الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المركز العراقي للمسرح - قراءة تأملية في (مهرجان بغداد المسرحي)

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2013 / 1 / 6
الادب والفن


(المسرح حياتنا) ..
شعار يختزل أبجديات المعرفة التي كان فن المسرح في العراق، ولايزال يسعى إلى تفعيلها في مجتمع متهالك جراء الحروب المتعاقبة والصراعات الاثنية منها والطائفية التي لم تزل حاضرة وبقوة في الواقع اليومي الذي يحّمْل الانسان العراقي المزيد من الاوجاع ، ويمد بعمر المحنة أياماً لاتحمل في جعبتها مستقبلاً للثقافة العراقية .
إلا ان التفاعل مع الظاهرة المسرحية التي تمثلت في إقامة مهرجان مسرحي يعيد المتلقي العربي إلى بغداد؛ في إلتفاتة لاتخلو من البرغماتية السياسية التي تجلت على نحو واضح في التعاطي مع ثورات الربيع العربي المتلاحقة ليكون(مهرجان بغداد لشباب المسرح العربي) خطوة إيجابية في إستعادة الحضور العربي بعد غياب طال أمده ولأسباب يعرفها الجميع.
وعلى الرغم من البهجة التي أشاعها صانعو القرار في مهرجان الشباب وهم محقون في جزء منها وبالاخص بما يتمثل بدعوة الفنانين العراقيين (المغتربين) والضيوف العرب الذين كانت فرصة اللقاء بهم جديرة بالاهتمام ، فضلا عن ذلك فإن المشاركات العربية بما فيها من تباين في الشكل والمضمون ،حملت سمة مشتركة تمثلت في التعاطي مع هموم شباب الربيع العربي، وبذلك يكون المهرجان قد حقق المقاصد السياسية التي أقيم من اجلها، والتي أُريد لها ان تنسجم مع طموحات المسرحيين.
الآن وبعد إنتهاء فعاليات المهرجان نحتاج إلى وقفة تأملية من اجل قراءة الطروحات التي جاءت فيه، سواء على مستوى العروض المسرحية او على مستوى التخطيط المستقبلي إذا ما فكر رجال السياسة في إعادة الاعتبار للفن المسرحي كما فعلت الكنيسة في (العصور الوسطى ) حين رفضت المسرح ، لتعود مرة اخرى إلى تبني مقترحاته الفكرية والجمالية من اجل التواصل مع الجمهور والسعي إلى إستقطابه خدمة لأغراضها الدينية ، وأعتقد أن الدولة العراقية اليوم باتت تدرك على نحو واضح فاعلية المسرح في العراق ولذلك نسعى هنا إلى تقديم بعض الاضاءات التي نطمح ان تكون قريبة من المضامين النبيلة و عطاء المؤسسات الفنية من اجل تطوير المسرح العراقي.

أولا : تطوير البنية المعمارية :
لانريد إعادة المدونات السابقة التي طالما كانت تشير إلى الحروب التي اطاحت بالبنى التحتية للمجتمع العراقي والتي تعد البنية المعمارية للمسرح جزءا منها، إلا أننا نسعى إلى إثارة الجدل والتفاعل مع المتلقي العراقي والعربي الذي كان حاضراً وبقوة في مهرجان الشباب ، ذلك ان أبرز المعوقات التي بدت واضحة أمام المخرجين المشاركين تمثلت في إختيار المكان المناسب للعرض ، إذ إقتصرت أماكن العرض المسرحي وكما هو معروف للجميع ، على قاعات (المسرح الوطني – منتدى المسرح – سينما سميراميس .. والتي عمل منظمو المهرجان على تحويلها إلى خشبة مسرح).
وربما لايدرك الكثير من شباب المسرح ، ان البنية المعمارية للمسرح في العراق ؛ تعد واحدة من البنى المتقدمة في الشرق الاوسط (قبل الحرب) ، والتي يقف معمار (مسرح الرشيد) في مقدمتها ، بما يمتلك من مواصفات عالمية تتفوق على العديد من المسارح الموجودة في الدول المجاورة للعراق، فضلا عن ذلك فإن هناك عدداً من قاعات المسرح التي توزعت في العاصمة بغداد والتي تمتلك خصوصيتها ونذكر منها (قاعة الشعب – مسرح الاحتفالات – مسرح المنصور –مسرح الخيمة... وغيرها ) من المسارح التي تحولت بفعل الزمن إلى ذاكرة في وعي المتلقي العراقي ، ومنها ماتحول إلى أطلال كما هو الحال مع (مسرح بغداد)، اما اماكن العرض الاخرى والتي يرفض رجال السلطة والسياسة في بلادنا التخلي عنها، على الرغم من عدم توظيفها بما يخدم الثقافة العراقية وإنما إشغالها لأحتفالات سياسية خاصة ،الامر الذي يثير العديد من التساؤلات التي يقف في مقدمتها قلق السلطة من التأثير الذي يمكن للمسرح أن يحدثه في المجتمع؟.
ومن جهة أخرى ، بدا واضحاً للجميع أن قاعة (المسرح الوطني)على الرغم من سعتها إلا انها بدت عاجزة امام حشود الجماهير التي جاءت للتواصل مع مهرجان الشباب ومتابعة العروض المسرحية، وهو ما ينبغي على الحكومة والمسؤولين عن الثقافة في بلادنا الانتباه إليه والعمل على بناء قاعات مناسبة للعروض المسرحية ، والعمل أيضاً على (إطلاق سراح) القاعات المسرحية التي تقع ضمن حدود (المنطقة الخضراء)، والمباشرة بشكل فاعل وحقيقي في إعادة بناء قاعات المسرح التي تعرضت للتخريب جراء الحرب الاخيرة والتي يقف (مسرح الرشيد) في مقدمتها.

ثانيا : تطوير الثقافة المسرحية :
ندرك جميعاً ان الثقافة المسرحية في العراق تعاني من التهميش كما هو الحال مع مكونات الثقافة الاخرى ، ويعود ذلك على نحو خاص إلى عدم قدرة القائمين عليها على تفعيل الخبرات المتراكمة للعديد من الفنانين والاكاديميين من أجل بناء ثقافة مسرحية رصينة تثبت حضورها في المجتمع ، ولا نقصد بذلك ثقافة مسرحية (للتصدير) بدعوى التواصل مع المجتمعات الاخرى ، ذلك ان المجتمع العراقي أحوج الشعوب إلى تفعيل الثقافة في منظومته المعرفية، وذلك من خلال طباعة الكتب والمجلات التي تعنى بالفن المسرحي ودوره في بناء المجتمعات الانسانية ، ونتساءل لماذا لاتمتلك المؤسسة المسرحية الوحيدة في العراق القدرة على إصدار مجلة متخصصة بالفن المسرحي؟.
لقد بدا واضحاً للجميع أن دائرة السينما والمسرح تمتلك الامكانيات المادية الكافية والخبرات المسرحية المتنوعة والتي تكشف عن ثقافة مسرحية تتكيء على دراسات اكاديمية ، وقد تأكدت قدرة المؤسسة على تطوير الثقافة المسرحية من خلال إصدارها بعض العنوانات التخصصية في المسرح والتي جاءت ضمن فعاليات المهرجان ، على أمل ان لايقتصر الامر على فعاليات المهرجان لينتهي الامر بتلك المنجزات المعرفية في المخازن من دون ان تحقق الفائدة المرجوة من إصدارها ، والعمل على توسيع دائرة المعرفة التي يمكن أن تشكل ظاهرة مسرحية تحقق حضوراً فاعلا في الشارع الثقافي.
ثالثا : العروض المسرحية :
تنوعت العروض المسرحية المشاركة في (مهرجان الشباب) وتباينت المستويات الجمالية والفكرية من خلال الموضوعات التي تناولتها على الرغم من ان الشكل العام للعروض إقتصر على مضامين محددة تمثلت في السلطات التي كانت مهيمنة على المجتمعات العربية من جهة والسلطات التي تطمح إلى فرض هيمنتها في زمن الربيع العربي من جهة اخرى ، ونسعى إلى التوقف عند بعض العروض المسرحية التي سمحت لنا ظروف الزمان و المكان بمتابعتها
أ- العروض المسرحية العراقية:
1- مسرحية (فياكرا) تأليف وإخراج صلاح منسي :
تعد هذه التجربة الاولى للمخرج ، وقد جاءت تحمل معها هموم الواقع العراقي إلا انها سقطت في فخ المباشرة وعدم القدرة على تشخيص رؤية إخراجية تسهم في معالجة الافكار الكبرى التي تمثلت في شخصيات العرض (هتلر – غاندي - اسامة بن لادن – جيفارا) وهي شخصيات إشكالية بحق ، مختلفة ومتناقضة.. منها من ينتمي إلى الحياة وصناعة الامل كما هو الحال مع (غاندي – جيفارا) ومنها من يتفاعل مع صناعة الموت كما هو (هتلر – اسامة بن لادن).
إلا ان المخرج تجاوز تلك الاشكاليات من اجل الدخول في منطقة اليومي والبسيط ، على الرغم من قدرته على تدريب ممثليه الاساسيين (ياس خضير – غسان اسماعيل – علاء الشرقاوي - امير أبو الهيل) لكي يكونوا حاضرين على مستوى السلوك الخارجي للشخصيات التي أسهمت عناصر العرض من أزياء وماكياج في صناعتها.
ولم يتمكن المخرج من تفعيل الشخصيات التأريخية، بل على العكس نراه يتقصد في مشاهد عدة جرجرتها وإقحامها في الواقع المحلي مستفيداً من تفاعل الجمهور الذي بدا ساخراً من الملفوظ اللغوي المباشر ، الذي لم يكن منسجماً مع شخصيات العرض .
2- مسرحية (أيضا وأيضاً) تأليف وإخراج أنس عبد الصمد :
إختار المخرج التعاطي مع البيئة المكانية المحلية التي تمثلت في بناية (منتدى المسرح)، وعلى الرغم من صعوبة التلقي مع العروض المسرحية التي تقدم داخل هذا المكان وذلك لأسباب عدة يقف في مقدمتها عدم وجود مساحة للاخراج في تشكيل الرؤية الاخراجية ، فضلا عن ذلك ضيق مساحة التلقي ، الامر الذي منع عددا من المتفرجين من متابعة العرض ، إلا ان المخرج وعلى الرغم من تلك المؤشرات التي أشرنا إليها، إستطاع تشكيل رؤيته الاخراجية بما ينسجم مع المعمار المكاني من دون العمل على تغيير البنية المكانية بل إقتصر إشتغاله على تشكيلات بصرية من خلال توظيفه للمكان الذي ظل ثابتاً إلا ان الحدث هو الذي كان يتنقل من غرفة إلى أخرى ، مثيراً بذلك عدداً من التساؤلات التي كان قاصداً إثارتها ، ذلك ان المتلقي في هذا العرض كان مشاركاً في تكوينه من خلال مشاركته في متابعة الاحداث التي توزعت على غرف المنتدى، والتي دفعتنا إلى متابعة الحدث في جميع الاماكن وعلى الرغم من إختلاف الفرضيات في كل جزء من المكان إلا ان الثيمة الابرز والتي ظلت شاخصة في المكان كانت تحيلنا إلى هيمنة السلطة على الرغم من إختلاف أشكالها ومضامينها .
ومن الجدير بالذكر ان هذه التجربة التي تكونت عن طريق (ورشة الجسد) التي أقامها المخرج والتي كشفت لنا عن وجود طاقات تعبيرية يمكن ان تسهم في تقديم مشاريع مسرحية مستقبلية.
لقد إستطاع المخرج توظيف قدراته التمثيلية في هذه التجربة المسرحية التي إمتلكت مقومات التجريب المسرحي على الرغم من ان (منتدى المسرح) لم يعد مكاناً صالحاً للأكتشافات التجريبية وذلك يعود إلى ان ذلك المكان فقد بكارته الجمالية التي إشتغل عليها العديد من المخرجين الذين لم يدخروا جهداً في تشكيل رؤاهم الاخراجية التي تقترب هذه التجربة من بعضها كما هو الحال في مسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز ) التي اخرجها الفنان الراحل (د.عوني كرومي) فضلا عن تجارب المخرج (ناجي عبد الامير) وغيرهما من المخرجين .
إلا ان تجربة (أنس عبد الصمد) إمتلكت خصوصيتها على مستوى الشكل البصري العنيف الذي أحالنا إلى قسوة السلطة وممارساتها في غسيل الفكر والمعرفة والتي تجلى حضورها على نحو فاعل في مشهد غسيل الكتب وإعادة انتاجها بما يتلاءم مع فكر السلطة.
3- مسرحية (تذكر أيها الجسد) تأليف وإخراج محمد مؤيد:
تنتمي هذه التجربة إلى المسرح الراقص او ما يسمى (الدراما دانس) وهي تسمية لاتنسجم مع الحركات التي يبذل الراقصون جهوداً في تجسيدها ، ذلك ان تعريف هذا النوع المسرحي يعتمد على توظيف الرقص في الكشف عن الدراما التي تقوم اساساً على الفعل والصراع.
إلا ان هذه المسرحية عملت على المزاوجة بين الحركات الراقصة التي لم تمتلك صفة الفعل التعبيري من جهة وبين المفردات التي اسهمت في الكشف عن بعض المعاني، فضلا عن ذلك فقد أسهم المنظر المسرحي المتمثل بحطام الابواب والشبابيك في تفعيل منظومة العلامات التي عمل المخرج على توظيفها كما هو الحال مع قطعة القماش البيضاء التي رافقت الاجساد العارية في إشارة إلى مظاهرة لاتكفي فيها قماشة بيضاء للتعبير عن مطالب الجسد العاري.. الذي إنتهكت كرامته.
4- مسرحية (باسبورت) تأليف: حيدر جمعة، إخراج علاء قحطان:
إختار فريق المسرحية التعاطي مع فكرة الهجرة ، التي ظلت حاضرة في ذاكرة الشباب العراقي على مدى عقود ، ولا تزل تجد صداها في يومياتهم ، ذلك أن ماضيهم مضرج بدماء الحروب وواقعهم المتردي في كل شيء لم يمنحهم الفرصة في الكف عن التفكير بمغادرة الوطن بحثاً عن بلاد تمنحهم الطمأنينة على ارواحهم ، مع انهم يدركون ان تلك البلاد التي يمنون أنفسهم بالرحيل إليها، لاتستطيع أن تمحو فكرة الوطن في داخل كل منهم.
ان الاشتغال على فكرة السفر مغامرة مسرحية تستحق الاهتمام إلا ان المخرج وقع في فخ الملفوظ اللغوي الذي إستحوذ على مضمون العرض ، ليتحول إلى تهويمات لغوية تثير الضحك عند المتلقي بدلا من ان تمنحه فرصة في التفكير في مستقبل يكف فيه شباب العراق عن الرحيل إلى غير رجعة .
ولم يكن النص المسرحي المحلي للمؤلف (حيدر جمعة) قادراً على تطوير بنية العرض بل إنه اسهم في تهشيم الفكرة التي حملت عنوان المسرحية ، لتكون المضامين التي حملها الشباب بسيطة بالمقارنة مع هموم المهاجرين العراقيين طوال عقود.
فضلا عن ذلك فإن الاداء التمثيلي الذي إتكأ على طاقات الممثلين الشباب ، سقط هو الآخر في فخ التسطيح ، وبخاصة في المشاهد الاولى للعرض والتي إقتصرت على الصمت المجرد من فاعلية المعنى، والذي ظل بعيداً عن لغة الصمت التي تحمل بصمات التعبير في العرض المسرحي.
5- مسرحية (فقدان)تأليف مخلد راسم - غسان إسماعيل،إخراج غسان إسماعيل:
إن إعادة تقديم العرض المسرحي في بيئة مكانية مغايرة لتلك التي تأسس عليها إبتداءاً ، يكشف عن ضعف في الرؤية الاخراجية ، وقد بدا ذلك واضحاً في مسرحية (فقدان) التي قدمت في مرحلة سابقة على قاعة (المسرح الوطني) وكانت لنا معها وقفة نقدية ، ذكرنا فيها توظيف المخرج ومصمم السينوغرافيا للتقنيات المتوافرة في قاعة (المسرح الوطني) والتي أسهمت على نحو فاعل في تشكيل الجانب البصري للعرض المسرحي، على الرغم من اننا أشرنا في دراستنا السابقة عن العرض ،إلى : (ان المكان لم يمنح الممثلين حرية الحركة على الرغم من الفضاء الواسع الذي كان متاحاً امامهم ويعود ذلك إلى ان المخرج إشتغل على منظومة مكانية مغلقة ولم تكن به حاجة إلى هذا الفضاء الفضفاض).
ويعود المخرج إلى تقديم المسرحية ضمن فعاليات المهرجان على قاعة (سميراميس) التي هي في الاصل قاعة للعروض السينمائية كما اشرنا سابقاً ، ولم يتمكن المخرج من التفاعل مع المكان البديل بل على العكس من ذلك فإنه عمل على تغيير الشكل البصري الذي كان مؤسساً في العرض السابق والذي حمل معه علامات بصرية إمتلكت دلالاتها ، ليكون الشكل البديل متواضعاً كما هو الحال مع قاعة (سمير اميس) التي تفتقر إلى تقنيات المسرح ،وهو الامر الذي جعل الممثلين يفقدون القدرة على التعاطي مع المكان البديل الذي كان غريباً على أدائهم التمثيلي.

ب - العروض المسرحية العربية
1- مسرحية (نساء بلا ملامح) تأليف:عبد الامير شمخي
إقتباس: رابح هوادف .. إخراج :إسلام محمد عباس(الجزائر):
يحلق هذا العرض بعيدا عن هموم الربيع العربي ويختار التعاطي مع (ظاهرة الاغتصاب) التي تعد من القضايا الحاضرة في المجتمع العربي ، ومع ان مفهوم الاغتصاب يرتبط بالمعنى الجنسي الذي كان حاضراً وبقوة في العرض المسرحي ، إلا ان المخرج إختار أن يشكل الاغتصاب الجنسي قاعدة من اجل البوح بإغتصابات متعددة تضرب في بنية المجتمع العربي على نحو عام والجزائري على نحو خاص ،ويتمثل بإغتصابات الوعي الانساني وتكميم الافواه وتحويل الحريات الشخصية إلى محرمات أبدية ، من جهة اخرى فان العرض يعود إلى طرح قضايا تتعلق بالاغتصاب الجسدي وما ينتج عنه من معاناة تتمثل بالجنين/ الضحية الذي لم يقترف إثماً بوجوده في هذه الحياة ، إنه صراع بين غريزة الام وخطيئة الاغتصاب التي ينتج عنها أطفال لايعرفون الطريق إلى آبائهم، وتقترب فرضيات النص من رواية (العرس الوحشي) للكاتب ( يان إيفليك) والتي عمل المؤلف العراقي (فلاح شاكر) على تحويلها إلى نص مسرحي وتناوب على إخراجها عدد من المخرجين كان آخرهم الفنان (احمد حسن موسى).
إختار المخرج ان يؤسس مكان العرض ليكون أشبه بحزام العفة الحديدي الذي كان شائعاً في (العصور الوسطى) والذي كان الرجال يلزمون نساءهم بإرتدائه للتخلص من الخيانة أو الاغتصاب .
وقد عمل المخرج على تحديد منطقة التمثيل بذلك الشكل الذي يمتلك دلالاته الفكرية فضلا عن إمتلاكه شكلا جمالياً، إلا ان المخرج لم يدرك أن تحديد مكان العرض بالشكل الثابت يحتاج إلى أداء تمثيلي يسهم في تنامي الايقاع المسرحي لكي لايفقد العرض تواصل المتلقي مع الاحداث المتتالية على خشبة المسرح ، إذ إقتصرت فاعلية الحركة على شخصية الرجل الذي إمتلك حرية التحرك في مناطق المسرح المختلفة والتي كشفت عن تسلط المجتمعات الذكورية وهيمنتها على سلوك المرأة ، بينما إقتصرت حركة الشخصيات النسائية الثلاث على مكان مغلق لاخلاص فيه من سلطة الرجل / السجان الذي عمل على الامساك بسلوك الشخصية التسلطية التي تراقب النساء المغتصبات بعيون ترفض الرحمة وتجسد القسوة الذكورية.
2- مسرحية (طواسين) تأليف: إبراهيم بن عمر، إخراج: حافظ خليفة (تونس):
كثيرة هي القراءات التي تعود إلى الجذور التأريخية ، من اجل أن إستنباط الحكمة والمعرفة ، وقد إختار المؤلف المسرحي الغوص في بحار التأريخ بحثاً عن مضامين درامية تسهم في تفعيل الرؤية الاخراجية ، وما كان من المؤلف إلا ان يتعاطى مع الفكر التصوفي على الرغم من خطورة التعاطي مع شخصياته الاشكالية إلا انه كان يسعى إلى قراءة الواقع المعاصر في (تونس) بعد (ثورة البنفسج) التي اطاحت بالنظام الحاكم ، لتبدأ رحلة الثورة الثقافية التي يقف المسرح في مقدمتها لمواجهة التيارات الاسلامية التي هيمنت على السلطة وهي تسعى إلى تغيير بنية المجتمع التونسي الثقافية، الامر الذي جعل المؤلف يختار شخصياته المسرحية من التأريخ الاسلامي ومن الزاهدين بالسلطة والنفوذ والتحكم بمصائر العباد ، لذلك كانت شخصيات (الحلاج - ابن عربي - السهروردي - حمدان قرمط ) شاخصة في فضاء المؤلف بما حملته من إرث ثقافي وديني يبتعد عن فساد السلطة ونزواتها؛ وحتى يكون الصراع الدرامي متكافئاً ، فإن المؤلف يزج بشخصية إلتباسية تقف على الطرف النقيض من معادلة التصوف ألا وهي شخصية (إبليس) الذي لعب دور الغواية منذ نشأة الخليقة ولم يزل يمارس دوره في تذكير البشرية بأطماعها الازلية والمزمنة المتمثلة بحب الذات والطمع الذي لاتقف عنده حدود.
وقد كان إشتغال الاخراج في منظومة العرض منسجماً على نحو واضح مع طروحات النص من اجل ان تكتمل الصورة الفكرية والجمالية التي اراد منها فريق العرض إيصال رسائل حقيقية إلى السلطة الدينية في بلاد الربيع العربي ، وتتمثل بتهشيم النظرة المثالية المتعلقة برجال الدين الذين قرروا مغادرة العبادة والزهد والتصوف واللجوء إلى كراسي السلطة والهيمنة على الشعوب.
3- مسرحية (قصر الشوك) تأليف وإخراج : نعمان حمدة (تونس):
قصر من الشوك .. عبارة مجازية اطلقها المؤلف على غرفة للانعاش في مستشفى ، حيث تأسس الفضاء العاري على مجموعة من الادوات التي تحيل المتلقي إلى ذلك المكان الذي تسكن فيه ملائكة الرحمة ، وربما لو كان عنوان المسرحية (قصر الشوق ) لكان اكثر فاعلية ، إذ تحيلنا كلمة الشوق إلى الشعور بالامل في عودة الحياة مرة اخرى إلى مرضى غرفة الانعاش.
إعتمد المخرج على مفردات ديكورية بسيطة تكفي للدلالة على المكان ، وعمل من جهة اخرى على توظيف الموسيقى على نحو فاعل لتكون شريكاً في الصراع الدرامي داخل المكان .
وعمل المخرج على الكشف الجزئي عن مضامين النص ، وقد أفاد كثيراً من الاضاءة التي جاءت متكسرة وقلقة ترافقها الموسيقى التي حملت ذات المزاج الكابوسي الذي يشير في مشاهد عدة إلى وجود عمليات من البناء المشهدي والهدم وإعادة البناء سواء على المستوى البصري كما في مشهد (موت الاخت والتعبير عن ذلك من خلال إطفاء الاضاءة الموجهة إلى مكانها، تعبيراً عن إنتهاء الفعل ، من اجل التحول إلى منطقة اخرى تكون فيها الاخت ضمن فريق الاطباء من اجل إنقاذ مريض آخر) ، وعلى الرغم من التحولات البصرية المتواصلة إلا ان المتن الحكائي ظل فاعلا في فضاء العرض عن طريق الاداء التمثيلي المتباين والمشحون بالافكار كما هو الحال مع شخصية (الطبيب/ المريض الذي يكشف للمتلقي عن صراعه المستمر المتمثل في صعوبة التلفظ على نحو واضح ، وتعود أسباب ذلك إلى قسوة الاب وممارساته التعسفية مع الطفل والتي حولت حياة الطفل إلى سكون مطبق صار يرافقه طوال حياته) والتي اجاد (عبد المنعم شويات ) أداءها .
وقد كشف الاداء التمثيلي عن إمكانيات تعبيرية على مستوى الصوت والجسد الذي كان فاعلا على نحو خاص مع الممثل (نور الدين بوسالمي) الذي إشتغل على توظيف بنيته الجسمانية لتكون فاعلة في سلوك الشخصية ، كذلك هو الحال مع الممثلين (جميلة الشبحي ، غازي الزغباني، أمينة الدشراوي) الذين عملوا على تحويل خشبة المسرح الوطني إلى صالة عمليات يتبادل فيها الطبيب والمريض السلوك ذاته في إشارة إلى الواقع التونسي الذي تتصارع فيه الاطراف السياسية كافة ، تاركين (الجسد/ الوطن) يصرخ طلباً للعناية المركزة.
رابعاً : أستنتاجات ومقترحات :
1- لم تمتلك السينوغرافيا حضوراً فاعلاً في العروض العراقية، ذلك ان أغلب العروض المسرحية إعتمدت على الفضاء العاري مختصرة عناصر السينوغرافيا في عنصر الاضاءة فحسب ، بإستثناء مسرحية (أيضا وأيضاً) التي إعتمد فيها المخرج على المعمار المكاني في (منتدى المسرح) .
2- نختلف كثيراً مع اللجنة المنظمة للمهرجان في تقديم جوائز مالية للعروض الفائزة ، في وقت كان المخرجون الشباب أحوج إليها لتأثيث عروضهم المسرحية ، فضلا عن ذلك فإن تلك المبالغ المالية ، كان من الممكن ان تسهم في تطوير قدرات الشباب عبر زجهم في ورشات تدريبية في التمثيل والاخراج وصناعة المشهد السينوغرافي .
3- نختلف كذلك مع اللجنة التي شاهدت العروض المسرحية العراقية ، على الرغم من أن عددا من تلك العروض لم يكن جاهزاً للمشاركة في المهرجان على المستوى الفكري والجمالي.
4- لانعرف حقيقة المعايير التي إتبعتها لجنة التحكيم في منح جوائز المهرجان.
5- كنا نأمل أن تعمل اللجنة المنظمة للمهرجان على الإفادة من الخبرات المسرحية المتمثلة بالمسرحيين العراقيين (المغتربين) ، وذلك عبر تقديم ندوات وورش عمل يمكن أن تفيد شباب المسرح العراقي، وأن لايقتصر حضورهم على مشاهدة العروض المسرحية فحسب.
6- لم يكن حضور المؤسسات الاكاديمية فاعلاً في المهرجان سواء على مستوى العروض المسرحية أو على مستوى اللجان التحكيمية، ولجنة المشاهدة، لذلك ندعو اللجنة التنظيمية للمهرجان إلى الاهتمام بالمؤسسات الاكاديمية بما تمتلك من خبرات معرفية قادرة على المشاركة والتفاعل خدمة للمسرح العراقي.
7- ندعو اللجنة التنظيمية إلى تفعيل مبادرة المطبوعات التخصصية في حقول المسرح المتنوعة، ويمكن ان يتم ذلك من خلال الإفادة من الدراسات الاكاديمية المنجزة ، وأن لايقتصر الامر على عدد محدود من المطبوعات ، التي تكرر طباعة بعضهاكما في كتاب (ازمنة المسرح).
8- لم يتسنى لنا مشاهدة جميع العروض المسرحية ، والتي كان من بينها بعض العروض التي أثارت اهتمام الجمهور ..نذكر منها مسرحية (الخوصة والزور) إخراج : يوسف بن محمد البلوشي وهي من تقديم (سلطنة عمان) ، كذلك هو الحال مع مسرحية ( صور من بلادي ) للمخرج د.أحمد محمد عبد الأمير والتي قدمتها كلية الفنون الجميلة في بابل على هامش المهرجان ، وقد اثار هذا العرض العديد من التساؤلات التي كان اهمها ؛ ما السبب في تقديم العرض على هامش المهرجان بما يمتلك من خصوصية على مستوى الاداء الجسدي والاخراج ، ومسرحيات اخرى لم نحظ بفرصة مشاهدتها بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر