الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرجينيا وولف .. نصف رواية متبقية

ابراهيم سبتي

2013 / 1 / 7
الادب والفن


لماذا ينتحر الكاتب ؟ لا جواب قطعيا حتما، إنه سؤال العبث اليومي بتفاصيله المزمنة التي لا تنتهي .. فرجينيا وولف ماتت منتحرة في نهر أوسي، ألقت بجسمها المثقل بالأحجار وجيوب معطفها البني كان مليئا هو الآخر بأحجار الضفة المطلة على بيتها الريفي التابع لمنطقة سوسيك ذات المنظر الآخاذ ( مذكورة في روايتها رواية لم تكتب بعد 1921 ) .
ماتت الروائية التي أثرت الأدب الانجليزي وصارت أحد أعمدته في العصر الحديث، جثمت في القاع تسعة عشر يوما حتى عثر عليها بحالة يرثى لها، إنها فرجينيا وولف صاحبة أسلوب تيار الوعي في الرواية الحديثة، لم تكن تعرف أنها ستنتهي إلى الانتحار ولم تفكر قط فيه، لكنها أيقنت بأن رحلتها كإنسانة لابد لها أن تنتهي مع أن رحلتها الروائية ما زالت في قمتها وحيويتها. ظلت مخلصة للكتابة ومحبة للأدب، كله ولم تفكر يوما بترك عشقها وهو كتابة الرواية مهما مرت بظروف قاسية، عاشت فشلها في الحياة الأسرية كفتاة تحتاج الى رعاية الأم وحنانها وعاشت فقدانها لعطف وحب الأب الذي مات بعد أمها بفترة وجيزة وعاشت فقدان الأخوة حين توفي شقيقها المحب لها مبكرا، ومن ثم عاشت أبشع من هذا حين كانت تصحو كل صباح على أصوات القنابل النازية وهي تدك لندن في أسوأ فترات الحرب العالمية الثانية حينما خطط هتلر لإركاع الانجليز بالقصف غير المسبوق .
الأدهى أنها عاشت فشل الحياة الأسرية حتى زواجها من ليونارد وولف عام 1912 الذي أدى حبه وحرصه عليها الى ترك العالم والاختفاء عنه للأبد. إذ أن زوجها ليونارد وولف الأديب وصاحب دار نشر معروفة في لندن، غمرها بحب لم تعرفه طيلة حياتها فكانت تبكي لذاك الحب العظيم والعشق الذي تكتب عنه ولم تره، إنها مصيبة القدر أن تموت من اجل إسعاد حبيبها، ولكي لا تزعجه بنوبات الصرع والجنون التي لازمتها ربع حياتها، نوبات كانت تخفيها عن الناس ولكن الأمر قد افتضح ولم يعد أحدا لا يعرف، انه قرار الموت إذن.
عاشت فرجينيا وولف حياتها بكل صخبها البيتي والأسري من دون أن تعرف طعما لذلك، ففجرت في نفسها طاقة كتابة لا مثيل لها وأبدعت أهم الروايات والقصص القصيرة والمقالات الأدبية. أما قرار الموت، فكان أكثر القرارات هدوء واتزانا في حياتها، فهي لم تعطه وقتا كافيا ليدخل اليها ( الموت) كما هو الحال عند الناس الآخرين. فله طريقته الخاصة. كانت السعادة التي دفعتها الى الانتحار، سعادة استثنائية تماما، لا السعادة التي تحطمت على جدران المرض الفظيع الذي التصق بها. المرض الذي كان يدفعها الى الصراخ في منتصف الليل وهي نائمة، فما كان من زوجها الا أن يهرع إلى الشارع الخالي مستنجدا، انه يحاول أن يبطئ
ويؤخر عنها الموت أو قراره. ولكنه ظل يسمع صرخاتها وكأنها ستلقى حتفها من مصيبة ما، تكتب رسالتها الأخيرة لزوجها وتغيب عنه الى الأبد ( لا أظن بأني سأتعافى من مرضي هذه المرة) فيقرأ الزوج المحب والمعجب بالأديبة في آن، رسالتها ويبكي ويذرف دموع الألم والندم، الألم من فراقها كزوجة وأديبة بارعة لطالما أعجب بها وبفنها الروائي وشجعها على كتابة بعض الروايات التي يرجع الفضل له بانجازها كرواية " السيدة دالواي " التي أنجزتها عام 1925 ورواية " أورلاندو " المنجزة عام 1928، أما ندمه فشعوره بأنه لم يمنحها الحب والعطف الكافيين حسب اعتقاده. بينما تعترف فرجينا وولف في رسالتها الأخيرة لزوجها قبل الانتحار بدقائق ( لا أعتقد بأن الحب والسعادة التي شعرنا بها نحن الاثنين سيشعر بها غيرنا ).
انه اعتراف واضح بحب الرجل له. انه الأديب والكاتب في الشؤون الاقتصادية في أشهر صحف لندن آنذاك وصاحب دار النشر المعروفة، تزوج فرجينيا وولف في عام 1912 وهي لم تكتب بعد أية رواية عدا بعض المقالات التي نشرتها في التايمز اللندية ومن ثم تحولت الى الكتابة في الملحق الأدبي للصحيفة نفسها. ويعتقد بعض الأدباء الانجليز بأنه أحد الذين شجعوا وولف على الكتابة النقدية الأدبية بينما كانت تفكر في باكورة حياتها، بأن تصبح ناقدة فنية تتجول في قاعات الفنون التشكيلية. أصدرت كتبا نقدية مهمة في مسارات الأدب الانجليزي ولاقت اهتماما كبيرا في الأوساط الثقافية والأدبية وخاصة كتابها عن القارئ المهتم بالأدب أسمته " القاريء العادي " في عام 1925 وكتاب آخر ظهر بعد انتحارها عنوانه " موت الفراشة ومقالات متنوعة أخرى ". اشتغلت فرجينيا وولف بأسلوب جديد أطلق عليه بتيار الوعي أو التداعي الحر وهو أسلوب عمل به بعض الكتاب المعاصرين لوولف وبدأت بكتابة رواية أرادت أن تبوح. وقد عرفت به باعتباره سيلغي السائد في الأسلوب التقليدي. وتميزت أعمالها باستفزاز المشاعر الإنسانية ومداعبة الضمير الإنساني بقدرة روائية فذة.
كتبت فرجينيا وولف تسع روايات وصدر لها ثلاثة كتب نقدية وكتاب سيرة. وهكذا ماتت فرجينيا وولف بعد أن ظلت جاثمة في باطن النهر تسعة عشر يوما بعد أن ملأت جيوب معطفها الجديد ( هدية عيد زواجها من ليونارد) بالحجارة ودخلت النهر سيرا من دون التفاتة الى الوراء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة