الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جميعنا ملحدين... جميعنا مؤمنين

بسام البغدادي

2013 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحد الأسئلة المتكررة التي أجدها في بريدي الالكتروني وفيها يحاول السائل أن يعرف ماهو الإلحاد؟ لمن لايؤمن بوجود الله يبدو هذا السؤآل من اللامنطقية والغرابة لدرجة أن البعض يقوم بإهماله وعدم الرد عليه, لكنني, سأقوم هنا بالرد عليه لأنني مدرك بأن طارح السؤآل على الغالب لم يقابل في حياتهُ كلها ملحداً واحداً ليسألهُ هذا السؤآل, واليوم ومع تحول العالم الى قرية الكترونية صغيرة وبتوفر وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة أصبح من الممكن طرح مثل هذه الأسئلة التي طالما كانت ممنوعة أو مُحرمة. لهذا كان من الضروري إعطاء جواب شافي لمثل هذا السؤآل الأساسي.

ماهو الإلحاد إذن؟ الإلحاد هو الصفة التي يطلقها المؤمن بدين معين على كل الخارجين عن هذا الدين أو الاديان الرائجة في زمانهِ. على سبيل المثال لا الحصر فأن أي مسلم يصبح مسيحياً أو يهودياً يصبح مرتداً وكافراً بنظر المسلمين, أما من يخرج عن الدين ولايختار الدخول في أي دين آخر يتم اعتباره ملحداً. هذا لايعني بالضرورة بأن الملحد مفكر أو فيلسوف أو بأنهُ وجد النظرية الشاملة التي تفسر كل شئ بالعالم وبأنهُ يمتلك إجابة لكل سؤآل لذلك ترك الدين. بل يكفي أنهُ لايجد مايشبع طموحه العقلي والإنساني في الدين الذي ولد عليه أو أي دين آخر غيره فقرر الحياة بعيداً عن الاديان. كذلك لايعني أن تكون ملحداً أنك إنسان على خلق رفيع أو وضيع, كما لايعني أنك عندما كنت مؤمناً أنك كنت صادقاً أو كاذباً. الإيمان أو عدم الإيمان بالله لاعلاقة مباشرة له بنسبة ذكاء الإنسان أو مستوى أخلاقه أو مستواه العلمي أو الاقتصادي, هذه كلها خيارات تؤثر بها البيئة والمجتمع ومستوى الفرص المتاحة للفرد في هذا المجتمع أو ذاك.

من الناحية الأخرى, فإن الإيمان بالشئ هو الاقتناع التام بهِ والاعتقاد بحقيقته, وهذا في الواقع مايخالف كلياً واقعنا الذي نعيشهُ اليوم. الغالبية العظمى منا نشأ في بيت متدين أو على الاقل ينتمي لأحد الاديان الابراهيمية. منذ نعومة أظافرنا

والاختيارات الروحية التي من المفترض أن يتخذها كل إنسان باستقلالية تامة قد تم اتخاذها عنا دون أي إرادة منا. فالطفل الذي يلد في عائلة مسلمة تتم أسلمتهُ تدريجياً دون أي أختيار منهُ والطفل الذي يلد في عائلة يهودية يتم تهويده كذلك دون أي أختيار منه, فهل هذا هو الإيمان الحقيقي؟ للأسف فأن حرية الاختيار في موضوع الدين بالذت ليست موضوعاً مطروحاً للنقاش في الشرق الأوسط. وحتى بعض الدول التي تحتوي دستاتيرها على نص قانوني يحمي حرية العقيدة يتم ترجمة هذا النص على أنهُ حرية الاهل في توريث معتقداتهم وعاداتهم لأبنائهم وليس حق الأبناء في اختيار معتقداتهم وآرائهم الوجودية بعيداً عن معتقدات الأهل أو المجتمع. لذلك, يبدو في هذه المجتمعات عدم الاعتقاد بالاديان الابراهيمية أو عدم الاعتقاد بالوجود الالهي هو موقف متطرف وشاذ عن كل مايعرفهُ أو مايقبلهُ المجتمع. بل يتم وصم اللادينين والملحدين على الغالب بالجنون والامراض النفسية والعقد الجنسية, ليس لأن هناك دراسات تشير الى أن المجانين أو المصابين بأمراض جنسية لايؤمنون بالله, بل مايمكن رصدهُ أحصائياً بأن مالايقل عن 60% من الملحدين هم في الحقيقة من حملة الشهادات. ولأن العنف الديني قد يتخذ أشكال متعددة ضد كل المختلفين معهُ فأنهُ من الضروري على الملحد في مجتمع متدين أن يمتلك نسبة من الجرأة والصلابة النفسية كي يصمد في وجه التيار الديني الذي لايقبل ولايتسامح في وجه كل من يتخلف عنهُ.

هل الإلحاد دين؟ سؤآل آخر من بين الاسئلة المتكررة التي تردني. الجواب ببساطة هو بالنفي. لأن الخروج عن الاديان لايمكن بأي شكل من الاشكال أن يكون ديناً تماماً كما أن الاقلاع عن التدخين لايمكن أعتباره شكل من أشكال التدخين. كذلك فأن كل مايربط عدم المدخنين ببعضهم البعض هو عدم التدخين فقط ولايعني هذا بأنهم يشتركون بكل الصفات الاخرى أو يمتلكون آراء محددة حول مواضيع علمية أو أدبية أو أخلاقية. نفس الشيء ينطبق على كل الذين تركوا الاديان وأختاروا الحياة بهدوء بعيداً عن الصراعات الدينية, فهم يعيشون خارج تلك الاديان لانهم يرفضون الفكر الديني وأحكامه ونصوصه, وليس لأنهم ينتمون لمنظومة دينية سرية أخرى أسمها الرافضين للاحكام الدينية. تخيل فقط عدد الاشياء التي لاتنتمي اليها, فأنت لاتمارس رياضة التزلج على الجليد, ولا قيادة المركبات الفضائية ولا

مراقبة النجوم, لكن هذا لايجعل عدم تزلجك رياضة في حد ذاتها ولا عدم قيادتك للمركبات الفضائية مهنة في حد ذاتها, وبالتأكيد فأن عدم مراقبتك للنجوم لايجعلك راصد للنجوم من النوع الآخر. بل كل هذا يعني فقط أن لاتمارس هذه الاشياء, تماماً كما أنني والملايين غيري لا نمارس التدين أو الإيمان بالآلهة.

بسام البغدادي
تويتر: @Al_Baghdady








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على المقال
على سالم ( 2013 / 1 / 25 - 15:25 )
لك الشكر سيدى الكاتب للخوض فى هذا الموضوع الشائك ,بالطبع العالم اصبح قريه كونيه مما ييسر الاتصالات وتبادل المعلومات ,فى تقديرى ان هذا الموضوع سيهتم به الكثير والكثير وذلك لكونه يدخل فى دائره المحظور والمحرم ,نعم سيفكر الملايين فى هذا التابو وسوف تسلط عليه الاضواء والمذيد من الاسئله ,لذلك فاننا نرى رجال الدين اصابهم مس من الجنون لان هذا تهديد للبزنس وجلب الاموال والنصب على السذج


2 - الإلحاد دين
نعيم إيليا ( 2013 / 1 / 25 - 20:47 )
الإلحاد نقيض الدين
الفكر دين
الإلحاد فكر
إذاً، الإلحاد دين
ألا يمكننا سيدي الكاتب، أن نستخدم هذا القياس للبرهان على أن الإلحاد دين نقيض لغيره من الأديان؟
أين المشكلة في أن يكون الإلحاد معتقداً أو ديناً كغيره من الأديان؟
فلسفة إبيكور مثلاً، كانت في حقيقتها ديناً. وكان إبيكور يحتل في نفوس تلاميذه مكانة تكاد تضاهي مكانة المسيح في قلوب أتباعه، فهل من مشكلة؟
مقارنة الإقلاع عن الدين بالإقلاع عن التدخين غير جائزة؛ لأن الدين فكر، والتدخين نشاط مادي
مع تحياتي وتقديري

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س