الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم والخطاب الأيديولوجي في الجامعة الجزائرية

العربي عقون

2012 / 12 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


تطل علينا الأيديولوجية البعثية - المعادية للخصوصية الجزائرية - عبر ثغرات عديدة ونحن مستغرقون في غفلة عميقة مثل أهل الكهف وما كادت هذه الأيديولوجيا تثبّت قدمها حتى التحقت بها شقيقتها أيديولوجيا الإسلام السياسي والتقى الشقيقان الصنوان وبدآ في حفر نفق مظلم هو نذير شؤم على البلد وعلى المنطقة.
الأيديولوجيتان المتخاصمتان في مشرقهما هما متصالحتان جدا في مغربنا الكبير بل إن إحداهما تمنّ على الأخرى أنها هي التي أوجدتها في هذه البلاد المترامية الأطراف وهي التي مكنت لها ومهّدت لها الأرضية ... .
إذا كان الأمر مختلفا في تونس والمغرب لأن النخبة هناك مهما تعددت اللغات تمتلك الحدّ الأدنى من الوفاق الذي لا يفرّط في الخصوصية الوطنية ولا يسمح لتحويل البلد إلى ساحة مبارزة أو ميدان تجارب مدمّرة قادمة من وراء البحار والقفار ... فإنّ الأمر يختلف عندنا حيث التشظي والانقسام الذي أوصل إلى تناحر غبي بواجهة لغوية، إلى حدّ ألاّ أحد التفت إلى ما يجري داخل كل لغة وما ينتج فيهما وبهما من خطاب خطير على البلد ... فذوو التكوين الفرنسي اللغة داخل فضائهم النخبوي جدّا يناجون الأموات دون أن يتمكنوا من فكّ الحصار الشعبوي المضروب عليهم وهو حصار أحكم قبضته أيضا على الدهماء وعلى أنصاف المتعلمين وهذا الحصار نفّذه التحالف البعثي الاسلاموي بعد أن غزا المدرسة بآلاف الممرنين الذين جعل منهم بجرة قلم أساتذة هم الآن على رأس التعليم بمختلف أطواره وأكثر من ذلك تمّ إنزال جوي وبرّي وبحري من هؤلاء في كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية وهي الكليات التي تستلم كل موسم آلاف الطلبة ضعاف التكوين لتمنحهم بدورها تكوينا أضعف وتعيدهم إلى أطوار التعليم بذلك المستوى الضعيف المؤدلج وهكذا تدور عجلة التعليم والتكوين في مختلف الأطوار وهي في حالة يرثى لها من المستوى الضعيف البائس.
منذ الاستقلال تمّ تعريب شعب العلوم الإنسانية وهي الشعب المسؤولة عن تكوين الضمير الجمعي للآمة كما أنّها الشعب التي تحفظ للأمة هويتها وخصوصياتها الوطنية بربط حلقات التاريخ بعضها ببعض لكن الذي حدث كان كارثيا فقد تم ضخّ الأفكار الأيديولوجية البعثية – الإسلاموية في مناهج التعليم واحتل الأدب الجاهلي والعباسي ... المكانة الأولى دون غيره ولا أحد يدري أن للجزائر أدبا "جاهليا" أي سابقا للإسلام (Littérature antéislamique) يرقى إلى العالمية في نصوص أبوليوس المادوري والقديس أوغسطينوس وفرونطون السيرتي وغيرهم.
ليست المسألة مسألة تعريب أو تعجيم بل القضية من الأساس هي قضية مضمون مقررات ومناهج فما حدث كان شرخا كبيرا فصل الأجيال عن وطنها وجعلها تعيش بذهنية جاليات أجنبية في بلدها ... كان من المفروض لو كانت لدينا نخبة في مستوى بناء الفرد بناء متينا أن يتم إعداد المقررات والمناهج لربط حلقات تاريخنا بعضها ببعض وأن يتقرر تراثنا الأدبي السابق للإسلام في مناهجنا التعليمية بترجمته ليجد ذلك الأدب "الجاهلي" في أدب بكر بن حماد التاهرتي الزناتي وابن رشيق المسيلي وغيرهما الامتداد الطبيعي له لأن أدبنا واحد مهما تعددت اللغات التي كتب بها في سياقات تاريخية معينة ولو تحقق ذلك ستعيش الأجيال مختلف مراحل تاريخها وهي موحّدة في انتمائها وهويتها ورؤيتها للماضي والحاضر والمستقبل.
انظروا إلى هذا النص لكبير البلاغيين في عصره : فرونطون السيرتي :
"… عندما يحلّ الأجل – الذي لا يمكن أن يؤجّل – سأحيّي السماء وأنا أغادر هذه الدنيا ، وسأشهد بنفسي على جلائل الأعمال التي صنعت،لقد عشت راحة البال مع أهلي ولم أتحصّل على أيّ من الأمجاد التي في حوزتي بطرق مشينة ، لقد كنت منشغلا بالجانب الروحي أكثر من الجانب المادّي ، لقد فضّلت دراسة العلوم على المنافع المادّية وبقيت بسيطا، بل لم أتوسّل الحماية من أحد، وكنت أقول الحقيقة بأمانة ، أسمع دون أن أشكو ، وكنت أفضّل مواساة صديق على الانغماس في الملذّات وأطلب دائما أقلّ ممّا أستحقّ ، لقد كنت أقرض المال ما استطعت وأساعد من يستحقّ ومن لا يستحقّ ، لم أكن أشترط الامتنان ، ولم يثنني ما أجده من جحود على فعل الخير ما استطعت تجاه الآخرين. ! "فرونطون السيرتي : المراسلات*
ألا يستحق هذا النص أن يكون ضمن مناهجنا التعليمية انظروا ما فيه من حكم ومن بلاغة وهي بلاغة لم يفقدها حتى في ترجمتنا العربية له.
لقد بلغ الجهل المركب بالبعض أن تنكر لهؤلاء الرواد بل ونسبهم إلى روما لا لشيء إلا لكونهم كتبوا باللاتينية مثلما يحاول هذا البعض اليوم التنازل عن أدبنا المكتوب بالفرنسية والأدهى من كل هذا هو أن كل هذا السجال الأيديولوجي ترك الساحة فارغة وخاصة في كليات العلوم الإنسانية التي لم يبذل أساتذتها خاصة في الآداب والتاريخ أي جهد فليس لهم دراسات ولا مؤلفات بروح جزائرية وهم يقتاتون من مؤلفات شرق أوسطية تحمل خطابا وأيديولوجية ترسخ الاستلاب في أخطر حالاته حتى أنّ الكثير من هيئات التدريس ما هم في واقع الحال إلا وسطاء يجترّون الخطاب المشرقي أمام طلبتهم لتخريج طلبة لا هوية لهم ولا انتماء لوطنهم مما يجعل الساحة الوطنية تعاني من هشاشة قلّ أن يوجد لها مثيل وهي ساحة يمكن اختراقها بسهولة جدّا من قبل كن من يصطاد في الماء العكر.

أبعد هذا نسأل عن الهوية وعن الوطنية وعن رفع مستوى التكوين ؟؟؟
_____________________________________________
Fronton de Cirta, Epistolae (de nepote amisso) Edition Naber, paris 1867, p. 235*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خلط الدين بالهوية القومية
الشهيد كسيلة ( 2013 / 3 / 17 - 14:58 )
شكرا استاذ
انا معك على طول الخط واضيف انه لا ينبغي خلط الدين بالهوية القومية ... هل اسلام الاتراك او الماليزيين ناقص او اقل من اسلام العرب...

نعم فقهاء البلد يتقنون اللغة العربية طبعا من قال غير ذلك ... اما العامة حتى وهي مستعربة فلن تفهم في القرآن شيئا الا من خلال شرح الفقهاء والفقهاء سواء شرحوا بالدارجة او الامازيغية الامر سيان ... ولذلك فان التحجج بالاسلام والقرآن لطمس الامازيغية ما هو الا تخطيط ايديولوجي غاية في الدهاء من قبل البعثيين الذين لا يؤمنون بالاسلام في واقع الحال ولكنهم يوظفونه ... وهل اتقان عرب الشرق الاوسط المسيحيين للغة العربية زحزهم عن الايمان بدينهم لانهم متمكنون من اللغة العربية

بعثيو شمال افريقيا على النقيض من اخوانهم بعثيو المشرق هؤلاء الاخيرون يعملون دائما بشعار الدين لله والوطن للجميع اما بعثيو شمال افريقيا فهم يجمعون بين الظلامية الاسلاموية والشوفينية البعثية ويجعلون الاولى في خدمة الثانية

اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف