الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كن رحيماً أيّها الثلج الوسيم.

فواز قادري

2013 / 1 / 19
الادب والفن


من الشرفة أرى ثماره البيض تتدلّى من أغصان شجر الحديقة المجاورة، أرى الشارع بفستان عرسه الأبيض وأنفاس المارة الدافئة تقدّم التهاني إلى الخريف الرماديّ، على حُلّته الجديدة. لم يكن هذا الأبيض المترامي يرعب الناس الخارجين للنزهة مع كلابهم، ولم يكن النهار كئيباً، الحياة أيضاً تحرس أطفالها الفرحين، كل شيء يضحك على طريقته، كل الأشياء تتضافر لكي تكوّن هذه اللوحة الفرحة البديعة، وحدي أنا أتابع المشهد وأكتئب، أتابع حركة الكائنات البطيئة تحت نديف الثلج الحميم، ويزداد قلبي حرقة ويزداد حزني بياضاً.
لم يستطع هذا المشهد المتحرّك أن يأخذني بعيداً عن عشرات المشاهد التي تتعارك في رأسي: أطفال سوريون تحت الأنقاض، أطفال بلا تخدير تُبتر أقدامهم وأعينهم مُفتّحة وألمهم أكبر من اليقظة والصراخ، أطفال وحيدون لا يعرفون أين العائلة وأين الديار؟ أطفال تحت خيام متهالكة، أطفال بلا أطراف ولا حركة ولا ألعاب ولا أحلام ولا قبور!. أطفال العالم فرحون بثلوج الشتاء الوسيم، وأطفال سورية بلا وطن ولا فرح ولا حياة، فقط أحلامهم ترفرف كطيور بعيدة.

معجزة.
• كتبتُ إلى صديق في "دير الزور"، هناك، حيث صمود الناس والمقاتلين يشكّل معجزة، معجزة نعم؛ وأرجو أن لا تفقد هذه الكلمة معناها العميق، مثلما فقدت الكثير من الكلمات معانيها وقدرتها على التأثير، لكثرة استخدامها في وصف حالات كثيرة من صمود شعبنا في هذه الثورة، وفي وصف وتكرار كلّ أشكال هذا الموت والقتل الخرافيّين الذين سنجدهما أينما التفتنا، في كلّ مدينة وقرية وحارة، وسنجد المعجزة تمشي على قدميها بين الناس، تأكل وتشرب معهم، تنام وتصحو وتبكي، حين لا تستطيع تحمّل وجعهم! هي فقط تبقى حيّة حين يذهب الشهداء إلى الخلود. كتبتُ أسأله عن أحواله وأحوال الثوار الصامدين المدافعين عن مدينتنا، معجزة حقيقية صمود المقاتلين وصمود الناس، رغم هذا القصف الوحشيّ بالطائرات ورغم الفارق الهائل بالعدد والعتاد، رغم الُشح الشديد لوسائل الحياة، من خبز وماء وكهرباء وأدوية، والقائمة تطول، ورغم غياب أبسط مقوّمات الصمود، أليس هذا معجزة تستحق اسمها! كتبتُ له وكان قد تأخّر بالرد على رسائل سابقة:
• أينك صديقي؟ طمّني عن أحلامنا فيكم، رأسي لم يعد قادراً أن يحتمل أكثر، وهو بحاجة إلى وسادة أو حلم. دوّنْ ما تستطيع، وانت تحرس منابع الشمس هناك.
ردّ عليّ أخيراً:
"أبو الفوز وبصدق عدم الردّ مقصود يا صديقي، لا اريد ان أسبب لك المزيد من الألم، تكفيك أوجاعك! أظنّ أن الغياب حادث حادث، هو فقط مؤجّل وأريد أن يتعوّد منذ الآن على غيابنا من نحبّ! اليوم أخطأتنا طائرة "الميج" بيننا بضعة أمتار فقط، أصابت المبنى المجاور لنا تماماً، فهبطت سقوفه. من يدري ما سيحدث في غارة قادمة؟ أحنّ وأشتاق للحياة، لكن، لن أخرج من المدينة أبداً، إلى أن يتمّ ما يجب أن يتمّ، وقد يتمّ الغياب!"
الصورة التي أنقلها عن دير الزور، لن تختلف كثيراً عن صورة بقيّة المدن والأرياف المُقاومة والتي تواجه آلة الموت الهائلة لعصابة القتلة التي يتستّر ويسكت على جرائمها العالم. هكذا حينما نتألّم نحن الذين نعيش خارج البلاد، ونقلق على شعبنا وعلى أصدقائنا وأهلنا، ونتعرّض في اليوم الواحد إلى تقلّبات نفسيّة ليس لها أول ولا آخر، موجة تأخذنا وموجة تعيدنا وموجة تنسانا ولا تعرف نحن أين؟ على عكسنا، المقاتلون حددوا خيارهم ونذروا أرواحهم من أجل الحرّية التي ينشدون. هكذا تتجلى المعجزة التي علينا أن نصدّقها، معجزة أناس عاديين قرروا الصمود وحين تصمد الأرواح تتبخّر الهزيمة.
من هؤلاء أتعلّم وأشحن قصائدي بجمال أرواحهم الذي لا يهزم، لهم أغنّي ولا يهمّني سمع العالم أو لم يسمع.

أغنّي ولا يسمعني أحد
أنا رسولكِ العاشق إلى الدنيا
أنا وسادة أحلامكِ
ارفعي رأسكِ عن حجر الطريق
شريدكِ العتيق أنا
لا أبحث عن وطن بديل
يكفي أن تكوني
عطر وردتي في المهب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض