الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول موجة التظاهرات الراهنة في العراق – فلاح علوان اجرى الحوار- علي عيسى

فلاح علوان

2013 / 1 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



(1 ما الذي حدث مؤخرا في العراق لكي تخرج مظاهرات عارمة بما انه الشارع كان هادءا في الاونة الاخيرة؟ ما اهمية 12-25
ان التظاهرات التي تشهدها العديد من المدن الان ليست في الحقيقة ردة فعل عن حوادث عابرة او عرضية، اي انها ليست حصيلة اجراء حكومي مباشر. وان الشارع الذي يصفه السؤال بالهادئ هو في الحقيقة ساكت تحت وطأة القمع وخاصة بعد تظاهرات شباط 2011 حيث كشفت السلطات عن بطشها صراحة وعلانية واستخدمت الجيش في قمع التظاهرات السلمية واطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين. والحال، ربما تكون حادثة بعينها قد فجرت الاحداث الا ان مضمون الاحتجاجات يتخطى بعيدا موضوع النزاع بين رئيس الوزراء ووزير المالية، لقد لاحظتم تطور واتساع الشعارات التي يجري طرحها، فبعد ان كانت الحادثة هي اعتقال حماية وزير المالية طالب المتظاهرون بالغاء قانون 4 ارهاب وهو قانون طوارئ استخدمته السلطات وسيلة لقمع كل مخالف وقد استخدموها ضد جميع الاضرابات والاعتصامات السلمية التي ينظمها العمال للمطالبة بمستحقاتهم منذ سنوات. كذلك يرفع المتظاهرون الان مطلب انهاء الطائفية او التمييز الطائفي. في حين رفع متظاهرون اخرون شعارات تطالب بفرص العمل والقضاء على البطالة.
ان تركيبة النظام السياسي الراهن في العراق والذي جرى تشكيله على اساس الطائفة والدين واللغة، وتركز السلطة بيد الاحزاب الاسلامية الشيعية بصورة رئيسية، الامر الذي ادى الى فرض تمييز ضد مناطق واسعة من العراق تجلى في سياسات واجراءات مثل اعتقالات، اتهام مباشر لكل المخالفين بالانتماء للقاعدة او للبعث ... الخ. تلك كانت الارضية التي انطلقت عنها الحركة الراهنة. ان هذه الحركة كشفت باسلوب عملي مباشر ان النظام الطائفي في البلاد لا يمكن ان يدير المجتمع باي حال، من جانب، ومن جانب اخر فان المنطقة او المحافظات التي كانت تتهم بسعة نفوذ الطائفية فيها او القاعدة وما شاكل ترفع الان شعارات تهدد البناء الطائفي بصورة مباشرة، لان ادعاء الطائفية تكرسه سلطة الحكومة ويمكنها من اعادة انتاج نفسها عبر التلويح براية الطائفية وعودة النظام السابق.
اصبحت هذه المدن تعلن مناهضتها للطائفية وتطرح شعارات عامة بعضها ديمقراطي او مدني، هذا الامر في تطوره واتساعه سيصيب الخطاب المذهبي لحكومة المركز بضربة جدية وستسعى لتعريف نفسها على اساس اخر، لكي تديم او تواصل وجودها.
ان انتصار حكومة المالكي على الجماهير في شباط 2011 ومن ثم تصفية الخصوم السياسيين دفع الى تشكل نظام قمعي ضيق السلطة في يد الحكومة اكثر فاكثر. ان احداث 25/12 ربما ستضع حدا لهذا الاستبداد اذا تطورت القوى الاجتماعية خلاله.

(2ما هي اهم مطالب, ما هي القوى التي ترفعها, وكيف تبلورت اخر اسبوع؟

ان الاوضاع السابقة المهيأة للانفجار في اي لحظة، قد فجرتها حادثة اعتقال عناصر حماية وزير المالية، ليرافقه فورا مطلب اطلاق سراح السجينات، خاصة وان العديد من السجينات هن معتقلات منذ فترات طويلة دون محاكمة، وقد تم اعتقالهن بسبب تهم تخص ازواجهن او احد افراد اسرهن. ثم تطورت الحركة لترفع مطلب الغاء قانون 4 ارهاب، وهو قانون احكام عرفية معمول به منذ سنوات، هذا المطلب هو واقعي وايجابي لانهاء الاحكام العرفية. ان قانون 4 ارهاب قد تم توجيهه الى العمال والناشطين في كل الانشطة والفعاليات التي قاموا ويقومون بها، وخاصة احتجاجات عمال النفط في البصرة عام 2006 و2007 كما اسلفنا، مما يؤكد كونه قانون مسلط ضد كل شكل اعتراضي على السلطة وليس مقصورا على الحوادث الارهابية.
لقد استطاع هذا المطلب، لما له من تأثير معنوي بالغ على الجمهور وما له من موضوعية ان يستقطب جموعا واسعة في الرامادي اول الامر ثم اتسعت الحركة لتشمل عدة مدن ثم رفعت مطالب اوسع في التظاهرات والاعتصامات.

3 ) ما هو حال المسجونين وبالاخص السجينات في العراق الان؟ هل هناك ارقام محددة؟

فيما يخص السجينات كنا نتلقى تقارير ميدانية من خلال فريق من منظمة حرية المرأة في العراق OWFI التي كانت تزور سجن النساء وكانت ترد تقارير عن حوادث اغتصاب وانتهاكات عديدة.
ان بسط سيطرة الحكومة بعد عام 2009 ثم نجاحها في قمع واخماد التظاهرات اوائل عام 2011 جعلت هذه الزيارات صعبة للغاية.
ومن جانب اخر فان السجون التي تضم معتقلين ومعتقلات لاسباب سياسية والاحرى ما يعرف بجرائم او تهم ارهاب، فان من المستحيل زيارتهم من قبل منظمات وجهات سياسية او منظمات نسوية.
وبالنسبة للارقام فان هناك ارقام تعلنها مؤسسات حكومية، وآخرها هو وجود 1000 سجينة محكومة و4000 رهن الاعتقال والتحقيق، في حين تورد العديد من وسائل الاعلام والقنوات ارقاما لعشرات الالاف من المعتقلين. والحال ان الاعتقالات هي عمل متواصل وهناك اكثر من جهة تقوم بالاعتقال، وتنفي كل هذه الجهات تقديم اي معلومات عن المعتقلين، كما كان يجري ايام النظام السابق، وبالتالي ليس ثمة ارقام محددة لعدد السجناء.

(4اذا كانت التظاهرات بدأت، كما يقول البعض، من تلاعب الاحزاب الطائفية داخل النظام والنخبة متى وكيف خرجت عن هذا الاطار؟
يمكن لاي شخص اطلاق احكامه او تصوراته على اي ظاهرة، هذا لن يغير من جوهر الامر شيء. ومن جانب اخر فان اوضاعاً يمكن ان تبقى "ساكنة" لعقود ولكنها تحمل عناصر صدام او انفجار ويمكن ان تفجرها اي حادثة او واقعة. اذن فهي ليست نتيجة لحادثة معينة او تدخل معين، رغم انه ربما سيلعب او لعب دورا في التحريض او التعبئة. انا انظر الى الاساس الموضوعي للاحداث وهو الاساس الذي حرك الاوضاع. ان تونس بقيت تحت استبداد حكم بن علي لعقود دون ان نرى" مظاهر" ثورة، في حين ان حادثة انتحار محمد بو عزيزي فجرت الاوضاع ثم الثورة التي اجتاحت تونس فمصر ثم اكتسحت الشرق وامتدت الى اقاليم خارج المنطقة. وعليه؛ انا لا انظر الى الموضوع من زاوية تسلسل الحوادث، ان جذور الامر تكمن في جوهر النظام السياسي وتقسيم المجتمع الى ما يسمونه مكونات شيعية وسنية وكردية وتركمانية ومسيحية .... الخ ثم يقولون بعدها انهم لا يفرقون بين مكون واخر وان العراق واحد. و يتصارعون على تقسيم الوزارات بين عناصر الكتل السياسية على اساس المذهب، ليتشرنق كل في فريقه يضمر العداوة والكراهية لباقي الفرق، ولكنه يتحد معها في عداوته للمجتمع. ان تركز السلطة بيد الاحزاب الاسلامية الشيعية وتكريس المناصب والمؤسسات بيد عناصر احزابها، وانتشار الفساد في الاجهزة الحكومية التي تم تشكيلها، وعدم قدرة السلطة على تامين اطار سياسي واسع يمثل المجتمع، كل هذه العوامل قادت الى تذمر اجتماعي واسع، عبرت عنه الجماهير في سلسلة من الاحتجاجات والاعتراضات في عموم البلاد، سبقت الموجة التي نعيشها هذه الايام.

5) كيف تحاول القوى الاحتجاجية ان تهاجم وتتغلب على الخطاب الطائفي؟

ان جوهر ومحتوى الحركة لا يتطابق مع الحركات السياسية او القيادة التي وضعت نفسها او تسعى لوضع نفسها على رأس الحركة. ان جمهورا مليونيا يعلن صراحة انه ضحية للطائفية وللنظام السياسي المؤلف على اساس طائفي لا يمكنه، موضوعيا، الخلاص من التمييز الطائفي من خلال التمسك والدفاع عن" طائفته" بالذات كضحية وانما بالخلاص من مجمل النظام الطائفي نفسه.
لقد رفعت شعارات منذ الايام الاولى تتحدث عن الوحدة ورفض الطائفية والتقسيم، وقد جرى التعبير عنها بشكل عفوي بدائي، من خلال شعارات تدعو الى الاخوة بين الشيعة والسنة او بين العرب والكرد... وكأن الوحدة حاصل جمع الشيعة مع السنة. ان الوحدة هي شعار ايجابي بالتأكيد ولكن عرضها بهذه الطريقة هو ادامة واعادة انتاج للتيارات الطائفية.
ان عرض مفهوم اجتماعي للوحدة قائم على اساس فهم موضوعي طبقي هي مهمة سياسية جدية تقع على عاتق الحزب السياسي صاحب التصور الاجتماعي الواضح والطبقي للمجرى التاريخي للاحداث وللمجتمع.
ان بلورة مفهوم الوحدة بمضمونه الطبقي هو في الوقت نفسه كشف عن القدرة التاريخية للطبقة العاملة التي تستطيع توحيد المجتمع وانهاء التقسيم والتشتت الذي خلقته القوى البرجوازية لكي تتقاسم السلطة وتفرض سيطرتها على الجماهير.
ان اساس هذا الفهم قائم وله سند موضوعي، حيث ان الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي بامكانها ومن مصلحتها وحدة المجتمع وتوسيع القاعدة الاجتماعية لاشتراك الجماهير في رسم مصير المجتمع عبر تقوية صفوفها وتوحيدها.
هذه المهمة هي مسألة مطروحة امام المناضلين المنخرطين في الاحتجاجات وهم يشكلون تيارا حيا موجودا الى جانب العديد من القوى الاخرى.

(6 ما علاقة الحركة العمالية والقوى التي ظهرت بعد 25 شباط 2011؟

اذا كان المقصود العلاقة مع الوضع او الاحداث الراهنة، يمكنني القول ان الحركة العمالية ولاقل الاعتراضات والاحتجاجات العمالية لم تبدأ من شباط 2011 رغم حضورها في احداث شباط. فالاعتراضات العمالية لم تتوقف سواء مع البداية عام 2003 عندما خرج الاف العاطلين عن العمل للمطالبة بفرص عمل، او سلسلة التظاهرات والاعتصامات التي جرت رغم الحرب الطائفية الطاحنة، وكان العمال يعترضون ضد التمويل الذاتي وللمطالبة بمخصصات الخطورة ومظاهرات المفصولين العائدين للخدمة وتظاهرات المطالبة بمستحقات الاجور المتأخرة .. وغيرها.
والحال ان العمال على امتداد البلاد ورغم عدم تبلور حركة عمالية لها ملامحها وجهازها الدائم او مؤسساتها الراسخة الا ان ثمة اليات نضالية يمكن ان تصبح تقليدا نضاليا ثوريا.
اننا نتحدث عن طبقة هي في صلب الاحداث وفي صلب الصراع من الناحية الموضوعية، حتى في حالة عدم انخراطها بشكل واضح مستقل وباسمها وعنوانها، ان الوضع السياسي الحالي والتقسيم المذهبي يقيد ويشل الى حد بعيد القدرات النضالية للعمال، وبالتالي ستكون تقوية واتساع اي حركة ديمقراطية جماهيرية هو فتح الاجواء السياسية أمام نضال عمالي طبقي مباشر.
ان العمال اليوم يعانون من فرض قانون 4 ارهاب تجاه اي عمل اعتراضي او اي اضراب يقومون بها من البصرة الى الموصل ولدينا شواهد عديدة طيلة سنوات.
ان شباط 2011 شهد مشاركة العشرات من المنظمات مع اول مبادرة جماهيرية واسعة للاشتراك في الحياة السياسية بعد عقود من الاستبداد؛ كما شهد شباط 2011 تشكيل العديد من اللجان والفرق التي تعكس تصوراتها ورؤياها في الحركة.
ان هذه الحركة كشفت التأثير والعمق الفعلي والفهم السياسي للتيارات السياسية. وكشفت عن افاق الاحزاب وطاقتها، وهي الرافعة التي تعطيها الثقل السياسي وليس ادعاء وجود عضوية واسعة او تنظيمات كبيرة ... وما شاكل.
وكذلك كشف عن حقيقة الشعارات او الطروحات التي تقدمها العديد من الاحزاب والمنظمات والتيارات. ان انفتاح الساحة السياسية والاجواء السياسية في المحافظات التي كانت تحت سيطرة التيارات المتشددة مثل القاعدة وغيرها من المجاميع المسلحة، اعطى القدرة للجماهير لرفع صوتها من خلال اعتراض جماهيري وبالتالي تطوير اليات سياسية جماهيرية.
وسيصبح بامكان الحزب الذي لديه فهم سياسي علمي موضوعي ولائحة عملية تستند على المصالح الحيوية والجوهرية للمجتمع، التأثير في الفصيل الطليعي من المجتمع الذي يمكنه بلورة مصالح الجماهير واهدافها في سياساته.
انه لن يكون فصيلا قابلا للمساومة، او صاحب اهداف ضيقة، او فصيل رجعي طائفي أو عشائري أو ديني، يسعى لتضييق الحلقة المسيطرة على المجتمع، وليس هو الفصيل الساعي لتحقيق منافع من خلال ركوب الموجة. والحال، انه الفصيل صاحب المصالح المتقاطعة مع القوى الرجعية والنظام السياسي والذي لا يمكنه التطور والارتقاء الا بوحدة صف الجماهير، انه الفصيل الذي من مصلحته ومن اهدافه القطيعة مع كل الفصائل الحاكمة والقوى الرجعية، سواء في الحكومة أو المعارضة. هذه المزايا لا توجد ولن توجد الا في الطبقة العاملة وطليعتها والتي بامكانها جر المجتمع وراء سياسات واهداف انسانية تقدمية وانهاء الطائفية والنزاعات الرجعية. ان ناشطين عماليين اليوم ينخرطون بصورة مباشرة في النضال الجاري وبالاخص في سامراء والموصل، يلقون الخطب ويعبئون باتجاه اشراك جماهير العمال في عموم البلاد في الحركة.

(7 بما ان النشطاء العراقيين دائما يشكون من عدم التغطية الاعلامية, لمَ الاهتمام الاوسع الان؟ هل تتعلق بضعف المالكي؟ ما مصدر هذا الضعف؟

حقا ان احداث شباط 2011 ذات الصبغة اليسارية الواضحة وبصمة الناشطين الاشتراكيين، لم تحظ بتغطية اعلامية توازي حجم الحدث، الا ان عشرات التجمعات والاحتجاجات وخاصة ما قام به العمال طيلة سنوات الا انه لم يكن ثمة اهتمام اعلامي وتغطية جدية.
كانت حركة 25 شباط ستعني ضربة قاصمة، على يد الجماهير للمشروع الامريكي وللسياسة الامريكية وللـ"ديمقراطية" التي فرضتها امريكا، ومن جهة اخرى كانت الحركة ستقوض المشروع الطائفي وتدفع الحركة في المنطقة الى الامام. وعليه كان ثمة اكثر من سبب يدعو العديد من وسائل الاعلام، وخاصة تلك المؤسسات الاعلامية الكبيرة التي تتحكم بالمشهد الاعلامي العالمي، لان تتجاهل او تتغافل او تتعمد عدم التغطية والاهتمام الاعلامي. ومن جهة ثانية، وهو الاهم، ان المالكي استطاع كسر الحركة ببطش مبكراَ، وهو ما قامت به ايظا حكومة كردستان ضد الجماهير المحتجة. لقد استطاعت حكومة المالكي والقوى المتسلطة فرض الانحسار على حركة المجتمع وتوجيه ضربة لها.
ان ميزة شباط 2011 كانت شمولها لكل اجزاء العراق، من اقصى البصرة الى الموصل والمحافظات الغربية وانتشارها في كردستان. والحال ان الحركة التي نشهدها هذه الايام امتازت بطول النفس وعمق ارتباطها بالمجتمع، ومن المتوقع ان تترك اثارها على السياسة العامة او كما يسمى المشهد السياسي العراقي. ان الحركة استطاعت فرض ضغط سياسي جدي على المالكي اكثر واعمق من احداث شباط 2011 ومن المتوقع ان تترك تأثيرها على المجتمع ايضا.
اما مظاهر او اسباب ضعف المالكي فانا ارى ان ابرزها:
1- الازمة الداخلية وعجز الحكومة عن الاجابة على مطالب وحاجات المجتمع، من تشغيل وخدمات ومواجهة الفساد ... وغيرها من القضايا والملفات المتراكمة، التي تثقل على الجمهور كثيرا وتترك السلطة في موقع العاجز او الاحرى المتسبب في ازمات المجتمع.
2- الصراع بين اقطاب السلطة وبالاخص بين حكومة كردستان والمركز وعدم قدرة النظام السياسي الحالي على تأمين اطار عام للمجتمع.
3- تخطي المجتمع للحقبة الماضية التي كانت تشير لها حكومة المالكي دوما على انها مرحلة الظلم وانها جاءت بالديمقراطية ... الخ.
4- الازمة في المنطقة وفي ايران واميركا وهما الداعمان اساسا لحكومة المالكي. هذه كلها نقاط قادت الى اضعاف موقع المالكي وحكومته.

(8 في رأيك ما الذي يمكن ان يجعل هذه اللحظة فعلا نقطة تحول على الساحة العراقية المدنية؟

هذه اللحظة يمكن ان تكون مفترق طرق لأكثر من امكانية واكثر من احتمال، ان كل الاحتمالات واردة.
اولا: يمكن تحويل هذه الاحتجاجات الى منطلق لثورة اجتماعية واسعة تغير النظام السياسي وتبني نظام سياسي اخر. ويمكن ان يتطور نموذج اجتماعي سياسي جديد يقوض المخططات التي يجري فرضها او الترويج لها في المنطقة.
ان تطوير الحركة الراهنة الى ثورة سينعش الثورة في المنطقة ولن يكون معزولا او محدود التأثير ان تطور هذه الحركة سيكتسب صبغة يسارية في حال استطاعت القوى الاشتراكية واليسارية نشر الحركة الى الجنوب والى كردستان، وهي مهمة بالغة الصعوبة حالياَ ولكنها ممكنة لان عناصرها الموضوعية قائمة، وربما يتم انجازها في هذه الجولة او في جولة لاحقة.
الاحتمال الاخر هو استمرار تعصب وتعنت الحكومة، ونجاحها في تقوية الطائفية في العراق، وبالتالي تدهور الامر الى نزاع مسلح او اضطراب واسع، ربما سيكون له شبه بما وقع في سوريا او حتى في العراق اعوام 2006 و 2007 مع عامل غياب القوات الامريكية. ان القوى الرجعية المهددة بفقدان مكانتها بفعل اتساع هذه الحركة، يمكن ان تدفع المجتمع بهذا الاتجاه، ويمكن ان تسعى قوى رجعية الى تقسيم البلاد بالكامل.
ان المناخ الدولي الرجعي السائد سيساهم كثيرا في تفاقم الامور وهو تهديد جدي لا يمكن اغفاله وعلى القوى السياسية ان تسلح الجماهير ضد هذه الميول.
الاحتمال الثالث هو استمرار تركز التظاهرات في مناطق بعينها واستمرار حشد السلطات في مناطق اخرى، وتجري تسوية الامور بين بعض القوى المشاركة في التظاهرات والسلطة وبالتالي تراجع الحركة عموما.
والحال كل هذه الاحتمالات واردة، الا ان المتحقق الان هو ان السلطة واجهت جماهيرا عريضة ترفض سياساتها علنا وترفع راية الاعتراض بجرأة وعلانية، اي تتدخل في السياسة التي تريدها السلطات حكراً على مسؤولي الحكومة وقادة الاحزاب والقوى المتحكمة مدعومين بقوات مسلحة تمنع الاحتجاج.

9 ) في الموصل البارحة سمعنا شعار "الموت اولها واخرها" ما معنى هذا الشعار؟

فيما يخص هذا الشعار او الهتاف، فهو مستمد من الخطابات والاهازيج الحماسية التي كانت تروج اثناء الحرب العراقية – الايرانية في الثمانينيات وربما يعود لاهازيج قديمة شطرها الاول يقول " شلك بالروح اتداريها .... وتكملتها هي ... الموت اولها وتاليها". وكان يجبر الجنود على ترديدها اثناء التدريب في الثكنات، وواضح انها دعوة للاستهانة بالحياة، او الاحرى ترخيص حياة الانسان البسيط المكلف بخوض حرب رجعية، مقابل الحماس بالفوز بقيم زائفة شكلية تقوي مواقع وهيمنة السلطات والقوى السائدة على الانسان.
ان استخدام هذا الهتاف هو للتعبئة باتجاه التضحية، ولكنه في الحقيقة يعكس الاستهانة بالحياة اكثر مما يعكس استعداد للبطولة والتفاني والتضحية. ان الهدف من هذه الحركة هو الحياة، هو تحسين ظروف وشروط الحياة، مستوى ارقى من الحياة، الهدف من الثورة هو الحياة، الانسان، كرامة الانسان، وليس ترخيص حياة الانسان وتحويله الى وسيلة لتحقيق اهداف سياسية لطبقات اخرى ليست ممثلة له، وهي لن تكون ممثلا له ما دامت تستهين بحياته في سبيل مصالحها.
الخلاصة ان هذا الهتاف يعكس استعدادا مستميتا للتضحية والجرأة ولكنه يحمل نبرة قتال اليائسين اكثر منه خطاب تعبوي يجعل الاهداف ارحب واكثر قابلية لشمول اوسع الجماهير. انه شعار يعكس تعرض الناس لليأس من السلطة ومن النضال بالوسائل المتمدنة، وان السلطة التي تدفع الناس للحديث بهذا الشكل، ايا كانوا ومهما بلغت رجعيتهم، هي سلطة ظالمة مستبدة. كما ان من يحرض على استخدام هذا الهتاف في هذه الاوضاع هو مغرض يسعى لبث اجواء عدائية يائسة.
ان على الثورة ان تجمع جهود كل عناصر المجتمع الرافضة والمحتجة وبكل طاقاتهم المتيسرة، سواء كانوا مستعدين للموت او كانوا ناشطين او مفكرين، نقابيين، سياسيين، فنانين، شعراء، مسرحيين، مطربين، راقصات، بائعات جسد ومتسولين ومشردين.... كل من يخفق قلبه لتغيير وضعه ومواجهة الظلم. لقد كانت بائعات الجسد هن من المستقتلات اللواتي ضحين بانفسهم في مواجهة جيش البرجوازية في فرنسا ايام الكومونة.
والحال ... يمكن ان تحمل الاحداث شعارات من هذا النوع واكثر، ان الاجواء المفتوحة تشجع على رفع صوت الجمهور وتعبيره عما يدور في داخله. اننا نتطلع لسماع الجموع تهتف للتحرر للمساواة لانهاء التمييز، لبناء نظام سياسي تفرضه الجماهير وتساهم مباشرة في رسم مصيرها السياسي والاجتماعي من خلاله.

شكرا لكم
14-1-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا