الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنويعة بوهيمية

أحمد فرحات

2013 / 2 / 12
الادب والفن


إلى فريدي ميركري

لقد ولد ومعه الضحكة ، ومعه أيضا حس بأن العالم مجنون ، كذلك قال ساباتيني ، ثم انطلقنا في الطرقات كفئران ملونة بالأحمر والأخضر والأسود ، حس الفوضى لدى الفئران صريح ، لدينا القدرة على المرح ، وعلى الهروب في أي جحر ، تحت ليلنا أو ننام بالنهار ، نعم ، نحن نتلون كل يوم ، نختفي ، تحت الأحمر و تحت المكياج ، في ألوان اللوحة ، أو في بقع الثياب التي لا تنظف ، ستبصر النشاز في كل مكان ، و ستتقزز ، لكنني أعرف أن نشاز العالم منسجم ، حتى في استدارة ردف الحسناء التي تقود أمها العجوز بقلق ، نعم ، ثم سألنا ، هل نحن في الحياة حقا ؟ ، أم أنها مجرد فانتازيا الأصدقاء والصخب والأضواء والألوان ؟ ، وجدنا أنفسنا محبوسين هنا ، لا هروب من وقائع الليل والنهار ، اقترب ، اقترب بشدة من الواقفة أمام الفاترينا حتى تحس أنفاسها ، وتجاعيد وجهها المخبأة تحت البودرة وقل لها – ستفاجأ – " افتحي عينيك ، ارفعي وجهك إلى السماء ، وانظري " ، ها سيبدأ العرض .

بصوت متموج تحت الليل والضوء المسلط على الوجه ( أنا مجرد ولد فقير ، لا أحتاج إلى تعاطف ، أتيت في فجاءة مسرعة ، وسأخطف في فجاءة مسرعة ، قليلا في السماء ، وقليلا في التراب ، يا رفاق هل تشعرون بالانسجام ، بتموجي مع الليل ، في أي اتجاه ستهب الرياح ؟ ، هل هذا يهمني ، لا يهمني شيء ) .

كانت أمي جالسة تشرب الشاي بلبن وتسمع عبد الحليم بجوار النافذة ، سمعت تهشم الزجاج ، أنا فأر البيت الصغير ، أنا الذي يداعب صديقات أخي ويمعن النظر في عيونهن حتى يخجلن ، انطلقت تلاحقني بشبشبها الرخيص ، وأنا أضحك ، كانت تصرخ ، وكان إخوتي يتابعون العرض بضحك ، أنفلت من هوي الضربة ، وأندس بين مقاعد الطاولة ، ثم العبور من فوق الطاولة ، كنت قد قذفت بحجر زجاج النافذة ، أريدها تلاحقني ، لا أحبها حزينة مع عبد الحليم حاملة همي وأنا في السابعة وهي تعرف السرطان جيدا ، انتصرت ، تحركت ، لهثت ورائي ، ثم ذهبت إليها أراضيها ، " يا أحمد الزجاج مكلف " ، " يا أمي اضحكي ، بالله ألم يمتعك صوته " ، قلت لها " اضربيني " ، قبلتني وضحكت ، فأطفأت الأنوار ، ودخل إخوتي بتورتة عيد ميلادها تنتصفها شمعة ، نعم ، هذه الشمعة سوف تنطفيء .

تحت الضوء أرتدي الأبيض في الأبيض ، ملون الوجه واليدين بالأبيض أجثو على ربكتي ( أماه ها أنا ذا ، ولدك قَتَل ، وضعت المسدس قبالة جبهته ، سحبت الزناد ، الآن هو ميت ، أماه هل تعرفينه ، تعرفين ضحكته ، تعرفين قسوته على ابنة جارتك ، تعرفين دلاله وهو يستيقظ ناعسا ، هل تعرفينه ، رائحة ثديك كانت لا تزال في وجهه ، نظرة عينيك قبل أن ينام كانت لا تزال تقفز في عينيه ، لقد مات يا أماه ، طفلك ) ، صوتي الناعم الصغير ( أماه لقد بدأت الحياة لتوها ، لكنها ذهبت في اللحظة يا أماه ، هل أخذت وقتي كله ) ، صوتي الأجش الغليظ ( أماه ، هل يمكنك أن تفهميني ، هل البراءة هي الفارق بين رجل وصبي ، أماه لست بخاطيء ) ، أمي الآن تبكي علينا ، أنا وهو ، في صوت واحد يفرقه العمر ( أماه لم أقصد أن أبكيك ، كلا ، لم أقصد ، لا تبك يا أماه ، لو لم أعد اليوم ، فسأعود غدا ، لو لم أعد غدا ، فاستمري يا أماه ، استمري ، كأن شيئا لم يكن ) ، في ردائي الأحمر في دائرة ضوء وسط الظلام ( يبدو أن الوقت قد حان ، لقد تأخرت عليكِ كثيرا ، أماه كلانا مريض ، كلانا هالك ، أماه أشعر بالقشعريرة تسري في ظهري ، أماه جسدي يأكلني ، وداعا ، وداعا يا رفاق ، أرى وجوهكم تضحك وتسعل وتحمر رغم الظلام ، أعرف أنكم تنظرون ، ربما لم تنظروا لي جيدا ، سأترككم جميعا بالأسفل ، وأواجه الحقيقة وحدي ، أماه ، لا ، لا يذهب وجهك من أمامي ، لا أريد أن أموت الآن ، أحيانا كنت أتمنى لو لم أولد من البدء ) ، أماه هل نبض قلبك بالخوف ؟ ، لا تخافي ، أنا هنا ، انظري ، كنت أؤدي الدور ، ما أؤديه هو " أنا " ، ألعبه بإتقان ، أمي لم تكن تعرف أني سأهرب من البيت لأسافر باريس ، اتخذ القرار فجأة ، لم أرد أن أواجهها ، فشعرها كان يتساقط ، وأسنانها كذلك ، أمي أنا أرقص تحت المطر ، وأسير على بلاط الشوارع الفرنسية الأسود القديم ، الأضواء هنا لامعة ، وولدك الماهرلا يفتضح تحتها ، أدخل الحواري القديمة ، أصافح العاهرات اللائي يعرفنني جيدا ، أقبل " ماري " في شفتيها ، وأترك أحمرهما ولا أمسحه ، أغني مع الرفاق ، وصوتنا يدوي بين الجدران الصخرية ، وأنا أشعر برعشة الموت في نسمة الهواء البارد ، الموت يأتي في هذه اللحظات ، فهي تأتي بسهولة وسرعة ، وتذهب بسهولة وسرعة ، مثلنا تماما ، وأكتب ليلا القصص وأحكي لك فيها تشردي ، وانسجامي وخوفي من شجنك مع عبد الحليم وأنت وحدك ، وأنا أيضا وحدي ، ربما تبكين .

أرى الفتي الصغير يكبر ، ويرقص التانجو ، وفتاة المقهى تخشى أن تقترب منه أكثر فيحررها ، فأرسلت له نادلا آخر ( أرى هذا الولد النحيل في الزاوية ، يا أنت ، يقترب بملابس نومه وخديه الأحمرين ، يقفز كالوسواس ، وأقفز كالوسواس ، أهمس له في الظلام " هيا من هنا " ، ويضيء المكان كله ، الأصدقاء كلهم يطوقوننا ، الرسام والمغني ، والشاعر ، والممثل ، والمخرج ، والمصمم ، و الموسيقار ، والنحات ، ورافع الستار وخافضه ، يقولون في نفس واحد " لا ذهاب من هنا " ، يدي في يده ، " هيا من هنا " ، الأنظار " لا ذهاب من هنا " ، أقول " أثبت لكم ما أردت ، الكاتب يرقص ، ويغني ، ويلحن ، ويمثل ، يا " أنا " " هيا من هنا " ، "نعم دعوه يذهب " ، " لا لن يذهب " ، يختفي الولد الذي كنته ، ويظلم المكان كله ، ويسقط الضوء على ثيابي الحمراء ، تقدمي يا ماري ، سنرقص الفالس الأخير ، همست لي في أذني بنَفَس حريري " بوهيميون حتى الموت " ، تحدرت دمعتي وهمست " بوهيميون حتى الموت " ، سُلها ، ومرضي الخطير جعلني بلون الجليد ، بكامل زينتها ، في زيها الأحمر ، تأخذ الخطوة ، وتترنح خطوة ، وتتهاوى ، ماري لا يمكنك أن تتركيني الآن ، همست لي " مت بروحك ، كما أنت ، لا تضغي لهم ، مت فنانا ، مت وحشيا حرا كما أنت ، لا يوقفك الانتظار ، لا تبال كثيرا بهم وهم يتحدثون ، مت كما أنت " ، قبلت شفتيها ، وتركت أحمرهما ولم أمسحه ، وأظلم المكان ) . ماتت ماري داخل النص وخارجه ، في أي وجهة ستهب الرياح اليوم ، لا يهمني شيء . أماه هل لا زلت قيد الحياة ، لا يمكن أن أحطم الزجاج من جديد ، لا يمكن أن تستمعي لعبد الحليم من جديد ، بعد الكلام الكثير ، والغناء ، والرقص ، والألوان ، و الورق ، والجنس و المرض اللعين ، هل يمكن أن تعرفي ولدك الصغير ؟ ، أماه هل تسمعين صوتي ، لماذا لا تجيبين ؟

في الصباح كنت مرتديا بنطالا أسود ، وقميصا أصفر ، أدخن سيجارتي ، وأسير أمام الفتارين في باريس ، وقفت بجانبها وهي تحمل ثلاثة أكياس ضخمة ، سألتها مفاجئا " هل تشعرين بالشجن ؟ " ، ابتسمت لي وقالت " لمَ " ونظرت لي بارتياب ومضت ، نعم يا صديقي ، نعم يا ماري ، خارج النص ، سنفقد جميعا المعنى ، ولكن استمر يا صغيري ، استمر ، لا يهمنا شيء………








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير