الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرائحة

الصديق بودوارة

2013 / 1 / 22
الادب والفن



صعد الجبل .. خطوة هنا وأخرى هناك .. المسافة ضيقة والقدمان لا تتباعدان .. مسارب الجبل تفرض عليك طريقةً محددة لا تقبل التجاوز .. الاستهتار بها يعنى وقوعك .. تدحرجك .. والالتزام يعنى وصولك إلى القمة .
قانون أزلي كتبه الجبل الدائم الخضرة .. خطه بمدادٍ من حجارة بلون تراب الأرض الحكيمة ..
خطوة هنا وأخرى هناك ..
ما بينهما تأمل .. نظرة إلي مكان الخطوة المقبلة .. عندما بدأ العرق يغسل جبينه عرف انه قارب على الوصول .. العرق دائماً مكافأة المكابد وبشارة الوصول .. التعب أيضاً بدأ في الحضور .. حل أولاً في باطن قدميه ثم استدعى له الألم .. كانت حجارة الجبل تشاغبه أحياناً .. تلتحم بالجلد وتتوغل حتى تطرق أبواب لحمه الحي ثم تتراجع مفسحة المجال له ليتقدم أكثر .. تجرأ التعب حتى انتقل إلى الساقين .. كان يتحرك ببطء متزايد ويغير زاوية مسيره باستمرار .. إلى اليمين بعض الشيء .. إلى اليسار .. المهم أن لا يتراجع .. كان الجبل يعيقه ويقدم له العون في نفس الوقت .. تعترضه الحجارة المزدانة بلون الطين وتمد له الشجيرات المتناثرة يداً من عونٍ يحتاجه .. يشرف على السقوط فيتمسك بشجرة بطوم راسخة ورغم مظهرها الهش إلا أنها تحتمل ثقل جسمه وتعينه على النهوض مجدداً .. يواصل المسير وعبر درب ضيق يشق طريقه .. يسرح قليلاً فيخدشه فرع يابس .. يحفر في وجهه جرحاً سطحياً عابراً لكنه يكفى ليقرع له جرس الإنذار .. للجبل مساربه المحددة .. الاستهتار بها يعنى وقوعك .. تدحرجك .. والالتزام يعنى وصولك إلى القمة .
شارف على الوصول .. اخبره بذلك المشهد اسفل قدميه .. كان الوادي يتضاءل .. يصبح اصغر كلما نظر إليه الأصوات أيضاً أخبرته .. كانت النبرات تتقاطع .. وشوشات وهمسات خفية وحفيف عابر .. لم يعيد يميز الكثير مما يسمعه .
الهواء .. هواء القمة يختلف هو الآخر .. اكثر نقاءً لكنه اكثر تكبراً .. وكأنه يأنف من مراودة الأنفاس .. يصبح عصياً على الصدور المحتاجة إليه .. يتمسك بقمته المتعالية ويترفع عن البشر .
تذكر ما قرأه عن قمة الاوليمب .. كان الآلهة يتنفسون هواءً كالذي يتنفسه الآن .. راودته الفكرة فامتلأ بفخرٍ لم يعتده .. انه الآن على القمة .. والهواء الذي يجول في صدره هذه اللحظة هو نفس الهواء الذي جال في صدر زيوس الجبار وهيرا الفاتنة .. امتلأ بالفكرة وانتعش بالخاطرة اللذيذة .. على قمة الاوليمب كانت حفلات الآلهة مترعة بالشراب ومزدانة بالشواء .. كانوا يفضلون ثيران السهول الخصبة وخراف المراعي العامرة بالشحم الوفير .. سافر بخياله بعيداً حتى داعبته رائحة لحوم الثيران المشوية وربما تلاعبت به بقية من خمر الآلهة لأنه تساءل بذهول :
ـ ثور كامل ؟ هذا يعنى مؤونة سنة قمرية لعائلة فقيرٍ مثلى .. أقصد الهٍ مثلى .
أعجبته الفكرة .. فملأت ضحكته المميزة فضاء السكون من حوله فيما كان يمتطى ثوراً مجنحاً لم يذبح بعد ويطير به من أعلى القمة الجليلة ساقطاً بذلك من شاهق الجبل ورائحة الشواء تداعبه وبقية من خمر الآلهة تتلاعب به كما اعتادت دائماً .

البيضاء 1. 8. 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما