: إنه التزاماً من الدولة من منطلق مسؤوليتها فى الحفاظ على حرمة أماكن العبادة لتحقيق رسالتها الإيمانية على الوجه الأكمل، واحتراماً لقيم ومشاعر الساعين للعبادة الخالصة لله تعالى، واستكمالاً لإجراءات تنظيم كل ما يوفر احترام وهيبة أى نشاط فى بيوت الله جاء هذا المشروع للحفاظ على حرمة أماكن العبادة. وأوضح أن الدستور أقر نصوصاً قاطعة حول حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ولكن حرية ممارسة هذه الشعائر لا تبيح استخدام دور العبادة لأمر غير ذى صلة بممارسة الطقوس، أو أن تكون دور العبادة ساحة للجدل فى قضايا بعيدة عن الدين والاعتقاد، وعلى نحو يخل بحرمتها ويدنس قداستها وقدرها وسمو رسالتها، ولهذا جاء مشروع القانون، مانعاً لممارسة أى شكل من أشكال التظاهر داخل دور العبادة وساحاتها كما نص على معاقبة كل محرض على التظاهر.

نقول هذا كلام معسول يراد به تكميم الأئمة والخطباء عن أن يتحدثوا إلا كما تريد لهم الحكومة، كما أن الغالبية العظمى من دول العالم لا يوجد بها تشريعات تحرم التظاهر داخل دور العبادة.

فكيف تحرم المساجد من هذا الحق؟

وأين يمكن أن يمارس إذا لم يمارس فى المساجد ورسالتها الأولى هى «تجميع» المؤمنين وتوصيل رسالة الإسلام إليهم؟

ولماذا تقبلون أن يدعى للحاكم من على منبر المسجد إذا كانت المساجد لمجرد الصلاة فحسب؟

نقول للذين سنوا هذا القانون: «ارفعوا أيديكم عن المساجد».

دعوا المساجد مفتوحة حتى عندما ينتقد الخطباء الأخطاء التى يقع فيها مسؤولون كبار أو صغار.

وإذا كان بعض الخطباء يستغلونها لإعلان آراء مسرفة، أو خاطئة أو غير ذلك، فليست هذه إلا ردود فعل سيئة لأفعال سيئة، وستظل قائمة فى المساجد وفى غيرها، حتى يُصَحَّح الفعل فينتهى رد الفعل.

أذكر أننى سنة ١٩٨٣م كنت فى الولايات المتحدة، عندما ثارت مجموعة من المسلمين المتشنجين فطردوا الإمام المصرى للمسجد، واعتصموا فيه احتجاجاً على رفع العلم الإسرائيلى فى مصر بعد معاهدة كامب ديفيد، فلما طلب السفير المصرى من الأمن أن يتدخل اعتذر بأنه لا يستطيع ذلك لأنه مكان عبادة، ولا يمكن لهم أن يمسوه.

فهل يكونون أشد تقديراً لقداسة المسجد من المسلمين أنفسهم؟

مرة أخرى: «ارفعوا أيديكم عن المساجد».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مع حبي وتقديري لاستاذي جمال البنا
عبد الحسين طاهر ( 2012 / 12 / 12 - 10:03 )
قبل اليوم كنت اتابع مقالات البنا وافهم منها الكثير استفاد علم ومعلومات في مقالته هذه اختلطت عليّ ّالامور هل يريد ان تتحول مساجد مصر الى منابر للسلفية والى اخوان المسلمين يكفرون من لا يصوت بنعم للدستور المعيب لاسيما ظهر ايمن الظواهري على الخط من كهوف تورا بورا يحرض السلفية والاخوان للاستيلاء على الحكم بالقوة اعتذر من الشخ اذ خانتني الفطنة وتحياتي وحبي له


2 - المساجد في قلب المعركة
عبد الله اغونان ( 2012 / 12 / 12 - 12:56 )
من حق الكل في عرف البعض ان يتحدث في السياسة وفي كل مكان ومن كل من هب ودب
في الشارع والجامعة والمعامل ومن الراقصات والشواذ والمغنين والممثلين والمهرجين
ومن البابا والماما وفي الكنائس
الا المساجد والخطباء وعندما يريدهم حاكم يطلب منهم فتاوى تحت الطلب وخطب موجهة
المساجد كانت دائما في قلب المعركة وستظل
شكرا الأستاذ جمال البنا على كلمة الحق هذه. لاحظ انه عندما كنت تبدي رأيا يعجبهم يشيدون بك وعندما تبدي رأيا خالصا مع الحجة يعادونك
لانعادي ولانؤيد الأشخاص بل مانراه حقا
رحمة الله عليك ياعلي بن ابي طالب اذ قلت
لاتعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله
جمال البنا اخ الشهيد حسن البنا غصن من شجرة
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه


3 - كلام الخطباء فيه السم مذابا في عسل الانتقاد
خليل احمد ابراهيم ( 2012 / 12 / 12 - 19:40 )
الاستاذ جمال البنا انا اتوسم فيك خيرا وربما خاننا الفهم او الاستيعاب لما تقول وكما اشار الاستاذ عبدالحسين طاهر فانت هنا تمارس التقية بكل محتواها الشيعي والاخواني وان فاق مرسي والشاطر والمرشد
محمد بديع اخوانهم الشيعة في الاستفادة من هذه النافذه في التغرير بالخصم وايداعه مهاوي الوحل وهو يظن انه يسير على ارض صلبه وكماهو الحال حينما راينا طنطاوي ورئيس اركان مبارك وهم يغرر بهم تحت خلايا عسل الاخوان وسحرهم حين القوا بهم خارج اللعبة السياسية في مصر
انت الان تمارس المراوغة باشد انواعها فانت تدعوا الى ترك المساجد كيفما اتفق وكان الائمة فيها جلهم من اصحاب الضمائر او العقول الراجحة وتنسى ان المعركة الان تقوم على ادق التفاصيل ولا تنسى ان شيطان الاخوان والسلفيين يسكن المساجد قبل التفاصيل تحاول ان توحي بان الامر لايعدوا ان خطيبا هنا او داعية هناك لاباس ان يرتقي المنبر ويمارس الافتاء والتحريض كما يحلو له وبالاخص حين ينتقد بعض السلوك المنحرف لبعض التصرفات ويغيب عن بالك او تحاول الانكار ان السم كله مذاب في سحر الكلام فهم وان انتقدوا بعضا كي يسحبوا المساكين الى ارضهم ولكن هناك في الجعبة الشئ الكثير


4 - اتركوا الجامع للعبادة فقط
أكرم رشاد هواش ( 2012 / 12 / 12 - 22:21 )
مهم جداً أن يكون الجامع فقط للعبادة والمؤمنين، وأن تكون مهمة شيخ الجامع على تنسيق أمور الصلاة والعمل الصالح. ومهم أيضاً أن لا يكون شيخ الجامع مهتم بالسياسة وأن يترك السياسة لمن يختص بالسياسة وأن لا يخلط السياسة بالدين. السياسة اثم والسياسيين هم فاسقين ويعتمدون على السياسة للاحتراف بالكذب والضلال، وأذا دخل الدين والجامع بالسياسة أصبح دين ضلال وظلم وكفر ومن ثم يشت عن ما لزم أن يقوم به كدين بتطبيق الطقوس الدينية والعبادة.


5 - االماما ...والبابا الى الحبيب اغونان
عبد الحسين طاهر ( 2012 / 12 / 19 - 09:13 )
شكرا ظحكتني اخي اغونان حتى دمعة عيوني وقد فكرت بالامر جليا ماذا نفعل انا وانت ومفاتيح عقولنا هي التي تملي علينا تلك الافكار المتعارضه الفرق فقط انا احبك كما احب ..البابا الذي غمزته في مداخلتك واحب الجميع بغض النظر عن دياناتهم ...ولكن لا ادعو لهم ولا اصلي من اجلهم لانني لا اصدق تلك الجمل الفارغه


6 - عبد الحسين طاهر, شر البلية مايضحك
عبد الله اغونان ( 2012 / 12 / 19 - 10:47 )
اشكرك أحسن الله اليك وطهر قلبك وعقلك
نحن في زمن الهم والغم والفتن لكن الانسان مفطور على الضحك ورغم اني حزين جدا على الواقع السوريالي حيث الفتن والصراع السياسي والمذهبي وانعدام الحوار والاحترام
فاني احيانا أضحك بل ابدع في الضحك على هذا الواقع وعلى الضالين المضلين والمتطرفين.انا لاأكره احدا بعينه كشخص ولاأكره من يخالفني في الدين لأن ديني وعقلي ينهياني عن ذلك, لكن اكره التطرف والحقد والأكاذيب واشاعة الكراهية مثلما يفعل بعض الاخوة المسمين مسيحيين رغم ان جوهرها ونصها واخلاقياتها تعارض سلوكهم الذي هو بالأساس موقف سياسي وغير ديني.هناك ارهاب ديني يمارسه البعض باسم المسيح
اللهم الف بين قلوبنا واصلح ذات بيننا
وعلمنا الاحترام والعدل وقبول الحق

اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah