الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميونيخ بيضاء بلا قطرة دم واحد.

فواز قادري

2013 / 2 / 9
الادب والفن


ميونيخ بيضاء، بيض أشجارها، الطرقات، سعال الشيوخ في الشارع، السيارات الواقفة التي تنتظر شمس اليوم التالي، سيقان النساء اللامعة. من أيّام أفتقد أصوات عصافيرها التي كانت تذكّرني بالصباح (في ميونيخ تنوب العصافير عن الديكة!) تبدأ جوقة العصافير بزقزقتها قبل أن تتّضح تماماً، خطوة الفجر الشقراء، أكمل القصيدة المجروحة التي تفرفح بين يدي أو أدعها تتقلّب في دمها الساخن إلى الظهير! أحمل رأسي المثقل والمليء بأحلام تكفي الكون، أستند على ماتبقى من يقظتي وأذهب إلى كوابيس عدوّة تسكن تحت مخدّة نومي، بلادي تشاركني أحلامي وميونيخ بيضاء.. بيضاء، بلا قطرة دم واحدة.

في ميونيخ، حيث روحي عزلاء منذ أكثر من طوفان للحنين، والأرض التي أنتظر عليها تتآكل، حتى بتُّ أقف على إصبع واحد في صف الغرباء الطويل، وكان نوح يقطع أشجارالفرات التي جاءت معي ولا يريد أن ينتهي من بناء السفينة. في الثورة اختلفت موازيني، اتسعت أرضي وأعاد أصدقاء جدد وقدامى (سعاد، محمد، ميديا، هيفين، محمد، صلاح، عمر، وليد، خلدون، غسان، رغداء، سوسن، أنس وأنس، أبو وليد وأم وليد، شيار، وآخرون صبايا وشباب وأطفال، وصديقات وأصدقاء غير سوريين: كوثر، غادة، فاطمة، ميشائيل، أندريا، هلمفريد، أنجليكا، إبراهيم، فؤاد، كمال، سالم، سوزانا وآخرون.) زراعة ما انقطع من شجر الفرات، وحوّطوها بزهور سوريّة متعدّدة وجميلة الألون!

في ميونيخ، ولدت قصيدتي الجديدة، خلعت رداء غربتها عن الناس، تعرّت أمامهم كما يليق بالجرح وكما يتطلّب الأمل الذي كان يتراقص في العيون. قصيدة نثر تُقرأُ على جموع تهتف طوال الوقت لحرّيّة سيدتنا الجميلة سورية، عرب، كرد وآخرون، تتلاقح أصوات هتافاتهم، وقصيدة النثر تبارك الهواء الذي زاوج معنى الحرية الذي يتوالد من حناجر الجميع.
ما أن كبر الجرح وكثرت المجازر، وبعد أن أطلق النظام مارد الطائفيّة من قمقمه، حتى تهاوت طيور من كانت أجنحة حلمه ضعيفة، وإيمانه قليل بسورية واحدة متعدّدة وغنيّة. غاب العقل لقلّة المعرفة ولكثرة الألم، فقد الكلام بهجته الجامعة، أُغلقتُ فمي وعدتُ إلى أرض وحدتي التي كنتُ أقف عليها، وجدتها قد اتسعت لأقدام كثيرة، ولأناس ينتظرون مثلي، وكان نوح يشتغل وقتأً إضافياً في بناء السفينة!

في ميونيخ، كنتُ أهذي بسوريّة طوال الوقت، ما أن يسألني أحد من الجيران أو المعارف الألمان: كيفك؟ في الشارع أو في المصعد، في المترو أو في السوبر ماركت، صبي، صبيّة، امرأة، رجل، ما أن تتاح فرصة للكلام مع أحدهم، لا أتركه دون أن أنثر القليل من دم السوريين على روحه، وحين ألتقي مرّة أخرى مع بعضهم، كان يبادرني: أنا أسمع أخبار سورية، وأعرف ماذا يفعل الدكتاتور بالشعب السوري، ويردف كيف يسكت عليه العالم؟ يهزّ رأسه تعبيراً عن احساسه بمعاناتنا. تقريباً يكاد أن يكون كلامهم متشابهاً، وأنا أشبه رجلاً ثرثاراً لا يملّ من الكلام عنكِ يا سورية.
في ميونيخ، الليل أبيض، حزني أبيض، الزهور التي تنتظر تحت شرفتي، أحلامي وكلامي ولغتي، قصائدي التي تشي بكِ للكون: دمكِ يا سيّدة قلبي، بحيرة جميع الألوان.

على جناحكِ خذيني

خذيني على جناحكِ يا ريح خذيني
قشّة أنا وأحمالي خفيفة
ذكرياتي تتناثر كالريش
حقائبي قصائد منثورة ولا وزن لها
أصحابي الجميلون ينتظرون هناك
أحمل أحلامي القديمة معي
دعي شيبي على حاله
دعي رائحة العرق على الثياب
دعي الغضون على وجهي كما هي
عروقي نافرة كالصرخة
وذقني مهملة كلحى النسّاك.

خذيني أعرف أني لن أحتمل
كل هذا الفرح المتدفّق كالسيول
قدم ستعثر بالأخرى
يدي سترتجف من حرارة السلام
فمي لا يتعب من بوس الأحبة
وذراعاي من كثرة العناق
لساني يأكل نصف الكلام
في كلّ امرأة سأجد شيئاً من أمّي
قبل على العينين والجبين
سيغفر الأطفال لي كبري
وسيأخذون قلبي إلى ألعابهم
عند كلّ باب سأستريح كالعجائز
وتشفيني رشفة واحدة
من مياه الفرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا