الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعراء ليسوا في سُبات

رابحة مجيد الناشئ

2013 / 1 / 15
الادب والفن


الشعراء ليسوا في سُبات
رابحة مجيد الناشئ

في الاسبوعين الاولين من ديسمبر( كانون الأول ) 2012، حَلت الفدرالية الأوربية لبيوت الشعر ضيفاً على المجتمع الفرنسي. ندوات أدبية - شعرية، وفعاليات ثقافية مُتنوعة تتحدث عن مكانة الشعر والشعراء ودورهم الريادي في المجتمع تحت شعار ‹‹ الشعراء ليسوا في سبات ››، عاشتها العديد من المدن الفرنسية.

بهذه المناسبة ارتأى بيت الشعر لمدينة ﭘـواتيه - La Maison de la Poésie de Poitiers - أن تكون فعاليته الثقافية الختامية لعام 2012، هي الاحتفاء بالشاعر السويدي توماس ترانسترومر- Tomas Tranströmer الحائز على جائزة نوبل للأدب لسنة 2011. لذا استضاف الشاعر الفرنسي جاك أُوتان - Jacques Outin، صديقه الحميم ومترجم أعماله الكاملة إلى اللغة الفرنسية .

وهكذا كان الشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي على مَوعِد في مساء الجمعة، السابع من كانون الأول 2012 في المركز الاجتماعي الثقافي لحي بوليو في مدينة ﭘـواتيه ليستزيدوا مَعرفةً بهذا الشاعر من خِلال ندوة للشاعِر جاك أُوتان الذي اختَصَ بترجمة الآداب عن اللغات السويدية والألمانية والنرويجية بعد تَقاعُدهِ من عمله الجامعي.

تحدثَ جاك أُوتان عن سيرة حياة ترانسترومَر، عن طفولته، عن عائلته، اهتماماته الحياتية والاجتماعية والفنية، وتطرق كذلك للحديث عن بدايات اهتمامه بالأدب والشعر وعن تطوره في هذا الميدان ووصوله إلى اسلوب متفرد عُرِفَ به. ولم يغفل التحدث عن فوزهِ بجائزة نوبل.

ولد ترانسترومر في الخامس من نيسان 1931 في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد. أمه معلمة وأبوه صحفي وفوتوغراف.

انفصلَ والدا الشاعر وهو طفل صغير، فتربى في كنف والدته وتحت رعاية جده لأمه الذي كان بحاراً. مُصاحبة ترانسترومر لجده في رحلاته البحرية ساعدت على نسج العلاقات الحميمية ما بين الشاعِر وَالجد وأَثرت على حياته وعلى كتاباته فيما بَعد. ويبدو ذلك واضحاً في مجموعتِه الشعرية ‹‹ البلطيقيات ››، حيث تتحدث قصائده عن
علاقته بجده وعن الطبيعة الخلابة لجزر البلطيق، عن مناخها وحيواناتها ونباتاتها وعن فترة حياته السعيدة في تلكَ الجزر وهو طفل يُرافق جدهُ البحار.

البدايات الشعرية

شغوف بالموسيقى وبعالم الطبيعة والحيوانات وعلى الأخص بعالم الحشرات، ترانسترومر بدأَ بكتابة الشعر وهو في سن الثالثة عشر، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى ‹‹ 17 قصيدة ›› عام 1954، وَكانَ آنذاك لم يزل طالباً.

درس الفلسفة وتاريخ الأديان وعلم النفس في جامعة ستوكهولم التي تخرج منها عام 1956، وعمل إثر ذلك في المعهد النفسي التقني التابع لنفس الجامعة.

في ستينات القرن الماضي جسد اهتمامه الاجتماعي بالعمل مع المعوقين ومدمني المخدرات ومع الجانحين في السجون، وكتب العديد من القصائد عن الحياة في السجون منها:

يَشرَبُ الصبي حَليباً
وَينام هادِئاً في زنزانتهِ
أُمٌ مِن حَجَر

حَصل َتوماس ترانسترومر على الكثير من الجوائز السويدية والعالمية وترجمت أشعاره لأكثر من 60 لغة.

في سنة 1990 أُصيب بنزيف دَماغي( جلطة دماغية ) وفقد على إِثر ذلك الإمكانية على النطق وبشلل نصفي( في الجانب الأيمن ).

تحدث جاك أُوتان للجمهورالحاضر عن معاناة ترانسترومر بعد الحادث وعن صعوبة الحديث معه وفهم ما يقوله، إلا من خلال زوجته الوفية مونيكا التي وَقفت معه وساعدته على الاستمرار بالكتابة والتواصل. فهي التي تفهمه وتترجم ما يريد أن يقول وهي دائماً الوسيط الفاعل ما بينه وبين الآخرين .

اسلوب شعري متميز

قصائد ترانسترومر تَنبض بالحياة، وَخاصيتها العمق والتركيز والشفافية، وغالباً ما تكون معبرة عن مَشاهِد بسيطة، واقعية، مُستوحاة من الطبيعة ومن الحياة اليومية للناس البسطاء الذين هم دائماً محل اهتمامه ومصدر إلهامه.

بكلمات بسيطة يأخذ شعر ترانسترومر الانساني طريقه مباشرةً لفكر القارئ ولقلبه بما يحمله من معانٍ ودلالات عميقة.

إن عشق هذا الشاعر للطبيعة يتجلى بوضوح في العديد من قصائدهِ، وليسَ من الغريب أن يكون لكثافة الثلوج في السويد الأثر البليغ على تجربته الشعرية الإبداعية. ففي قصيدته المشهورة ‹‹ في آذار 79 ››،أبدع في عرض الصورة عن اكتشاف الثلج من خلال خلق الموِّصلات أو الملتقيات ما بين أمرين: الثلج وآثار قوائم الحيوان التي قادته لاكتشاف هذا الثلج فكتب هذه القصيدة:

مُتعبٌ من كل الذينَ يجيئون مع كلمات
كلمات، وليس لغة
أرحل إلى الجزيرة المغطاة بالثلج
الجموح، ليسَ له كلمات
صفحاته البيضاء تنتشرُ
في جميع الاتجاهات
أصادِف آثاراً لقوائم آيل في الثلج
لا توجد كلمات، بل لغة.

أما الموت، فان ترانسترومر يصفه بالسارق الذي يأتي كزائر وبغفلةٍ منا وبدون استئذان لكي يسرق الحياة، وقد عبر عن هذا في إحدى قصائده:

‹‹ بطاقة بريدية مُعتِمة ››

يحدَث في مُنتَصف الحياة أن يأتي الموت
ليأخذ مَقاساتنا. هذهِ الزيارة تُنسى
وتستمر الحياة. لكن البدلة
خيطَت دون علمٍ منا.

أما الموسيقى، فهي توجَد في كل كتاباته، بل هي عند ترانسترومر لغة أخرى مُوازية للشعر، حتى أنه يستخدمها أحياناً لإيجاد عناوين لِقَصائدهِ، على حد تعبير جاك أُوتان.

لتوماس ترانسترومر 15 ديواناً منها:

17 قصيدة - 1954 ، أسرار في الطريق - 1958 ، سَماء نصف مُكتَمِلة - 1962 ، أَنغام وآثار- 1966، رؤيا ليلية- 1970 ، بَلطيقيات - 1974 ، حاجز الحقيقة- 1978 ، لأجل الأحياء والأموات - 1989.

ولم تمنعه الجلطة الدماغية التي أُصيب بها في عام 1990 وَشلله النصفي وصراعه المرير مع المرض من مواصلته للكتابة، حيثُ أَصدرَ في عام 1993 ‹‹ الذاكريات تُراقبني ››، وهو مؤلفهُ النثري الوحيد والذي يتحدث فيه عن ذكريات الطفولة التي عاشها والتي ساهَمت في تطور إدراكه الإنساني وتركت بصماتها على كل أعماله الشعرية.

في سنة 1996 أصدر ديوانه المعنوَّن″ الجندول الكئيب ″، وفي عام 2002 نشر قصائد قصيرة. أما عام 2004، فقد شهد صدور مجموعته الشعرية ‹‹ اللغز الكبير ››، وهي آخر ما أصدره توماس ترنسترومر. وتتضمن هذه المجموعة 45 قصيدة مكتوبة على شاكلة الهايكو - HAÏKUS الياباني ( ويعني الجوهر ) والذي يتميز بالجمل القصيرة وتكثيف الدلالات.
ارتبط هذا الأسلوب الشعري بالشاعرين اليابانيين باشو وَ بوسون، اللذان يعتبران المطوِّران الحَقيقيان لهذا النوع من الشعر الذي انتشر بشكل أو بآخر في الكثير من دول العالم في وقتنا الراهن.

تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط مكوّن من سبعة عشر مقطعاً صوتياً وَعادةً ما تُكتَب بثلاثة أسطر: ‹‹ خمسة، سبعة، خمسة ››. وحسب وصف الموسوعة العربية للأدب فإنَ شاعِر الهايكو الحاذِق يأخُذ الأَحاسيس والمشاعر والانطباعات المتدفقة ويعرف كيف يصبها في قالب مِن سبعة عَشَر لفظاً، محاوِلاً في الغالب التعبير عن مشاعِر وأحاسيس عميقة بكلمات بسيطة، إِلاّ أَنها جوهرية وذات دَلالة.

ويبدو أنَ ترانسترومر قد تبنى هذا النمط الشعري، بل أنه أَوجَد نموذجاً خاصاً من الهايكو تفرَّدَ به. والأشعار التالية من مجموعته الأخيرة ‹‹ اللغز الكبير ››:

الإله حاضر
يَنفتِحُ بابٌ مُغلَق
في النفق زغاريد عصافير
****
صامتةٌ تقف الأَفكار
كلوحة موزائيك
في حديقة قصر
****
هذه الأَوراق السَمراء
لا تقل قيمة عن
مخطوطات البحر الميت

الفوز بجائزة نوبل

بعد إصدار مجموعته الشعرية الأخيرة ‹‹ اللغز الكبير ››، في سنة 2004 بسبع سنوات، مُنِحَ ترانسترومَر جائزة نوبل للأدب لعام 2011. وقالت الأَكاديمية السويدية، وهي الجهة المسؤولة عن منح هذهِ الجائزة: ‹‹ من خلال صوره الشعرية الحقيقية واسلوبه في الاختزال والتكثيف والشفافية، توماس ترانسترومَر يمنحنا وسائل جديدة لفهم الحقيقة والواقع ››.

استمتع الجمهور المحتَفي بهذا الشاعر بمعزوفاته الموسيقية على اﻟﭙيانو، حيث لم يمنعه شلل اليد اليمنى من الاستمرار بالعزف والتلحين بيدهِ اليُسرى فقط.

كما استمع جمهور الأمسية للعديد من قصائده ‹‹ باللغة الفرنسية ››، ألقاها جاك أوُتان مُترجم أعماله الأدبية، ومنها:

ـ بطاقات بريدية مُعتِمة
ـ إِمضاءات
ـ ‹‹ في آذار 79 ››
ـ الثلج يسقط
ـ قصائِد من السجون....... وغيرها.

تفاعل الجمهور مَعَ القصائد الجميلة ومع كُل مَضامين الأُمسية، وتركزت مُداخلاته حول الإبداعية الشعرية لترانسترومر وحول إرادتهِ الرائِعة في المواصلة والخلق والإبداع، منتصراً بذلك على الصمت والمرض، مبرهناً بالدليل القاطِع على أن إرادة الحياة .... هي الأقوى .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/