الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فى رواية ابن فطومة ل نجيب محفوظ

أحمد الليثى

2013 / 1 / 6
الادب والفن


كان مغاغة الجبيلى معلم قنديل أو ابن فطومة وشيخه, هو السبب الاول فى قيامه بالرحلة نتيجة تأثره به فى حكاية الشيخ عن رحلته, فلم تبعد تلك الفكرة عن ابن فطومة, وقرر بعد ان فقد حبيبته وأمه ان يشرع فى القيام برحلة مثل معلمه, ويبين ذلك فى الرواية فى الحوار التالى:
حدثنى عن مشاهداتك ياسيدنا
فحدثنى بسخاء حتى عايشت بخيالى ديار المسلمين المترامية, وتراءى لى وطنى نجماً فى سماء مكتظة بالنجوم. وقال:
ولكن الجديد حقاً لن تعثر عليه فى ديار الاسلام!
وتتسائل عيناى عن السبب. فيقول:
-جميعها متقاربة فى الاحوال والمشارب والطقوس, بعيدة كلها عن روح الاسلام الحقيقى, ولكن تكتشف دياراً جديدة وغريبة فى الصحراء الجنوبية.
وكان سبب ابن فطومة فى القيام برحلته كما يقول – بعد اعتراض امه وشيخه -:
ليس هذا بالكثير على طالب الحكمة, اريد ان اعرف وان ارجع الى وطنى بالدواء الشافى.
والحقيقة ان الرحلة لم تكن كأى رحلة غيرها, خيل الى انها رحلة الصعود الى المعرفة وليست مجرد مشاهدات ومعارف وعادات وتقاليد أمم, لم يذهب نجيب محفوظ فى الرواية الى تسمية الدور او الدول التى مر بها ابن فطومة فى رحلته بأسمائها الحقيقة, وربما لم تكن لهذه الدور وجود فى عالمنا وكانت من وحى خيال نجيب محفوظ, يبدأ محفوظ الرواية بوصف الوطن, وطن ابن فطومة وهى دار الاسلام, يتجلى الوصف من خلال الحوادث والحوارات بين اشخاص الرواية
فمثلاً
كان الحوار يدور بين ابن فطومة وشيخه عن احوال العباد فى دار الاسلام
فقال ابن فطومة:
اذا كان الاسلام كما تقول, فلماذا تزدحم الطرقات بالفقراء والجهلاء؟!
فأجابه شيخه بأسى:
الاسلام اليوم قابع فى الجوامع لا يتعداها الى الخارج.

تتبدى فى تلك الرواية حيلة ذكية من نجيب محفوظ, وهى اللجوء الى الترميز, فمثلا عند الحوار بينه وبين تجار يسافر معهم, دار حوار حول طبيعة حياة الرسول عليه الصلاة والسلام
عرفتُ نخبة من الرفاق والتجار ورمقوا الرحالة الوحيد بينهم بنظرات غريبة وقلت مفسراً ومتباهياً:
سأذهب حتى دار الجبل!
فتسائل احدهم باستهانة:
وما دار الجبل؟
وقال ثان بفخار:
نحن دار الاسلام
وقال ثالث:
التجارة من العمران والله يأمرنا بالعمران
وقال رابع:
كان النبى عليه الصلاة والسلام تاجراً
فقلتُ معتذراً:
وكان ايضاُ رحالة ومهاجراً
-وهنا اذا كان لى ان افهم هذا الحوار فأنا افهمه على النحو التالى, ان المرء عبيد ما يألف, فالتجار لم يكونوا يعرفوا غير تجارتهم, وعندما حاول احدهم الصاق التجارة بالدين فرد عليه ابن فطومة بأن الرسول كان رحالة ومهاجراً, فى اشارة الى رحابة الدين.
وكذلك طوال الرواية, نجيب محفوظ يواصل رسائلة الرمزية, ويجعل منها اسقاطات على عالمنا الرهان, فعلى السبيل المثال جعل لكل دار من الدور التى رحل اليها ابن فطومة نظام حكم وملك او سيد لها.
وفى جانب اخر يأخذنى ظنى الى ان تلك الرواية لم تكن فقط رحلة للمعرفة, ولكنها رحلة للمعرفة التطورية, فعلى سبيل المثال, عندما رحل ابن فطومة الى الدار الاولى, لم يجد اية قيود على مسألة الزواج بين الناس, فمجرد اعجاب البنت بالرجل, من الممكن ان تصبح ملكاً له, اى الحرية المطلقة, وفى دار اخرى نجد انه اتخذ النظام الديمقراطى نموذجاً للحكم ,وهى دار حرية كذلك, فنجد ان المسلم يعيش بجوار البوذى واليهودى والمسيحى بلا اى مشاكل, وفى حواره مع شيخ مسلم فى هذه الدار افهمه الشيخ ان حاكم المدينة وثنى ولا شىء يضيرنا فى ذلك, فى اسقاط واضح على روح التسامح التى يريدها محفوظ فى المجتمع.
وارتحل ابن فطومة الى دار اخرى ليجد ان نظام حكمها كله يقوم على العدل, ليس هناك فقير فيها, وانما الدولة توفر لكل مواطنيها العمل الملائم والمسكن والملبس, حتى ان ابن فطومة عندما كان يمشى فى حواريها فى ساعات النهار, لم يكن يجد طرف احد, كما ان تلك الدولة كل ما فيها يمتاز بالنظام فائق الدقة, فمثلاً هناك حدائق للاطفال عندما يكون الابوين فى العمل, وهناك حدائق للمسنين, على ان ابن فطومة لم تعجبه تلك الدار ولم يشعر فيها بالونس, فكل شىء فيها يتبع نظام لم يألفه ولم يعتاده, حتى انه وجد وجوه الناس جامدة لا تشى بأى شىء.
وعندما نذهب للدار الاخيرة نجد ان هذه الدار يغلب عليها طابع صوفى, وهى دار فى الاساس كل من فيها لا يعمل الا شىء واحد هو الاستعداد للذهاب الى دار الجبل, الدار الاخيرة, ليس بعدها شىء
-لا اعلم ان كان نجيب محفوظ قد كتب الرواية اولا ام باولو كويليو, ورحلة ابن فطومة, تشبه الى حد كبير الخيميائى لباولو كويلو, ولكنى اعرف ان نجيب تفوق عليه فى الجوانب الخاصة بالخيال والابداع والحكى, او أظن ان العوامل الحضارية تؤثر فى تكويننا, حتى فى عوامل تفضيلنا للروايات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني